332
2016 )9(
العدد
* هل هذه الملاحظة هي التي دفعتكم للتفكير، ووجّهتكم نحو
الثقافة العربية؟
ـ كنت شبه مهيّأ لذلك، فمنذ الطفولة وأنا أقرأ باللغتين. قبل
الدفاع عن الرسالة بقليل، أبدى زميل لي استغرابه من اختيار
موضوع رسالتي، الذي لم يكن، في نظره، يستجيب لمتطلبات
الوقت ولا يسير «في اتجاه بناء ثقافة وطنية». ينبغي وضع هذه
الملاحظةفيسياقها، ففيناية الستيناتلم يكن يُعترفإلا بماركس
وفرويد وألتوسير، وكان يبدو من قبيل التباهي ذكر پول نِيزان
وفرانز فانون وإيمي سيزير وكاتب ياسين وألبير ميمي. في هذا
العهد الذي كانت فيه «النظرية» تحضر في كل مكان، لم أكن أقرأ
إلا قليلاً من الروايات، كي أتمكن من استدراك معارفي بمختلف
«مناهج تحليل» النص الأدبي. في هذا المناخ الذي لم أعثر فيه على
شيء أفضل أقوم به، وَلّيْت وجهي قِبْلة المتون العربية، تحدوني
الرغبة الحمقاء في أن أجدد طرق دراستها. مجمل القول إذن، وبما
أنني لم أتمكن من دراسة فرانسوا مورياك بروحي العربية، فقد
عقدت العزم على أن أعكف على دراسة الأدب العربي مستعملاً
ما جنيته من دراساتي الفرنسية. وفي حقيقة الأمر، فقد استرجعت
الأواصر التي كانت تشدني إلى الكُتّاب العرب الذين درستهم في
فصل الدرس. إنه الانتقال من فرانسوا مورياك إلى المقامات.
القطيعة
* يظهر أنّ رولان بارط أثر أعمق الأثر على أسلوبكم.
ـ كان أحد أساتذتنا خلال سنوات الإجازة قد دلنا على درجة
. خلال السنة الموالية، إن لم
1965
صفر الكتابة. كان ذلك سنة
تخني الذاكرة، سّ رولان بارط يوماً دراسياً في أحد المراكز الثقافية
بالرباط. خلال الصبيحة ألقى محاضرة (نشرت فيما بعد تحت
عنوان «مدخل إلى التحليل البنيوي للسد»). كان الجمهور يتكون
ممّا يقرب من عشرين مستمعاً، كانوا مطأطئي الرؤوس، يدوّنون
ما يقوله بعناية كبيرة. كان يتكلم ببطء كي يمكنهم من تدوين
النقاط. في ذلك اليوم لم يكن معي قلم ولا أوراق، ممّا كان يجعلني
في وضع غير مريح، خصوصاً وأنني لم أكن أفهم شيئاً ممّا يقول.
درْس في الفيزياء النووية لم يكن ليظهر لي أشدّ صعوبة. أظن أنّ
المستمعين الآخرين، من أساتذة وطلبة، لم يكونوا ليُحصّلوا شيئاً
كثيراً هم كذلك، إلا أنم كانوا يدونون النقاط فيعملون بذلكعلى
إخفاء انزعاجهم أمام خطاب كان يتعذر عليهم إدراك مغزاه.
* أصحيح أنكم لم تحصّلوا شيئاً؟
ـ أمر واحد، هو أنه كان يستقي أمثلته من غُولْدفينغر. وقد
أدهشني ذلك أشدّ الدهشة، لأنني كنت أبعد ما أكون عن التفكير
في أنّ روايات جيمس بوند (لم يكن اسم الروائي أيان فليمينغ
وقتها يعني لنا شيئاً) يمكن أن تكون موضوعاً لدراسة أدبية.
كان الاهتمام بما يوازي الكتابة الأدبية أمراً يطبعه التردد، وكانت
الأبحاث «السيميولوجية» في مهد بداياتها، لم أكن على علم
بوجودها. كم كانت دهشتي قوية عندما علمت أنّ بارط كان قد
مقالاً حول صورة إشهارية لعجين پانزاني.
1964
نشرسنة
* درّسفي كليّة الآداب بالرباط.
درسين للإجازة:
1970
-
1969
ـ أعطى خلال السنة الدراسية
أحدهما حول پروست، والآخر حول جزيرة الألغاز. وقتها
كنت أستاذاً في الكليّة، إلا أنني لم أكن لأجرؤ على الحضور إلى
دروسه، مخافة ألا أفهم شيئاً مرّة أخرى. ومع ذلك فقد تابعت
درسه العمومي الذي كان يدور حول قصة لإدغار آلان پو،
«حقيقة قضية السيد ڤالدمار»: كان عبارة عن أربع جلسات في
المدرج أمام جمهور كثير العدد. كان ذلك بالنسبة لي أحسن تقديم
لأعماله، ولِـَ كان يُسمى النقد الجديد. وأخيراً بدأت أفهم...،
ورغم أنّ كتاب درجة صفر الكتابة قد ظل منغلقاً على فهمي،
فإنني عاهدت نفسي أن أقرأ كلّ المتن البارطي، والقلم في يديّ.
استغرقت بعض الوقت كي أتأكد من أنّ الصعوبة التي كنت
ألاقيها في البداية كانت ناتجة عن الإحساس البليد أنني لست
أهلاً لذلك. وقد سبق لي القول إنّ تكويني كان يشوبه النقص،
وقد تنبهت إلى ذلك. عند ناية الستينات، سارعت الخطى لألحق
بالباحثين ذوي المنحى البنيوي. فكنت أقرأ تزڤيتان تودوروڤ
وجيرار جينيت.
* ما الجديد الذي أفادتك به قراءة رولان بارط؟
ـ كثير من الأمور. لقد خلف لديّ اللقاء مع أعماله صدمة
كبيرة. فقد تبينت مدى جهالتي عندما رأيته يتنقل من التحليل
النفسيإلى النظرية الماركسية، فالبنيوية والأنثربولوجيا، وهي آفاق
لم تكن معهودة لديّ. حتى ذلك الوقت، لم أكن أقرأ إلا نصوصاً
أدبية، وبفضله تعلمت أنّ الأدب الخالصلا وجود له، وأنّ تحليل
نص أدبي يقتضي معرفة الأبحاث الحديثة في مجالات أخرى.
الأدب ملتقى مجموع المعارف. وينبغي الابتعاد عنه للتقرب منه
قطوف
ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي




