Next Page  91 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 91 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

91

2016 )9(

العدد

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل من وجاهة لهذه المقاربة

الأنثروبو-تحليلية على منوال العنف الديني الذي يهيمن اليوم على

المشهد الكوني؟

قد تفيدنا المقاربة الأنثربو- تحليلية في علم الأديان المقارن وفي

تاريخية المعتقدات وسيميائياتها، ولكنها تبدو اليوم غير قادرة

على تعيين مجال العنف الديني ورسم سياساته ورهاناته القصيّة.

ويبدو أنّ العنف الديني عنف مخصوص، بل إنني أميل إلى القول

إنّه متأخر الظهور من حيث الشكل، بل هو معاصر لنا، ومرتبط

. وفضلاً عن هذا، لا يمكننا أن نصنفه ضمن

13

بالحداثة والعولمة

براديغم العنف البيولوجي (الفردي)، أو ضمن براديغم العنف

الصراعي (الجماعي)، بل هو يُوصّف ذاته بأنّه «جهاد»، وعليه سنطلق عليه عبارة «العنف الجهادي».

ـ العنف الديني بوصفه «عنفاً جهادياً»

هل نحن إزاء منوال من العنف لم تعرف البشرية نظيراً له في التاريخ؟

هل هو من استتباعات الحداثة ومخلفاتها الكارثية؟ هل ينتمي العنف الجهادي إلى الماضيوالحاضرمعاً؟ وإذا كان قد تجلى في صيرورة

التاريخ الطويلة، فما الذي يستدعي اليوم حضوره مجدّداً بهذا العنفوان الدموي المفزع؟

لعل ما يميز»العنف الجهادي» عن العنف الطبيعي (البيولوجي) للبدائيين عن العنف الصراعي الغائي والقيمي، عن عنف الدولة

المشروع، هو بلا شك المنطلقات والاستتباعات (الرهانات).

ويبدو أنّنا نشهد تطوراً، بل قلْ تضخّماً في قيم العنف، ولنلاحظ أنّنا ننتقل من عنف بيولوجي فردي غير منتج للمعنى، إلى عنف

صراعي (بينذاتي) منتج للقيم، إلى عنف دولتي ضامن لاستمرار القيم التي أفرزها العنف الصراعي السابق، إلى عنف جهادي لم يفرزه

الصراع الطبيعي والتاريخي الذي خاضه الإنسان مع الطبيعة ومع أشباهه، وكأنه يطلّ علينا من كوكب آخر. 

يبدو «العنف الجهادي» كأنه مُسقط إسقاطاً على التاريخ، أو هو فوق التاريخ (كما يعتقد دعاته). إنّ رسالة هذا العنف ليست للبشر

بل للآلهة، إنّا طلب لمرضاتها عبر التضحية بالقرابين البشرية. يقول بنجامين بربار: «إنّ كلمة جهاد قوية، إنّا، بألطفصيغها، توحي

بصراع ديني باسم العقيدة، بنوع من الحماس الإسلامي، أمّا بأقوى تجلياتها السياسية فتعني حرباً مقدّسة دموية باسم هويّة حزبية محددة

.

14

ميتافيزيقياً، ومحميّة بأسلحة التعصب»

ـ «ليست القرون الوسطى هي التي تعود من وراء الحداثة أو من تحتها، بل إنّ الحداثة نفسها هي التي تفرز أشكال الرفض الخاصة بها. روا، أوليفي، تجربة الإسلام

13

.11

)، ص

1994 ،

السياسي، نصير مروة (مترجم)، (بيروت، دار الساقي

.53-52

ـ بنجامين بربار، «الجهاد في مواجهة عالم الماكدونالد»، في فرانك جي. لتشنر وجون بولي، ص

14

سياسات «العنف الجهـادي» ورهاناته

يبدو أنّنا نشهد تضخّماً في قيم العنف،

ولنلاحظ أنّنا ننتقل من عنف بيولوجي

فردي غير منتج للمعنى، إلى عنفصراعي

(بينذاتي) منتج للقيم، إلى عنف دولتي

ضامن لاستمرار القيم التي أفرزها العنف

الصراعي السابق، إلى عنفجهادي لم يفرزه

الصراع الطبيعي والتاريخي الذي خاضه

الإنسان مع الطبيعة ومع أشباهه