ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
50
2016 )9(
العدد
محمد الشيخ
والفأسمن الآ َت، فَإِنّ كل وَاحِد من هَذِه إِذا صدر عَنهُ فعله الخَاصبصورته كَامِلاً كَانَ أشرف ِ نَوعه َِن قصرعَنهُ، وَكَذَلِكَ الحَال ِ
النَبَات والجماد، فَإِنّ لكلّ وَاحِد من أشخاصالموجوداتخَاصصُورَة يصدر عَنهُ فعله، وبحسب يشرف أَو يخس إِذا كَانَ تَاماً أَو نَاقِصاً.
فَأَي فَائِدَة أعظم َِا يكمل وجودك، ويتمم نوعك، ويعطيك ذاتك حَتَى يميزك عَن الجماد والنبات والحيوانات الَتِي لَيست بناطقة،
ويقربك من الم ََئِكَة والإله - عز وَجلّ وتقدّس وَتَعَاَ - وَأي غائلة أدهى وَأمر، وأكلم وأطم، َِا ينكسك ِ الخلق، ويردك إَِ أرذل
وجودك، ويحطك عَن شرف مقامك إَِ خساسة مقامات مَا هُوَ دُونك؟ أَظُنك تذهب إَِ أَنّ العلم يجب أن يفيدك - َ محَالة - جاهاً
أَو سُلطَاناً أَو مَالاً تتمكن بِهِ من شهوات ولذات. فلعمري إِنّ العلم قد يفعل ذَلِك، وَلَكِن بِالعرضِ َ بِالذَاتِ؛ َِنّ غَايَة العلم، وَالَذِي
يَسُوق إِلَيهِ، ويكمل بِهِ الإنسان ليس هُوَ غايات الحَواس، وََ ك ََل البدن. وَإِن كَانَ قد يتم بِهِ ذَلِك ِ كثير من الأَحوَال. وَمَتى استعملته
.
18
ِ هَذَا النَوع فَإِنَهُ يكمل صُورَتك البهيمية والنباتية، وَكَأَنَهُ استعمل ِ أرذل الأَشيَاء، وَهُوَ معد َِن يستَعمل ِ أشرفها»
ويلخص الأمر على نحو أفضل من التلخيصفي كتابه «الفوز الأصغر»، فيقول:
«إنّ من الأمور المسلّمة أنّ الإنسان إنّما تميز عن البهائم وعن غيرها بهذا المعنى الموجود له لا بتخاطيطه ولا ببدنه ولا بشيء من أشكاله
البدنية. ومن الدليل على أنّ ذلك كذلك أنّ هذا المعنى هو الذي يقال به فلان أكثر إنسانية من فلان إذا كان فيه أبين وأظهر، ولو
كانت إنسانيته بالتخاطيط أو غيرها من جملة البدن، لكانت إذا تزايدت في إنسان قيل فلان أكثر إنسانية من فلان، ولسنا نجد الأمر
.
19
كذلك»
ج. الراغب الأصفهاني: الإنسانية فضيلة قد تكون للإنسان وقد تزول عنه
. ومعناها عنده: «هي تعاطي الفعل المختص بالإنسان»؛ أي تحقيق
20
والذي عند الراغب الأصفهاني، أولاً؛ أنّ: «الإنسانية فضيلة»
الشخص لما يعنيه أن يكون «إنساناً» التحقيق التام. ولهذا يذهب الأصفهاني إلى الاستشهاد بقول الناس: «فلان أكثر إنسانية»؛ أي أنّه
أقرب إلى «مثال» الإنسانية من حيث هي تحقيق الفعل الإنساني. هذا مع تقدم العلم أنّ «الناس»، عند الأصفهاني، علىضربين: ضرب
لم يحظ من «الإنسانية» إلا بما يسميه الأصفهاني «الصورة التخطيطية»؛ أي بشكل الإنسان من انتصاب القامة وعرض الظفر والقوة على
الضحك ولغو من المنطق، ويُعد هذا عارياً من الإنسانية، وهو الذي سماه «المتعري من الإنسانية»، وأورد له المثال التالي في محاضراته:
وصف أعرابي رجلاً فقال: «ليس فيه من الآدمية إلا أنه سُمّيَ آدمياً»، وهو عنده في عداد «البهائم»، بل هو عنده «دون البهائم»؛ وذلك
لأنّ «البهيمة»، عنده، تبقى «بهيمة»، فلا يمكنها التدلي إلى ما هو أدنى، بينما الإنسان قد يسقط إلى ما دون «البهيمة»، فيحدث له التدني.
ولكم ردد الراغب الأصفهاني القول المأثور: «قبيح بالإنسان أن يكون بهيمة وقد أمكنه أن يكون إنساناً». وثمّة ضرب ثانٍ من الناس
هو الذي يستحق اسم «الإنسانية». وهو المُعَنى بما خلق له: إعمار هذا العالم. فالإنسان الإنسان معمّر، والإنسان البهيمة مدمّر. والإنسان
الإنسان منشئ، والإنسان البهيمة منقض. والإنسان الإنسان مؤسّس، والإنسان البهيمة مخسّس. يقول الراغب الأصفهاني في أحد أجمل
نصوصه عن سمة «الإنسانية» وسمة «اللا إنسانية»:
«وذلك أنّ الإنسانية هي الفضائل النفسية المختصة بالإنسان، وبقدر ما يكتسبه الإنسان يستحقها، وفيها تفاضل كثير كما تقدم في
الفرق ما بين الإنسان والإنسان. فمنهم من قد ارتفع حتى لحق أفق الملك، فلو تصورنا ملكاً جسمياً لكان هو إيّاه، لارتفاعه عن
). ومنهم من اتضع حاله حتى صار في
31
الإنسانية إلا بالصورة التخطيطية، وعلى هذا قوله تعالى: «إِن هَذَا إِّ مَلَكٌ كَرِيم» (يوسف/
.230-229 .
ـ المصدر نفسه، ص
18
.64-63 .
، ص
1987 ،
ـ أبو علي مسكويه: الفوز الأصغر، تحقيق صالح عضيمة، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، بيت الحكمة، الدار العربية للكتاب
19
.54 .
ـ الراغب الأصبهاني: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، ص
20




