Next Page  335 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 335 / 362 Previous Page
Page Background

335

2016 )9(

العدد

فرويد والتحليل النفسي: بين الرّفعة والضّعة

في مدينة فرايبورغ، وهي مدينة

1856

مايو

6

ولد فرويد في

صغيرة تقع بمورافيا. كان الابن البكر لأمّه والابن الثالث لأبيه

بعد ولدين له من زواجه الأول. وقد انتقلت العائلة للإقامة

في مدينة فيينا بعد مولده بأربع سنوات، على إثر أزمة اقتصادية

أفلست فيها تجارة الوالد. وقد عُرف الفتى منذ طفولته بنباهته

وباجتهاده في دراسته وبحبه القراءة وبإلمامه بكثير من اللغات.

وكان من شأن اللمز والغمز الذي لقيه من لدن زملائه، وهو

يهودي، أن يضاعف من عزلته وأن يحمله على التفوق في دراسته.

وحينما آن الأوان ليختار المسار الذي يلزمه متابعته راودته مهنة

المحاماة تأثراً بأحد رفاقه في الدراسة، لولا انجذابه إلى نظريات

2

شارل داروين واستماعه إلى قراءة بحث لجوته «حول الطبيعة»

أثر في عدوله عن المحاماة إلى الطب. فلعله كان يأمل أن تعينه

دراسة علم وظائف الأعضاء على فهم الإنسان في وقت كان علم

الحياة في أوج تألقه. ولم تثنه طول الدراسة ومشقة التحصيل عن

مواصلة مساره الدراسي، وإن لم يبدِ حماساً شديداً لدراسة الطب.

إنما كان اهتمامه أشد بالطب العصبي على نحو ما تشهد به أبحاثه

عن الجهاز العصبي. فلا جرم أن تخلف عن مزاولة مهنة الطب

لتوقه إلى مواصلة البحث العلمي أوالتدريس، لولا أنّ حالته

المادية لم تكن لتسمح له بمواصلة البحث، فكان عليه أن يستقل

بنفسه فيفتح عيادته ويبدأ مشواره المهني.

بداية التحليل النفسي

أثناء اشتغاله فيمختبر أستاذه بروك التقى بجوزيف برويير، وهو

طبيب مختص في الأمراض العصبية، كان قد حدثه بشأن مريضة

له دعيت بحالة «أنا أو». كانت تلك المريضة فتاة شابة تعاني من

أعراض الهستيريا، وقد أبلغه يومئذ أنا كلما أفصحت عّ في

نفسها وأطالت الإفضاء تحسنت حالتها. ولمّا لاحظ أنا تنطوي

علىسرّ دفين فقد عمل على تنويمها مغناطيسياً حتى إذا ما أفضت

بسها اختفت أعراضها. ولم تكن يومئذ المعارف الطبية قادرة

على تفسير حالة الفتاة وأسباب مرضها ولا طريقة الشفاء منه.

وقد سمّى برويير هذه الطريقة في العلاج بـ«الطريقة التطهيرية».

وقد أقرّ فرويد نفسه بأنّ المنهج التطهيري الذي اتبعه زميله هذا

«استند على أمر أساسي هو أنّ أعراض المصابات بالهستيريا

). حياتي والتحليل النفسي. تر. مصطفى زيور وعبد

1925(

ـ سيجموند فرويد

2

.4

، ط

1994 ،

المنعم المليجي. القاهرة، دار المعارف

ترتبط بمشاهد من حياتهنّ (الصدمات) آلت إلى النسيان بعد

أن أثرت كثيراً فيهن»، وأنّ هذا المنهج «يتضمن علاجاً ذا صلة

بهذه الملاحظة، ويقتضي إثارة الذكرى المتصلة بهذه المشاهد تحت

. غير أنما لم يتفقا على

3

التنويم واستثارة حصولها (التطهير)»

الأسباب الكامنة خلف تلكم الأعراض، فبينما ذهب فرويد إلى

أنّ للاضطرابات الهستيرية أسباباً جنسية رأى برويير أنّ القول

بذلك ينطوي على سببية أحادية. فكان اختلافهما هذا من أسباب

خلافهما وتفرّق السبل بينهما.

تلك كانت نقطة الانطلاق، حيث استعاض فرويد عن التنويم

بمنهج تداعي المعاني لاستكشاف مجاهل اللاشعور وخفايا الحياة

الباطنية لمرضاه، ومن ثمّ مضى لبناء صرح المذهب بما توصل

إليه من كشوف متلاحقة ومتصلة بطريقته الخاصة في التحليل

والتأويل.

أمّا عن مصطلح التحليل النفسي فقد استخدمه فرويد لأول

، وتثير كلمة التحليل هنا السؤال عن دلالة هذا

1869

مرّة سنة

  ـ تلك كانت الرواية الرسمية لبداية التحليل النفسي كما رواها فرويد وروّجها

3

من بعده كاتب سيرته إرنست جونز. غير أنّ المراجعات التاريخية النقدية لحالة

المريضة أسفرت عن رواية أقل إشراقاً وأدعى إلى الريبة والشك في صدق فرويد

ونزاهته العلمية. فقد أثبت بالأدلة والوثائق عدم شفاء المريضة من أعراضها،

بل لم تكن قد عولجت بالمنهج التطهيري بل بالمنهج التنويمي وبجرعات من

الكلورال والمورفين حتى أنها صارت مدمنة على المورفين! فضلاً عن أنّ الأعراض

التي أظهرتها المريضة كانت أقرب إلى الأمراض الدماغية منها إلى مرض الهستيريا

بحسب برويير نفسه. والغرض من ذلك كله أن يثبت فرويد وزميله إحرازهما

قصب السبق في ابتداع منهج علاجي جديد وناجع في الفترة التي تولى برويير

أي قبل مباشرة عالم النفس الفرنسي

1882

و

1880

علاج مريضته ما بين سنتي

بيير جانيه طريقة «العلاج النفساني» كما ظهر في كتابه عن «الآلية النفسية»

. انظر على التوالي:

1889

المنشور سنة

S. Freud (1914). Sur l’histoire du mouvement psychanalytique.

Tr. : Cornélius Heim. Paris, Gallimard, 1991, Henri Frédéric

Ellenberger (1970). The discovery of the unconscious: the history

and evolution of dynamic psychiatry. Basic Books et Albrecht

Hirschmüller (1978). The Life and Work of Josef Breuer. New York

University Press.

شخصيات وأعلام