الديمقراطية الجذرية: اعتراضات فردريك شليغل على التصور الكانطي للديمقراطية
فئة : ترجمات
الديمقراطية الجذرية:
اعتراضات فردريك شليغل على التصور الكانطي للديمقراطية[1]
ترجمة: عبد الكريم بخاشو
تحت إشراف: د. محمد البوغالي
لقد لاقى نص كانط "من أجل سلام دائم"[2]1795 تفاعلا كبيرًا وأثار ردود أفعال كثيرة، لعل أكثرها إثارة للإعجاب نص مراجعة فردريك شليغل "مقال عن مفهوم الجمهورية"[3]، والذي نشر في مجلة "ألمانيا" من طرف يوهان فردريك ريتشارد في غشت 1796، ولم يكن عمر شليغل المتحمس بشدة للمنظور الكانطي للجمهورية آنذاك يتجاوز الرابعة والعشرين.
لا شك في أن شليغل يتبنى موقف كانط الذي يذهب إلى أن قيام النظام الجمهوري في كل الدول وحده شرط للسلام بين الأمم، غير أنه قد انتقد مع ذلك ما بدا له سلسلة من الأخطاء المنطقية في حجة فيلسوف كونيجسبيرغ، ليأخذ على عاتقه مهمة تطوير هذه الأطروحة، مضيفا أن الدولة لا تعد جمهورية إلا حين تكون دولة ديمقراطية، وأن القانون الموحد لوحده غير كاف ليسود السلام العلاقات الدولية، ما لم ترتكز هذه الأخيرة على سيادة الأخوة بين جميع مواطني الجمهوريات. ولهذا، سنعرض هنا بعض ضروب التمايز بين أطروحتي الفيلسوفين:
يرى كانط أن "الجمهورية هي النظام السياسي الذي يعرف بالفصل بين السلط" و"أن الإرادة العامة وحدها ما يحدد حقوق كل الأفراد." مضيفاً أن "الديموقراطية هي شكل من أشكال الاستبداد"؛ لأن "التمرد ليس حقا في أي حال من الأحوال."
أما بالنسبة إلى شليغل فـ"السيادة لا بد أن تظل في يد الشعب، حيث لا يمكن التنازل عنها لأيّ حاكم كيفما كان". أما "إرادة الأغلبية، فقيمتها في مجرد كونها بديلا للإرادة العامة." وأن "الجمهورية ينبغي أن تكون ديمقراطية بالضرورة." كما "يمكن للثورة أو التمرد على السلطة أن يعيدا النظام للجمهورية بشكل قانوني."
كيف يمكن تلقي أطروحات شليغل؟ ما هي خلفياتها وسياقاتها الفكرية؟ ثم ما هي مكامن قوتها؟
ستساعدنا التساؤلات السابقة على فحص القضايا التي يعبر عنها عنوان المقال؛ أي دفاع شليغل عن النظام الجمهوري كبديل للاستبداد.
يتعاطى Gérard Raulet بصرامة مع شليغل في دراسته: "الديمقراطية في مواجهة الجمهورية، عن أشكال تلقي مقال السلام الدائم لكانط من طرف الرومانسيين"[4]، حيث يصف موقفه بالديمقراطية المتطرفة أو الجذرية، كما آخذه على ما اعتبره عددًا من التأويلات الخاطئة في قراءته لكانط، إضافة إلى اعتراضه على عدم اقراره بالتعارض الممكن بين السياسة والأخلاق، وسنختبر هذه الفرضيات، رغم مثالب النظرية الكانطية (خصوصا حينما بتعلق الأمر بحرمان أغلبية الساكنة من حقوقها السياسية).
يعد مفهوم "التمثيلية" من بين أول ما يؤاخذ على شليغل وينتقد عليه، فهي عند الكثيرين تطبيع مع اللامساواة السياسية حينما تؤيدها الأغلبية، لكن نص شليغل يظل مع ذلك واحدا من النصوص المتميزة والرؤيوية؛ وذلك على عدة مستويات، خصوصا وأنه أحد النصوص الفلسفية الأولى التي استشكلت مفهوم الأغلبية.
1- نقد أطروحة كانط:
يتضمن المقال عن مفهوم الجمهورية في بدايته هامشاً نقديًّا تقويضيًّا، يشمل عرض شليغل لما يراه أشكال التناقض المنطقي في مقال كانط، وهي ثلاثة اعتراضات تحديدًا:
يتعلق الأمر أولا بالتحليل العام لمفهوم الجمهورية، فكانط -حسب شليغل- تناول فقط مخرجات ومآلات المفهوم دون البحث في أسسه؛ أي ما يدعوه شليغل بالأمر السياسي المطلق، بقوله إن أي دستور سيستتبع بالضرورة قوانين ملزمة، كما سيناقض نفسه حين سيدافع عن التمثيلية السياسية، وهو ينتقد الديمقراطية في نفس الوقت. فما المقصود بالنظام الجمهوري؟
يذكرنا شليغل أولا بتأكيد كانط أن "دستور الجمهورية هو النظام الذي يكفل حرية الأفراد، التزام الكل بالعقد الاجتماعي، والمساواة بين المواطنين."[5] (AK 8. 349-350) كما يعود بنا في مكان آخر كذلك إلى الخلاصة المتعلقة بالجمهورية كما حددها كانط باعتبارها فقط "الدستور المترتب عن العقد الاجتماعي الأصلي." (AK 8. 350)
يجادل شليغل على أن هذا التعريف وهذا الاستنتاج غير كافيين الآن؛ وذلك على مستوى ثلاث نقاط على الأقل؛ فالالتزام بالقانون أمر يفرضه كل دستور، وليس حكرًا على الدستور الجمهوري وحده[6]، بالإضافة إلى أننا لا نعثر في تحليل كانط على التمييز بين مختلف أنواع النظام الجمهوري، خصوصا وأن تعريف النظام الجمهوري لن يكتمل إلا حين يتضمن مبدأ تقسيمه إلى فئات وأقسام. أما ثالثا، فإن كانط يجعل من الحرية والمساواة الغايات والمبادئ النهائية للجمهورية، هذه الغايات (الحرية والمساواة) لا تتحددان في الحقيقة إلا كسلب أو نفي؛ لأنهما تعبران عن تقيد الأفراد بقوانين خارجية، وعلاوة على ذلك -دائما حسب شليغل- فإن استنتاج كانط بخصوص شرعية الجمهورية غير مرض كما تعريفه؛ لأنه في الواقع لا مجال للحديث عن تعاقد ممكن، إلا إذا كان الناس أحرارا في هذا التعاقد ومتصلين ببعضهم البعض عن طريق المساواة. لذلك، ففي هذا التحليل تفترض الإرادة العامة الارتكاز على ذاتها، مما يجعل من الاستنتاج حول الجمهورية حلقة مفرغة.
سرعان ما تتخذ هذه الانتقادات أو الاعتراضات طابعا أكثر واقعية وإقناعاً، رغم أنه قد تبدو للوهلة الأولى شكلية للغاية؛ وذلك إذا نظرنا إلى العقيدة الوضعية التي يرمي شليغل إلى الدفاع عنها من خلال هذه الاعتراضات، والتي ستتجلى في بقية النص.
أ- يدافع شليغل أولا عن نسبية القوانين، ففي الحد الذي لا يظهر فيه الشر بشكل جذري، يمكن تصور حرية مدنية حتى بدون إكراه القوانين الإلزامية.
ب- يسعى شليغل في مرحلة ثانية إلى التفكير في تنوع وتعدد أشكال الجمهورية؛ وذلك انطلاقا من تاريخ هذا النظام السياسي.
ت- أما ثالثا، فشليغل يضع نصب عينيه كهدف مسألة إبراز مبدأ أعلى من الحرية والمساواة كأساس للدولة كما يعترض على التأكيد الكانطي على ضرورة الفصل بين السلط كشرط ضروري لقيام الجمهورية مؤكدا أنه إذا كان الفصل بين السلط قاعدة، فإن الاستثناء ممكن. فكيف يمكن فهم هذا النقاش إذن؟
يرى كانط أن شرط الفصل بين السلط وفكرة التمثيلية السياسية جزء أساسي من نقده للديمقراطية؛ لأن هذه الأخيرة يجب أن تكون من وجهة نظره مباشرة لذلك فهو ليس تمثيليا، ويدافع عن تمتع الشعب ككل بالسلطتين التنفيذية والتشريعية؛ وذلك عن طريق إقرار القوانين العامة وتطبيقها بطرائق معينة، ومع ذلك يطرح الأمر نوعا من التناقض حسب كانط؛ إذ لا يمكن للمشرع أن يكون منفذًا كذلك للقوانين التي يشرعها، كما أن امتياز تشريع أو تنفيذ القانون سيؤدي إلى نوع من انعدام التوافق بين العام (القانون) والخاص (السلطتين التنفيذية والتشريعية)، حيث سيؤثر امتلاك هاتين السلطتين بشكل ما على النشاط التشريعي ليغدو فعل تميز، ما سيدفع الجميع إلى الرغبة في أن يكون سيدًا، ليحول بذلك تناقض كهذا النظام الديمقراطي إلى لا نظام، وهذه الملاحظة تشي لامحالة باستحضار كانط لتأثير جماهير باريس على المجالس الثورية.
يسلط هذا التحليل الضوء أيضا على رهان النموذج التمثيلي للنظام السياسي، فالجهاز التمثيلي لا يهدف في نظر كانط إلى حل إشكالية صعوبة الجمع بين عدد كبير من المواطنين وفي مجلس واحد، فهذه الهيئة ستسمح للسياسيين بتمييز أنفسهم عن جماهير الشعب؛ لأن التمثيل عنده لا يرادف الاختيار، وإنما يتوافق مع مسار عقلنة الإرادة السياسية.
لا تغدو إرادة الدولة كونية إلا حينما تحقق تمثيلية الشعب؛ لأن ممثلي الشعب أو النواب يحكمون لا باسم المصالح الأنانية للجماهير، وإنما باسم الدولة نفسها؛ ففي نهاية المطاف يهدف فصل السلط كما التمثيلية السياسية إلى تحقيق نفس الوظيفة، ألا وهي السماح للحاكم بالتجرد من المصالح الخاصة للارتقاء إلى مستوى الإرادة بمعناها الكوني[7].
يجد تحليل كانط جذوره في "أساس الحق الطبيعي" لفيخته، فإذا كانت الجماعة بأكملها تستحوذ على السلطة التنفيذية فما هي هذه السلطة التي ستجبرها على الالتزام بالقانون في ممارستها لهذه السلطة؟
(فيخته 1796) ليختم بمقارنة دالة: "لا ينبغي لأي دولة أن تحكم لا بشكل استبدادي ولا بشكل ديمقراطي".[8]
يتمثل ردّ شليغل على كانط في كون السؤال الرئيس ليس هو "فصل السلط"، وإنما سيادة الشعب؛ إذ يمكن لنا أن نستحضر بسهولة أمثلة لديكتاتوريات لم يتحقق فيها شرط الفصل بين السلط، وإن كانت في الأصل جمهوريات كما هو حال الإمبراطورية الرومانية مثلا.
من المؤكد أن شليغل يؤيد الفصل بين السلط، والذي يفهمه قبل كل شيء على أنه نوع من التعدد في الأجهزة الممارسة للسلطة، علما انه لا يرى في التعددية بالضرورة حلا للاستبداد، لذا يجب على أيّ شعب (أو جماعة سياسية) أن لا يفرط في سيادته "لا يمكن البتة التخلي عن السيادة"؛ فبمعنى آخر تقوم أطروحة شليغل على كون الجمهورية لا تتمثل فقط في التعددية التنظيمية للسلطة، وإنما لأنها تحكم الشعب وتضبط هؤلاء الذين يمارسون الحكم باسمه.
2- الأمر المطلق السياسي: نقطة انطلاق التحليل
يتضح مما سبق أن شليغل يسعى إلى إظهار شرعية الدولة الجمهورية كما يدافع عنها بشكل إيجابي. أما تحليله، فقائم على فكرة "الأمر المطلق السياسي" المرتبط بملكة التواصل Mitteilung لدى الإنسان مع تركيزه مع ذلك على أنه بقدر ما يجب أن يلتزم الجميع بهذا الاشراط السياسي بقدر ما يتطلب هذا الأخير الحرية والمساواة بين كل المواطنين، فكيف يمكن إذن تفسير هذا الأمر المطلق السياسي؟
هناك بالنسبة إلى شليغل أولا وقبل كل شيء أمر مطلق عملي، والذي يصاغ على النحو التالي: "لا بد من الذات" وهذا الأمر نابع من ملكات الذوات الفردية، وفي استقلالها التام عن بعضها البعض، وإلى هذا المبدأ تنضاف مبادئ أخرى مرتبطة بملكات أكثر تحديدا، ألا وهي قدرة الإنسان على إقامة صلات ووشائج مع غيره من الناس، ومن هنا سيتخذ الأمر السياسي المطلق الصيغة التالية: "ينبغي للجماعة البشرية، أو بالأحرى للذوات الإنسانية أن تنفتح على الآخرين وأن تتواصل مع غيرها من الذوات."
يقصد شليغل بالتواصل التأثير المتبادل، ويأخذ عن فيخته تعريفه للميل إلى التواصل كميل إلى "جعل بعضنا البعض متشابهين مع ذواتنا بأفضل ما لدينا وعلى قدر الإمكان."[9] وفي الواقع يبحث شليغل مثله مثل فيخته عن مبدأ متعال يكون مبنيًّا تجريبيًّا على القابلية للتطور والإنجاز.
يبدو أن اثنين من مبادئ شليغل مستمدان بشكل واضح من كتاب "وجهة العالم" لفيخته (1794) وهذان المبدآن عن "الإنسان في ذاته" و"عن الإنسان والمجتمع"، فالمبدأ الشليغلي الأول يستعيد مسكوكة فيخته "على الإنسان أن يظل ما هو عليه لأنه هو"[10]. أما بالنسبة إلى المبدأ الثاني، فقد كتب فيخته أن النزوع الاجتماعي Der gasellschaftجزء من Liche Tieb النوازع الأساسية لدى الإنسان، حيث إن الإنسان يناقض نفسه في انعزاله.[11]
لا يمكن إذن من وجهة نظر شليغل أن نعتبر العقد الاجتماعي هو الأصل الأول للدولة؛ لأن هناك مبدأ قبليًّا هو جزء من الطبيعة البشرية، وإذا كان كانط يرى أن الدولة تتأسس على ميثاق أول وظيفته إنهاء حالة الطبيعة، فإن شليغل في مقابل ذلك يرى الدولة نتاجا لحاجة متعالية تعبر عن نفسها في كل إنسان، مما سيؤدي إلى تكتل المجتمع حولها كمجال للتواصل بين الذوات؛ فالدولة لم تعد تعرف في المقام الأول على أنها بنية للسلطة، أو كأداة لضمان استمرار وبقاء الأفراد، بل إن الوجود الاجتماعي هو غايتها الوحيدة. يقول شليغل: يرمي كل مجتمع إلى ائتلاف الناس، حيث إن اجتماعهم غاية في ذاته؛ أي إن غاية المجتمع هي المجتمع نفسه، والذي سمى نفسه دولة.[12] ولهذا السبب أيضا، ليس القانون بنية أساسية، مادامت الدولة لم توجد لحل مشكلة العنف الطبيعي، ووجدت لهدف أقل درامية ألا وهو تحقيق الصلة والوشيجة بين الناس، ولهذا يظل تحليل شليغل أكثر دقة، فارتباط واقتران قدرة الإنسان على التطور ذاتيا وقدرته على تبادل التأثير مع الآخرين لا تفترض أي اجتماع كيفما كان، وإنما دولة جمهورية بمعنى مجتمع كل ذواته حرة، وتتمتع بالمساواة كباقي أندادها؛ لأن حرية الإرادة هي الشرط الذي بموجبه يمكن اعتبار الأفراد أعضاء في المجتمع يتساوى كل واحد منهم مع باقي أعضاء المجتمع، وبالتالي فللحرية والمساواة دلالات سياسية حتما؛ لأنه هنا للحديث عن حرية أخلاقية أو مساواة اجتماعية، بل يتعلق الأمر بمواطنة كاملة.
تفرض الأوامر السياسة المطلقة المتعالية الاعتراف للجميع بحق العضوية في المجتمع، وتمكين الجميع ممارسة صلاحيات المواطن الحقيقية، وبالتالي فمن حق النساء والطبقات الأقل حظا من حيث الثروة المشاركة كذلك في العملية الانتخابية والتصويت (نفس المرجع)، في حين يؤكد كانط – كما نعلم – على أنه ليكون المرء ناخباً يجب أن يكون أولا مواطنا سيد نفسه؛ أي أن يملك من الممتلكات ما يمكنه من تحقيق العيش الكريم[13]، إضافة إلى إقراره بأن جنس النساء لا ينبغي أن يتمتعن بصفة "الشخصية المدنية"، [14] ويحتفظ المجتمع السياسي بمعنى من المعاني -وفقا لشليغل- بجوهر فردي؛ لأنه مفكر فيه من قبل ذوات فردية، علما أن الفرد موضع النقاش هنا ليس الفرد كما تصوره جون لوك؛ أي ذلك الذي يريد فقط أن تتم حماية حياته وحريته وممتلكاته، إنما المقصود بالفرد هنا هو تلك الذات المتعالية التي تؤسس لمتطلباتها انطلاقا من التجربة، ففكرة الجمهورية هنا تعبر عن الصلة بين الأمر المطلق السياسي والأمر المطلق الأخلاقي، وهو ما يفرض أن أي دولة لا تحترم مبدأي الحرية والمساواة، لا تعد بأي شكل من الأشكال دولة حقيقية.
3- أي شرعية لإرادة الأغلبية؟
إن الإصرار على كون الإرادة العامة إرادة مطلقة كونية دائمة ومستمرة يظهر أثر روسو وكانط في نص شليغل، فقط في حالة الخضوع للإرادة العامة يتحقق التوازن بين إرادة الجماهير وإرادة كل فرد على حدة، ليبقى السؤال مطروحا: هل يمكن لهذه الإرادة العامة أن تتجسد كما هي بشكل إمبريقي؟
يجيب شليغل عن السؤال السابق بالنفي، فلا يمكن للكونية المطلقة أن تتجسد في شخص ما للفجوة بين تفرد المعطى التجريبي وكونية المفهوم، والتي لا يمكن تجاوزها إلا بوثبة جريئة وخطيرةSalto Mortale وهو ما يبرز هنا ابتعاد شليغل عن أثر كل من روسو وكانط؛ لأنه بالنسبة إلى روسو تنكشف الإرادة العامة من خلال مداولات المواطنين ما دامت الاختلافات الجزئية والصغيرة التي تفضي إلى اهتمامات متباينة ستلغى بشكل تشاركي متبادل. أما بالنسبة إلى كانط فبقدر ما يحرر التمثيل السياسي السياسيين من الميول الخاصة للجماهير بقدر ما يضمن تجلي الإرادة العامة. أما بالنسبة إلى شليغل، فيرى من وجهة نظر أخرى أنه لا وجود لأي إجراء يمكن أن يكفل الظهور التجريبي لأيّ إرادة عامة، هذه الأخيرة تكمن قيمتها فقط في كونها فكرة مثالية منظمة.
على الرغم من كون الصعوبة السابقة تضعنا أمام معضلة أو مفارقة لا حل لها، إلا أنها تعمل مع ذلك لصالح التصويت بالأغلبية بدلا من الإرادة العامة غير القابلة للتحقق أو التجسد، فمن الضروري إذن أن نتقبل البديل المعطى تجريبيا، وهذا البديل ليس سوى إرادة الأغلبية، وإذا كان كانط يذهب إلى اعتبار التمثيلية السياسية بمعناها المقترن بالفصل بين السلط فعالة لدرجة الاستغناء عن ضرورة العودة إلى الشعب لأخذ رأيه؛ إذ يمكن تجسيد العقلانية ببساطة عبر تجريد إرادة الدولة من خلال إرادة الشعب، ويرى شليغل أنه مادام ليس بالإمكان تحصيل هذه الإرادة العقلانية، يفرض البحث عن بديل لها نفسه، حيث يكون مرضيا ما أمكنه ذلك، ومن هنا جاءت فكرة انتخاب ممثلين يصوتون هم أنفسهم على القوانين وفق إجراءات الأغلبية. إننا هنا أمام نظام تخييلي يستبدل الإرادة العامة "إن الخيال السياسي الوحيد القويم هو ذلك القائم على قانون المساواة، حيث يجب أن تتمتع إرادة الأغلبية بقيمة بديلها الذي هو الإرادة العامة".
لقد تمت استعارة مفهوم "البديل" من مقال "من أجل سلام دائم" وتحديدًا الفقرة الثانية، في إطار الحديث عن العلاقة بين الدولة الكوسموبوليتانية والسلام العالمي؛ إذ يعدّ كانط الأخير شرطا للأولى، ومع ذلك بإمكان الشعوب كما نعرفها أن تتقبل هذه الدولة الكوسموبوليتانية، ما يفرض اللجوء إلى تشكيل فيدرالية للدول الحرة كبديل أقل كمالا لهذه الجمهورية الكونية، لكنها قد تكون رغم ذلك ناجعة تماما في ما يتعلق بالسلام العالمي، ولهذا فمفهوم "البديل" يعيننا على تحقيق المفهوم بشكل مقبول، رغم أنه ليس فعالا سوى على نحو جزئي.[15]
يقر النص بأن إرادة الأغلبية يعترف بها كمرادف للإرادة العامة؛ وذلك عن طريق نوع من الخيال القانوني Fictio Juris، والخيال القانوني كما نعرفه هو تقنية تشريعية مصطنعة، أو أنها بالأحرى "كذبة قانون" يراد بها فرض واقع مضاد للواقع الحقيقي لأجل إحداث أثر قانوني. [16] ومن الضروري أن نتساءل: ما الذي يبرز الحاجة إلى هذا الخيال؟ أليس وضع القرار السياسي في يد الأغلبية تخليا عن مبدأ الارادة العامة؟
يتحدث شليغل على وجه التحديد -وكما رأينا- عن الشرخ بين الإرادة العامة والإرادة بمعناها الإمبريقي الملموس، لكن أليست ماهية هذه الأخيرة في كونها محددة وخاصة، وبالتالي أليست غير قادرة على ضمان الطابع الجمهوري للنظام؟[17]
يجيب شليغل عن هذا الاعتراض في مناسبتين: فبداية يمكن أن نجيب بالتأكيد أنه من الممكن جدًّا أن تضطهد أغلبية أقلية ما لنجد أنفسنا إذن أمام "أوكلوقراطية" Ochlocratie؛ أي عندما تكون السلطة بيد الجمهور (ترجمتها دهمقراطية)؛ لأنه من جهة أخرى لا تعد إرادة الأغلبية بديلا للإرادة العامة إلا في الحدود التي تتمتع فيها بالروح الجمهورية، لكن هذه الإجابة تبقى مع ذلك غير مقنعة؛ لأن ما على المحك هنا هو معرفة الطريقة التي ستحظى بها الأغلبية بفرص أكبر من أي اقلية لتمثل الروح الجمهورية وتجسدها، ويكمن الحل في مفهوم "التقريب" Annaherung بالمعنى الديناميكي لحركة الاقتراب، فمفهوم "البديل" يعرف كمرحلة في مقاربة لانهائية.
"لابد للدولة أن تكون جمهورية، فقيمة الدولة الجمهورية قيمة مطلقة؛ وذلك نظرا للحقيقة البسيطة الكامنة في سعيها إلى تحقيق غايات خيرة، ومن وجهة النظر هاته تتساوى جميع الدول لكن قيمتها تختلف باختلاف درجة اقترابها من هذه الغاية التي يصعب بلوغها."
يستفيد شليغل هنا من المفهوم الكانطي في المثال المنظم، وكذا التصور الفيختي عن الجهد اللانهائي اللازم لانسجام الذات مع ذاتها. لقد اقترح كانط على سبيل المثال في الفقرة السادسة من كتابه "فكرة تاريخ كوني" بصدد الحاكم "وكأننا عن قائد لنا ولنا فقط" "فالطبيعة تلزمنا بعدم البحث عن أي شيء آخر سوى الاقتراب من هذه الفكرة [18]Die Annaherung zu dieser idéeونفس الشيء بالنسبة إلى كتاب "وجهة العالم" لفيخته بخصوص الخضوع للجوانب اللاعقلانية: "عن الاقتراب بلا هوادة من هده الغاية هو وجهة الإنسان كإنسان؛ أي إن وجهته هي السعي إلى الكمال دوما".[19]
يرتبط تحليل شليغل السياسي بفلسفة التاريخ، فإذا افترضنا أن إرادة الشعب تتقدم وتتطور بشكل مستمر، فآنذاك فقط يمكن أن تغدو صورة للإرادة العامة، وكأن الاهتمام هنا لم يعد منصبا على أوجه التقابل بين المفهومين، إنما على درجة تقابلهما، هذا التقارب يزداد عبر التاريخ ليصبح لسلطة الأغلبية ما يبررها لأنها محاولة ديناميكية لتقريب الإرادة العامة.
لنقارن هذا التحليل مع التأويل شبه الآلي لمسألة الأغلبية سنة 1796 من طرف جون لوك في المقال الثاني عن الحكومة المدنية:
"إن ما يحرك أية جماعة كيفما كانت لا يمكن أن يكون سوى اتفاق الأفراد اللذين يشكلونها، وبما أنه من الضروري بالنسبة لما يشكل جسما أن يتحرك في اتجاه واحد في كل مرة، فلا بد أن يتحرك هذا الجسم في الاتجاه الذي تدفعه إليه القوة الأكبر، أي توافق الأغلبية."[20]
السؤال بالنسبة إلى جون لوك ليس هو مدى شرعية رأي الأغلبية، إنما علته، وكأننا أمام فيزياء للجسم الاجتماعي، ويختلف شليغل كذلك مع وجهة نظر "إيمانويل جوزيف سياس": "إن التخلي عن إمكانية تحقيق رغبة مشتركة سيؤدي إلى حل المجتمع، فلابد أن يكون المشترك دائما هو هذا المجموع المتشكل من كل الإرادة المحددة (الإجماع)، ولذلك وجب التعرف على جميع خصائص الإرادة المشتركة في عدد معروف مثل الأغلبية".[21]
إن الشرط البراغماتي لتكون إرادة عامة حسب جوزيف سياس هو إعطاء الأولوية للأغلبية، لكن إلى أي حد يمكن القول إن إعطاء الأولوية للأغلبية أمر عادل؟
يبدو أن "سياس" يترك هذا السؤال معلقا دون أي إجابة واضحة. أما شليغل، فيربط المعنى القانوني للخيال بالدلالة التقريبية في الرياضيات، من حيث المعنى التقريبي لمفهوم الأغلبية، وكأن أنماطا من النظام الجمهوري تكون مقبولة ومشروعة، رغم أنها لا تلامس الكمال طبعا، لكن شكلها يتيح لها على الأقل تجنب القرارات التي لا توافق الإرادة العامة، ويقدم شليغل مثالا لإرادة سلالة حاكمة أو أسرة ملكية ما والتي قد تدعي أنه من الطبيعي أن تفرض إرادتها عل الأجيال المتعاقبة؛ لأن الأمر يتعلق هنا بإرادة مخصوصة ومحددة، لكن مفهوم "التقريب" يحتم إدانة أي سلطة في حالة عدم الوفاء بوعد تمثيل الإرادة الكونية، فمثلا لا بد من نقد خلط الثورة الفرنسية بين الإرادة العامة وسلطة الشعب "اللامسرولون" Les sans culottes، وعلى عكس ما يقوله Gérard Raulet ينبغي الإقرار بما يحوزه تحليل شليغل من قدرة نقدية فذة، مع أنه يستعير من كانط مفاهيم كـ "البديل" و"الخيال القانوني" ليستعملها في أطروحات ضد أطروحاته؛ وذلك لأنها مفاهيم ترتبط بالتخلي عن الشرعية السياسية الكاملة في نظر شليغل، فإذا كانت الدولة الجمهورية التي تحقق الفصل بين السلط عند كانط تضمن الحرية والمساواة بين المواطنين، فإنها تظل في نظر شليغل مجرد مثال يتم السعي إليه على الدوام، لكنها لا تتجسد على أرض الواقع كاملة بتاتا.
ترتبط المواطنة كممارسة بالوعي الدائم بعدم كمال النظام، لدينا هنا قبل الرسالة تطبيقا شليغليا لمفهوم السخرية Witzكبديل لما يجب أن يستمر إلى ما لانهاية [22] فمن وجهة نظره لا وجود أبدا لدستور كامل حقا. أما كانط، فيعتقد أن مهمة الفيلسوف هي أن يحدد النظام السياسي المثالي، والذي يتجسد من منظوره الخاص في النظام الجمهوري؛ أي إن المثال السياسي يمكن وفقه أن يتجسد على نحو واقعي، رغم أن هذا الأمر يتطلب في واقع الحال وقتا طويلا ومكابدة، إلا أنه ينبغي أن نفهم مع ذلك أن هذه الصعوبة لا تقلل من قيمة العمل النظري للفيلسوف ولا تعنيه في أي شيء. أما شليغل، فيعنى بأنواع النظام الجمهوري في تنوعها التاريخي ودرجات توافقها المتفاوتة مع المثال مقرّا باستحالة التجسيد الكامل والتام للمثال.
إن من أفضل ما يمثل البعد النقدي لدى شليغل في قراءته لكانط كذلك دفاعه عن الحق في الثورة، فكانط كما نعلم يذهب إلى أنه لا يحق لأحد أن يقاوم السلطة؛ لأن مفهوم الثورة لا يتوافق مع مبدأ العمومية، وهو ما يرفضه شليغل تماما؛ لأن الدستور لا يمكن أن ينص على الثورة أو التمرد لأنهما ببساطة يلغيان الدستور، مما سيقوض ويبطل الإشراط السياسي، ويمكن نظريا تحديد الحالة التي تكون فيها الثورة مبررة؛ وذلك عندما يمدد ديكتاتور فترة ولايته دون مبرر أو عندما تميل المؤسسة إلى إلغاء الدستور؛ أي ببساطة عندما يسود الاستبداد المطلق، ورغم هذا فشليغل ينتقد الثورة الدائمة وحالة الفوضى، حتى وهو يعترف بها حلا وبديلا للاستبداد، بل ويحث عليها ويشجعها في هذه الحالة. فما هو إذن النموذج الذي ينظر له فردريك شليغل، وهو يدافع عن جمهورية ديمقراطية؟
إن المرجعية اليونانية أساسية وواضحة هنا، فشليغل يعترض على النقد الذي تعرضت له الجمهوريات القديمة، يقول شليغل: "إن الأحكام بشأن القيمة السياسية لهذه الدول الرائعة والأصيلة التي تأسست على خيال عام متفق عليه من طرف الجميع والمعطى في إرادة الأغلبية، أحكام خاطئة كما أن مجتمع الأخلاق والثقافة السياسيين المعاصرين حينما يقارن بالقدماء لا يظهر سوى كطفولة، فلا وجود لدولة اليوم قد بلغت ما بلغته "آتيكا" اليونانية من حرية ومساواة."[23] وعلاوة على ذلك، لم يتوقف شليغل في دراساته تسعينيات القرن التاسع عشر عن تأكيد الطابع السياسي للفن اليوناني، فالشعر الغنائي مثلا لأرشيلوخوس وكالينوس وليد سياق الثورة السياسية المتمثلة في سقوط الملكيات وظهور المدينة الديموقراطية.
"لقد كانت الثورة أصل الشعر الغنائي كما كانت وراء ظهور الجمهوريات الهلينية، لكنها ثورة أعدت في صمت وتحققت دون قتال أو عنف، إن الفن والثورة متشابكان للغاية مع كل الظواهر الأخرى المرتبطة بهما بحيث يصعب جدا التمييز أيهما السبب وأيهما النتيجة."[24]
استفاد الفن عند الإغريق من هامش الحرية الذي كان يتمتع به المواطن، وهكذا "يمكن تصنيف الفن الغنائي الهليني على أنه موسيقى وشعر جمهوريين."[25] إضافة إلى ذلك، يقدم الفن اليوناني نفسه أيضا على أنه من صميم هذه البنية السياسية؛ وذلك من خلال ما منحته كل أنماطه من حرية كاملة، فشليغل في شذراته النقدية لسنة 1797، والتي تعد مدخلا أو جزءًا أولا لدراسة موسعة حول اليونان والرومان ينظر إلى الشعر بوصفه "خطابا جمهوريا تعبر من خلاله كل الأطراف كفعاليات مواطنة حرة للتوافق حول القرار".[26] أما بالنسبة إلى العلاقة بين الدول-المدن Polis اليونانية يقول شليغل إنها كانت تحارب الدول التي لم تكن مثلها في ما يخص شؤون الحرية والمساواة، لكنها كانت تؤسس اتحادات سلمية وأخوية مع الدول المجاورة، كما كانت كل واحدة من هاته الدول تسعى إلى المساهمة في تكوين مرجعيتها الحضارية لتكتمل وفق الصورة الكونية للعقل.[27]
على الرغم من أن شليغل قد أغدق بالثناء على العالم السياسي اليوناني في مقاله "عن الجمهورية" إلا أنه قد نبه كذلك إلى ما أسماه "العيب التقني" لهذا النموذج، فلا شيء يدل في هذا النص على الرغبة في استرجاع النموذج اليوناني؛ لأنه بالنسبة إليه في الأمور السياسية كما في القضايا الجمالية لا ينبغي فقط أن نحن للماضي، بل لا بد من تأسيس نموذج سياسي مبتكر.[28]
4- النماذج التاريخية للديمقراطية:
يؤكد كانط -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- أن لمسألة الجمهورية علاقة مباشرة بالسلام الدولي، كما يؤكد أن الدولة الكونية الواحدة (الجمهورية) مستحيلة Welterpublik بسبب استقلال الدول عن بعضها البعض، وهو ما يفرض حلًّا وحيدًا ألا وهو اتحاد الشعوب Volkerbund كتحالف دفاعي يتوسع تدريجيًّا، ما سيدفع به إلى الدعوة فقط إلى تأسيس منظمة ترد عن دول المحيط الهادئ عدوان الدول الأخرى الموجودة خارج هذه العصبة. أما بالنسبة إلى شليغل فعلى هذا الطموح أن يشمل عددا أكبر من الدول لتوحيد جميع الأمم وإقامة نظام جمهوري في كل واحدة منها كسبيل إلى الأخوة العالمية، في ظل تمتع كل دولة على حدة باستقلالها وبحكمها الذاتي، فشليغل كما نلاحظ ينقل إلى العلاقات الدولية منظوره عن الدساتير الخاصة بكل دولة، كما يدعو إلى التخلي عن منطق صراع القوى بين الدول ليتشكل اتحاد بينها لا يهدد بأي شكل من الاشكال سيادة الدول على نفسها، ليبقى السؤال مطروحا: ما السبيل إلى هذه الجمهورية العالمية؟
الإجابة حسب شليغل يوفرها التاريخ [29]؛ إذ يستبدل النظرية الكانطية التي تكتفي بإثبات إمكانية السلام بنظرية تشرح الخطوات المؤدية إليه؛ وذلك بالتأكيد أن أساس التاريخ ليس هو الطبيعة، وإنما هو الإنسان نفسه:
يتبنى كانط في مقاله "من أجل سلام دائم" نفس الأطروحة التي نجدها لديه في مقال "التاريخ الكوني"، والتي تدفع وفقها الاستعدادات الطبيعية للإنسان بهذا الأخير إلى تفصيل تطوير هذه الاستعدادات في ظل ودود رعاة أركاديين (أركاديا مرادف لبلد مثالي أو يوتوبيا لعيش مواطنيها وفق قوانين حكيمة انسجاما مع الطبيعة) مفضلين السلم على الحرب. إنه مبدأ التقدم التاريخي-الطبيعي الذي يضمن هذه السيرورة، لكن البعد الطبيعي للتاريخ سيؤدي إلى القول إن هذا الأخير لا يفضي في حد ذاته إلى تجسيد الأخلاق، فبقدر ما تستند الفكرة الكانطية إلى القول بغائية طبيعية بقدر ما تفرض التأكيد أن التاريخ انعكاسي فقط، وهو ما يطرح من الناحية الإبستيمولوجية عدة معضلات في ما يتعلق بفلسفة التاريخ؛ وذلك على النقيض من شليغل الذي يذهب إلى أن شرط تقدم التاريخ ليس طبيعيا إنما سياسيا، وأن التقدم نابع من صميم التجربة الإنسانية، وبذلك تغدو لفلسفة التاريخ قيمة علمية فلسفية، فقوانين التاريخ السياسي والمبادئ السياسية التي نتعلمها منه تؤكد أن السلام الدائم ليس مجرد فكرة بدون معنى، وإنما مهمة تتحقق على نحو تدريجي.
ب – من جهة أخرى، يتم بلوغ السلام وتحقيق التوافق بين السياسة والأخلاق ببساطة كإمكانات، فكانط يرد على الساخرين من اندماج الأخلاق والسياسة، لكنه لا يؤكد أن السلام قد غدا واقعا؛ لأن الأخلاق ببساطة ليست رهينة تجربة واقعية. أما من وجهة نظر شليغل، فإن سؤال مدى إمكانية هذا السلام يفرض التفكير بالدرجة الأولى في المراحل المتعاقبة لتأسيس النظام الجمهوري؛ لأنه شرط تحقيق هذا السلام. فالتفكير في الجمهورية لا يستدعي فقط مساءلة الممكن أو ما ينبغي أن يكون، بل أكثر من هذا يتحدد بالتفكير في المراحل المتعاقبة التي تفصلنا عن تحقيق هذا الإمكان بشكل كامل وتام، وعلى عكس ما يراه كوسليك Kosselleck [30] فإن الديمقراطية من منظور شليغل ليست نوعا من اليوتوبيا؛ لأنه حتى عندما تكون غير كاملة أو غير مثالية، فإنها على الأقل واقعية.
تسمح لنا نظرية شليغل التقريبية بتعريف الحد الأدنى، المركز ثم الحد الأقصى للحرية المدنية:
أ- يتمثل الحد الأدنى في المفهوم الكانطي للحرية السياسية حين لا يلتزم المواطنون إلا بتلكم القوانين التي يوافقون عليها.[31] ففي هذه الحالة يشارك المواطنون على نحو فعلي في وضع هذه القوانين، رغم أنه يفترض فيهم أنهم قد وافقوا عليها إما بشكل مباشر أو غير مباشر.
ب- في الحالة الوسطية تتحقق الحرية المدنية، عندما يتمتع الأفراد بالحق في عدم طاعة القوانين إلا إذا صوتت عليها فعلا غالبية الشعب، سواء أكان هذا التصويت مباشرًا أو غير مباشر أي عن طريق التمثيلية، وهذا هو نوع النظام الذي يدعو إليه فردريك شليغل.
ت- يوافق الحد الأقصى والأخير (وغير القابل للتحقق) مع الحرية بالمعنى الذي ينتقده كانط في بداية المقال النهائي ضمن نص السلام الدائم، والذي يقوم الفرد وفقه بالقيام بكل شيء وبأي شيء شريطة ألا يؤذي الآخرين، ليختفي في هذه الحالة كل قانون ملزم، لتغدو الإرادة الكونية للشعب أخلاقية بشكل تام، لتندمج مع الأمر الأخلاقي المطلق، وهنا بالضبط يكمن خلافه مع كانط، والذي يكتسي أهمية خاصة، فبالنسبة لهذا الأخير لا معنى لتحديد الحرية الخارجية بدون الإشارة إلى القانون؛ وذلك لأن الإنسان لديه ميل طبيعي واصلي إلى الشر.
يعطي التعليم للشعوب وفق شليغل فرصة للتمتع بحرية مدنية كاملة وإن نسبيا، [32] بل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك حسب شليغل؛ لأن الخطاب الكانطي حول الشر الجذري يمكن أن يبرر الاضطهاد السياسي؛ وذلك بافتراض كون إرادة المواطنين لا يمكن أن تتناسب مطلقا مع الإرادة العامة، وهذا هو الأساس الأوحد للهيمنة والتبعية السياسية، فمن المسلمات حسب كانط أن هناك فرقا بين الإرادات الفردية لمجموع المواطنين والإرادة العامة، لكن يمكن مع ذلك للمرء أن يفكر في إمكانية توافق هذه الإرادات وانسجامها، وهو ما يبرر أنه لا يمكن للاستبداد أن يكون جزءا من ماهية الدولة في حد ذاتها، وإنما لا يسم سوى دولا تاريخية بعينها.[33]
بقدر ما يعد المطلب الأساسي للديمقراطية عند شليغل صارما بقدر ما يتسم موقفه من أنماط الديمقراطية بالمرونة، فأساس الاختلافات بينة الدول الديوقراطية كامن في الاختلاف على مستوى المخيال، فمن يصوت إذن ووفق أية إجراءات؟ أما بخصوص الصيغة التمثيلية، فمن يحكم تحديدا؟
إذا كان شليغل على مستوى النقطة الأولى يرفض حرمان النساء والطبقات الاجتماعية الأقل حظا من الثروة من التصويت، فهذا معناه أنه حتى وإن كانت الديمقراطية نظاما سياسيا غير مثالي وغير كامل، وأنه وإن كانت أصوات الناخبين تتفاوت وتتغير، فالمهم هو أن يقرر هؤلاء الناخبون من يقرر طبيعة النظام الانتخابي نفسه، وإن سلمنا بضرورة وجود أرستقراطية سياسية، فإن هذه الأخيرة ليست من يحدد هويتها الخاصة أو طريقة عملها فـ "أغلبية الشعب تريد أن تكون لها الوصاية، لتحدد بذلك الامتيازات التي ينبغي أن تتمتع بها طبقة النبلاء. إن أشكال الحكم الممكنة وبشكل عام تقع في الوسط على طرفي نقيض: الأرستقراطية من جهة والديمقراطية الجذرية الأصيلة من جهة أخرى، ففي نظام حكم النبلاء كما سبقت الإشارة إلى ذلك يتمتع هؤلاء بوزن وتأثير خاص في البرلمان. أما في الديمقراطية الكاملة، فكل فرد ناخب في الأصل وصالح لأداء هذا الدور مثله مثل الجميع، وعلى الفلسفة أن تحدد نوعان من مسارات تطور المجتمع السياسي: التطور التقني، الموجه من طرف دستور ديمقراطي بشكل تدريجي، ثم تطور سياسي سمته الحرية والمساواة الكاملتين.
يتردد شليغل في ما يتعلق بالنقطة الثانية بخصوص الممارسة المباشرة للسلطة من طرف الأغلبية سواء أتعلق الأمر بالسلطة التشريعية أو التنفيذية؛ لأننا "بحاجة إلى نواب ومفوضين"[34] لذلك يدافع عن التمثيلية في الديمقراطية، رغم أن الديمقراطية المباشرة تظل أحد الاحتمالات الممكنة. وعلى أي حال لا ينظر شليغل كما كانط إلى الديمقراطية التمثيلية على أنها نظام يمنح النواب سلطة تضعهم فوق الجميع أو تمنحهم أي نوع من الامتيازات؛ لأن النائب يخضع دوما لذلك الذي ينوب عنه، فالديمقراطية مقترنة بالنسبة إلى شليغل بجلال "الشعب"، هذا المفهوم (أي الشعب) لا رأس ولا ذيل له حسب كانط Ungereint، حيث ينبغي تقبل السلطة المطلقة للدولة؛ لأن شعبا بلا دولة سيجد نفسه حتما في حالة الطبيعة، ليجيب شليغل عن هذه المسألة بأن الشعب مقدس Heilig، وأن هذه السمة (أي القداسة) تنتقل إلى إرادة الأغلبية التي تمثله، كما كان مجلس العموم مقدسا لدى الرومان.[35]
خاتمة:
تمثل أطروحة فردريك شليغل نقطة تحول أساسية في مفهوم الديمقراطية من منظور الفلسفة الحديثة؛ إذ توقفت عن أن تكون ديمقراطية مباشرة كما هو الأمر عند (سياس، كانط، هيغل) لينظر إليها من وجهة نظر تمثيلية كما نجد لدى (هاميلتون، كوندورسيه)؛ فالفئة الأولى تجد مرجعيتها في أثينا القديمة، وهو النموذج الذي لم يعد عمليا اليوم، في حين يحيلنا النموذج الثاني على نموذج ما بعد الثورات في إنجلترا، أمريكا، وفرنسا، والذي يدافع مناصروه عن الشرعية الديمقراطية، وهو النموذج الذي يتبناه شليغل مؤكدا أن النموذج الأول أي الأثيني يمكن اعتباره هو الآخر وبشكل من الأشكال نظاما تمثيليا هو الآخر[36]، وهو ما سيجعله -أي شليغل- مخلصا على نحو ما للديمقراطية على الشكل الأثيني حتى وهو تحت تأثير الثورة، وبتعبير أدق يعتبر شليغل أن المثل الأعلى للجمهورية هو حين تسود الحرية والمساواة بين أفراد المجتمع السياسي دون أدنى تمييز من جهة، والحفاظ على السيادة السياسية في يد الشعب حتى وهو يفوض ممارسة السلطة لممثليه؛ لأن الأمر لا يتعلق فقط بتعزيز آلية مؤسساتية تضمن الاعتدال (كما هو الأمر لدى مونتيسكيو) أو التفكير في شروط حماية الحقوق الطبيعية (كما يذهب إلى ذلك روسو)، كما أن المسألة ليست دراسة السياسة العقلانية (مثل ما نجده عند سبينوزا)، أو السياسة الأخلاقية (كانط مثلا)؛ لأن شليغل يعتزم في هذا المقال إبراز ضرورة التأسيس الترنسندنتالي لمجتمع سياسي يشارك فيه الجميع وبشكل كامل، ويعدّ هذا المجتمع غاية في ذاته لا يقترن فقط بحساب الفائدة؛ ذلك لأن الحاجة إليه نابعة ببساطة من الطبيعة البشرية كشرط لتحقيق ملكة التواصل لديه.
يبدو واضحا أن نص شليغل يتغافل ويتناسى مسائل الصراع واللاعدالة، رغم أن تصوره للمجتمع والجمهورية جذاب ومثير للاهتمام، وذلك لاستدعائه النموذج اليوناني القديم وكذا نظرا لتصوره عن الفلسفة كممارسة جماعية.[37] وإذا كان اعتبار الديمقراطية الجذرية نوعا من الدفاع عن جماعة سياسية متآخية بما فيه الكفاية، لا تستبعد أي شخص وتقرر بنفسها، فهذا ينطبق فعلا على تصور شليغل، لكن يجب الإقرار مع ذلك أنه لو كانت الديمقراطية الجذرية هي النهوض بالنظام السياسي ليعمل على الإدماج الحقيقي للمواطنين في صناعة القرار السياسي؛ وذلك من خلال دراسة ونقد استبعاد بعض الفئات الاجتماعية، فإن كتابات شليغل ستكون مخيبة للآمال. إن التطور السياسي اللاحق لشليغل سيجد بلا شك بذرته في هذا النص، بما في ذلك انعطافه نحو اليعقوبية.
يبقى نص شليغل "عن الجمهورية"، رغم كل شيء مقالا يدافع عن قيم الديمقراطية بشكل متسق تماما، ولا شك أنه يعترف بأن إرادة الأغلبية ليست كافية بالضرورة، لكنها تبقى مع ذلك مخلصة أكثر من أي وقت مضى للإرادة العامة الموحدة، لتكون بذلك أكثر ما يمكن أن يجسدها، وهذا ما سيجعل من شليغل الشاب أحد أوائل المفكرين الذين عبروا عن أولوية النموذج والمثال الديمقراطي على نموذج ومثال السياسة العقلانية في المدار الجرماني.
[1]. Le jeune Friedrich Schlegel, un démocrate radical? Gilles MARMASSE, Université de Poitiers
[2]. I. KANT, Pour la paix perpétuelle [Zum ewigen Frieden], Akademie-Ausgabe [Ak.] VIII, pp. 343-386, trad. fr. J. Lefebvre, Lyon, Presses universitaires de Lyon, 1985
[3]. F. SCHLEGEL, Essai sur le concept de républicanisme [Versuch über den Begriff des Republikanismus]; Kritische Friedrich-Schlegel-Ausgabe [KFSA] VII, München, 1966, pp. 11-25 ; trad. fr. M.-C. Méry, in J. FERRARI et S. GOYARD-FABRE (éd.), L'Année 1796: Sur la paix perpétuelle de Leibniz aux héritiers de Kant, Paris, Vrin, 1998, pp. 111-128
[4]. G. RAULET, « La démocratie contre le républicanisme, à propos de la réception du Traité de paix perpétuelle de Kant chez les Romantiques », in ID. (dir.), Les Romantismes politiques en Europe, Paris, Les Éditions de la maison des sciences de l'homme, 2009, pp. 57-82
[5] Nous laissons volontairement de côté la question des variations de formulation de ces trois principes entre Théorie et pratique (AK VIII, 290-296), Pour la paix perpétuelle et la Doctrine du droit (AK VI, 314).
[6] Au demeurant, Kant reconnaît lui-même ce point dans une note, AK VIII, 350
[7]. Voir B. BOURGEOIS, « République et représentation chez Kant », in P. LABERGE et al. (dir.), L'Année 1795: Kant, essai sur la paix, Paris, Vrin, 1997, pp. 73-76 ; et D. MINEUR, « Représentation et régime représentatif chez Kant », Revue française d'histoire des idées politiques, no 21, 2005, pp. 73-87
[8]. J. G. FICHTE, Fondement du droit naturel, SW III, 440, trad. fr. A. Renaut, Paris, Puf, « Quadrige », 1998, p. 174
[9]. ID., La Destination du savant, SW VI, 315, trad. fr. J.-L. Vieillard-Baron, Paris, Vrin, 1994, p. 58
Déjà, au § 60 de la Critique de la faculté de juger, AK V, 315, Kant définit l'humanité par le sentiment de sympathie (Teilnehmungsgefühl) et le pouvoir de se communiquer (sich mitteilen).
[10]. J. G. FICHTE, La Destination du savant, SW VI, 296, trad. p. 42
[11]. Ibidem, SW VI, 306, trad. p. 48
[12]. La spécificité de l'État par rapport aux autres associations humaines, précise Schlegel, est en outre qu'il rassemble, en un continuum, la totalité des habitants d'un pays ou des descendants d'une tribu.
[13]. Voir I. KANT, Théorie et pratique, AK VIII, 295. CONDORCET, dans l'Essai sur la constitution et
les fonctions des assemblées provinciales, refuse-lui aussi aux domestiques le droit de cité (voir P. ROSANVALLON, Le Sacre du citoyen. Histoire du suffrage universel, Paris, Gallimard, 1992, p. 105).
[14]. I. KANT, Doctrine du droit, Remarque du § 46, AK VI, 314
[15]. L'article Sur un ton de grand seigneur…, paru en mai 1796, associe les termes de salto mortale et de succédané en AK VIII, 398
[16]. Par exemple, selon le Digeste (38, 16, 7 et 50, 16, 231), une fiction veut que l'enfant à naître soit déjà né, ac si in rebus humanis esset, ce qui lui permet d'être institué légataire avant sa venue au monde.
[17]. C'est le problème soulevé par SCHILLER dans Marie Stuart II, 3 par la voix de Talbot: « La majorité des voix n'est pas une preuve du droit. »
[18]. I. KANT, Idée d'une histoire universelle d'un point de vue cosmopolitique, AK VIII, 23, trad. fr. S. Piobetta, Paris, GF-Flammarion, 2014, p. 78
[19]. J. G. FICHTE, La Destination du savant, SW VI, 300, trad. fr. p. 42
[20]. J. LOCKE, Le Second Traité du gouvernement, § 96, trad. fr. J.-F. Spitz et C. Lazzeri, Paris, Puf, 1994, p. 71
[21]. E. SIEYÈS, Vues sur les moyens d'exécution dont les représentants de la France pourront disposer en 1789, Paris, 1789, pp. 17-18
[22]. F. SCHLEGEL, Fragments philosophiques, Première époque, II, no 995, KFSA XVIII, 112, cité par M. FRANK, Unendliche Ann äherung: die Anfänge der philosophischen Frühromantik, Frankfurt a. M., Suhrkamp, 1997, p. 943
[23]. C'est évidemment Kant qui est ici visé, qui écrit dans Pour la paix perpétuelle: « Aucun des régimes antiques appelés républiques n'a connu ce système, et, pour cette raison, ils ne purent que se décomposer pour faire place au despotisme » (AK VIII, 353 ; trad. fr. p. 60).
[24]. F. SCHLEGEL, Geschichte der Poesie der Griechen und Römer, KFSA I, 556
[25]. Ibidem, KFSA I, 557
[26]. ID., Fragments critiques, no 65, KFSA II, 154, trad. fr. Ph. Lacoue-Labarthe, J.-L. Nancy et A.-M. Lang, L'Absolu littéraire, Paris, Seuil, 1978, p. 88
[27]. ID., Geschichte der Poesie der Griechen und Römer, KFSA I, 563
[28]. La culture moderne, dit Schlegel, est fondée sur la raison et se caractérise par l'effort infini, tandis que la culture ancienne est fondée sur l'instinct (Trieb) et en reste à une progression cyclique. Dès lors, l'imitation des anciens ne saurait être autre chose qu'une libre appropriation. Voir Über das Studium der griechischen Poesie, KA I, 230-233, et Vom Wert des Studiums der Griechen und Römer, KA I, 629-632, cité par F. BEISER, The Romantic Imperative, the Concept of Early German Romanticism, Cambridge, MA, Harvard University Press, 2003, p. 111. Sur l'histoire moderne comme perfectibilité infinie, voir D. THOUARD, Symphilosophie, F. Schlegel à Iéna, Paris, Vrin, 2002, p. 23 s. et B. BINOCHE, La Raison sans l'histoire: échantillons pour une histoire comparée des philosophies de l'histoire, Paris, Puf, 2015, p. 211 s
[29]. Comme le souligne K. BEHRENS, Friedrich Schlegels Geschichtsphilosophie (1794-1808), Tübingen, Niemeyer, 1984, p. 147
[30]. R. KOSELLECK, article « Demokratie », in O. BRUNNER, W. CONZE, R. KOSELLECK (éd.), Geschichtliche Grundbegriffe: historisches Lexikon zur politisch-sozialen Sprache in Deutschland, Stuttgart, Klett-Cotta, 1972-1997, t. 1, p. 852
[31]. Voir I. KANT, Pour la paix perpétuelle, AK VIII, 350, trad. fr. p. 92
[32]. Voir W. WEILAND, Der junge Friedrich Schlegel oder die Revolution in der Frühromantik, Stuttgart, Kohlhammer, 1968, pp. 33-39
[33]. Comme on le sait, Ph. PETTIT définit le républicanisme comme un idéal de liberté comme nondomination (voir Republicanism: a Theory of Freedom and Government, Oxford, Oxford University Press, 1997). L'écrit de Schlegel est sans doute à verser au dossier du républicanisme ainsi entendu, même s'il accorde une place fondamentale à la liberté comme participation politique.
[34]. R. SAFRANSKI, Romantik: eine deutsche Affäre, München, Hanser, 2007, p. 33, soutient à tort que Schlegel se ferait le chantre de la démocratie directe.
[35]. F. BEISER, Enlightenment, Revolution, and Romanticism. The Genesis of Modern German Political Thought, 1790-1800, Cambridge, MA, Havard University Press, 1992, p. 252, voit une faiblesse dans l'apologie, par Schlegel, de la démocratie indirecte, qui impliquerait une aliénation de la volonté du peuple au profit de ses représentants. En réalité, comme on l'a vu plus haut, Schlegel insiste avec une vigueur toute particulière sur le fait que la souveraineté est inaliénable: « toutes [les] autres dignités et majesté politiques ne sont que l'émanation du caractère sacré du peuple » (KFSA VII, 20 ; trad. fr. p. 124).
[36]. F. SCHLEGEL, Essai…, KFSA VII, 17 ; trad. fr. p. 121
[37]. Voir ID., Fragments de l'Athenäum, no 344, KFSA II, 255, trad. fr. in L'Absolu littéraire, op. cit., p. 153: « Philosopher veut dire chercher de façon communautaire la connaissance universelle. »