موقف من التنوير


فئة :  مقالات

موقف من التنوير

موقف من التنوير[1]


لماذا الموقف من التنوير؟ لأننا نتحدد بالتنوير منذ القرن التاسع عشر، سواء كان ذلك من خلال حركة خارجية عنيفة متمثلة بالاستعمار ولاحقاً بالعولمة، أو من خلال حركة داخلية متمثلة بالنهضة والإصلاح والثورة. وإذا كان الموقف من أيّ شيء يتطلب معرفته ابتداء، فإنّ المطلوب أولاً هو التعريف بالتنوير، والنظر في وجوه النقد الموجهة إليه، ومن ثمّ اتخاذ الموقف المناسب منه لاحقاً. وتحقيقاً لذلك فإننا سننظر في الأسئلة الآتية؟

أولاً: ما التنوير؟

لا يحتاج الأمر إلى الإشارة إلى أننا لا نستطيع اختزال أو تلخيص أو تحليل هذه الحركة الثقافية التجديدية التي ظهرت في القرن الثامن عشر في إنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، ثم في أوروبا عموماً، وإنما كلّ ما نستطيع القيام به هو الإشارة إلى ما يمكن اعتباره علامات دالة على التنوير. وفي تقديري فإنّ أهمّ هذه العلامات هي أنّ حركة التنوير بما هي حركة تجديد شاملة ظهرت في القرن الثامن عشر في أوروبا، لا يمكن فصلها عن حركة النهضة والإصلاح الديني والنزعة الإنسانية. ويتمثل هذا التجديد في أربعة ميادين أساسية هي: العلم الطبيعي، والفلسفة، والسياسة في شكل نظرية العقد الاجتماعي، والإصلاح الديني.

لقد شكل ظهور العلم التجريبي نقطة تحول أساسية في أوروبا منذ عصر النهضة، وتحول إلى نموذج للمعرفة في القرن الثامن عشر، وذلك من خلال نموذج العلم الفيزيائي النيوتوني الذي قضى نهائياً على العلم الأرسطي. وقد أدى هذا النموذج العلمي إلى القول بمفهوم متميز للعقل مقارنة بعصر النهضة وفلاسفة القرن السابع عشر.

كان القرن السابع عشر يرى أنّ مهمة الفلسفة تتمثل في بناء أنساق فلسفية، في حين ذهب القرن الثامن عشر إلى ضرورة التخلي عن هذه الأنساق، وعن الفكرة القائلة بضرورة أن نستنتج من مبدأ معين مختلف التفسيرات الممكنة. وقد ارتبط العقل في فلسفة التنوير بالعلم النيوتوني، ولا تقوم طريقة نيوتن على الاستدلال الخالص، وإنما على التحليل، ولا تبدأ من مبادئ ومسلّمات، وإنما تبدأ من وقائع وظواهر جزئية. فالظواهر هي المعطى، والمبادئ هي ما يجب اكتشافها. وهذا البرنامج المنهجي وفقاً لعبارة كسيرر هو الذي سيكون له الأثر الكبير على فلسفة القرن الثامن عشر، وهو ما أكدته أعمال دالمبير وكوندياك على سبيل المثال.

ولذلك فإنّ النموذج النيوتني في العقلانية هو الذي سيطر على عقل وفلسفة القرن الثامن عشر، والممثل الأكبر لهذا النموذج هو كانط. وقد تميز هذا النموذج بالدعوة إلى الكفّ عن البحث عن سرّ الطبيعة والاكتفاء بظواهرها وإخضاعها للتجربة، وبالتالي لم تعد مهمة العقل الإنساني تجاوز حدود التجربة من أجل بلوغ عالم متعالٍ، وإنما مهمته أن يعلمنا كيف ندرس الظواهر الطبيعية. ولم يعد العقل كما كان عبارة عن جملة من الأفكار الفطرية سابقة عن كلّ تجربة، تكشف عن جوهر وحقيقة الأشياء، وإنما أصبح العقل في القرن الثامن عشر نوعاً من الطاقة، والقوة التي لا يمكن إدراكها إلا في حركتها وفي آثارها، وأنّ طبيعته وسلطته لا يمكن أن تقاس إلا من خلال الوظيفة التي يقوم بها، وأنّ وظيفته الأساسية هي الفصل والربط أو التحليل والتركيب.

ويعتبر العلم الطبيعي أساس التقدم، وقد آمن عصر التنوير بتقدم البشرية. يقول فولتير: "إنّ التقدم هو القانون الباطني والمعنى الجوهري لتاريخ العالم، لأنّ الإنسان كائن عاقل، والعقل يدعوه إلى تحسين أحواله وتمكينه من الحياة السعيدة. يتجلى هذا في العلوم والفنون، وفي تهذيب الأخلاق، وفي إصلاح القوانين، وفي انتشار التجارة والصناعة "[2]. أمّا عصور الانحطاط والظلام فهي عصور عابرة. وبَيَّن أنّ النظرة الكليّة للعقل تثبت أنّ البشرية تسير من التوحش إلى الحضارة، ومن الظلام إلى النور، وأنّ التاريخ العالمي يسير بشكل متصاعد، وذلك بقيادة العقل.

وقد طرح عصر التنوير المسألة السياسية طرحاً نظرياً وعملياً. وتمّ التعبير عن ذلك من الوجهة النظرية بما اصطلح عليه بنظرية العقد الاجتماعي التي حوّلت العلاقة بين الحاكم والمحكوم من علاقة إلهية مقدّسة إلى علاقة إنسانية يحكمها عقد اجتماعي معين، عبّر عنها فلاسفة معروفون أمثال طوماس هوبز وباروخ اسبينوزا في القرن السابع عشر، وعمّقها بشكل أساسي فلاسفة التنوير، وبالأخص جون لوك وديفيد هيوم في إنجلترا، وإيمانويل كانط في ألمانيا، وجان جاك روسو في فرنسا في القرن الثامن عشر. وأمّا من الوجهة العملية فقد تمّ التعبير عنها بفكرة (المستبد المستنير)، وذلك لأنّ المستبدين المستنيرين كانوا: "يكافحون ضدّ الامتيازات، ومنه نشأ نوع من الاشتراك في العمل. وكانوا يزاولون إصلاحاً واسعاً في المساواة، ويهدمون آثار الإقطاعية التي كانت ما تزال بارزة. ولمّا كانوا من أنصار التقدّم، فقد كانوا يتخذون كلّ الإجراءات الاقتصادية التي كانت ذات طبيعة تساعد على رفاهة شعوبهم. وإذن كانوا يجعلون الدولة عقلية، ويستعينون بالعقل لتسويغ تصرفاتهم وقراراتهم"[3].

وقد ظهر ذلك جليّاً في موقفهم من الحرية التي غلب عليها اتجاهان متعارضان: اتجاه يقول بالحتمية والجبر، واتجاه يقول بالإرادة والاختيار. فمثلاً يقول أنطوني كولينس: "لسنا أحراراً(...)، لأننا نتعلق بقوة عمياء مادية هي التي تمنح الحياة لجميع الكائنات، وتعمل دون أن تعرف أنّها تعمل. إنّ العالم آلة ميكانيكية ضخمة، ونحن نؤلف أجزاءها الصغيرة"[4]. نجد هذا الرأي عند دولباخ، وهلفيثيوس، ودو لا متري، ومنتسيكيو الذي كان يرى أنّ القوانين هي علاقات ضرورية تنبثق من طبيعة الأشياء.

في مقابل هذا الاتجاه الحتمي، هنالك اتجاه ينتصر للحرية، فمثلاً يقول تيراسون: "إنني لا أعرف أخلاقاً عامّة مدنية أو دينية من غير موقف جدي من الحرية"[5]. ونعلم جميعاً أنّ الاقتصادي الإنجليزي آدم سميث قد جعل لمذهبه الاقتصادي شعاراً قائماً على الحرية مفاده: (دعه يعمل، اتركه يمر). والحرية أساس العقد الاجتماعي. يقول كانط: "إنني أعترف بأنني لا أفهم جيداً هذا القول الذي يردده قوم عقلاء: هذا شعب ليس ناضجاً للحرية، ففي فرض مثل هذا لن تأتي الحرية مطلقاً، ولأنه لا يمكن أن يكون الإنسان ناضجاً للحرية إن لم يكن قد عرف الحرية من قبل"[6].

شكلت النزعة العالمية والإنسانية مظهراً أساسياً من مظاهر عصر التنوير، فقد كان عصر التنوير بدون منازع عصر الدعوة إلى كونية إنسانية، عملت الحداثة لاحقاً على نشرها بمختلف الوسائل السلمية والعسكرية. وكان الفلاسفة الفرنسيون يمتثلون لمقولة مونتسيكيو القائلة: "إنّه لا يريد أبداً أن يعرف بأيّ شيء يكون نافعاً لفرنساً وضاراً للإنسانية"[7]. كما عبّر عن هذا الموقف الفيلسوف الألماني لسينغ بقوله: إنّه شديد الغبطة لكونه قد استعاض عن وطنه بالجنس البشري. إذن، هنالك نزعة إنسانية وعالمية تميز عصر القرن الثامن عشر وثقافته، لذلك نجد المؤرخ سترومبرج، يقول: "نحن نقول إنّ الفرنسيين إذ سيطروا على القرن الثامن عشر، فإنّ سيطرتهم هذه لم تكن ناشئة عن روح قومية متعجرفة، بل كانوا يقدّمون ما لديهم بكرم وأريحية لأيّ فرد أو بلد يرغب في التجاوب معهم"[8]. وذلك يعود إلى أنّ التنوير يؤمن بفكرة أنّ النوع الإنساني واحد، وبالتالي فإنّ البشرية لها الحق نفسه في الكرامة والحرية والمساواة. هذا ما قاله روسو على سبيل المثال في كتابه: خطاب في أصل التفاوت بين البشر: "إنّه لأمر منافٍ لقانون الطبيعة بجلاء أن تغصّ حفنة من الناس في الكماليات في حين تفتقر الأكثرية إلى الضرورات"[9].

وإذا كان عصر التنوير قد اصطلح عليه بمصطلحات عديدة منها: عصر العلم، وعصر العقل، وعصر الفلسفة، وعصر النقد، فإنه قد اصطلح عليه كذلك بعصر نقد الدين. والحق أنّنا في حاجة ماسّة لتوضيح هذا الجانب، وذلك لصلته بثقافتنا العربية، سواء عند أنصار التنوير الذين يصورون التنوير على أنّه مناهض للدين، أو عند خصوم التنوير الذين يعادونه للسبب ذاته.

والواقع أننا إذا فحصنا موقف التنوير من الدين، وجدنا أنّ هنالك أكثر من تيار وموقف، فهنالك من دون شك تيار مادي ميكانيكي ملحد يمثله في فرنسا بشكل خاص فلاسفة أمثال دالمبير، وهلفثيوس، ودو لاميتري، وهنالك تيار عقلي مؤلّه أو ربوبي (déisme) قال به نيوتن، وهو مذهب يرى أنّ الله لا سبيل إلى معرفته إلا بالمناهج العقلية، وبخاصة ما سمّاه العلة العظمى الأولى، وأنّ الله مصمم الكون وواضع نظامه. وقد وظّف هذا التصور علماء الدين والفكر على السواء، فاستعمله الأسقف جوزيف بتلر في كتابه: المماثلة في الدين بين الطبيعي والدين المنَزَّل، وحاول البرهنة على أنّ مبادئ الدين المنزل ومجرى الطبيعة متشابهان بما يكفي لإثبات صانع واحد لكليهما. كما استعمل هذا المذهب فولتير وروسو في نقدهما للمسيحية الكاثوليكية، وبخاصة في موضوع التعصب. ويعتبر التيار الربوبي تياراً غالباً على تصور النخب للدين، لأننا نقرؤه عند مختلف فلاسفة ومفكري وكتّاب عصر التنوير سواء في فرنسا أو إنجلترا أو ألمانيا.

إنّ فولتير الذي يُعدّ رمزاً لعصر التنوير، نشر قاموساً فلسفياً يمثل خلاصة الفكر التنويري، وذلك لما يتضمنه من نقد للطغيان، والتعصب، وإدانة للحروب، ونقد لنظرية العناية الإلهية في العقيدة المسيحية، ورفض لكلّ ما يعارض العقل في ميدان العقيدة، كما هو نقد للفلسفات الميتافيزيقية وبخاصة فلسفة ديكارت، ودعوة إلى المعرفة الحسية والتجريبية، وإلى السلام ونبذ الحرب والتعصب الديني والفلسفي. ويجمع الدارسون على أنّ هذا القاموس الفلسفي هو محاولة لإعادة بناء الدين على أساس عقلي. ومن هذه الأسس التي دعا إليها فولتير نذكر: (التوحيد نتاج العقل المستنير)، و(الأخلاق هي الدين الصحيح)، و(الاعتدال ضدّ التعصب)، و(طاعة الله بطاعة الدولة لا بطاعة البشر). كما شدّد على ضرورة التمييز بين الدين الطبيعي والمصطنع: "لقد منع الدين الطبيعي المواطنين آلاف المرّات من ارتكاب الجرائم، فالنفس الطيبة لا تقوى على ذلك، أمّا الدين المصطنع فإنّه يشجع على جميع مظاهر القسوة، كما يشجع على المؤامرات والفتن"[10]. كما قال: "هنالك قانون طبيعي مستقل عن الاتفاقات الإنسانية: يجب أن يعود على ثمرة عملي، احترام الأب والأم، عدم الاعتداء على الجار، يبدو لي أنّ معظم الناس قد أخذوا من الطبيعة حسّاً مشتركاً لسنّ القوانين، يجب أن يجمع كلّ دين أكثر ممّا يفرّق أو يضطهد أو يتعصب". كما قدّم تصوراً للدين سمّاه الدين الشامل: "إنّ دين أهل الفكر دين رائع، خالٍ من الخرافات والأساطير المتناقضة، وخالٍ من العقائد المهينة للعقل والطبيعة، يقتصرون على عبادة الله مع جميع حكماء الأرض"[11]. وإلى مثل هذه الأفكار دعا كذلك فيلسوف التنوير الألماني كانط في كتابه: الدين في حدود العقل البسيط، معتبراً أنّ الدين الحقيقي هو الأخلاق.

وقد استخدم هذا التصور الديني في نقد سلطة الكنيسة، والدعوة إلى تحويل سلطاتها إلى سلطة الدولة بما هي سلطة مدنية وليست دينية. فعلى سبيل المثال دعا فولتير في قاموسه الفلسفي إلى جعل الزواج من حق القاضي، وأن تقتصر مهمة رجل الدين على المباركة. كما يجب أن يخضع رجال الدين للحكومة في كلّ المجالات لأنهم رعايا في الدولة. ويجب أن يدفع القضاة والعمال والفلاحون والقساوسة نصيبهم في نفقات الدولة، لأنهم كلهم رعايا الدولة. فلا وجود إلا لموازين واحدة، وقياس واحد، وعادة واحدة[12].

لقد كان نقد الدين أو تحديداً نقد التصورات الدينية متبوعاً دائماً بالدعوة إلى التسامح. هذا ما نقرأه عند مختلف فلاسفة وكتّاب التنوير، بدءاً بجون لوك صاحب كتاب: رسالة في التسامح، وانتهاء بفولتير. هنالك دعوة دائمة إلى التسامح ونبذ التعصب. يقول فواتير: "التسامح هو قوام الإنسانية، كلنا خطّاؤون، فلنسامح أخطاء بعضنا بعضاً، هذا هو أول قانون للطبيعة، الشقاق هو أكبر شرّ يصيب الجنس البشري، والتسامح دواؤه"[13].

وهنالك دليل آخر يمكن اعتباره بمثابة مفارقة بالنسبة لمواقف التيارات الغالبة في الثقافة العربية، وهو أنّ عصر التنوير الأوروبي قد انفتح على الإسلام، واستعان به في نقد المسيحية. ويمكن أن نستدلّ على ذلك بالكاتب ريشار سيمون صاحب كتاب: التاريخ النقدي للدين وتقاليد الشرق، الذي أثار موجة نقدية عارمة، واتهمّ المؤلف بالإعجاب بالإسلام، وكان ردّه على النحو الآتي: "علينا أن نستفيد من الدروس الممتازة لأخلاق المسلمين". كما يمكن الإشارة إلى الكاتب المتميز بيير بايلي صاحب كتاب: القاموس النقدي، الذي خصّ النبي محمّداً بسيرة موضوعية. واعتبر تسامح الخلافة العثمانية عند مفكري عصر التنوير بمثابة مثل وقدوة، وشكل (الباب العالي) ملاذاً من الاضطهاد الديني الكاثوليكي والأرثوذكسي. وكان: "ينظر إلى الإسلام كدين عقلي (...)، يوفق في الدعوة إلى حياة أخلاقية مع احترام معقول لمتطلبات الجسد والحواس والحياة الاجتماعية (...). وتاريخياً يبرز الدور التمديني للإسلام: الحضارة لم تخرج من الأديرة، نشأت عند الوثنيين الإغريق والرومان، ونقلها إلى أوروبا رجال غير مسيحيين، هم العرب"[14].

وممّا لاشك فيه أنّ هذه الخصائص عامّة تحتاج إلى تفصيل حتى نتمكن من تمييز عصر التنوير عن غيره من العصور، ولعل في العودة إلى أحد فلاسفتها قد يسمح لنا بتقديم فكرة دقيقة عن تميّز هذا العصر. ويعتبر الفيلسوف الألماني إيماونيل كانط (1724-1804) نموذجاً للفيلسوف الذي بيّن خصائص التنوير سواء من خلال فلسفته النقدية أو من خلال تعريفه للتنوير في مقاله: ما التنوير؟ حيث قال: "التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذي اقترفه في حقّ نفسه"[15]. إنّ هذا التحديد السلبي للتنوير يعتبر قاعدة ومبدءاً للتنوير، لأنّ التنوير سيكون دائماً هو خروج الإنسان من حالة القصور، ورفع الوصاية، وبخاصّة الوصاية السياسية والدينية. من هنا دعا كانط إلى ضرورة أن يتحلى الإنسان بالشجاعة والجرأة على استعمال عقله، لكي يتحرر من الأوصياء، ويبلغ حالة الرشد والحرية والاستقلالية الذاتية.

إنّ استخدام العقل هو شعار التنوير، ولكي يستخدم الإنسان عقله عليه أن يتخطّى الكسل والجبن وحكم الأوصياء، وعليه أن يتجاوز حالة القصور التي تحوّلت إلى طبيعة ملازمة له. ولذا فإنّ الشرط الأساسي للتنوير هو الحرية. يقول كانط: "لا يتطلب [التنوير] شيئاً غير الحرية، وهو في الحقيقة لا يتطلب إلا أبعد أنواع الحرية عن الضرر، ألا وهي حرية الاستخدام العلني للعقل في كلّ الأمور"[16].

ثانياً: ما النقد الموجّه للتنوير؟

إنّ قيم التنوير المتمثلة في العقل، والعلم، والحرية، والتقدّم، والسعادة، قد شكلت العالم الغربي كما نعرفه منذ القرن الثامن عشر، الذي انتهى كما هو معلوم بحدث تاريخي عظيم تمثل في الثورة الفرنسية التي دعت إلى الحرية والمساواة والأخوة وحقوق الإنسان والمواطن. كما أدّت تلك القيم إلى انبثاق الحداثة الغربية الظافرة التي قادت العالم وما تزال تقوده. ولكن بقدر ما أدّت قيم التنوير بالغرب إلى تأسيس الحضارة وقيادة العالم، فإنّها قد أصيبت بما يصيب القيم الإنسانية عندما ترتبط بالتطبيق والممارسة. ويُعدّ الاستعمار، والحربان العالميتان الأولى والثانية، وظهور النظم السياسية الشمولية، وما أصاب البيئة من كوارث نتيجة النزعة النفعية والعقل الأداتي، من الشواهد البارزة على النتائج العكسية لقيم التنوير التي تعكس الوجه المظلم للتنوير الغربي، من هنا تنبع الحاجة إلى النظرة النقدية في تقييم تلك القيم التي ميّزت التنوير.

والحق، فإنّ النقد لم يفارق التنوير منذ ظهوره إلى يومنا هذا، ولعله من المفيد كتابة التاريخ النقدي لفكرة التنوير حتى يتحرر أنصار وخصوم التنوير من بعض أوهامهم، وبالأخص في الثقافة العربية. لقد رافق النقد التنوير من خلال معارضيه في القرن الثامن عشر، واستمرّ بأشكال مختلفة في الرومانسية والحداثة وما بعد الحداثة.

ويُعدّ هامان (Haman) ومواطنه الألماني هردر (Herder) من النقاد المعاصرين الذين انتقدوا التنوير. فبحسب دراسة للفيلسوف الإنجليزي إشعيا برلين (Isaiah Berlin) فإنّ هامان يمثل أصل اللاعقلانية الحديثة، وأنّه مع جوزيف دي ميستر (Joseph de Maistre) يعدّان من أعداء التنوير[17].

إنّ الأرضية التي انطلق منها هامان في نقده للتنوير، هي أرضية (الوطنية) باسم ألمانيا وثقافتها وتاريخها ولغتها، فقد رأى أنّ ما قام به: "ملك بروسيا بمثابة مؤامرة سياسية محضة عقدها مع فلاسفة التنوير"[18]. وهو ما يعني بلغتنا المعاصرة أنّه نقد التنوير باسم الخصوصية والهويّة والحق في الاختلاف، وهو الخطاب السائد والغالب كما هو معلوم في الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة. وحجّة هامان هي اللغة التي تمثل الحقيقة الأولى، وأنّ العالم يتكلم، وأنّ هذا الكلام يتجاوز الخطاب العلمي من جميع جوانبه. ولذلك لم يتردد إشعيا برلين في وصف هامان بأنه: "العدو الأول والأكثر انسجاماً والأكثر تطرفاً للتنوير بوجه خاص، وللعقلانية بوجه عام، وهو الذي عاش ومات في القرن الثامن عشر"[19]. وقد ظهرت آثار هذه العداوة في كتابه الأساسي: الشعر والحقيقة، الذي يعُد ّمنبعاً للاعقلانية في الثقافة الأوروبية الحديثة.

وقد استمرّ هذا الخط، خط نقد التنوير مع الفيلسوف واللغوي هردر[20]، الذي دافع عن قيم التعدد والنسبية في مقابل الكليّة أو الكونية التي دعا إليها التنوير، رافضاً الاستعمار، ومميّزاً بين استعمار داخلي تقوم به الشركات التجارية والصناعية، واستعمار خارجي تقوم به الدول والإمبراطوريات باسم قيم التنوير. كما ناهض العنصرية، ودافع في فلسفته التاريخية عن فكرة التعدّد أو التنوع الثقافي[21].

ويُعدّ هردر في نظر بعض الدارسين بمثابة المفكر لحداثة بديلة، حداثة مناهضة للتنوير، إنّها الحداثة الجمعاتية (communautarienne)، تلك الحداثة التي تحدّد الفرد بأصوله العرقية وبتاريخه ولغته وثقافته[22].

كما أجرت الحداثة ذاتها التي انبثقت من التنوير عملية نقدية واسعة للتنوير، وبيّن ذلك فيلسوف الحداثة الألماني هيغل في نقده للطابع اللاهوتي للعقل التنويري، مؤكداً أنّ عصر التنوير قد رفع شيئاً متناهياً إلى مرتبة المطلق. وفي تقدير هيغل فإنّ هذا يتماثل والفعل اللاهوتي والأرثوذوكسي. من هنا فإنّ التنوير ليس إلا الوجه الآخر للأرثوذوكسية: "هذه تدافع عن وضعية العقائد، وتلك تسلم بموضوعية أوامر العقل، كلتاهما تلجآن إلى الوسائل نفسها"[23]. مبرهناً على أنّ الذاتية هي التي تشكل مبدأ الأزمنة الحديثة، وهي التي سمحت بتفوق العالم الحديث. قال: "إنّ حرية الذات هي مبدأ العالم الحديث (...). وإنّ ما يصنع عظمة عصرنا يقوم على الاعتراف بالحرية بوصفها خاصية الروح"[24]. وتتضمن هذه الذاتية جملة من الخصائص، أهمّها: الفردية، وحق النقد، والاستقلال في العمل. ولذلك قام بنقد التنوير بوصفه عقلانية مجردة، كما انتقد الثورة بما انتهت إليه من علاقة ضرورية وفعلية بين الحرية وبين الموت[25].

وانتقدت الرومانسية التنوير من جهة تجاهله للمشاعر والعواطف والذات، وذلك لأنّ عصر التنوير الذي أشاد بالعقل إلى درجة التقديس، قد استخف بالخيال والعاطفة وبكلّ ما يبعث الحماسة، من هنا ستعمد الرومانسية إلى الإعلاء من شأن الخيال والإيمان، وهو ما أدى إلى نشوب صراع بين المذهب الكلاسيكي في الفن وبين المذهب الرومانسي.

وقد كانت الكانطية الجديدة ممثلة بفيلسوفها آرنست كسيرر سباقة إلى الدعوة إلى ضرورة إجراء فحص نقدي للتنوير. ولقد صاغ كسيرر نقده على هذا النحو: إذا كان شعار التنوير بحسب كانط هو: لتكن لك الشجاعة في استخدام عقلك؟ فإنّ هذا الشعار يعنينا أيضاً في علاقتنا بالتنوير، لتكن لدينا الشجاعة في تقدير وتقييم هذا الفكر، وأنه يتعين علينا أن ندخل في حوار داخلي معه. يقول: "إنّ العصر الذي مجّد العقل والعلم، والذي رأى في العقل والعلم (القوة العليا للإنسان) لا يمكن أن يكون بالنسبة إلينا مجرد عصر قد ولى، علينا أن نجد الوسيلة لاكتشاف وجهه الحقيقي، وبالأخص استخراج القوى العميقة التي أنتجت وصقلت هذا الوجه"[26]. ولا تكمن أهمية التنوير في نظر كسيرر في النظريات التي بلورها، ولا في المذاهب التي دافع عنها، وذلك لأنّ المضمون الفكري لعصر التنوير بقي تابعاً للفكر الفلسفي السابق عليه، وإنما تكمن أهميته في نوعية تملكه للميراث السابق، ولكيفية تنظيمه، واختباره، وتطويره، أي لطريقته في قراءة تراثه[27].

كما يُعدّ كتاب فلاسفة مدرسة فرانكفورت: جدل العقل، الكتاب النقدي للتنوير بلا منازع، ففيه دعا أدورنو وهوركهايمر إلى ضرورة أن: "نفهم كيف أنّ الإنسانية التي بدلاً من أن تلتزم بشروط إنسانية حقة، سرعان ما راحت تغرق في شكل جديد من أشكال البربرية"[28]. وأنّه: "منذ أن وجد التنوير بمعناه العام، بما هو تفكير متقدم، فإنه كان يعمل على أن يحرّر الناس من الخوف، وأن يجعلهم سادة أنفسهم. إلا أنّ مصير الأرض قد انتقل من التنوير إلى الكارثة الكليّة"[29]. وأنّ العقل الأداتي في محاولته للسيطرة على الطبيعة وعلى المجتمع والإنسان قد أدّى إلى الانحطاط الكامل. وقد حصلت هذه الكارثة بفعل الهيمنة والسيطرة ليس فقط للعقل الأداتي وإنما للأسطورة أيضاً، من هنا لم يتردّدا في القول إنّ: "التنوير قد سقط في الأسطورة"[30]، وبخاصّة أسطورة التقدم.

وأخيراً فقد قامت ما بعد الحداثة بنقد التنوير، هذا ما نقرأه على سبيل المثال وليس الحصر عند الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار الذي نشر سنة 1979 كتابه: الوضع ما بعد الحداثي، الذي يُعدّ أول نص فلسفي طرح الأفكار الأساسية لما بعد الحداثة، والتي يمكن إجمالها في الاعتراض النقدي على مختلف قيم التنوير كالتقدم والحرية والعقل، والإقرار بفشل مشروع الحداثة الغربية. وفي تقدير ليوتار، فإنّ غياب الأفق الكوني والتحرر العام يسمح لإنسان ما بعد الحداثة بالتأكد من نهاية فكرة التقدّم والعقلانية والحرية، وأنّ الحداثة المنبثقة من التنوير قد أدّت إلى أنّ نصف البشرية يواجه التعقيد، والنصف الآخر يواجه المجاعة. وأنّ الحروب التي عرفتها البشرية تركت الإنسان يعيش بلا أوهام أو أساطير، أو وفقاً لتعبيره من دون نصوص سردية كبرى أو ميتا سردية (Métarécits / grands récits)[31].

ثالثاً: ما الموقف من التنوير؟

بناء على هذه المعالم الدالة في التعريف والنقد، ما موقفنا من التنوير؟ يمكننا الإجابة عن هذا السؤال بجملة من العناصر أهمها:

1. لا بدّ أن ينبثق موقفنا من التنوير من علاقتنا التاريخية والحضارية بالتنوير، وليس فقط من علاقتنا بالنظريات والتيارات الفكرية والسياسية. وإذا كانت هذه العلاقة التاريخية والحضارية تتميز بشيء معيّن، فإنها تتميز بطابع ازدواجي يظهر في شكل استعمار وهيمنة، ونهضة وتحرر، وعولمة وتنمية، ولذا فإنّ المطلوب هو تطوير منظور نقدي تأسيسي يراعي المعطى التاريخي والحاجة الحضارية.

2. على الموقف أن يستوعب درس التنوير ونقد التنوير الذي حصل في الغرب. والحال فإنه إذا كانت الثقافة العربية في حاجة إلى دراسة ماضيها وتراثها وتاريخها، فهي في أشدّ الحاجة إلى دراسة التنوير الغربي ومختلف التجارب الحضارية الناتجة عن التنوير، لا تكتفي بالجهود الفردية، وإنما ترقى إلى بناء مؤسسات ومراكز علمية تمكننا من معرفة دقيقة بعيدة عن المعرفة العامة والإعلامية والأيديولوجية.

3. ثمّة حقائق في نقد التنوير تتمثل بخاصة في نقد العقل التنويري بما هو عقل نفعي وأداتي وتسلطي، والعلم بما هو سلطة وسيطرة على الطبيعة وعلى الإنسان، والكونية بما هي إقرار لكونية القيم الأوروبية التي تمّ فرضها بالقوة العسكرية، وذلك تحت ذريعة الحضارة الراقية[32]، وتحول التقدّم، رغم ما حققه من إنجازات، إلى خطر يهدّد مصير البشرية، وذلك نظراً لطابعه الكمي والفردي.

4. رغم الإقرار بهذه المظاهر النقدية التي أصابت قيم التنوير، فإنّ ذلك لا يؤدي بالضرورة، كما فعلت بعض اتجاهات ما بعد الحداثة، إلى التضحية بالعقل والعلم والتقدّم والحرية، وإنما يجب أن يؤدي إلى ضرورة فحص هذه القيم، وذلك بالنظر في العقل بما هو ملكة معرفية وطاقة إبداعية لا تتعارض مع الخيال والذاكرة، أو ما يمكن تسميته بـ(العقل التضافري)، وتنمية المعرفة العلمية بما هي إمكانية إنسانية لتحسين قدراته، والنظر إلى العالمية من جهة الاختلاف والتنوع والمساواة في الوقت نفسه، وإلى التقدّم بما هو قدرة على: "اكتساب القدرات الخاصة لحلّ بعض المشكلات، والوعي بالمشاكل الجديدة"[33].

5. عرف موقف التنوير من الدين في السياق الغربي تحولات أساسية، وبخاصة التحول الذي عرفته المسيحية الكاثوليكية، كما بيّن ذلك مجمعها الكنسي الثاني الذي أقرّ بعدم التعارض بين العلمنة والحياة الروحية. كما أدّت ما بعد الحداثة إلى عودة الديني ومناقشة البعد الروحي عند العديد من التيارات الفلسفية والسياسية التي شرعت في طرح المسألة الروحية من خلال الحديث عن المقدّس والإلهي والديني.

6. إنّ ما يجري اليوم في الفكر السياسي الغربي من نقاش حول طبيعة الحكم عموماً يؤكد هذه الحاجة إلى إعادة النظر من جديد في مختلف الأسس التي قام عليها المشروع الحضاري الغربي. ومن بين هذه المواضيع نشير إلى مسألة الاعتراف، وطبيعة الدولة، وحقوق الإنسان، وبخاصة الحقوق الثقافية للأقليات، وما تطرحه من مشكلات.

وتُعدّ التحليلات التي قدّمها مارسال غوشيه، وليك فريي، وريجس دوبري مثالاً على هذا النقاش الذي يمكن اختصاره في: علاقة الدين بالدولة العلمانية، ومسألة الروحانية العلمانية (la spiritualité laïque)[34]، وموضوع المقدّس، وعلاقة الدولة بالأقليات الثقافية في الغرب، ومنها الجاليات الإسلامية التي تعتبر سبباً من الأسباب التي دفعت نحو إعادة النظر في علاقة الدولة بالدين.

7. إذا كان الفكر السياسي الغربي يعيد النظر في بعض مبادئه الناظمة للحياة الأخلاقية والسياسية، فإننا نعتقد أنّ الثقافة العربية والإسلامية في أشدّ الحاجة إلى إعادة التفكير في هذه العلاقة التي يحكمها غالباً توجّهان أساسيان متقابلان: توجّه يرى اندماج السياسي في الديني اندماجاً كاملاً، ويجد تعبيره في مختلف التيارات الإسلامية السياسية المعاصرة، وفي المقابل هنالك تيار علماني رفع العلمانية إلى درجة العقيدة والأيديولوجية، نافياً أن تكون إجراء قانونياً منظماً لعلاقة الدين بالسياسة. وقد قام هذان التياران باستبعاد منهجي منظم للرأي القائل إنّ: "الإسلام في نصوصه الأصلية، وفي فضاء (التيار الأغلبي) العمومي الذي يمثله، يعرض خلاصاً أرضياً مباشراً قائماً على (العدل) و(المصلحة) في سياق رؤية حضارية وقيم إنسانية رحيمة"[35].

8. يجب علينا النظر إلى الدين في مستوياته الأساسية، وبخاصة الدين بما هو نصوص مقدّسة خاضعة للتأويل، والدين بما هو تجربة تاريخية منجزة، والدين بما هو تصورات دينية نسبية وفاعلة في الحاضر. وإذا كان الدين بما هو معطى وجودي خاص بالإنسان تفرض الحرية الإنسانية احترامه وتقديره، فإنّ التجربة التاريخية والتصورات الفاعلة يجب إخضاعها إلى المناقشة العقلية والنقدية الهادفة إلى سعادة الإنسانية.

9. إنّ التنوير بما هو رفع للوصاية، وبلوغ لسن الرشد لا يتأسس إلا من خلال نظام ديمقراطي أساسه المواطنة بما هي علاقة قانونية بين الحاكم والمحكوم. وهو ما يعني أنّ التنوير ليس عملية موضوعية خارجية، وإنّما هو قبل كلّ شيء عملية تحويل ذاتية لذات النفس، تستجيب بشكل من الأشكال إلى القاعدة القرآنية القائلة: "إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"[36].


[1]- نشر هذا المقال في مجلة يتفكرون، العدد الثامن، 2016، إصدارات مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.

[2]. أحمد محمود صبحي، في فلسفة التاريخ، مؤسسة الثقافة الجامعية، القاهرة - مصر، 1975، ص 75

[3]. بول هازار، الفكر الأوروبي في القرن الثامن عشر، ترجمة محمد غلاب، دار الحداثة، بيروت - لبنان، (د- ت)، ص 64

[4]. المرجع نفسه، ص 81

[5]. المرجع نفسه، ص 81

[6]. المرجع نفسه، ص 245

[7]. المرجع نفسه، ص 172

[8]. المرجع نفسه، ص 247

[9]. المرجع نفسه، ص 248

[10]. فولتير، القاموس الفلسفي، ترجمة عادل زعيتر، مكتبة ومطبعة الغد، (د-ت)، ص 106

[11]. المصدر نفسه، ص 108

[12]. المصدر نفسه، ص ص 289-290

[13]. المصدر نفسه، ص 346

[14]. مكسيم رودنسون، جاذبية الإسلام، ترجمة إلياس مرقص، دار التنوير، بيروت - لبنان، (د- ت)، ص 45

[15]. إمانويل كانط، الإجابة على سؤال ما التنوير؟ ترجمة عبد الغفار مكاوي، في: زكي نجيب محمود، فيلسوفاً وأديباً ومعلماً، كتاب تذكاري، جامعة الكويت، الكويت، 1987، ص 285

[16]. المصدر نفسه، ص 286

[17]. Isaiah Berlin, Le Mage du nord, critique des lumières: G.Hamann 1730-1788, Paris, PUF, 1997,p.1

[18]. Ibid.p. 7.

[19]. Ibid.p.23.

[20]. Pierre Pénisson, Kant et Herder, In, Revue germanique Internationale, No 6,1996, p.63-74.

[21]. Pierre Pénisson, Herder et les Lumières, L’Europe de la pluralité culturelle et linguistique, In, Revue Germanique Internationale, N20, 2003. 

[22]. Zeef Sternhell, Les anti-lumières du XII siècle à la guerre froide, Paris, Fayard, 2006.

[23]. Ibid., p.67.

[24].Jürgen Habermas, Le discours philosophique de la modernité, trad. Christan Bouchindhomme et Rainer Rochlitz, Paris, Gallimard, 1985. p .25.

[25]. Ibid., p.103.

[26]. Ernst Cassirer, La philosophie des lumières, trad. Pierre Quillet, Paris, Fayard, 1966, p.32.

[27]. Ibid., p.33.

[28]. ماكس هوركهايمر وثيودور أدورنو، جدل التنوير شذرات فلسفية، ترجمة جورج كتوره، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت-لنبان، 2006، ص 13

[29]. المصدر نفسه، ص 13

[30]. المصدر نفسه، ص 10

[31]. جان- فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثي، ترجمة أحمد حسان، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة- مصر، 1994، ص 23

[32]. كان كوندرسيه يحلم بقيام دولة عالمية متجانسة، وهو ما سمح لأحد المنظرين الاستعماريين، وهو بول لورا بوليوا بالقول: (إنّ حوالي نصف سكان الكرة الأرضية من المتوحشين يناشدون الشعوب المتحضرة التدخل لمساعدتهم بصفة منتظمة ومستمرة).

[33]. يورغن هابرماس، بعد ماركس، ترجمة محمد ميلاد، دار الحوار، اللاذقية- سورية، 2002، ص 104

[34]. Luc Ferry & Marcel Gauchet, Le religieux après la religion, Paris, Grasset, 2004, p.14.

[35]. فهمي جدعان، في الخلاص النهائي: مقال في وعود الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمّان ـ الأردن، 2007، ص 112

[36]. سورة الرعد، الآية 11