Next Page  73 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 73 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

73

2016 )9(

العدد

. كما أنّ فوكو رأى وراء احتجاجات السجناء وحركات العصيان والتمرّد في معتقلات

34

وفائدتها وطواعيتها، وتوزيعها وخضوعها»

النصف الثاني من القرن العشرين، فضحاً واضحاً للطرق الفظة والبدائية في معاملة الأجساد، في عصر ادعى أنّه تراجع عن ممارسة

. غير أنّ منهجه في استنطاق النصوص مكّننا من الانتباه إلى أنّ الخروج من بربرية وهمجية

35

فظاعات التعذيب على جسد «المجرم»

ووحشية الأساليب التقليدية في العقاب شكّل حافز المصلحين والمفكرين طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهو أمر لا يمكن

فصله عن تركيز للمعرفة العلمية حول موضوع الجريمة ودوافعها، إضافة إلى أنّه اهتمام حديث ينمّ عن رغبة في إصلاح الطبيعة الإنسانية

وتحسين ظروف العيش المشترك. وذلك هو صلب فرضيتنا في هذا المقال.

علىسبيل الختم

لا يخفى على من ساير خطواتنا التحليلية التي رسمناها على مدى هذا المقال التأثير الذي مارسته نظرية نوربيرت إلياس على شارلز

تايلور بشكلصريح (يحيل تايلور على مؤلفات إلياسفي كتابه الذي اعتمدناه مرجعاً لمقالنا) في تفسيره لسلوك المواطن الغربي المعاصر

الذي يقبل بنتائج تاريخ العلمنة التي قادت إلى مجتمع التعدد والاختلاف، كما مارست تأثيراً على فوكو، من خلال تحليل هذا الأخير

لتكنولوجيا السلطة الجديدة التي اعتمدت إجراءات في السجن والمدرسة والمشفى والعيادة والثكنة والمعمل من أجل مراقبة الفرد

ومحاصرته بالتدريب والتوجيهات وقياس قواه واستثمارها وتقويم سلوكه وضبطه ومعاقبته وتهذيبه وتهديده لصنع أفراد طيّعين

ومنضبطين. وفي الحالتين معاً رأينا كيف أنّ ثنائية همجي/ متحضر ظلت ثاوية خلف المعرفة وأنماط السلوك، الأمر الذي يقودنا إلى

استنتاج من ثلاث نقط:

ـ لقد شكلت ثنائية همجي/ متحضرنواة صلبة للتفكير الحديث، وهي النواة التي وجهت المعرفة والسلوك الغربيين داخلياً وخارجياً.

وقد كانتغايتنا إبراز أمر رأيناه غاية في الأهمية من أجل فهم للفكر الغربي الحديث أكثر موضوعية، وهي أنّ هذه الثنائية لم تكن آلة حرب

موجهة للخارج فقط (الاستعمار وإدماج المجتمعات البدائية في الحضارة)، وإنّما كانت آلة إصلاح داخلية قادت مجموع التحولات التي

يطلق عليها في المجتمعات الغربية «سيرورة الحضارة».

ـ إنّ ثنائية همجي/ متحضرليست معطى بنيوياً لازماً للتفكير الغربي منذ ينابيعه، وهذا يعني أنّ لها زمن ميلاد وزمن وفاة، الأمر الذي

يستلزم من الفكر النقدي استجلاء إرهاصات الميلاد وبحث أسباب الزوال. وهو الأمر الذي يكشف لنا أنّنا لسنا أمام ثنائي توأم، ما

دامت مفاهيم همجي أو بربري أو متوحش قد ظهرتفي أزمنة مختلفة دون وجود مفهوم حضارة، ما يعني أنّ مفاهيم أخرى قد وضعت

مقابلها بحسب السياقات الفكرية والسياسية من قبيل: يوناني أو إنساني.

ـ إنّ العصرالحالي يعرف بروز ثنائياتجديدة تتضمن طرفاً من الثنائية موضوع مقالنا دون الطرف الآخر، وهكذا فالمفهوم الذي يقابل

مفهوم «همجي» في الفكر المعاصرهو «إنساني»، أمّا المفهوم الذي يقابل مفهوم «حضارة» فهو«حضارات أخرى».

.63

- المرجع نفسه، ص

34

- «كان العصيان تمرداً ضدّ كل بؤس جسدي كامل عمره أكثر من قرن: عصيان ضد البرد، ضد الاختناق والتكديس، ضد الجدران البالية، ضد الجوع، وضد الضرب...،

35

.67

والواقع أنّ كلّ هذه التحركات كان موضوعها الأجساد». م. فوكو، المرجع نفسه، ص

الهمجيّة والحضارة: آليّة إصلاح الطبيعة البشريّة في الثقافة الغربيّة الحديثة