Next Page  302 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 302 / 362 Previous Page
Page Background

302

2016 )9(

العدد

*

عبد الستار بن محمّد الجامعي

تمهيد

) السّخرية والضّحك،

Enigme

كثيراً ما تُثير فينا كلمة لُغْز (

وكثيراً ما يُشار إلى أمر ما عندما يتعنّت على صاحبه فهمه،

ويعتاص عليه هذا الفهم باللّغز، كأنّ في حُكمه، إذن، لا إجابة

له، ومن ثمّة فهو ينفُر منه، ويغضّ عنه الطّرْف، ويوليّه الدّبُر.

وهذ تلقّ للّغز سلبيّ بالتأكيد، وينتقصُ من قيمته، لأنّه لا يرى

فيه إلا الجانب اللّغوي، فيستبعد بالتّالي مضامينه وأهدافه. والحقّ

أنّ اللّغزَ ماثِلٌ في كُلّ جانب من جوانب حياتنا، إنّنا في الغالب ما

نتكلّم بالألْغاز، مُدركين ذلك أم غير مُدركين. إنّنا نعيش ألغازاً،

ونجترّها اجتراراً وتجترّنا.

نسعى في هذا الطّرح إلى دراسة عيّنة من الألغاز الأدبية دراسة

بنيوية خطابية هادفة، تروم تجاوز النظرة الضيّقة والمبسّطة التي

انسبت إليها من بعض الدّراسات. ذلك أنّ هذه الدّراسات -

- لم تكن ترى في الألغاز إلا مجرّد وسيلة للتّسلية

1

ما خلا بعضها

باحث من تونس.

*

- ُكن أن نُشير هنا إلى أنّ الباحث «جميل بن علي» قد سلّط الضوء على بنية

1

هذه الألغاز الأدبية ووظائفها. انظر كتاب «الأجناس الوجيزة في الأدب العربي

.2013 ،

القديم»، مشروع قراءة، كليّة الآداب والعلوم الإنسانية، سوسة، تونس

وانظر المقال الذي نشره عبد الوهّاب المفتي بعنوان: «صناعة اللغز المنظوم

في الأدب العربي القديم، قراءة جديدة» في مجلّة جامعة أمّ القرى لعلوم اللغة

. وهو مقال

156 - 107

، ص ص

2013

، نوفمبر

11

وآدابها، السعودية، عدد

مهمّ حاول فيه الباحث تعريف اللّغز بداية وتصنيف عيّنة من هذه الألغاز إلى

وصفية، اسمية ومركّبة. وبالرغم من أنّ صاحب الدّراسة قد حاول تجاوز البنية

الخارجية للألغاز من خلال دراستها دراسة لسانية، إلا أنّ هذه المحاولة، على

أهميّتها، ما تزال في حاجة لمزيد من التدقيق، فهي لم تكشف، في اعتقادنا، عن

البنية القصصية المكوّنة للّغز وكذلك الأطراف المنتجة له، أيْ مرسل للّغز ومُتقبّله.

ودلالاتها

قراءةٌ في بنية الألغاز الأدبيّة

. إنّنا نؤمن بأنّ هذه الألغاز، وإنْ كانتفي ظاهرها

2

وتزجية الفراغ

ألفاظاً بسيطة، هيفيحقيقتها، وكماسيُبيّنه التحليلُ لاحقاً، تتشكّل

من بنية داخليّة ُتزلة، ولكن مُركّبة ومُعقّدة إلى أبعد حدّ، تكشف

في حقيقتها عن جنس سرديّ أصيلٍ له خصائصه الأسلوبيّة وله

دلالاته، هو جنس «الألغاز». نُريد بكونه أصيلاً أنّه تتَوفّرُ فيه

خاصيّتان أساسيّتان اثنتان على الأقلّ، هما: الإيغالُ في القِدم من

ناحية، والاستمرارُ في الحياة من ناحية ثانية. وهذه الألغاز كثيراً ما

تُثير فينا تساؤلات وتدفعنا إلى الرّغبة في التدبّر والتفكير، وحَشْدِ

كُلّ أسلحتنا الذهنية من أجلّ فكّ لُغْز قد يبلغُ أحياناً من اللّبس

والتناقض والغرابة حدّاً غير مفهوم. فما الذي يُمكن أنْ يفهمه

المُتلقّي من قوله على سبيل المثال: «ما هو ال ّءُ الذي كلّما زاد

نَقص؟ أو ما هو الشيءُ الذي يتنفّس وليس لَهُ رُوحٌ ولا جسمٌ؟»،

وأنّى له أنْ يفهم لُغْزَ: «أيجوزُ الوضوءُ ممّا يقذفهُ الثّعْبانُ؟»

نحاولُ الإجابة عن هذه الألغاز وأخرى انتخبناها في هذه

القراءة الأجناسية المُبسّطة، ُاولين بذلك التعريف بهذه الألغاز

بداية، ثمّ الكشف عن بنيتها الأسلوبيّة الخبيئة، ودلالاتها التي

تجعل منها جنساً سرديّاً مخصوصاً ينماز عن غيره من الأجناس

الأدبيّة السديّة، إذْ الأسلوبُ في هذه الحالة «هو آلية من آليات

، دون أن نتقيّد في ذلك بمرجع مع ّ،

3

تحديد الجنس الأدبيّ»

لإيماننا بأنّ هذه الألغاز والحِكَم والأمثال، أو ما يَصْطلح عليه

  - لا يعدم ذلك وجود العديد من الكتب التي تحدّثت عن الألغاز وتعاملت

2

معها، وإن كان هذا التعامل، في الغالب، تعاملاً خارجيّاً لا يتعدّ مجرّد الإحصاء

والتبويب لهذه الألغاز، نذكر من هذه الكتب على سبيل الذكر لا الحصر: كتاب

،2

«الأحاجي والألغاز الأدبية» لعبد الحميد كمال، نادي الطائف الأدبي، ط

.2003 ،

السعودية

  - محمد الهادي الطرابلسي، بحوث في النص الأدبي، الدّار العربية للكتاب،

3

.207

، ص

1988

أدب وفنون: نقد