340
2016 )9(
العدد
ولعل أول النقاد لنظرية سيجموند فرويد هذه تلميذه أوسكار
) الذي كان قسيساً بروتستانتياً ومحللاً
1956
-
1873
إبفيستر (
آخذاً
19
. فقد ردّ عليه بمقال بليغ بعنوان «وهم مستقبل»
18ً
نفسيا
عليه خلطه بين الدين والإيمان، ومؤكداً أنّ العقيدة الحقة تحصن
صاحبها من العُصاب بدل أن تصيبه به. وما كان من فرويد إلا أن
ردّ عليه مستدركاً بأنّ «التحليل النفسي في ذاته لا يقف في صف
الدين أكثر مما يقف مناهضاً له. فهو أداة محايدة بوسع المتدينين
والعلمانيين أن يُسخّروها بشرط واحد وهو إراحة الناس من
.
20
آلامهم»
وفي كتابه «موسى الإنسان والتوحيد» يسير فرويد سيرته
السابقة في افتراضه قتل البطل، فيذهب إلى أنّ موسى عليه السلام
مات مقتولاً من طرف قومه الذين كفروا برسالته وآثروا عبادة
الأوثان. كما افترضأنه لم يكن عبرانياً، وإنما كان مصرياً حسبما قال
بذلك عدد من المؤرخين المتشبعين بالفكر النقدي لعصر الأنوار.
فتكون عقيدة التوحيد إذن عقيدة مصرية بحتة لا ابتكاراً يهودياً،
وتكون التوراة من وضع أمنحوتب الرابع. وطبقاً لهذا الافتراض
أيضاً يكون موسى قد أضفى صبغة روحية على عقيدة التوحيد،
وألزم قومه بالختان، وهي شعيرة مصرية حتى يبين لهم أنّ الله قد
اصطفاهم بهذا العهد وميزهم عن غيرهم. ولمّا لم يقبلوا الدين
الجديد الذي ب ّهم به قتلوه وكبتوا ذكرى حادث القتل هذا.
ويمثل بزوغ المسيحية عودة المكبوت بحيث يتبوأ الابن مكان
الأب، تماماً كما حصل في العصور الغابرة أيام العشيرة البدائية.
ـ وهو حالة فريدة من نوعها في تاريخ حركة التحليل النفسي في بداية نشأتها.
18
فقد كان رائداً من رواد التحليل النفسي بسويسرا، وتميز في جلساته مع مرضاه
بالمزاوجة بين التحليل النفسي والعلاج الروحي تبعاً للمذهب البروتستانتي،
مستهدفاً بذلك أن يقود المريض إلى استعادة ثقته في عقيدته النصرانية بعد أن
يخلصه من الاضطرابات العُصابية. وقد كان فرويد يفتتح رسائله إليه بعبارة:
«عزيزي رجل الله» راجع:
Elisabeth Roudinesco et Michel Plon (1997). “Pfister Oscar (1873-
1956)”. In : Dictionnaire de la psychanlyse. Paris, Fayard, 2000, p.
812 -814.
19. Oskar Pfister (1928). « L’illusion d’un avenir ». In: Revue
francaise de psychanalyse, 40, 3, 1977, 503 - 546.
20. E. Roudinesco et M. Plon (1997). Ibid.
لقدخلفتهذه القراءة ردوداً عاصفة بما تضمنته من افتراضات
وادعاءات مناهضة للحقائق التاريخية المتعارف عليها. وقد يرى
بعضهم في هذه الرواية العائلية قصة فرويد نفسه مع «اكتشافه»
للاشعور وقد صار ذا صبغة كونية بعد أن تخلص من كلّ دعامة
دينية مختارة. إذ لا شك أنّ تجريد موسى عليه السلام من انتمائه
العبراني إنما أراد به أن يبين أنّ المؤسس لمذهب ما، وليكن مذهب
التحليل النفسي، إنسان مغترب عن البلد أو عن العصر، أو أنه
منقسم على ذاته؛ «فبهذا الشرط يتمكن من قلب التقاليد وتخطي
.
21
دين الأب والنهل من ثقافة أخرى والابتداع»
توسع حركة التحليل النفسي
تحلق حول فرويد جماعة من الأتباع نظموا
1902
منذ سنة
، ثم تأسست
1908
فيما بعد المؤتمر الأول للتحليل النفسي سنة
الجمعية الدولية بسنتين بعد ذلك. ولئن لم يقدر لفرويد أن يحقق
أمنيته بدراسة الحقوق أو ولوج السياسة، فإننا نجد في نضاله
لتثبيت أركان مذهبه والدفاع المستميت عنه وحمايته من كل تبديل
أو تحوير أو تثوير ما يشفي الرغبات الطفلية القديمة في نفسه.
وقد سعى وتلاميذه لتوسيع نطاق تطبيق التحليل النفسي على
مجالات شتى كالفنون والآداب والأديان والأساطير والإناسة
والتاريخ. كما اتجهت عناية بعض المحللات النفسيات أمثال
) في إنجلترا إلى
1982
) وأنا فرويد (ت.
1960
ميلاني كلاين (ت.
علاج الأطفال وابتداع طرائق جديدة تناسب مراحل عمر الطفل
ومقتضيات نموه، كما سعى آخرون لتطبيق نتائج التحليل النفسي
في مجال التربية والتعليم.
أمّا على المستوى الجغرافي فقد اتسع مجال التحليل النفسي في
عدة أصقاع، وتنوعت مشارب المنتمين إليه تبعاً لظروفكل محلل
والمؤثرات الثقافية والحضارية لبيئته. وعلى هذا النحو ظهرت
تيارات شتى أذكر منها التيار الثقافوي الذي نبه أصحابه إلى
الأسس المتصلة بالتربية والأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة
وطرق تنظيم العمل وتأثير المؤسسات الاجتماعية كالأسرة
والمدرسة ممّا لا يصح تجاهله أو الغض من شأنه في تشكيل
21. E. Roudinesco et M. Plon (1997). « Homme Moïse et la
religion monothéisme ». In: op. cit. p.463- 467.
أحمد المطيلي
شخصيات وأعلام




