مجلة يتفكرون - العدد التاسع

326 / 362

326
2016 )9( العدد
حسن إغلان
وهذا وحده يفيد عدم اشتغالنا بما هو قديم تقنياً، ولكن في المقابل
ثمّة موضوعات في التصوير تترابط فيما بينها فلا يعني هذا أنّ
الصورة الفوتوغرافية أقبرت اللوحات الطبيعية، ولا أنّ الصور
» الرسام. وليست Portrait الفوتوغرافية أحرقتودفنتصور «
السينما الكبيرة قد ضاقت محدوديتها أو تمّ وضعها في المتاحففي
حين صعدت تقنيات أخرى سلم الاهتمام الجماهيري الكبير،
وكأنّ ترسيمة طبقية للمجتمع تفيد إلى - حد قريب - سلم
الصور في الفضاءات العامة، فالذي يهتم باللوحات التشكيلية
هي فئة محسوبة (نخبة النخب) سواء على المستوى الاجتماعي
أو الاقتصادي أو الثقافي، والسينما أضحت من اهتمام الطبقة
المتوسطة من المجتمع، بينما الاتساع الجماهيري للتلفزيون يسع
الجميع بشكل ديمقراطي، ها هنا نقترب من فهم التحولات
العلمية والتكنولوجية التي عرفها الإنسان (من الشفاهي إلى
الصورة كما يرى الأستاذ عبد الله الغدامي، أو من الصورة الأولية
على الحجر إلى البث الهرتزي كما يرى ريجيس دوبري)، التي تمّ
بمقتضاها إحداث ثورات علمية كبرى وخاصة فيما يعرف الآن
- بالثورة المعلوماتية - ولأنّ الثورات لا تقاس بفاعلها بل يتمّ
قياسها بالمفعولات التي تتركها، لذا فسادة العالم اليوم ليسوا سادة
حرب، كما يعتقد البعض هنا، بل هم سادة الصورة، ذلك أنّ
، كأنه الحقيقة التي ينتظرها المتلقي Liveالحدث يتمّ بثه وبطريقة
كيفما كان هذا الحدث، فالأهمية لا تتحدد في الحدث بقدر ما يكون
للخبر الأهمية القصوى، كأنّ الخبر هو الذي يضيف للحدث
بلاغته، «غدت الشاشة اليوم صورة عن الواقع، إن لم تكن هي
، مع ما يتمخض In liveالواقع ذاته في مباشرته وحيويته وحياته
عن ذلك من تحول لمفهوم الحدث نفسه، حيث تصبح الأحداث
الجسام وقائع متنوعة تتكرر وتجتر، مع ما يتولد عنها من تهوين
للأهوال، ممّا يجعل الفرد عاجزاً أمامها عن أن يحسّ الإحساسات
.1التي كان ينبغي أن يحسها»
لا عجب إذن أن يكون الإعلام رصداً للواقع وحجباً له في
، بل يصهرنا liveالوقت نفسه، إنه لا يقدّم لنا الحدث في واقعيته
فيه كي ندرك ولا ندرك، نحس الشيء ونقيضه، إنه يشدنا في ما
بين بين. إنه أضحى اليوم أداة «لتفتيت الواقع وتحليله الكيماوي».
. 2005 1، دار توبقال ط6 ـ عبد السلام بنعبد العالي «ضد الراهن» ص1
قلنا إنّ ثمةتحولاتكبرىوقعتفي الصورة وتغيرتبمقتضاها
، إذ لم تعد الصورة بالشكل الذي كانت عليه 2رؤية الإنسان للعالم
في السابق من مكان إلى آخر، أو عبر تحميض الشريط وما إلى
ذلك من تقنيات تصاحبه، بل أضحت ترسل بطريقة مباشرة إلى
حد أصبح فيه العالم متخماً بالصور، لقد أصبحت سبيلاً للثورة.
لنتأمل ما يقع في العالم العربي والتحولات التي تجرفه، أليس
«الفيسبوك» عاملاً من عوامل هذه التحولات؟
لنفترض ذلك، ولنقل إنّ العالم اليوم أقرب إلى جسد الإنسان،
حيث تقترب فيه المسافات، وتتحول فيه اللغة، وتتحلل فيه
الأخبار، وتنصهر الأحداث لتحملها الأخبار عبر هذا الحاسوب
الذي خلخل مجموعة من المواضعات التي كانت إلى حد قريب
مهيمنة في الفضاءات العمومية، فمنجهة أصبحت العلاقات بين
الأفراد أسرع وأقرب من العينين، حيث الزواج يتمّ بهذه الطريقة
المباشرة، وحيث التبادل التجاري والمالي يختزله هذا الحاسوب،
مثلما أصبح الفيسبوك فضاء افتراضياً يلتقي فيه الأفراد والجماعات
للتحاور حول قضايا معينة.
إنّ هذا التحول أدّى إلى ما يسميه ريجيس دوبري بطوباوية
الصورة، يقول: «ها هو ذا عالم الصورة قد غدا بسيطاً ومنفتحاً
ومعلناً لرمزية كونية، أمّا جزيرة الفنون الجميلة فقد اتصلت
بالسيان العام للبرمجيات. إنه انتصار اللغة على الأشياء والمخ على
العين. وبهذا يكون تحويل جسد العالم إلى كيان رياضي مثله مثل
.3الأشياء الأخرى بمثابة يوتوبيا «الصور الجديدة»»
هذا التحول الذي وقع في نظام الصورة هو طريق لتلمس
ظلالها المشتتة في العالم. لا يتعلق الأمر بما هو تقني، بل في
ـ يورد الأستاذ عبد الله الغدامي في كتابه «الثقافة التلفزيونية» حكاية 2
شريط سينمائي كوميدي «أن تكون هناك»، والمتعلق ببطل الفيلم الذي كان
يعيش بصفة خادم جنائني في قصر معزول لا يعرف سوى سيده وبيته وجهاز
التلفاز عبر جهاز التحكم. هذا الجهاز السحري الذي يغير به القنوات إذا ما تمّ
إزعاجه...، لكن حين بيع القصر خرج إلى العالم وهو لا يمتلك سوى جهاز التحكم،
وحين تعرض لمشاكسة عنيفة استعمل جهاز التحكم.
ـ ريجيس دوبري «حياة الصورة وموتها، ترجمة فريد الزاهي». إفريقيا الشرق 3
227 ، ص2002
علوم وثقافة