Next Page  45 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 45 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

45

2016 )9(

العدد

«الإنسانيّة» و«البهيميّة» في الفكر الفلسفي العربي الكلاسيكي

ومن بابهذا التمييز بين«الإنسان الحق» ـ الإنسان ـ و«الإنسان

البهرج» ـ النسناس ـ فقد أوردوا عن أبي هريرة قوله: «ذهب

الناس وبقي النسناس»، فقيل له: «ما النسناس؟» قال: «يشبهون

.

8

الناس وليسوا بناس»

أ .جواب الراغب الأصفهاني: قد لا يصير للإنسان وجود

الذي عند الراغب الأصفهاني أنّ حقيقة «الإنسان» هي أنّه إِنْ هو إلا اسم تسمّى باسم «الإنسان». فقد لا يملك «الإنسان» من

«الإنسانيّة» إلا التسمية، فيسمى «إنساناً» أو يتس ّه وما هو بإنسان ولكن شبه لهم. ولطالما اشتكى الراغب الأصفهاني من تخلي إنسان

عصره عّ يجعل منه «إنساناً» بالأحق، وصيرورته بأثر من ذلك، «لا إنساناً» أو «شبيه إنسان»، بل «مسيخ إنسان» وليس إنساناً. وقد أشبه

في ذلك حديثه حديث الفيلسوف الإسلامي أبي نصر الفارابي، في رسالة «التنبيه على سبيل السعادة»، عن «الإنسان البهيمي» أو عمّن

.

9

وسمهم بوسم «البهيميين»

لك أن تنظر الأول يقول في ديباجة كتابه: «تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين»:

«وقد عملت ذلك [الكتاب] للأستاذ [الكريم] أدام الله تأييده لما رأيته معنياً باكتساب الإنسانية الموصلة إلى السعادتين [الدنيوية

والأخروية] أعانه الله على استفادتها حتى يصير حاوياً لنوعها، وحامياً على معناها، ومراعياً لخصائصها، فقد كاد قولنا «الإنسان» يصير

لفظاً مطلقاً على معنى غير موجود، واسماً لحيوان غير معهود، كعنزائيل وعنقاء مغرب [أسماء مخلوقات موهومة تطلق عادة على الكائنات

المعدومة]، وغير ذلك من الأسماء التي لا معاني لها، كما قال تعالى فيصفة الأسماء المسماة آلهة: «إِن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم»

)، فجعلها اسماً بلا مسمى.

40/

). وقال عزّ وجل: «ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها» (يوسف

23/

(النجم

ولم أَعْنِ بالإنسان كلّ حيوان منتصب القامة، عريض الظفر، أملس البشرة، ضاحك الوجه، ممّن ينطقون ولكن عن الهوى، ويتعلمون

ولكن ما يضرهم ولا ينفعهم، ويعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون، ويكتبون الكتاب بأيديهم ولكن

يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، ويجادلون ولكن بالباطل ليدحضوا به الحق، ويؤمنون ولكن بالجبتوالطاغوت، ويعبدون

ولكن من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، ويبيّتون ولكن ما لا يرضي من القول، ويأتون الصلاة ولكن كسالى ولا يذكرون الله إلا

قليلاً، ويصلون ولكن من المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، ويذكرون ولكن إذا ذُكّروا لا يذكرون، ويدعون ولكن مع الله آلهة

أخرى، وينفقون ولكن لا ينفقون إلا وهم كارهون، ويحكمون ولكن حكم الجاهلية يبغون، ويخلقون ولكن يخلقون إفكاً، [ويحلفون

ولكن يحلفون بالله وهم كاذبون].

.

10

فهؤلاء وإن كانوا بالصورة المحسوسة ناساً، فهم بالصورة المعقولة لا ناسولا نسناس[دابة وهمية يزعم أنا للإنسان شبيهة] (...)»

والحقيقة أنّه ما كان قصد الراغب الأصفهاني أن ينفي وجود كائن اسمه «الإنسان» نفياً مطلقاً، وإنّما كان غرضه أن يستقل [أي أن

يجد قليلاً] وجوده؛ لأنّ كنه «الإنسان» عنده ـ أي ما به يكون الإنسان إنساناً حقاً ـ إنّما هو «كسب» نكتسبه بالتعلم (إذ يتعلم المرء كيف

.182 .

، ص

1999 ،

  ـ أبو سليمان البستي: كتاب العزلة، تحقيق: ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الثانية

8

.219

و

216 .

، ص

1987 ،

  ـ أبو نصر الفارابي: رسالة التنبيه على سبيل تحصيل السعادة، تحقيق سحبان خليفات، منشورات الجامعة الأردنية، الطبعة الأولى، ع ّن

9

.52-50 .

  ـ الراغب الأصبهاني: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، مصدر مذكور آنفاً، ص

10

إنسانية الإنسان التي يُفترض أنّه يفضل بها

على حيوانية الحيوان وبهيمية البهيمة هي

«أفق»؛ أي قيمة يُسعى إليها ويُتطلع ويُطمح

ويُتاق، وليست هي «معطى» أعطي الإنسان

بالوراثة منذ أن كان؛ أي ما كانت أمراً يوهب