ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
52
2016 )9(
العدد
محمد الشيخ
)؛ أي مثل واعظ الكافرين كمثل ناعق الأغنام تنبيهاً أنّم فيما يقال لهم كالبهائم. وبهذا النظر عّ الشاعر عن بعضمن
171
(البقرة/
ذمّه فقال:
اللؤم أكرم من وبر ووالده واللؤم أكرم من وبر وما ولدا
ولم يقل: «ومن ولدا» تنبيهاً إلى أنّه لا يستحق أن يقال له: «من»، لكونه بهيمة. وعلى هذا قال المتنبي:
ِ
حولي بكل مكان منهم خِلَقٌ ُطئ إذا جئتَ في استفهامه بِمَن
ولما ذكرنا لم يكن بين بعض هذه الأنواع وبعضها من التفاوت ما بين إنسان وإنسان، فإنك قد ترى واحداً كعشرة، بل واحداً كمائة،
وعشرة أخرى هدرة دون واحد، كما قيل لامرأة في منامها: أعشرة هدرة أحب إليك أم واحد كعشرة، فقالت: بل واحد كعشرة لا بل
ترى واحداً كألف وألفاً مثل واحد كما قال القائل:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتاً لدى المجد حتى عُدّ ألف بواحد
بل قد ترى واحداً كعشرة آلاف وترى عشرة آلاف دون واحد. كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أصدق الناس قيلاً: «الناسكإبل
مائة لا تكاد تجد فيها راحلة». والإبل في تعارفهم اسم لمائة بعير، فمائة من الإبل هي عشرة آلاف بعير، بل لو قيل: قد نرى واحداً كعالم
وعالماً مثل واحد لجاز. كما قال - صلى الله عليه وسلم ـ: «وزنت بأمتي فرجحتهم».وعلى هذا قال أبو نواس:
.
23
وليس على اّ بمستنكر أن يجمع العالم في واحد»
وبهذا ينجلي أنّ فلاسفة العرب والإسلام لم يخطؤوا التمييز بين «الإنسانية» و«البهيمية»، ولم يعدمهم حديثهم عن «قسط الإنسانية»
في الإنسان من التنبه إلى «نصيب البهيمية» فيه، واقفين على مظاهر «التناهي» و«الهشاشة» و«الضعف» في الإنسان التي قد تشفع له
بعض «زلاته» ولكنها في الوقت نفسه قد تهوي به إلى سحيق «الهمجية». وهو «سحيق» أعمق من مهواة حتى «البهيمية»، وذلك حين
يخرج الإنسان عّ كان س ّه أرسطو «أفق الإنسانية» الذي عليه أن يتوق إليه، فيتردى حتى إلى درك البهيمة فما دونا، وبهذا يكون كما
. ولعل أهم «همجيّة» كانت تسترعي
24
قال الفيلسوف ابن زرعة النصراني قد: «خرج عن أفقه، وصار أرذل من البهيمة بسوء إشارته»
اهتمامهم هيهمجيّة التسلط والاستبداد. فلا غرابة أن يدعو بعضمفكري العرب بعضطغاتهم إلى أن يخجلوا من أن يكونوا «إنساناً» أو
من أن يُعدّوا في عداد «بني البشر». فقد ذكر عبد الرحمن السخاوي في تراجمه اسم طاغية وقال عنه: «ولقد كان عاراً على جميع بني آدم»،
وذكر غيره وقال عنه: «وكان، والله، دابّة سوء».
.81 - 79 .
ـ الراغب الأصفهاني: الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص
23
.334 .
، ص
1974 ،
ـ أبو سليمان السجستاتي: صوان الحكمة وثلاث رسائل، تحقيق عبد الرحمن بدوي، طهران
24




