الكلبية كاستتباع أنطولوجي للأناركية: بحث في الأسس الميتافيزيقية لأنطولوجيا الرفض الجذري

فئة :  أبحاث محكمة

الكلبية كاستتباع أنطولوجي للأناركية:  بحث في الأسس الميتافيزيقية لأنطولوجيا الرفض الجذري

الكلبية كاستتباع أنطولوجي للأناركية:

بحث في الأسس الميتافيزيقية لأنطولوجيا الرفض الجذري

يتمأسس الوجود الفلسفي، في لحظته الأكثر جذرية واختراقاً لحُجب الموجود المتعين، على حركة ديالكتيكية ثلاثية التمفصل: انكشاف الموجود (das Seiende) في عريه الأنطولوجي الأصلي، وانحجاب الكينونة (das Sein) في تعاليها المطلق الذي يفلت من كل إدراك موضوعي، وأخيراً- وهنا يكمن القلب النابض لإشكاليتنا-ظهور الــدازاين (Dasein) بوصفه الموجود الوحيد الذي يُساءل وجوده، والذي يحمل في بنيته الأنطولوجية إمكانية الرفض الجذري لكل ما هو مُعطى ومُسلّم به (Heidegger, 1962, § 9-12). هذه الحركة الديالكتيكية المُعقدة، التي تشكل النواة الصلبة للتساؤل الفلسفي الأصيل منذ فجر الميتافيزيقا الغربية في أفلاطون وأرسطو، تجد في الكلبية (Cynicism) والأناركية (Anarchism) تجليين متمايزين ومتكاملين لنفس الجذر الوجودي-المقاوم: رفض التطابق الميتافيزيقي مع الذات المُفترضة (das Man) هيدغرياً، والانفلات من منطق الهوية المغلقة (identité close) نحو فضاء الإمكان المطلق (das Mögliche) والاختلاف الأنطولوجي الخالص (différance ontologique).

الكلبية، في جوهرها الفلسفي العميق وليس مجرد ظاهرتها التاريخية-الاجتماعية السطحية، تُمثل استراتيجية أنطولوجية للتعرية الوجودية (dénudement existentiel) لا تكتفي بنقد المؤسسات الاجتماعية أو منظومات القيم الأخلاقية السائدة في عصرها، بل تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير لتُشكك في البنية الأنطولوجية للحضور ذاتها (présence métaphysique) كما أسسها التقليد الميتافيزيقي الغربي منذ بارمينيدس (Branham & Goulet-Cazé, 1996, pp. 15-34). عندما يختار ديوجين الكلبي (Diogenes the Cynic) البرميل (pithos) مسكناً وعالماً ومملكة، فإنه لا يقوم بمجرد احتجاج اجتماعي-اقتصادي ضد التفاوت الطبقي أو الظلم الاجتماعي- كما قد تُفسر القراءات الماركسية الساذجة- بل يُؤسس لجغرافيا وجودية بديلة (géographie existentielle alternative)، مكانية لا-مكانية (spatialité a-spatiale) تتحدى المفاهيم الأساسية والمؤسسة للداخل والخارج (dedans/dehors)، الخاص والعام(privé/public)، الذات والعالم (Selbst/Welt)، المقدس والمدنس (sacré/profane).

البرميل، في بُعده الرمزي-الأنطولوجي العميق، يُجسد نفياً تأسيسياً (négation fondatrice) للمعمار (architecture) كنظام رمزي-سلطوي يُنظم الفضاء الاجتماعي ويُحدد هويات الذوات ومواقعها في الهيراركية الاجتماعية، وإعلان لولادة ذات غير مؤسساتية (subjectivité non-institutionnelle) تُحدد وجودها خارج منطق الانتماء (appartenance) والهوية المحددة سلفاً (identité pré-déterminée). إنّ هذا التموضع الجذري للذات الكلبية يُشكل تحدياً أنطولوجياً عميقاً لما يُسميه هيدغر "السقوط" (das Verfallen) أي انزلاق الدازاين من وجوده الأصيل (eigentlich) إلى وجوده غير الأصيل (uneigentlich) المُنغمس في عالم الــ das Man (Heidegger, 1962, § 35-38) .

يصل هذا التعري الوجودي (dénudement existentiel) إلى ذروته الفلسفية والفينومينولوجية في الممارسات الجسدية الراديكالية للكلبيين، حيث يصبح الجسد (Körper/Leib) موقعاً استراتيجياً لتفكيك الحدود الأنطولوجية (déconstruction des limites ontologiques) التي تُنظم الخبرة الإنسانية وتُحدد ما هو ممكن وما هو مستحيل في إطار نظام رمزي معطى (Foucault, 1984, pp. 343-365). العري العلني، والجماع في الأماكن العامة، وكل أشكال الخروج الجذري على ما يُسمى زوراً "الحدود الطبيعية" للسلوك الإنساني المُتحضر، ليست مجرد استفزازات أخلاقية أو انتهاكات للقواعد الاجتماعية، بل هي تقنيات فينومينولوجية متطورة (techniques phénoménologiques sophistiquées) تستهدف كشف الطابع الاصطناعي والمُفتعل لما يُقدم نفسه كـ"طبيعي" و"بديهي"، والطابع الطبيعي والأصيل لما يُصنف كـ"اصطناعي" و"منحرف".

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا