ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
48
2016 )9(
العدد
محمد الشيخ
واعتياد له، وإمّا أن يأخذ نفسه به تغليباً لبطلانه، أو يرضىمع تسلمه بما في عواقبه كالبهيمة التي ليستفي رتبة الحمد، ولا في رتبة الذم،
.
14
من جهة الطباع إذا خوفتها منشيء أو ردعتها عنه امتنعت منه تارة، وجرت فيه أخرى»
ولا يكتفي ابن الهيثم بهذا الأمر، بل يضيف في مكان آخر من رسالته القول: «إنّ الإنسان يتميز عن سائر الحيوان الأرضي بالعقل،
فالعاقل لا بدّ أن يتميز عن سائر غيره من الحيوان بما لا يشاركه سائر الحيوان الأرضي فيه، وما لا يشارك الإنسان غيره من الحيوان
الأرضيهو إدراك الحكمة. وقد لزم من هذا الشرح أن يكون الإنسان الجاهل بعلم كل حق، الملغي لعمل كل نافع إنّما هو إنسان بالقوة،
أريد أنه يمكن أن يكون إنساناً؛ فإذن الإنسان الذي ليس بحكيم هو إنسان ناقص؛ لأنّه غير مميز من الحيوان الذي ليس بناطق بما أفرده
به العقل.
والإنسان الحكيم هو الإنسان بالفعل، ليدل به الإنسان التام؛ لأنّه يميز عن الحيوان الذي ليس هو بناطق ما أفرده به العقل.
فالإنسان يتم معنى الإنسانية فيه باستكماله إنساناً. وهو أن يدرك ما إليه تتشوق النفس الناطقة، وهو السعادة التي ذكرنا أنّا الراحة من
غير ألم، وهذا إنّما هو الحكمة تكون ثمرة ذلك له أن يعلم حقائق الموجودات ومبادئها وعللها وأسبابها، ويتشبه في أفعاله بالله تعالى ذكره،
وهو استعمال فعل العدل الذي هو الخير المحض؛ ولذلكحُدّت الحكمة فقيل: الحكمة هي التشبه بالله، تعالى ذكره، في أفعاله بمبلغ طاقة
.
15
الإنسان، والحكيم يستفيد بالحكمة معنيين: أحدهما في ذاته، وهو الفضل، والآخر في ما يعانيه، وهو العدل»
. ما معنى «الإنسانية»؟ وهل هي وهب أم كسب؟
4
كان تعجب جالينوس من الإنسان يرفس الحمار ويلكم البغل، ولاحظ ـ حسب ما أورده مسكويه ـ أنّ: «هذا الفعل يدل على أنّ
الإنسانية يسيرة فيصاحبه جداً، والبهيمية غالبة عليه؛ أعني سوء التمييز وقلة استعمال الفكر». ولطالما فكر فلاسفة العرب والإسلام في
ما الذييجعل الإنسان إنساناً، ولمّا أجابوا إنّا إنسانيته، فإنّمسرعان ما استأنفوا هم السؤال: «وما الذي تعنيه «الإنسانية» يا ترى؟» وهل
هي موهوبة للإنسان أم أنّا مكسوبة له بالأولى؟
أ . جواب يحيى بن عدي: ما كلّ إنسان إنساني
والذي عند الفيلسوف النصراني الذي عاشفي كنف الحضارة الإسلامية يحيى بن عدي أنّه ليس كلّ واحد من الناس إنساناً، بل ثمّة
من الناس من ليس بإنسان على الإطلاق وإنّما هو ـ على التحقيق والتدقيق ـ إنسان مسيخ، أو قلْ هو إنسان في مسلاخ بهيمة. ففيشرحه
للمقالة الأولى من كتاب «ما بعد الطبيعة» لأرسطو، يعرض إلى قول أرسطو: «كلّ واحد من الناس تكلم في الطبيعة»، ويجد في ذلك
مناسبة لبسطه القول في مفهوم «الإنسان»، وفي تبيينه لما تعنيه ماهيّة «الإنسانية»:
«ولعل إنساناً ـ من المتشوقين المتطلعين إلى وجدان أدنى مساغ لعيب الفيلسوف ـ يظن أنّه قد وجد بغيته، وأدرك منيته في قول الفيلسوف:
«إنّ كلّ واحد من الناس تكلم في الطبيعة»، فيقول: أي بهت أوضح، وأي تكذب أفضح من قوله هذا؟ إذ كان ممّا لا يخفى أنّ أكثر الناس
لم يخطر ببالهم، ولم يجر على ألسنتهم اسمها [الطبيعة]، فضلاً عن أن يتكلموا فيها، أو أن يتصفحوا كتاباً عنها! فنقول لهذا المتسع إلى عيب
الفيلسوف: إنّ هؤلاء الذين وصفتهم بعدم علم معنى الطبيعة واسمها، إنّما هم أشباه الناس في أبدانم. فأمّا في ما به الناس ناس، فهم
، ص
1998
ـ ابن الهيثم: كتاب ثمرة الحكمة، تحقيق عمار الطالبي، نشرت ضمن مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد الثالث والسبعون، الجزء الأول، يناير
14
.310-309
.289 288-
ـ المصدر نفسه، ص
15




