Next Page  51 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 51 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

51

2016 )9(

العدد

«الإنسانيّة» و«البهيميّة» في الفكر الفلسفي العربي الكلاسيكي

أفق البهائم، فلو تصورنا كلباً أو حماراً منتصب القامة متكلماً لكان

هو إيّاه، لانسلاخه من الإنسانية إلا بالصورة التخطيطية، وعلى

.)

44

هذا قوله تعالى: «إِن هُم إِّ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلّ» (الفرقان/

ومنهم من هو في أواسط هذين، في درجة من درجات لها كثيرة،

ولهذا صح أن يقال: فلان أكثر إنسانيّة من فلان.

وما يختص به لفظ الإنسانية هو الأفعال والأخلاق المحمودة،

وأمّا المذمومات من الأخلاق فتشارك الإنسان فيها البهائم

.

21

والشياطين»

تأسيساً عليه، تكون«إنسانية» الإنسان، عند الراغبالأصفهاني،

«كسباً» له لا «وهباً»، و«مبنى» لا «معطى»، و«جهداً» لا «فتحاً». إذ عادة ما ردّد الراغب الأصفهاني القول إنّ «الإنسانية اكتساب»،

. فإنسانية الإنسان ليست «إنسانية مطلقة» أو «إنسانية مهمَلة»، عند الراغب الأصبهاني، بل

22

وعادة ما تحدث عن «اكتساب الإنسانية»

هي «إنسانية مشروطة» أو «إنسانية منوطة»، وشرطها أن يراعي الإنسان ما به صار «إنساناً»، ومناطها أن يحترم الإنسان الإنسان فيه:

«الإنسان وإن كان هو بكونه إنساناً أفضل موجود، فذلك بشرط أن يراعي ما به صار إنساناً: وهو العلم الحق والعمل المحكم. فبقدر

وجود ذلك المعنى فيه يفضل. ولهذا قيل: الناس أبناء ما يحسنون؛ أي ما يعرفون ويعملون من العلوم والأعمال الحسنة. يقال: أحسن

فلان؛ إذا علم وإذا عمل حسناً.

فأمّاالإنسانمنحيثمايتغذىوينسلفنبات،ومنحيثمايحسويتحركفحيوان،ومنحيثالصورةالتخطيطية،فمثلصورةعلىجدار.

وإنّما فضيلته بالنطق وقواه ومقتضاه. ولهذا قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة. فالإنسان يضارع المَلَكَ بقوة

العلم والنطق والفهم، ويضارع البهيمة بقوة الغذاء والنكاح. فمنصرف همته كلها إلى تربية الفكر بالعلم والعمل، فخليق بأن يلحق

)، ومنصرف همته كلها إلى تربية القوة الشهوية

31

بأفق المَلَك، فيسمى ملكاً وربانيّاً، كما قال تعالى: «إِن هَذَا إِّ مَلَكٌ كَرِيمٌ» (يوسف/

باتباع اللذات البدنية، يأكل كما تأكل الأنعام، فخليق بأن يلحق بأفق البهائم، فيصير إمّا غمراً كثور، أوشرهاً كخنزير، أو ضارياً ككلب،

أو حقوداً كجمل، أو متكبراً كنمر، أو ذا روغان كثعلب، أو يجمع ذلك كله فيصير كشيطان مريد، وعلى ذلك قوله تعالى: «وَجَعَلَ مِنهُمُ

.)

60

القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطّاغُوتَ» (المائدة/

ولكون كثير ممّن صورته صورة الإنسان وليس هو في الحقيقة إلا كبعض الحيوان، قال اّ تعالى في الذين لا يعقلون عن اّ عز وجل:

،)

22

َّ الدّوَابّ عِندَ اِّ الصّمّ البُكمُ الّذِينَ َ يَعقِلُونَ» (الأنفال/

) وقال: «إِنّ

44

«إِن هُم إِّ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلّ سَبِي ً» (الفرقان/

)، فبّ أنّ الذين كفروا ولم يستعملوا القوة التي جعلها

55

َّ الدّوَابّ عِندَ اِّ الّذِينَ كَفَرُوا فَهُم َ يُؤمِنُونَ» (الأنفال/

وقال تعالى: «إِنّ

اّ لهم همشر الدواب، وقال تعالى: «وَمَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الّذِي يَنعِقُ بَِ َ يَسمَعُ إِّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمّ بُكمٌ عُميٌ فَهُم َ يَعقِلُونَ»

،2007 ،

  ـ الراغب الأصفهاني: الذريعة إلى مكارم الشريعة، تحقيق أبو اليزيد أبو زيد العجمي، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة

21

.116 .

ص

.53

و

50 .

  ـ الراغب الأصبهاني: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، ص

22

فلاسفة العرب والإسلام لم يخطؤوا التمييز

بين «الإنسانية» و«البهيمية»، ولم يعدمهم

حديثهم عن «قسط الإنسانية» في الإنسان من

التنبه إلى «نصيب البهيمية» فيه، واقفين على

مظاهر «التناهي» و«الهشاشة» و«الضعف»

في الإنسان التي قد تشفع له بعض«زلاته»

ولكنها في الوقت نفسه قد تهوي به إلى

سحيق «الهمجية»