زهير تغلات: حول المسألة الإباضيّة بتونس


فئة :  حوارات

زهير تغلات: حول المسألة الإباضيّة بتونس

يعمل السيد زهير تغلات أستاذا للّغة والآداب والحضارة العربيّة ومديرا للمركز الثّقافي والسّياحي المتوسّطي بجربة، تونس. متحصّل على الأستاذيّة في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة من كلّية العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس سنة 1992، ومتحصّل على الماجستير اختصاص حضارة عربيّة إسلاميّة/ موضوع الرّسالة: "الفكر السّياسي الإباضي من خلال مؤلّفات جابر بن زيد وسالم بن ذكوان الهلالي والبرّادي والشّماخي" من كلّية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة سنة 2012. بصدد إعداد أطروحة دكتوراه في موضوع يتّصل بالفرق ومقالاتها في الفكر الإسلاميّ. كما يعمل ضمن فريق وحدة البحث اختصاص حضارة قديمة بكلّية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، تونس. أصدر العديد من المؤلفات، منها: "الفكر السّياسي الإباضي" (2014). و"الفكر الإباضي: التجلّيات السّياسيّة والحضاريّة" (2016)، كما أن له مجموعة من المقالات في الحضارة والدّراسات الإسلاميّة في مجلاّت عربيّة ودوليّة مختلفة.

وفيما يلي هذا الحوار في قضايا ذات الاختصاص:

فيصل شلّوف: ينتسب المذهب الإباضي إلى عبد الله بن إباض التميمي (ت 65 هـ) الذي تذكر المصادر أنه مارس الدعوة إلى مذهبه في شتّى الأقطار، فماذا يمكن أن تحدثنا عن الانتشار الإباضي بالعالم العربي الإسلامي؟

زهير تغلات: الإباضيّة تسميّة اصطلاحيّة تطلق على أتباع الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد الأزدي (ت: 93هـ/ 711م) في العقيدة والفقه والحضارة، وكانت جماعتهم تسمّى أهل الدّعوة وأهل الاستقامة، ولم تختر لنفسها اسم الإباضيّة، بل دعاها به غيرها نسبة إلى عبد الله بن إباض بن تيم اللات بن ثعلبة التّميمي المقاعسي المرّي (ت: 86هـ/ 705م). وقد اشتهر ابن إباض بمراسلاته السّياسيّة الدّينيّة مع الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان ونقده لأسلوب الحكم الأمويّ، ويرجّح أنّ بدايات استعمال أتباع جابر بن زيد للفظ "الإباضيّة" كان مع نهايات القرن 3هـ/9م. وتجدر الإشارة أيضا إلى أنّ الإمام أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة التّميمي (ت: 145هـ/762م) قد لعب دورا مركزيا في تأسيس مدرسة البصرة الإباضيّة، ومن رحابها أخذ الفكر الإباضي ينتشر في المشرق والمغرب، وعنه حمل العلم إلى المغرب وإلى المشرق حملة العلم. وقد انتشر المذهب الإباضي بعُمان وزنجيبار مشرقا، وبجبل نفوسة بليبيا، وجزيرة جربة بتونس، وبقرى ميزاب بغرداية الجزائر، وهو ما يزال محافظا على وجوده بهذه المناطق من العالم العربي الإسلامي.

فيصل شلّوف: تذكر المصادر أن ظهور الإباضية بإفريقية كان أوائل القرن الثاني في عهد هشام بن عبد الملك، فهل تحدد لنا الأصول التاريخيّة لوجود الإباضية بتونس ومواطن وجودهم التاريخيّة والآنيّة؟

زهير تغلات: تتّفق الرّوايات الإباضيّة في مسألة دخول المذهب الإباضي إلى بلاد المغرب في أنّ أوّل من جاء يطلب مذهب الإباضيّة بقيروان إفريقيّة سلمة بن سعد، وقد قدم من أرض البصرة ومعه عكرمة مولى ابن عبّاس، وهما راكبان على بعير واحد، حملا عليه زادهما، سلمة يدعو إلى الإباضيّة وعكرمة يدعو إلى الصفريّة. ويرجّح فرحات الجعبيري، أيضا، أنّ الدّاعية سلمة بن سعد هو من بدأ بنشر الدّعوة الإباضيّة قبل مجيء حمَلة العلم الخمسة. بل كان له الأثر في إرسالهم إلى البصرة، وهم: عاصم السدراتي، وإسماعيل بن درار الغدامسي، وأبو داود القبلّي النّفزاوي، فقدموا على أبي عبيدة، فأجابهم إلى طلبهم، فمكثوا عدّة سنين عنده، وكان في أيام استخفائه من بعض أمراء البصرة، وكان يقرّيهم في سرب. بيد أنّ الباحثة لطيفة البكّاي تظهر بعض الاحتراز في قبول الرّواية الإباضيّة، لعدم انسجامها تاريخيّا، وترجّح أنّ الفكر الخارجيّ قد انتقل إلى بلاد المغرب مع الفتح، وقد شاركت فيه عناصر عديدة، وتستبعد فكرة اقتصار هذه العمليّة على عنصرين فحسب، مثلما تذكر الرّواية الإباضيّة. وتواصل هذا التسرّب مع تدفّق المسلمين على هذا الإقليم، ولذلك يصعب الحديث في البداية عن دعاة وعن دعوة منظّمة صفريّة كانت أم إباضيّة. وتنتهي الباحثة إلى فكرة مفادها أنّ إقبال البربر على مبادئ الخوارج وتبنّيهم لها هو الذي جعل زعماء التيّار الإباضيّ، باعتباره التيّار الوحيد المنظّم، يهتمّون بالإقليم ويقحمونه في مخطّطاتهم الرّامية إلى تكوين نواتات للثّورة في الأقاليم البعيدة، تقضي على الحكم الأموي وتقيم على أنقاضه إمارات إباضيّة، وهو ما تحقّق فعلا بعد منتصف القرن الثّاني هجري.

فيصل شلّوف: أشرت ههنا إلى أعمال باحثين تونسيين حول الفكر الإباضي، إضافة إلى اشتغالك أنت على هذا الفكر، ما يتطلّب وجوبا الاطّلاع على مدوّناته، فهل تتوفّر الكتب والمصادر الإباضيّة بتونس؟

زهير تغلات: إنّ الحصول على الكتب والمصادر الإباضيّة في تونس ليس أمرا يسير كما هو الحال بالنسبة إلى سائر الكتب؛ فمكتبات الجامعات التونسيّة لا تكاد تتوفّر بها أهمّ المصادر، أما المكتبة الوطنيّة، فتتوفّر بها بعض الكتب المؤلّفة حديثا. إلا أنّ أهمّ الكتب الإباضيّة تتوفّر بالمكتبات العائليّة الخاصّة بجزيرة جربة أو بتونس العاصمة، وهذا ما يجعل الوصول إليها صعبا. ونعتقد أنّ هذه العوائق من بين أهم الأسباب التي حالت دُون إشعاع الفكر الإباضيّ. ولكن لابدّ أن نشير إلى بعض المبادرات في تحسين هذا الوضع في السّنين الأخيرة، فقد اضطلعت مراكز بحوث ومؤسّسات في كلّ من سلطنة عمان، والجزائر بطبع الكتاب الإباضي وتوفيره بمعارض الكتب الدوليّة وبالمكتبات التي يؤمّها الباحثون.

ولا جدال في أنّ هذا الجهد المعرفيّ، رغم العقبات التي قد تعترضه، سيسهم في جمع شتات المؤلّفات الإباضيّة في المشرق والمغرب. فرصيد التّراث الإباضيّ، على غير ما قد يُظنّ به من الافتقار والضّمور، غزيرٌ. وإن تمّ الالتفات إليه بالقدر المطلوب، أسهم في تنوّع الفكر الإسلاميّ وثرائه.

فيصل شلّوف: أنت تعتقد إذن، أن هذا الالتفات ليس بالقدر المطلوب، فهل يمكن أن تقيّم لنا واقع البحث العلمي والدراسات الحديثة التي تهتم بالشأن الإباضي بتونس؟

زهير تغلات: لا بدّ أن نشير إلى أنّ جلّ الباحثين في هذا الباب قد انصبّ اهتمامهم على الخوارج عامّة، وقد اختزلوا تصوّرهم للإباضيّة ضمن هذا الإطار، وقد يكون هذا التّعميم والوقوف عند واجهة فرقة الخوارج دون النّفاذ إلى التّفاصيل عاملا من العوامل التي حجبت منابت الفكر الإباضيّ، باعتباره كيانا فكريا ومذهبيّا مستقلاّ، في رؤيته العقديّة والسّياسيّة. هذا فضلا عن إحجام الباحثين عن طرق أبواب الفكر الإباضيّ؛ لأنّ الوصول إلى المعلومة صعب، فالمؤلّفات مغمورة في خزائن أصحابها بعيدة عن متناول القرّاء، كما بينّا ذلك منذ حين، وقد يزداد هذا الإعراض حين يصطدم الباحث بشكل تلك المصنّفات، إذ لا يزال أغلبها في شكل المخطوط، مع ما يقتضيه هذا النّمط من شروط الاستعمال وما يستوجبه من عناء للنّفاذ إلى جوهره وفتح مغالقه. ولا نقصد بما قلناه انعدام المجهود في تحقيق هذه المؤلّفات وإخراجها من شكل المخطوط إلى المطبوع، فقد وُجدت مبادرات فرديّة وجماعيّة ولاتزال، قام أصحابها بهذا الدّور الرّائد.

ولكن لا بدّ أن نذكّر بأنّ الدكتور فرحات الجعبيري كان قد لعب دورا تأسيسيّا في إدخال الدّراسات الإباضيّة إلى المجال الأكاديمي بالجامعة التّونسيّة، وكان له الفضل في بحوث جادّة حول هذا الموضوع برفوف المكتبات الجامعيّة. وهذا ما جعل أقسام الحضارة بكلّيات الجامعة التونسيّة تعي أهميّة هذه الدّراسات في ثراء الفكر الإسلامي وتنوّعه. ولا جدال في أنّ الجامعة التّونسيّة، عندما تهتمّ بهذه الفرقة الإباضيّة، فإنّها تهتمّ بجزء أساسيّ وثروة حقيقيّة من تاريخ هذه البلاد، وكلّما حرصنا على هذا التعددّ في أوساطنا الأكاديميّة أدّينا واجب الرّعاية لحقوق الله والمعرفة معا.

فيصل شلّوف: يُنظر إلى التواجد الإباضي بتونس ضمن إطار التعدد الدّيني والعقائدي، فما مدى احترام الأقلّيات الدّينيّة والإسلام المتعدّد، باعتباره عامل تنوع وثراء فكري في ظل ما يُعرف من غلبة المذهب السنّي المالكي على البلاد التونسية؟

زهير تغلات: في الحقيقة، إن وعي الإباضيّة بهذه المسألة مختلف عمّا تذكر في سؤالك؛ فالجيل النّاشئ منهم يعتبرون أنفسهم مواطنين تونسيين ولا يحفلون بمقولة الأقلّية. وأما شيوخ الإباضيّة فيعتبرون أنّ شرعيّتهم هي شرعيّة إسلام الأصول، وإن كانوا أقلّية فإنّهم يفوقون شرعيّة الغلبة العدديّة، فليست العبرة بالكمّ في رأيهم، فالإباضيّة كان لهم حضور تاريخيّ يرجع إلى الإسلام المبكّر، هذا فضلا عن انتشار الإباضيّة وفكرهم ومدارسهم العلميّة في بلاد المغرب مدّة قرون من تيهرت عاصمة الرستميين بالجزائر إلى جربة إلى جبل نفوسة بليبيا مرورا ببلاد الجريد التي أنجبت علماء إباضيين تعتزّ بهم تونس، وليسوا حكرا على الجماعة الإباضيّة كما يعتقد البعض، وإنّما هم قد أشاعوا بفكرهم على كامل البلاد والعالم الإسلامي.

ولكنهم من الجهة العدديّة يقرّون بأنّهم أقلّية دينيّة تروم الحفاظ على وجودها والمساهمة في الاستقرار والتّعايش مع المختلفين عنهم مذهبيّا ودينيّا في جزيرة جربة وخارجها.

فيصل شلّوف: اختلف المشهد السياسي بتونس منذ سنة 2011 عمّا قبلها، وجرّ ذلك وراءه مراجعات عديدة ذات أساس هووي وثقافي وعقائدي، فهل تأثرت وضعية إباضيّة تونس بكل ذلك؟

زهير تغلات: لا شكّ في أنّ الإباضيّة قد استفادوا من مناخ الحرّية بعد الثورة التّونسيّة، فحاولوا ترميم الانحلال المذهبي الذي كان قد أصابهم بسبب الدكتاتوريّة وعدم احترام حقوق الأقلّيات الدّينيّة، فأعادوا تنظيم شبكة علاقاتهم وإعادة توزيع المهام من خلال خارطة الأئمة موزّعين على كلّ المساجد الإباضيّة بجزيرة جربة وجامع الهنتاتي بتونس العاصمة، وتتّخذ هذه الشّبكة من المساجد منطلقا لأنشطتها واتّصالها بعامّة الإباضيّة، بيد أنّ هذه الشّبكة لا تجتمع بشكل دوريّ ولا تنتظم في شكل حلقة لإحياء استراتيجيّة نظام العزّابة، وإنّما تخضع للمبادرات الفرديّة والاجتماعات الظّرفيّة التي تقتضيها الضّرورة. وهذا الضّعف الذي تتّسم به هذه السّلطة الشّكليّة قد أورث عدم فاعليّة عقيدة الوَلاية والبراءة التي كانت تسيّج المذهب وتحميه من الاضمحلال. وفي محاولة لاستباق الزّمن ومقاومة هذا الضّعف والانحلال المذهبي سعى الإباضيّة إلى معاضدة نشاطاتهم المسجديّة بشبكة من الجمعيّات ذات المنحى الثّقافي الإباضي.

 

فيصل شلّوف: ينتشر المذهب الإباضي في شمال إفريقيا في شكل أقلّي، كما كنت بصدد القول، ولكنه يتركّز في سلطنة عمان، باعتباره المذهب الرسمي للسلطنة. فما هي علاقة إباضيّة تونس بإباضيّة الجزائر وعمان؟ هل هناك تواصل علمي ودعويّ مثلا؟

زهير تغلات: لا بدّ أوّلا أن نذكّر بأنّ العلاقة بين إباضيّة المغرب وإباضيّة عمان أصلها ضارب في زمن جابر ابن زيد مؤسّس المذهب. وتتواصل هذه العلاقة إلى اليوم على نفس النمط العلميّ الرّوحيّ، ويشارك إباضيّة تونس وميزاب دوريّا في النّدوة الدوليّة العمانيّة في تجديد الفقه الإسلامي التي تقام سنويا في مسقط، كما تجلّى هذا التّواصل في إطار جمعيّة الأخوّة التونسيّة العمانيّة التي نشط فيها بالأساس مثقّفون وكوادر من أهل جزيرة جربة، وقد لعبت هذه الجمعيّة قبل الثّورة التونسيّة دورا لافتا في التّعاون مع سفارة سلطنة عمان بتونس ومركزها الثّقافي، كما اهتمّت بجلب الكِتاب الإباضي المطبوع في عمان وتوزيعه للتّعريف به في عدّة مكتبات خاصّة، حتّى يستفيد منه القرّاء والباحثون.

وتدعّمت هذه العلاقة بين إباضيي تونس وإباضيي عمّان بعد الثّورة التّونسيّة، بل تكثّفت، فاستفاد الإباضيّة من مناخ الحرّية الفكريّة والدّينيّة، فقدمت الوفود العمانيّة الإباضيّة إلى جزيرة جربة بشكل كثيف منذ سنة 2011، وتوزّعت هذه الوفود بين الدّعاة وبعض العلماء المختصّين في مجالات دينيّة مختلفة (العقيدة، أصول الفقه، السّير)، وقد بلغ هذا التّواصل أوجه مع زيارة المفتي العام لسلطنة عمان الشّيخ أحمد بن حمد الخليلي لتونس العاصمة وجزيرة جربة في أبريل سنة 2012، وقد ألقى ثلاث محاضرات تتّصل بالتّسامح والتّعايش بين المذاهب ونعمة الاختلاف ودوره في إثراء الفكر الإسلامي.

أمّا علاقة إباضيّة تونس بإخوانهم إباضيّة الجزائر أو ما يعرف "بالميزابيين"، فإنّ جذورها ترجع حسب أغلب المراجع الإباضيّة إلى المصلح "عمّي سعيد" وقد اشتهر عند أهل ميزاب بهذا الاسم، وهو سعيد الجربي الخيري (ت: 898هـ/1492م) أصيل جزيرة جربة من قرية أجيم.

وبُعيد الثورة التونسيّة تكثّف قدوم الوفود الميزابيّة إلى جربة، فألقى الدّعاة وعلماء الإباضيّة القادمون من ميزاب دروسا بمساجد إباضيّة مختلفة بجزيرة جربة وبجامع الهنتاتي بتونس العاصمة تمحور أغلبها حول سير الإباضيّة وعقيدتهم وتعايشهم مع المخالفين لهم في المجال الإسلامي. وقد استغلّ إباضيّة الجزائر مناخ الحرّية لتنظيم رحلات شبابيّة لاطلاع أبنائهم على المعالم الأثريّة الإباضيّة العريقة التي تحمل مدلولات رمزيّة عندهم، من قبيل المسجد الكبير الذي يعدّ من أكبر المدارس الإباضيّة في المجال المغاربي في العصر الوسيط، وجامع لاكين الذي كان يجلس به العزابة للنظر في القضايا والنزاعات والخلافات، وقرية عمّي سعيد الجربي (آجيم)، وغار أمجماج الذي دوّن فيه سبعة من العزّابة ديوان العزّابة. وأهمّ ما أفضت إليه هذه الزّيارات المكثّفة بعد توفّر مناخ من الحرّية الفكريّة والدّينيّة ورفع الرّقابة على المساجد بعيد الثورة التونسيّة، إثراء المكتبات الإباضيّة بجزيرة جربة وبالعاصمة بالكتب والمجلاّت والدّوريات الإباضيّة الجزائريّة.

أمّا بالنّسبة إلى النّدوات العلميّة، فقد تعاون إباضيّة جربة وميزاب على تنظيم ملتقى عمّي سعيد بمسقط رأسه بقرية آجيم بجربة في ديسمبر 2012 تحت عنوان: ''الشيخ عمّي سعيد الجربي بين جربة وميزاب جسر مديد لتجربة إصلاحيّة رائدة''.

فيصل شلّوف: رغم تأكيد الإباضية ألاّ صلة لهم بجماعة الخوارج، فإنّهم عادة ما تُنعت مواقفهم بالخروج، لو توضّح لنا هذه المسألة؟

زهير تغلات: لابدّ من أن نؤكّد أنّ الاهتمام بمسألة علاقة الإباضيّة بالخوارج بدأ يتعزّز شيئا فشيئا، وهذا يدركه جيّدا المتابعون لهذه المسائل، فاليوم هناك عودة قويّة إلى البحث في مسألة التّداخل بين الإباضيّة والخوارج، وهذه التسميّة الأخيرة مضلّلة في تقديرنا، فقد ألصقها بهم أعداؤهم، فالإباضيون ينتمون في رأينا إلى تلك الحقبة السّابقة على الافتراق، لذلك فإنّ كلّ من يريد إعادة كتابة التّاريخ الاسلاميّ المبكّر في القرن الأوّل الهجريّ، يجد نفسه مجبرا على العودة إلى النّصوص الإباضيّة، ولهذا السّبب أولتهم المدرسة التصحيحيّة الأنغلوسكسونيّة أهمّية بالغة، فكان من بين ذلك أن أعاد زمرمان وباتريسيا كرون النّظر في الحقبة الإسلاميّة المبكّرة، من خلال مخطوطات إباضيّة هامّة غيرت كثيرا في المباحث القديمة، مثل رسالة عبد الله بن إباض ونصّ رسالة سالم بن ذكوان الهلالي التي حمل مخطوطها إليهما عمرو خليفة النّامي وغيرهما من المخطوطات... فلا شكّ في أنّ تسميّة الخوارج تسميّة عامّة تحجب حقائق تاريخيّة وتفاصيل هي من الأهمّية بمكان، وهي بمثابة الشّجرة التي تحجب الغابة.