Next Page  60 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 60 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

60

2016 )9(

العدد

إله واحد شرطاً للتوفر على صفة المواطنة داخل حضارة السادة المسيحيين، وهو ما لا يتحقق دائماً داخل مجتمعات طوطمية أو فيتيشية،

على النحو الذي كان سائداً في القارة الجديدة. وهكذا سينضافهؤلاء إلى الملاحدة الذين كما سبقت الإشارة يُستثنون من مبدأ التسامح.

بحيثسيمثلون نوعاً من التوحش المعرفي الذي لا يمكن تبريره بمنطق العقل السليم. يتبدى ذلك بشكلصريح داخل دستور كارولينا

الذي وضعه لوك لأجل تدبير المستعمرة الجديدة، حيث نجده ينصفي البند الرابع والتسعين على ما يلي: «لا أحد يمكنه أن يعتبر مواطناً

. وهكذا تشتد

13

حراً داخل كارولينا، أو يسمح له بالملكية كاستغلالية أو كسكن، إذا لم يكن معتقداً في إله، وفي وجوب عبادته على الملأ»

القبضة الحضارية على صاحب الأرض البدائي، فهو إمّا يفشل خارجياً في الاندماج داخل مسار الحضارة الصناعية، أو داخلياً في إطار

تبني ديانة بملامح كتابية.

خاتمة

رغم ما يبدو من تناقضفي الصورتين اللتين سيتقمّصهما جون لوك، بدءاً في إطار منطق حالة الطبيعة التي تدخل تحت خانة البراءة

الإنسانية، ثم في حالة التمدن الصناعي التي تتحكم فيها نظريته في الشغل والملكية الخاصة، فإنّ ذلك يعّ في الواقع عن حيوية هذه

الفلسفة التي سعت إلى أن تدبر فكرة الحضارة انطلاقاً من مبادئ مستحدثة، وأخرى غارقة في المقدمات الثيلوجية، ولذلك فقد مثلت

عتبة قابلة لأن تستغل على أوجه متعددة، وأن تدفع في طرق متباينة: إمّا كفلسفة تنظّر لليبرالية اقتصادية تبرر الكثير من شناعات الحضارة

التوسعية للرأسمالي وريث الملاك الكبار في العصور الحديثة، أو كفلسفة تؤسس لليبرالية سياسية، تجعل مثار ومدار الحضارة الدفاع عن

النواة الأخلاقية المتمثلة في حقوق الإنسان الأساسية. إمّا حضارة تحاربلأجل قيمة المراكمة والربح، أو حضارة تدافع عن قيمة الحرية

والكرامة. أين هي صورة لوك الحقيقية؟ يبدو أنّ هذه الثنائية هي الأكثر تعبيراً عن أزمته الشخصية، وعن أزمة الحضارة التي كان أحد

مؤسّسيها.

13. Locke, John, Constitution Fondamontale De La Caroline, Bernard Gilson, Vrin, paris, p.242.

محمد هاشمي