337
2016 )9(
العدد
أمام التمثل الأول. فموضع الجدة هنا تتجلى في انقسام النشاط
البشري إلى محتوى ظاهر قوامه ما نشعر به ونفصح عنه، ومحتوى
باطن لا نعيه لتضمنه ذكرياتلأحداثلا شعورية. ومعنى ذلك
أنّ بأعماقنا خبايا دفينة تسيرنا وتتحكم فينا ولا نملك أن نطلع
على أمرها فيشيء إلا أن يتدخل المحلل النفسي ليخرجها إلى حيز
الوعي بطريقة التداعي الحر.
لكن إذا كان كلّ ما هو مكبوتلا شعورياً، فليس كلّ ما هو لا
شعوري مكبوتاً، بدليل أنّ ثمة معلومات تغيب عن وعينا برهة
قصيرة ثم ما نلبث أن نتذكرها لأنا لم تكن قد تعرضت للكبت،
فهي ذكريات قبشعورية. تلك كانت «النظرية الموضعية» الأولى،
وأمّا الثانية فقد قامت على التمييز بين الهو والأنا الأعلى والأنا.
أمّا الهو فموئل النزعات البشرية المناهضة للعقل والأخلاق، وأمّا
الأنا الأعلى فيتكون خلال مرحلة الطفولة باستدخاله للأوامر
والنواهي والقواعد الخلقية التي يتلقاها الطفل من الأبوين،
بينما يقوم الأنا مقام الوسيط بين مطالب الهو ومقتضيات الواقع
الخارجي.
لقد عدّ فرويد الكبت المكون الأساس للنواة الأصلية
ـ الكبت:
للاشعور و«حجر الزاوية التي يقوم عليها صرح التحليل
. وهو آلية دفاعية يلجأ إليها الأنا لحماية نفسه من
7
النفسي برمّته»
الصراعات الكفيلة بالإفضاء إلى عُصاب. فإذا ما لاحتفي الذهن
فكرة ما أو صورة تمثل النزعات الغريزية التي قد تخل بالتوازن
النفسي عمد الفرد إلى كبتها. غير أنّ كبتها لا يعني زوالها، بل
تظل فاعلة تترقب فرصة العودة إلى الشعور. ومن شأن فاعليتها
تلك أن تستنفد كثيراً من الجهد والطاقة بدون طائل. ومن ضمن
الحيل الدفاعية الأخرى التي كشف عنها فرويد نذكر الإسقاط،
والتكوين العكسي، والنكوص، والتسامي.
ليست الحياة الجنسية للطفل فكرة
ـ الحياة الجنسية للطفل:
جديدة تمام الجدة كما يخال البعض، بل سبق فرويد إليها فلاسفة
وأطباء من قبل. غير أنّ فرويد تميز عمّن سبقه في الإلحاح عليها
وصياغتها صياغة نظرية محكمة تفيد في فهم مجريات الحياة
الوجدانية للإنسان. وقد أثار توسيع فرويد للجنس وتعميم
7. S. Freud (1914). Ibid.
مظاهره على مجمل حياة الإنسان موجة لم تهدأ من النقد منذ
انطلاق التحليل النفسي. ومن أجل مظاهر الجنسانية الطفلة أورد
نظرية فرويد عن عقدة أوديب.
ظهر اكتشاف فرويد لعقدة أوديب عقب تحليله لذاته على نحو
ما ورد في رسالة لصديق له قائلاً: «لقد وجدتفي نفسي كما لدى
الغير مشاعر الحب تجاه أمي والغيرة من أبي، وهي مشاعر أظنها
. وقد تبوأت نظرية «عقدة أوديب»
8
مشتركة بين جميع الصبيان»
شأناً كبيراً في البناء النظري للتحليل النفسي، حتى لقد قال عنها
فرويد نفسه: إنّ «التحليل النفسي إن لم يستطع أن يفخر بأيّ عمل
آخر إلا اكتشافه لعقدة أوديب المكبوتة فإنّ ذلك وحده كفيل
بأن يعطيه الحق في أن يُعدّ من بين المعارف الثمينة الجديدة التي
. وقد خلفت صياغة فرويد لنظريته
9
حصلت عليها الإنسانية»
أصداء صاخبة امتدت إلى علماء الإناسة الأوروبية والأمريكية
والإفريقية والعربية على السواء. فكانت مناسبة لتجديد قراءة
مسحية سوفوكليس لاستكناه الدلالات العميقة للمحكي
الأوديبي الثاوي في رحم الأسطورة الإغريقية. وقد أسفرت
المراجعات الكثيرة عن مواطن الاختلاف والتباين في المناحي
المنهجية المتخذة وطرق التأويل المعتمدة والنتائج المستخلصة.
وقد قدّر لكاتب هذه السطور أن يفحص قراءة فرويد للعقدة
الأوديبية في ضوء متن حكائي عربي وأمازيغي تبين على إثره أنّ
الأسطورة كما عرض لها سوفوكليس إنما تكشف عن إشكالية
أبوية بامتياز، على نحو يستدعي أن تُسمّى عقدة لايوس الأب
لا عقدة أوديب الابن. وبيان ذلك أنّ تأويل فرويد للمأساة
الإغريقية أسقط من حسابه الماضي الآثم للوالد، مع أنّ الجرائم
التي ارتكبها أوديب ليست إلا نتيجة متوقعة للإنذار الإلهي دونما
علم من طرف الابن. فيكون أوديبضحية الأخطاء المرتكبة من
طرف الأب (غواية ابن مضيفه واختطافه ومخالفة الإنذار الإلهي
بمعاشرة زوجته لئلا تنجب فتلد من يقتله ويتزوجها، وسعيه في
8- Sigmund Freud (1887- 1902). La naissance de la psychanalyse,
lettres à Wilhelm Fliess, notes et plans. Tr. : Anne Berman. Paris,
P.U.F., 1956.
). معالم التحليل النفساني. تر: محمد عثمان نجاتي.
1938(
ـ سيجموند فرويد
9
.149-148 .
، ص
4 .
، ط
1966 ،
القاهرة، دار النهضة العربية
فرويد والتحليل النفسي: بين الرّفعة والضّعة
شخصيات وأعلام




