Next Page  59 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 59 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

59

2016 )9(

العدد

يقدمهصاحبدستور كارولينا لشرعية التوسعفي العالم الجديد، هو

التعبير البروتستاني الأكثر هدوءاً والأقل دموية ممّا قدّمه المنظرون

الكاثوليك الإسبان؛ فإذا كان هؤلاء قد اعتبروا أنّ استباحة البحار

من طرف القراصنة هو إعلان حالة حرب تبرر تصفية كلّ من

يشارك فيها، بما في ذلك القبائل البدائية التي تمثل خلفية للقراصنة

المارقين، يركز لوك على البعد الاستثماريوالصناعي، حيث يرى أنّ

القبائل الهندية تبدد الخيرات الطبيعية بنمطها الخامل واللاعقلاني

في الوجود، ولذلك فتواجدها على هذه الأرض الشاسعة لا يبرر

ملكيتها لها، ببساطة لأنّ ما يبرر ذلك هو الإنتاج لا مجرد التواجد.

لذلك يصبح الهندي غريباً على أرضه حين يفشل في أن يجاري

ركب الحضارة الصناعية، وأن يتحكم في آليات الشغل الذي يصبح العبادة الأكثر عمقاً في حمد النعم الإلهية، والاعتناء بها، وتحقيق فكرة

الاستخلاف في الأرض، التي يُعدّ الملاك الكبار أقطابها وسدنتها. على خلاف الهنود الذين يتبدون في التصور اللوكي كما لو أنم أخلوا

بعهد الاستخلاف الإلهي، ممّا جعلهم يغرقون في الحاجة والعنتوالتوحش، بحيث إنّ ملكاً في أمريكا حسب لوك، رغم كلّ ما يملك من

أراضٍ، هو أسوأ سكناً ومطعماً وملبساً من عامل إنجليزي مياوم.

بهذا تصبح نظرية الملكية الخاصة القائمة على الشغل قابلة لأن توظفعلى نحوين مختلفين، فهي داخل العالم القديم تسحب مسوغات

كلّ الحركات الثورية ذات النزوعات المساواتية، التي طالبت باستعادة الملكيات الكبرى في إيرلندا واسكتلندا باسم شعار «الأرض لمن

يحرثها». لأنّ حيازة الأرض بفعل شغل أولي حسب لوك يبرر تسييجها، وتبرير ملكيتها وتوارثها. ولذلك ففعل الحيازة الأول يتحقق

بالشغل، لكن ليسمن الضروري أن يكون المالكهو نفسه المشتغل على الدوام بأرضه، إذ يمكنه أن يشتغل عبر وسائط، سواء من خلال

العبيد الذين يبرر لوكشرعية وضعيتهم على أساس الحرب العادلة، التي تسمح للمنتصر أن يستبقي حياة المنهزمين مؤجلاً قتلهم، وهو

ما يجعل هؤلاء إمّا أن يقبلوا بذلكطوعاً، فيكونوا عبيداً شرعيين، أو أن يرفضوا فيكونوا قتلىشرعيين أيضاً. وكذلك يمكن توسط عمل

الرجل الأبيض الذي يضع نفسه تحت التصرف الكامل للملاك الكبار من حيث إنم أصحاب الحل والعقد في المجال المدني والسياسي،

الذي يقتسمونه مع ممثلي النبلاء الذين يعلي لوك من قيمتهم بشكل زائد في دستور كارولينا.

لكنّ النظرية نفسها تتحول إلى سند لنزع ملكية غير معترف بها داخل العالم الجديد، حيث يغيب بالمطلق مفهوم الشغل داخل الحضارات

البدائية. لذلك فقد مثلت قارة أمريكا فرصة جديدة أمام القوى الاقتصادية الصاعدة لإعادة اقتسام العالم، ولذلك فحين يكتب لوك عبارته

، فهو بذلك ينفي عملياً

12

من كتاب «مقالتان في الحكومة المدنية»: «وهكذا كلّ الأرض كانت في البداية أمريكا»

49

الشهيرة في الفقرة

شرعية المطالب الراديكالية للحركات الثورية، لكنه في الآن نفسه يعّ عن نزعة استعمارية واضحة، تفيد أنّ الهنود الحمر لا يمثلون صنواً

حضارياً تقتضيموافقته أو التعاقد معه، وإنّما هو غيرٌ يتموقع خارج الإنسانية المتمدنة. بل يمكن إن اقتضىالحال ودخل في حربضدّ مسار

الاستغلال العقلاني للأراضيالسائبة، أن يتحول هو نفسه إلىخيراتتخدم حضارة الشغل، بحيث تتمّ حيازته عبداً خادماً لسادته المتمدنين.

وفي إطار تبرير الهيمنة الحضارية الحديثة، وإضافة لنظرية الشغل التي أقصتالمتوحشداخلمجتمعاتالقنصوالالتقاط، فإنّ المقدمات

الثيلوجية لفلسفة لوك ستمارس إقصاء ثقافياً على هذا الهمجي المختلف على مستوى دركات الحضارة، وذلك من خلال اشتراط عبادة

.103

  ـ مقالتان في الحكم المدني، مرجع سابق، ص

12

حالة الطبيعة لدى لوك ليست وضعية

متنافية مع الطبيعة الإنسانية، بل على العكس

إ ّا ما يسمح ببناء تصور حول حسّ

حضاري أولي يمكن العودة إليه باستمرار

في كلّ مرّة يفشل فيها الكيان السياسي الذي

يشتغل من خلال توكيل سياسي لتدبير

شؤون القضاء والتشريع، بما يتناسب مع

هذه المرجعية الأخلاقية السابقة

جون لوك ... من الهمجيّة فقداناً للبراءة إلى الهمجيّة تخلفاً عن ركب الصناعة