Next Page  47 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 47 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

47

2016 )9(

العدد

«الإنسانيّة» و«البهيميّة» في الفكر الفلسفي العربي الكلاسيكي

«الإنسان والبهيمة: ونقول أيضاً إنّ لكل شخصمن أشخاص

الناس قوتين: إحداهما ناطقة عاقة، والأخرى بهيمية. ولكل

واحدة منهما إرادة واختيار، وهو كالواقف بينهما. ولكلّ واحدة

منهما نزوع غالب. فنزوع القوة البهيمية نحو مصادفة اللذات

العاجلة الشهوانية، مثل أنواع الغذاء وأنواع الاستفراغات

وأنواع الاستراحات. ونزوع القوة النطقية نحو الأمور المحمودة

العواقب، مثل أنواع العلوم وأنواع الأفعال التي تجدي العواقب المحمودة.

فأول ما ينشأ الإنسان يكون في حيز البهائم إلى أن يتولد فيه العقل أولاً أولاً، وتقوى فيه هذه القوة الناطقة. فالقوة البهيمية إذن أغلب

عليه، وكل ما كان أقوى وأغلب فالحاجة إلى إخماده وتوهينه وأخذ الأهبة والاستعداد له أشد وألزم. فواجبعلى كل من يروم نيل فضيلة

ألا يتغافل عن تيقظ نفسه في كل وقت وتحريضها على ما هو أصلح لها، وألا يهملها ساعة واحدة؛ فإنه متى ما أهملها وهي حية، والحي

يتحرك لا بدّ، لا بدّ من أن تتحرك نحو الطرف الآخر الذي هو البهيمي، وإذا تحركت نحوه تشبثت ببعض منه حتى إذا أراد ردها عّ

تحركت إليه لحقه النصب أضعاف ما كان يلحقه لو لم يهملها ويعطل وقتها الذي كان ينبغي أن يحصل فيه فضيلة، لاشتغاله بالاحتيال

.

13

لردها عّ تحركت نحوه وفاتته تلك الفضيلة»

ب . ابن الهيثم: قد ينحط الإنسان إلى درك البهيمة

في رسالته «ثمرة الحكمة» يتحدث الفيلسوف المهندس أبو علي الحسن بن الهيثم عن كل الحيوانات باعتبارها «حيواناً أرضياً»،

وداخل مملكة الحيوان الأرضيهذه ثمّة حيوان أرضيعاقل ـ الإنسان بمعناه الحصري ـ وحيوان أرضيغير عاقل ـ سائر الحيوان. ولمّا

كان كمال إعمال الإنسان عقله في النظر والعمل هو الحكمة، فإنّ الإنسان الجاهل إنّما هو ـ على الحقيقة ـ «إنسان ناقص»؛ وذلك لأنّه

غير مميز عن الحيوان الأرضيغير العاقل ـ الحيوان بمعناه الحصري ـ بالعقل. تلقاء ذلك، فإنّ الإنسان الحكيم هو بالفعل «الإنسان»

بمعناه الحصري على الحقيقة؛ أي «الإنسان التام». فمتى يكون الإنسان إنساناً؟ ومتى لا يكونه؟ ومتى تكون إنسانيته إنسانية حقاً؟

ومتى لا تكون؟

الأصل في الإنسان، عند ابن الهيثم، أنّه حيوان. أو لنقل إنّه ما لم يتعاط الحكمة فإنّه يبقى في عداد «البهيمة». يقول أبو علي:

«(...) إنّ الإنسان في حكم البهيمة ما لم يشد شيئاً من علوم الحكمة، وذلك أنّ البهيمة ليس له من ذاته مانع عن اتباع شهوة ما يهواه،

وكذلك الإنسان الخالي من علوم الحكمة ليس له من ذاته مانع من اتباع شهوة ما يهواه، ولذلك احتاج العوام الحكمة النبوية، لأنّ الحكيم

إنّما تحدوه الحكمة أن يفعل الخير لذات الخير، لا لطلب المجازاة عنه، وتمنعه من فعل الشر لذات الشر، لا خوفاً من المعاقبة عليه، ومن لم

يبلغ هذه الرتبة، فإنّه يرى أنّ الخير إنّما يجب أن يفعل طلباً للمجازاة التي تكون عنه، ويرى الشر إنّما يجب ترك فعله خوفاً من المعاقبة المؤلمة

عليه؛ فلذلك تنقسم العوام الذين تسوسهم ثلاثة أضرب:ضربيحقق الوعد والوعيد ويألفه ويرضىبه، بعاجله وآجله، فيعتمده ويأخذ

نفسه به، كالبهيمة المحمودة الطباع إذا ردعتها بالتخويف الشديد عنشيء ثبت ذلك في نفسها فلم تعاود عليه، وضرب يحقق ذلك لا

يرضى بالآجل، فيطلب العاجل ويوطن نفسه على ما يكون على عواقبه، فلا يعتمد تحققه، ولا يأخذ نفسه به كبهيمة السوء، كلما هولت

عليها بالتخويف من شيء ازدادت انبعاثاً فيه، وضرب يشك في ذلك ولا يقطع عليه، بأنّه حق أو باطل، فهو إنّما يأخذ نفسه لصحبة

  ـ الفارابي: رسالة في السياسة، نشرت ضمن كتاب: أبو نصر الفارابي: الرسائل الفلسفية الصغرى، تحقيق عبد الأمير الأعسم، دار التكوين، دمشق، الطبعة الأولى،

13

.315-314 .

، ص

2012

الإنسان الإنسان معمّر، والإنسان البهيمة

مدمّر. والإنسان الإنسان منشئ، والإنسان

البهيمة منقض. والإنسان الإنسان مؤسّس،

والإنسان البهيمة مخسّس