304
2016 )9(
العدد
، ذلك أنّ المتكلّم قد
9
هو سابق للفعل الكلامي الذي ينتجه
يستعمل هذا الأسلوب أداة لبناء لغزه، وإعادة ترتيبه وتنظيمه
وتفنّنه في صياغته، ليراعي الدقّة في بنائه، فيقدّم فيه ويؤخّر، حتى
يظهر للمتلقّي مُتناسقاً غير مُتنافر، وينتقي ما شاء له من ألفاظ
التي تخدم لغزه، وقد يعمد المتكلّم، في سَوْقِه اللّغز، إلى حشده
بالمتناقضات بهدف إفحام «خصمه» وتعجيزه، قبل أن يُرسله إلى
هذا المتقبّل لفهمه وتحليله، وبالتالي الإجابة عنه. فالسد يُشكّل
بالتالي دعامة أساسية يقوم عليها «الخطاب الألْغازي»، وبدونه لا
يُمكن أن نتعرّف على مكوّنات هذا اللّغز، وإذن لا يُمكننا فهمه.
وقد يقوم السد، علاوة على ذلك، بوظائف رئيسة في خطاب
الألغاز، لعلّ أهمّها وظيفة التعريف بأحد الشخصيات الأساسيّة
في الثنائية التي يقوم عليها اللّغز وهي ثنائية «مُرسل ـ مُتقبّل».
وبالتالي يكتسي مُرسل اللّغز صفات السّارد البطل، ذلك أنّ
هذه الوظيفة المنوطة بعهدته، والتي يمنحها له «المقامُ التواصليّ»
تجعل منه في مقام «السّارد البطل»، مالك المعرفة المُطلقة في هذا
الخطاب، والمالك «الح َْي» للإجابة عن اللّغز، ولعلّ هذا ما
يمنحه أفضلية وأسبقيّة «مؤقّتة» تجعلانه على رأس هذه العلاقة
الهرمية التي تجمع بين «مُرسل اللّغز ومُتقبّله». وهي هرميّة تتجّ
كأبرز ما يكون في أسلوب «الحوار» الذي يظهر في الألْغاز.
. الحوار
2
.
2
إنّ المقام الذيتُنتجفيه الألغازهو مقامحواريبامتياز. وبالرغم
ممّا يُوحيه اللّغز، في بنيته الخارجية على الأقلّ من كونه بنية خطيّة
مُسترسلة، إلا أنّ هذا الحوارضروري لبناء اللّغز، ويتجّ ظهوره
أكثر ما يتجّ في الأجناس الأدبية الأخرى، وهو حوار مُباشر
قائم على ثنائية (سؤال - جواب) بْ طرفينهما: المُرسل والمتقبّل،
أو الرّاوي والمرويّ له. وبما أنّ «الخطاب» عبارة عن نصّ أو رسالة
موجّهة من مُرسلٍ إلى مُتلقّ، فإنّ المقام الذي تُنتج فيه الألغاز هو
«خطاب ألغازي» بامتياز. وفي هذا الخطاب يطرح المُرسل، بداية
وبالكلام الذي يُمثّل أداة تواصل أو وسيط في هذا المقام سؤالَه،
)، ضمن
NARRATOLOGIE(
- كريستيان أنجلي وجان إيرمان، ال ّديات
9
المؤلّف الجماعي «نظرية السرد»، من وجهة النظر إلى التبئير، جيرار جينات
،1
وآخرون، ترجمة ناجي مصطفى، منشورات الحوار الأكاديمي والجامعي، ط
.98 ،
المغرب، (د. ت) ص
نعني لُغزًه، فيُجيبه المُتقبّل. وليس ينبغي أنْ تكون الشخصياتفي
«الخطاب الألغازي»، أي الرّاوي والمرويّ له، شخصياتٍ حقيقيّة
ذات أسماء متعيّنة معلومة، إنّما قد تكون افتراضية وهميّة، أو مجرّد
ضمائر، وذلك عكس اللّغز المصوغ والمرويّ ذاته، أو الشيفرة التي
يستعملها المُرسل، أو الرّسالة كأداة للتوصيل، الذي يتشكّل،
في الغالب، من لغة واقعيّة أو توهم بالواقعيّة. ومن هنا يكتسي
اللّغز قيمة مُضاعفة تجعله ذا قيمة أساسيّة في هذه العلاقة الثلاثيّة
التي يشترك فيها كلّ من: «المُرسل ـ اللّغز- المُتقبّل». ولعلّ هذا
الارتباط الثُلاثي الإلزامي هو وحده الضّامن لقيام اللّغز، وهو
شرطتحقّقه. وممّا يُؤكّد قيام اللّغز على الحوار المُباشر، إشاراتٌ دالّةٌ
على ذلك من قبيل استخدام «المُرسل» أداة الاستفهام في صياغته
للّغز ُاطباً بها المُتحدّي، وفاتحاً بها مقام التخاطب الألغازي في
إطار ما يُمكن أن نصطلح عليه بـ«دائرة الاختبار أو الامتحان»،
وهي دائرة غالباً ما تتجسّد في فضاءات مُعيّنة كالمجالس وأماكن
السّمر ومضافات القرى، وغيرها من وسائل الترفيه.
أمّا في لُغز «أ ََوزُ الوضوءُ ممّا يقذفه الثّعْبَانُ»، فإنّ «مُرسل
اللّغز» يستعمل حرف الاستفهام (أ)، متبوعاً بفعل (يجوز) الوارد
فيصيغة الحاضر. ولعلّ أسلوب الاستفهام هو الصيغة الأساسيّة
التي ينبني عليها اللّغز عامّة، فهو غالباً ما يبدأ به، ليتحقّق من أمر
ما ( وفي هذه الحالة: جواز الوضوء ممّا يقذفه الثّعبان). فالراوي،
مُرسلُ اللغز، إذن، يروم - مبدئيّاً- الاستعلام وتحقيق الإفادة من
المتقبّل. وفي هذه المرحلة قد يستوي المُرسِلُ مع المُتقبّل في جَهْله
بالإجابة عن اللّغز. إنّ ثنائيّة السؤال والجواب، هي التي تأسّست
عليها بنية الألغاز الأدبيّة عموماً. وفي السّؤالحيرةٌ ورغبةٌ في الفهم
والتوضيح، لذلك يُروى عن النبيّ أنّه قال «العِلْمُ خزانة مفتاحها
السّؤال، وقال أنس: السّؤالُ يُثمر العِلْم، وقيل: سَلْ سُؤال
، بيْد أنّ هذا الاستفهام الذي يطرحه
10
الحمْقى واحْفَظْ الأكياس»
المُرسلُ، وإنْ كان في ظاهره يُوحي بالرّغبة في الفهم والاستفهام
عن مضمون الجُملة المُثبتة، هو في حقيقة الأمر يتجاوز ذلك. فهو
لا يهدف للاستعلام، ذلك أنّ المُرسل يعرف مُسبقاً الإجابة عنه،
لأنّه كما ألمعنا إليه بداية، هو وحده مالك الإجابة الحصرية عنه. إنّ
الإجابة سابقة للّغز في هذا النوع من الخطابات الألغازيّة، بالنسبة
- فرحات الدّريسي، منزلة مجالس العلم ووظائفها في إنتاج المعرفة في البيئة
10
.2001،
الثقافية العربية الإسلامية، دار أديكوب للنشر
أدب وفنون: نقد
عبد الستار بن محمّد الجامعي




