ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
68
2016 )9(
العدد
الممكن جداً أن تتخذ هذه الحضارة بُعداً قومياً، بمعنى أنّا من الممكن أن تتخذ داخل كلّ شعبخصائصمميزة. غير أنّ العناصرالرئيسة
. كما أنّه من الجائز أن تجتاز هذه العناصرالحدود «الوهمية» للحضارة، وذلك بالانتشار
15
تظلّ غير تابعة لا لدولة بعينها ولا لشعب بذاته»
انطلاقاً من مراكز الحضارة إمّا بالقوة أو بفعل التبادل، نظراً للعلاقات التي تربط مجتمعات تنتمي إلى هذه الحضارة مع مجتمعات أخرى.
هكذا يمكن الحديثعن حضارة مسيحية، دون أن يتناقضهذا القول مع الاعتراف بتواجد مراكز مختلفة، وهو اختلاف نابع من تجارب
مغايرة لمجتمعات مسيحية تنتمي للنطاق نفسه، مثلما يمكن الحديث عن حضارة متوسطية. والجدير بالتنبيه، أنّ الانتماء إلى النطاق
الحضاري نفسه لا يتنافى ووجود ألسن وعادات مختلفة بين مجتمعات هذا النطاق. فـ«الحضارة تشكل الوسط الأخلاقي الحاضن لعدد
.
16
من القوميات، بحيث تشكل ثقافة كلّ قومية صورة خاصة لتلك الحضارة»
تغير البراديغم الكولونيالي، ولم يعد مقابل لفظة
17
مع أعمال موسوليريسوكلود ليفي ستراوسوانتشار أعمال الإثنوغرافيا الأمريكية
حضارة هو متوحش أو همجي، وإنّما مقابل حضارة هناك حضارات أخرى.
فوكو وتايلور: سيرورة الحضارة من منظور مغاير
إثر المساهمات الإثنولوجية المعاصرة أضحى التمييز المفهومي همجيّة/ حضارة تميزاً عمودياً وليس أفقياً، بحيث اشتغل كلّ من ميشيل
فوكو وشارلز تايلور على المفهومين باعتبارهما ثنائياً ظلّ قائماً في خلفية التحولات التي عرفتها المجتمعات الغربية المعاصرة. إنّ هذا
الثنائي كامن في سيرورة الحضارة التي عاشتها المجتمعات الغربية في القرون الثلاثة الأخيرة. لكن قبل تحليل التاريخ المعتمد من طرف
كلّ فيلسوف على حدة، لا بدّ من الوقوف عند الملاحظات الأساسية لإثنولوجيا مارسيل موس التي كان لها التأثير الكبير في التحليل
الفلسفي اللاحق، خصوصاً اكتشافات موس الخاصة بتحكم المجتمع في جسد الأفراد المنتمين إليه.
تقنيات التصرففي الجسد وبالجسد (المشيوالجلوس إلى المائدة، والحركة في الحفلات، ووضعيات اليدين أثناء تقديم العزاء...) كلها
. وهذا ما أدّى بـمُوس إلى الاستنتاج التالي: «لا
18
أنماط من السلوك توجّه بواسطة التقليد والمحاكاة داخل المجتمع، أو بواسطة التربية
، ويقول موس هذا عن الشخص الراشد لأنّه، على عكس الصبي والطفل، قد
19
نجد في التصرفات الجسدية للراشد أي معطى طبيعي»
مرّ من طاحونة المجتمع المشتغلة بآليتي التربية والتبجيل الاجتماعي للمحاكاة.
يميز موس بين تقنيات الجسد الخاصة بالذكور والخاصة بالإناث (طريقة المشي)، وتقنيات الجسد المختلفة بحسب السن (جلسة
القرفصاء بالنسبة للأطفال)، وكذلك ارتباط تقنيات الجسد بفاعلية الحركة ومردوديتها، (يلاحظ موس ترويض حركة الجسد لتكون
ملائمة للأغراض المرجوة منها وناجعة (حمل الأشياء الثقيلة)، ولا يفوت موس التنبيه إلى عملية نقل تقنيات الجسد هاته، ممّا يكشف
.
20
البعد الاجتماعي للتعامل مع الجسد (استخدام اليد اليمنى في الثقافة الإسلامية)
يمارس كلّ مجتمع سلطة على الجسد من السهل ملاحظتها، تفرض عليه واجبات معينة وتحدد له محظورات وتملي عليه أوامر. لكن
15- Marcel Mauss, « Les techniques du corps » 1935, Techniques, technologie et civilisation, PUF, Paris, 2012, p. 268.
16- Ibid., p. 269.
17- Claude Liauzu, op. cit. pp. 144 - 145.
18- Mauss, op. cit. p. 371.
19- Ibid., p. 372.
20- Ibid., pp. 376 - 379.
حاتم أمزيل




