ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
42
2016 )9(
العدد
*
محمد الشيخ
. في الخلط بين «الإنسانيّة» و«البشريّة» و«الحيوانيّة» و«البهيميّة»
1
عادة ما يتمّ الخلط بين سمة «الحيوانيّة» وسمة «البهيميّة». وعلى الرغم من تنبّه فلاسفة العرب القدامى إلى إمكان حدوث هذا الخلط
والتنبيه منه ـ وذلك بنقل تعريف «الإنسان» اليوناني إلى «الكائن الحي الناطق المائت» [الكندي]، بالبدل من «الحيوان الناطق المائت»،
ونقل معنى «الإنسانية» بهذه الدلالة: «الإنسانية: هي الحياة والنطق والموت» [الكندي]، استناداً إلى تنبههم إلى أنّ اللفظ العربي «حيوان»
يحمل في أحشائه معنى «الحياة»، وبالتالي الأصل في «الحيوانية» هو «الحياة» وليس«البهيمة» أو «البهيميّة» ـ على الرغم من ذلك، فإنّ هذا
الخلط ظلّ قائماً في التداول العربي وما يزال.
وسمة «البهيميّة»
Animalité
وما كان نصيب هذا الخلط في الألسن الغربية بأقلّ وفوراً، إذ عادة ما تمّ الخلط بين سمة «الحيوانيّة»
) جعل من التفرقة بين هذين الأمرين «هجّيراه»؛ أي قضيته التي لم
1976
-
1889
. غير أنّ مفكر الوجود مارتن هايدجر (
Bestialité
يهجرها أبداً، مميزاً أشد تمييز بين أن يكون الإنسان «حيواناً» وأن يمسي«بهيمة». قد يُستغرب أن يصدر هذا الأمر من لدن أحد أكبر نقاد
. على أنّ هذا الاستغرابسرعان ما يزول إذا علمنا أنّ قدح هايدجر في «النزعة الإنسيّة» لا يلزم عنه
L’humanisme
«النزعة الإنسية»
التثريب على «الإنسانية» ـ إنسانية الإنسان ـ والزراية بها وبخسها، وإنّما الأمر كان على الضد: إذ يدعو هايدجر «الإنسانية» ـ بمعنى
البشرية ـ إلى معرفة «حق» و«قدر» و«حظ» و«نصيب» و«قسط» «الإنسانية» ـ نعني «الإنسانية» الصفة وليست الإنسانية الجنس [أي
صفة «الإنسانية» من حيث هي صفة قد تلحق بالإنسان وقد لا تلحق، مميزة بذلك هذا الإنسان (الأكثر إنسانية) عن ذاك، وليست
الإنسانية ـ البشرية ـ من حيث هي جنس يعلم كل بني البشر أكانوا إنسانيين أم لا] ـ من الإنسانية. ولهذا عادة ما دعا هايدجر إلى كبح
جماح البشرية المتغطرسة ذات المَخيلة (من الخيلاء) من أن تنزل النزول إلى «درك» ما دون «الحيوانية»؛ أي إلى درك «الفظاظة» و«الهمجيّة»
. وإنّ هذا النقد ليشي، بالضد مما قد يوحي به عند أول وهلة، بالرغبة في أن
Bestialitas
الجامحة المنفلتة من عقالها
Brutalitas
و«البهيميّة»
، وإلى أن يمسي الإنسان إنساناً بالأحق بعد أن صار «لا
Humanitas
ما كان قد سُلب منه؛ نعني إنسانيته الحقة
Homo
يُردّ إلى الإنسان
؛ أي بعد أن يصبح للإنسان كنهه الذي يعرف به؛ أي ببساطة كونه
In-humain
إنسانياً» أو «غير إنساني» أو قلْ «فاقداً للإنسانية التي فيه»
. وبهذا، فإنّ الذي عند هايدجر أنّ الاعتراض على المنزع الإنساني ـ أو: «مضادة الإنسية» أو «معاداة الإنسية» ـ ما كان ليفيد
1
«إنساناً»
الدعوة إلى دحر الإنسان، أو إلى الفظاظة والهمجيّة والبهيميّة، وإنّما بالضد، معناه أنّ هذه النزعة الإنسية لم تعتبر حق الاعتبار «إنسانية
.
2
الإنسان»، ولم تضعها في «المحل» الذي تستحقه
أكاديمي من المغرب
*
1. Martin Heidegger, Questions III et IV, traduit de l’allemand par Jean Beaufret (et al.), collection : Tel ; n°172, Paris : Gallimard, p.75.
2. Martin Heidegger, Questions I et II, traduit de l’allemand par Kostas Axelos (et al.), Collection : Tel, n°156, Paris : Gallimard, p. 87.
«الإنسانيّة» و«البهيميّة»
الفكر الفلسفي العربي الكلاسيكي
في




