صِحّةُ العَالَم و"الإنْسَانُ الطّائشُ": مُسَاءَلَة


فئة :  مقالات

صِحّةُ العَالَم و"الإنْسَانُ الطّائشُ": مُسَاءَلَة

"إنّ عَصرَنا مَهووسٌ برَغبَة النّسيَان،

وإرْضَاءً لهَذِه الرّغبة يَفتنُه شَيطَان السّرعَة.

يَحثّ عَصرُنا الخُطى، لأنّه يَرومُ إِفهامَنا أّنّه يَتمنّى ألاّ نَتذكّرَه،

يَشعُر بِملَل تجَاهَ ذَاتِه، بِاشْمئزَازٍ مِن نَفسِه،

يُريدُ إِطفَاء شُعلَة الذّاكرَة الصّغيرَة المُتراقصَة (...)"

كونْديرَا، البُطْء

 

لَسنَا وَحْدنَا في هذَا الّذي نُقيمُ فيه؛ ثَمّة أنمَاط غَير مَحدُودة مِن أشْكَال الوُجُود (والحيَاة) تَحيَا مَعنا، بلْ وفينَا أيْضاً. إِنّنا غَالباً مَا لاَ نَنتبهُ إلَى هَذه الحَقيقة التِي نَعيشُها يَوميّاً: الطّبيعةُ بَيتٌ كَبير، لآلاف الأنْواع، التِي يَختلف شَكلُ وُجودهَا عن الوُجود الإنسانيّ، وليسَت هَذه الأنْوَاع مَقصورَة عَلى مَا نَراه؛ بَل إنّنا نَعيشُ جَنباً إلى جَنب مُتجَاورين مَع "سكّان" كُثر لاَ نَراهُم. مَا لاَ نَراه لاَ يعني أنّه غَير مَوجُود، وإنّما يعني أنّنا عَاجزون عَن تَطوير قُدراتنا لنَرى أَوسَع ممّا نراه. اللاّمرئيّ في الطّبيعة، أثرى (ربّما) ممّا امتلكنا القدْرة عَلَى رُؤيتِه. لَيَس ثمّة فَراغ في الطّبيعة؛ لأنّ مَا كُنّا نَخالُه فَراغاً، ثَبتَ أنّ هنَاك كَائنات عَديدَة تَسكُن طَوابقَه. تَفرضُ الطّبيعَة عَلى هَذه الكَائنَات، أنْ تَتخذَ جسمَ الإنسَان أحياناً، غُرفاً لهَا، تَستلقِي عَلى أَسِرَّته، وتَقتَات مِن مَطابخِه، ورُبّما تُمارسُ هِوايَاتهَا اليَوميّة في أَخَاديدهِ ومُنعَرجَاتهِ أَيضاً.

عمَارَةُ الوُجُود ليْسَت مجَرّد نَاطحَات سَحَاب، ولاَ هيَ محضُ منشآت حضاريّة ضخْمَة. إنّهَا أعظَمُ منْ ذَلكَ؛ لنَنْتَبِه إلَى أنّ أصْغَر مسَاحَة فِي الطَّبيعَة، يُمكِن أنْ تحْوِي مَا لاَ يتَصَوّر منْ "أنْمَاط الحيَاة" المغايرَة لنمطِ حيَاةِ الإنْسَان. ولِكُلّ منهَا طَبيعتُه، التِي قد يتعذّر علَى أدَوَات الإنْسَان فهْمهَا واكْتشَافهَا. إنْ نحنُ سلّمْنَا بذَلكَ، فإِنّهُ يمْكنُ أنْ نبْنيَ عليْه خلاَصَةً تُفيدُ أنّ الحقّ فِي الحَيَاة، والحقّ في الوُجُود حقٌّ مشْتركٌ بيْن جمِيعِ "مُواطِني الطّبيعَة": حيوَانَات، ونبَاتَات، وجمَادات، وأشْيَاء وغيرها.

ولأَنّ الطّبيعَة، لاَ أخلاَق لهَا (بالمَعْنَى الإنْسَانيّ للأَخلاَق)، ولاَ حدُودَ تفْرضُ عليْهَا تنْظيمَ "الحيَاة المُشْترَكَة" بيْن مُواطنيهَا، فإِنّ العلاَقَات دَاخلَها، انْبَنَت علَى قَانُون واحِد مستحيلٌ رفضُهُ: "البقَاءُ للْأَقوَى". بعْد "انْتهَاء" الحَرب العالَميّة الثانيَة، أمْسكَ الأَقويَاء بشَكيمَة العَالَم يُوجّهُونهُ بمَا يَضْمَن لهُم السّيَادَة والهَيْمنَة، وتشكّلَ "مجلِسُ الأَقويَاء الخَمْسَة"، الّذينَ صاغُوا قانُونا، يُؤَبّدُ وجُودهُم كقوَى عظْمَى علَى العالَم. خُذ مثلاً آخر: علَى امْتدَاد التّاريخِ الإنْسانيّ، سَادَ الأفرَاد علَى الأفْرَاد، وهيْمَنَت الجمَاعَات علَى الجمَاعَات بواسطَة القوّة. يطَالُ التغيّر كلّ القَوانين ما خلاَ قَانُون "البقَاء للأقْوى"، بل إنّ القوَانين لاَ تتغيّر إلاّ بفعل تغْيير "موَازينَ القوَى". هذا بالنّسبَة، لأقَدَر "حيوَانَات الطّبيعَة" (الإنْسَان) علَى اسْتصْلاَح وضْعهِ الطّبيعيّ، وتنْظيمِه؛ ومَا اسْتنتجنَاهُ بخُصُوصهِ، نعُود لنسحبَهُ علَى علاَقَاتهِ ببَاقِي جيرَانِهِ فِي الطّبيعَة المُومَأ إليهمْ آنفاً. البقَاء للأقْوى، هوَ أقْوَى قَانُون علَى الإطلاَق، ابْتكرتهُ الطّبيعَة وصَانَتهُ، ومنْ هنَا أهميّة فلْسفات القوّة، التِي لمْ تتوَانَ عنْ الاعْترَاف بأنّ الطّبيعَة -بمَا فيهَا الطّبيعَة الإنْسانيّة- قَائمَةٌ علَى أنّ "الحُوت الكَبيرُ يبْلعُ الحُوت الصّغير". ومن هنا، أيْضاً، تتأتَّى لنَا مشْروعيّةُ مسَاءلَة هذَا الاعْتدَادُ الإنْسانيّ بالذّات، والاسْتقْواءَ علَى الطّبيعَة، وبَاقِي شركَائِه في الحيَاة.

فِي الصّراع داخلَ الطّبيعَة وحَوْلهَا، حسَم الإنْسانُ الصّراعَ لِصَالحهِ؛ منذُ أنْ أدرَكَ قُدراتِه الوَاسِعَة وإمْكَانَاتهُ العقليّة، ومَا تخوّلاَنهِ لهُ، من قوّةٍ يحْكمُ بهَا الطّبيعَة ومَا فيهَا؛ مذْ ذاكَ، وهوَ منتشٍ بغزَوَاتهِ فِي جميعِ الحقُول والمجَالاَت. اسْتشْعَر الإنسانُ أنّ فيهِ بَعْضا من الآلهَة، مثلَمَا اسْتشْعرَ أنّ "قبَس" النّار (المعرفَة) الّتي احتَازهَا من بروميثيُوس، ستُمكّنهُ من مُزاحمَة الآلهَة فيمَا تختصّ بهِ من سلْطان علَى الكوْن، وحقّ للتّصرّف فيهِ؛ وكَذلكُم كانَ: رَوّضَ الإنسَانُ ما كانَ يرتعبُ من مجرّد صوتهِ، وفرضَ علَى من يتقاسمُ معهُ الحيَاة (حيوانات، نباتات، حشرات...إلخ)، أَن يَكُونَ خَادماً مُطيعاً في عَالَمهِ، بلْ وأنْ يعتبرَ -في تصوّره- هَؤلاَء اسْتهْلاَك الإنْسَان لهُم مَكْرمَةً مِن مكارمِهِ تجَاهَهُم. الأسدُ الّذي كانَ يَخشَى افْتراسهُ، أمْسَى من لوَازمِ متْعَة حدَائقِه، وكذلكُ الأمرُ بالنسبَة إلى غيره. وحينَ اسْتملكَ الإنسانُ كلّ أسبَاب القوّة، الّتي أخضعَ لهُ كلّ جيرانهِ في الطّبيعَة، سعَى إلَى إعَادَة هنْدسَة "العمَارَة" بكاملِهَا، لتلاَئمَ احْتيَاجَاتهِ المُتزَايدَة، وتطلّعَاتهِ المتَسَارعَة إلَى المَزيدِ من الجَاه والتسلّط علَى شُركائهِ في الحيَاة.

لمْ تعُد الطّبيعَة طبيعيّة، لمْ تعُد كمَا كانَت، فقَدَت سحْرهَا، بعْد أن اسْتطاعَ العلْم اكتشَاف أسرارهَا. أعادَت الثّقافةُ البشريّةُ تشْكيلَ الطّبيعَة؛ فقَدَت "عمارتُنا" (مسْكنُنَا) شكْلَها الطّبيعيّ. لقَد بدأت الأُمور بسيطَة في البدَايَة، تَغْييرُ نافذَةٍ هناكَ، إصلاَحُ مَمَرِّ هُنا، ثمّ المرور بعْدهَا إلَى هدْم هذَا الحائطِ، وإضافَة آخر، توْسيعُ هذه الغرفَة بهدمِ أخرى، وصولاً إلَى اعْتبَار هذه الطّبيعَة (العمَارة المسْكَن) بكاملهَا كوخاً غيرُ جديرَة بهِ حضَارتُنَا؛ وبالتّالِى التّفْكيرُ في هَدْمِ الكُوخِ كَاملاً، وإقَامَة بنَايَات جَديدَة محلّهُ، تلائمُ العَصرَ وروحَهُ. صارَت الحقُول الفلاَحيّةُ تُضاعِف إِنتاجَاتها الطّبيعيّة، وتتحمّل ما لاَ طاقَة لها به، باغتَهَا الإنسَان بمُختبراتِه الكيميَائيّة، فاستعجلَ استغْلاَل مدّخراتهَا الّتي حفظَتهَا للقَادِمينَ من المُستَقبَل البَعيد. لم نعُد نملِكُ أمَام الطّبيعَة صبْر المُزارع، وحبّ الفلاّح، فقَدنَا فَنّ انْتظَار الحَبّة حتّى تَنمُو، وَالسّنبُلَة حتّى تنْضجَ (هايْدغَر، نصّ: "السّكينَة")، فصرْنَا نرغمُهمَا علَى "النّضج السّريع" لحَاجَتنَا إلَى إنْتاجِ أضْعَاف مَا كَانَت تسْمحُ بهِ طبيعَة النمُوّ. مُنْذُ أن دخلَ المالُ العالَم أفْسدهُ، وأفْسدَ مَعهُ العمَارَة كلّها. لَم تعُد خطّط التّرميمِ السَّرِيع صَالحَةً لإنْقَاَذ مَأوَانَا الجمَاعيّ، بعْد أن مسّ "الهَدمُ" أسَاسَها. إنّها (الطّبِيعةُ العمَارَة) تَنْهَارُ تحْت أقْدامنَا، وإنْ كنّا لاَ نشعُر بهَا.

نَصّ السّكينَة لهَايدغر، مثال جيّد لتذْكِير العَالَم بالخَطَر المحْدق بنَا، وهَذهِ مهمّة الفلْسفَة. أن تغَامرَ بقَذف الإنْسَان فِي مَعْمعَة الخَطر وإربَاكَاتِه. الفلْسفةُ والخَطَر صنْوان لاَ ينفَصلاَن. ذكّرَنَا هَايدغر بالخَطَر الّذي أضْحَى، يَحفّ بنا، والّذي شرَعْنَا في السّير الجمَاعيّ نحْوهُ منذً "ندَاء ديكَارت" لنصلَ أخيراً إلَى أسْوأ محطّاتهِ معَ "اهْتيَاج ترامْب". وقفَ هايدغر علَى ماهيَة الزّمن الحَديث، بوَصفهِ زمَناً قادنَا إلَى الخَطر وأوْقفَنا علَيه. لَقَد كانَ محقّا فِي "نبُوءتهِ الفلْسفيّة" بخُصُوص مَا سَنفعلُه بـ "نا" وبالعَالَم، بَعد أن رَصَد التّحوّلاَت المُقلقَة للعَالَم، والعُنف الّذي تفَشّى فيه ضدّ الحيَاة، وضدّ الكينُونَة، وضدّ الإنسَان نفسه. حَدسٌ فلسفيّ قويّ، ذاكَ الّذي أَفْضَى بهَايدغر إلَى تفْكيكِ "العقْل الحَاسِب"، ومَا يحمِلُهُ في وعُودهِ من خطَط لإنجَاز "جِراحَة جذْريّة" لوَجهِ العَالم. كأَنّي به، بوَجهِ العَالَم لمْ يبقَ هوَ هوَ. صارَ غريباً عن نفسِه، ومعَ مرور الزّمن صارَ هذا الغَريبُ الّذي فيه هوَ. لهذَا، فالعَالَمُ عاجزٌ أن يرى نفسهُ كمَا كانَ، فمَا كانهُ لمْ يعُد هوَ، لقَد أضحَى بدَوره مظهرًا من مظَاهر غربَتهِ. وهذا من جنَايَات "العقْل الحَاسب" فِي سعيِه إلَى تغيِير "وجه العَالَم". العَقلُ الحاسبُ عقلٌ لاَ يفكّر، لاَ يعقلُ نفسهُ. إنّه ينْجزُ فَحسْب، هوَ نفسُه المسْؤُول عنْ تحِويل العَالَم إلَى مجرّد موْضُوع، فأفْقدهُ سحْرهُ وفتْنتهُ. عالَمٌ بلاَ أسْرار، سرٌّ أكبَر منْ أنْ يتأمّلهُ "فكرٌ حاسبٌ". وحْدهٌ عقلٌ متأَمّلٌ قَادرٌ علَى حفْظ أسْرَار العَالَم، والاستِئْمَان علَى ودَائعِهِ، تلْكَ الّتي صيّرَها "الحَاسبُ" مكْشوفةً عاريَةً...

يُؤشّر عَدمُ تنَاسب الوَليدِ بيْن شهُورهِ في بطْن أمّه ووَزنهِ (ثقُل أم خفَّ) علَى خلَلٍ فِي تكوّنِه، ويَسْتدعِي تدخّلاً طبّيًا مسْتعْجلاً لإصْلاَح الخلَل. لمْ نرَ أمًّا سعيدةً بولاَدَة ابْنهَا أكْبرَ منْ عمُرهِ، يصيبُهَا الذّعْرُ منْ أن يكونَ وليدُهَا كبيرًا علَى مَا تسمحُ بهِ طبيعتُه. النّموّ الطّبيعيّ المتدرّجُ علامَة علَى الصحّة الجيّدة. إنْ كَان ذلكَ كذلكَ، فمَا الّذِي يؤَشّرُ عليهْ مَا يلِي: عُجولٌ يرادُ لها، أنْ تَسْمَنَ في أيّام، وكتَاكيتٌ تصيرُ صالحةً للطّبخِ والشّواء البشريّ فِي أسَابيعٌ. حقُولٌ، وبذورٌ وغيرُهَا تنْمو في سرْعَة قياسيَة، خرجت بها عن طبيعَتهَا، في سياق "السّباق المحْموم" لضمَان مَا يسمّى بـ "الأمْن الغذائيّ"، دونَما أيّ سُؤَال عن التّكلفَة المدَفُوعَة. ورَأسمَاليّ منتشٍ بأَربَاحهِ، يُضْغطُ علَى "الطّبيعَة" بكلّ عنفٍ ليشْبعَ "فَانتَازْمَات متوحّشَة" كشَفَ التّحليلُ النّفسيّ بليغَ أثرهَا علَى جنُون البشَر. معَ الرّأسماليّة الماليّة أسَاساً، شَهدَت الطّبيعَة أفظَع غَزوَة بشَريّة لآخِر حُصُونهَا وقلاعهَا جوّا، وبرّا، وبحْراً. خلَق "السّستَام الاقْتصَاديّ" الجَديد قوَانِينَ محيّنَة، تصُونُ قانُون "البقَاء للأقْوى" وتَحميهِ، وحسبَ أنّ "الرّبْح" ومراكمتهُ، و"الكدْحَ" وعبادتهُ سيعلنَانهُ سيّداً حَاكماً علَى العمَارَة (الطّبيعَة) ومَا فيهَا، كمَا حسِبَ أنّه بفعَالِهِ، سَيُخضعُ الجَميعَ لحُكْمهِ. وفَجأَةً، يكْتشفُ أنّهُ، وهوَ يراكمُ ما راكمَهُ منْ ظفَر واكْتساحٍ، خلقَ عَوالمَ موَازيَة، رأَت فيهِ مَحلاّ فاتنًا للإقَامَة والسّكَن، ومنْ بيْن هذهِ العوَالمَ "عالَم الفيْروسَات" علَى سبيلِ التّمثِيل.

نَدُوس العشْبَ، ونَطبُخَ الخضرَاوَات، ونبيدُ الحشرَات، ونشْوِي كبدَ، ورئةَ، وقلْب بعض الحيوَانَات شَيّاً بَطيئاً مسْتمتعينَ بملاَذّهَا وروائحهَا (التِي نصفُهَا بالزّكيّة)، دونَ أن نعْتبرَ أنّنا نلحقُ بهَا ضررًا، أَو إنّنا نقْترفُ جريمَة شَنْعَاء فِي حقّهَا، لماذَا؟ لأنّه، وكمَا إنّنا درجَات، يتّخذُ القويّ منّا الضّعيفَ مُسخّراً، فإنّهَا مسخّرةٌ لنَا لنَفعلَ بهَا ما نشَاء. نحنُ "سادَة الطّبيعَة ومالكُوهَا" لأنّنا الأَقْوى، ولأنّ اللّه تعالَى سخّرَهَا لنَا. فرَضَ وعيُنَا بالطّبيعَة، أنْ نتصوّرَ، أنّها لمْ تُوجَد إلاّ لإمْتاعنَا وسدّ احْتيَاجَاتنَا. أنْ نعيشَ، معناهُ أن يمُوت بعضُ شركائنَا فِي الوُجُود، فمَاذَا لوْ كانَ فِي موْتنَا حيَاةٌ لكَائنَات تُصِرّ أنْ تحيَا بدَورِهَا! "كورونَا" شَاهدٌ حيّ علَى ما نقُول: فِي النّهَايَة لنْ يحيَا إلاّ الأَقْوى: إمّا نحنُ، أو الفايْرُوس...

حتّى تَصوّرنَا للفَايرُوس تصوّر إنْسانيّ، يرَى فِي كلّ مسّ بـ "جسدنَا" اعْتدَاءً خَارجيًّا عَليْه. نَرفُض أَن نَكُونَ "سكناً" لـ "مُواطنينَ آخرينَ" -ربّما لأنّنا نتصوّرهم عدوَانيّين- في "عمَارَة الطّبيعَة" كالفايروسَات (كورونا) في حالتنَا، ونذهَلُ عن حقيقَة أنّ مسَاكنَنا كانَت علَى حسَاب حيَاة كثِيرِ من "سكّان الطّبيعَة". نُصَاب بالذّعْر، لأنّ هذه "الجيُوش الغازيّة" شبيهةٌ بنَا. إنّها وجهُنا الآخَر، الّذي يسْتعذِبُ إبَادَة مَا لا نهايَة لهُ من الحشرات بـ "رشّة" مُبيد. نُصاب بالهلَع، لأنّ هذَا الفايرُوس، لاَ يني، يُذكّرنَا بحقيقتنا المُرعبَة: إنّه لا يَرحَم، ونَحنُ كذلكَ. لهُ سِياسَة تَوسّعيَة رَهِيبَة، ونَحن كَذلك. إنّه لا شَيء يشبع نَهمَه سِوَى التّعْذيبُ والمَوْت، ونَحنُ كذلك، وقِس عليه منْ نُتُوءَات وجْهنَا المَصْقُول فِي آخرِ أشْكالهَ الوحشيّة علَى مرَايَا "الرأسماليّة الطّأئشَة".

مثلمَا هتَكْنَا "آدَاب الحَيَاة المُشترَكَة" مَعَ مَن يُقاسمُنا هذه الحيَاة، ومثَلمَا اسْتبَحنَا "حرْماتهِم وحياتهِم"، فإنّنا، نرتعب من "الفايروس"؛ لأنّه بدوره -مثلُنا- لاَ يُريدُ أن يَحفَظ آداب السّكَن فينَا، وإنّما يشكّل تَخْريب مَا يشكّلُ شرْطَ وجُودنَا (الجهَاز التّنفّسيّ) هوايتَهُ المُمْتعَة، مثلَمَا كان تَخريبُ الطّبيعَة لدَيْنَا -لدَى الرّأسمَاليّة المَاليّة الطّائشَة أساساً- هوايَةً لتصْريفَ نُظُمنَا الاقْتصاديّة والسيّاسيّة لجنُونهَا ووَحْشِيّتهَا. وكأنّي بـ "جيُوش كورُونَا"، تأخُذ بِثأْرِ جَميعِ ضحَايَانَا التّاريخيّيّن: نبَاتَات، حيوَانَات، حَشرَات، كَائنَات مجْهَريّة أخرَى...

لاَ امتيَازَات لنَا بالنّسْبَة إلَى الطّبيعَة. مَا يُصيبُ غيرَنا، يصيبُنَا. الحُزنُ، والأسَى، والعَجزُ، والبكَاء، وكلّ مشَاعِر الألَم من المَوت والعذَاب، لاَ معْنى لهَا عنْد الطّبيعَة، لأنّ المَوْت والألَم ملازمَان لها. لاَ محلّ لهَذهِ المَشَاعر -الإنْسانيّة- فينَا حينَ نَذبحُ الحَيوانَات، ونعرّض لحْمهَا لنارٍ هادئَة، ونطْحنُ النبّاتَات وغيرهَا من سلوكياتنا اليوميّة التي نعتبرها عَاديَة. هيَ (أشْياءُ الطّبيعَة الأخْرى) مسخّرةٌ لنَا هكذَا نتصوّرهَا، ولاَ نتصوّرُ كيفَ تتصوّر هيَ نفسهَا وسلُوكنَا تُجاهَهَا، ربّما تكُون، كما حالُنَا اليَومَ أمَام "جائحَة كورُونَا": خائفَة، مرْتعشَة، مهْزومَة. لا امْتيَازَات لنَا أمَام الطّبيعَة، سوَى ما نصْنعهُ: إمّا نعيش ويمُوت الفايرُوس، أو نمُوت ويحيَا الفايرُوس. وحدهُ قَانُون "البقَاء للأَقْوى" مَا يحفظهُ تَاريخُ الأَنْوَاع، هو وحده لا شَريكَ لهُ، مَا ضمنَ للإنْسَان المَفتُون بنفْسهِ سيَادةً مطْلقَةً علَى الطّبيعَة. لكنّ الإمْعَان فِي اسْتعرَاض القوّة علَى جيرَاننَا في الطّبيعَة (عمَارَة الوُجُود التِي صرْنَا ملُوكَا عليْهَا) قَد يهْوِي بالعمَارَة كلّهَا، وهذا ليْسَ مسْتبْعداً؛ لأنّ "الرّأسماليّة الطّائشَة" وضَعتْنَا علَى شفَا الهَاويَة حقّاً...

أمَامنَا فرْصةٌ وجُوديّة كبْرَى، أن نصيرَ للطّبيعَة وموَاطينهَا الآخرينَ (نباتات، حيوانات، حشرات، باكتريا...إلخ) أصدقَاءَ حقيقيّين. أنْ نخرجَ من غيْريَة مضيّقَة، إلى آخريّة واسعَة، تَستدمجُ كلّ الأنْواع فِي سِيَاسَاتنَا الإنْسانيّة. أن لاَ نُنهكَ شركَاءنَا فِي الوُجُود، ونحمّلَ مسْكنَنَا الجمَاعيّ مالاَ طاقَة لهُ به. طبعاً، لنْ تُنهيَ "صدَاقةُ الطّبيعَة" المعَاركَ الطّاحنَة فيمَا بيْن المقيمينَ فيهَا، لأنّ حَياة البَعض (الحقُّ فِي البَقَاء) تَقفُ عَلى آخَريه، وعلَى رأسهِم الإنسَان، لكنّنا سنقلّصُ علَى الأقلّ من تكلفَة هذه الحرُوب، فللحرُوب أيضاً "آداب وأخلاق"...

يبدُو عالمُنَا المعَاصِر عَالَماً مَريضاً، صحّتهُ تتدهْورُ سنَة بعْد سنَة؛ وَلأّنّنا بِتنَا نخوض المعَاركَ الخطأ ضدّ الزّمن، والطّبيعَة، والمَوت، والحيَاة، فإنّنا نفَاقمُ مرَض العالَم، ونُضَاعف آلاَمَه. توجّهْنَا بنشَاطنَا إلَى تْحويلِ طَبيعَة الأَرْبعَة، فَبتْنَا نَتَقَدّم بخَطَوات حثيثَة نحوَ حتْفِنَا. لقَد سعَى الإنْسانُ عبْر الشغْل، والعلم خصوصًا إلَى السيّادة علَى كلّ شيء. الذّات الدّيكَارتيّة، وإن هيَ قادَت الإنْسانيّة إلَى اكْتشافِ نفْسهَا وقدرَاتهَا الاستِثنَائيّة، فإنّهَا حرّرت جُنُونَ الامْتلاَك من عقَالِهِ. يُذكّرنَا حَكيمٌ مُعاصرٌ اسْمُهُ إريك فرُوم بأهميّة إعَادة الاعْتبَار لمنطقِ الوجُود علَى منطِق الامْتلاَك، مثلَمَا يذكّرنَا أنّ سحْر الاسْتهْلاك في عصْر جنُون الامْتلاَك، انْتَهَى إلَى تشْكيلِ "هويّات مُحْبطَة" ومَريضَة بالفَراغ. حِقْبَةُ الفَراغ، الّذي لم نعُد نعرفُ الاسْتمتَاعَ بِه، خلْخلَت علاقَتنَا بالزّمن كلّيةً. لعلّ أخْبَار اسْتصْعَاب التأقلُم معَ إجْراءَات "الحَجر الصّحي"، دليلٌ علَى أنّ الإنْسَان المعَاصر -وعلَى خلاف القُدَامَى- غيرُ مهيّأ ليَعيشَ دونَ أنْ يفعلَ شيئاً. إنّ "الحرَكَة عنده بركَة"، ولهذا، تجدُهُ عاجزاً عن تَحويلِ "فراغِه" إلَى لحْظةِ راحَة واسْترخَاء.

لاَ يغيبُ علَيْنا أنّ العمَل بدوْره فشلَ فِي سدّ "الفَراغ" الّذي سطَا علَى "الإنْسَان المُعَاصر". لمْ تشفِ "عبَادَات الكَدح" التمزّقَات الرّوحيَة، التِي تُهدّد وجودهُ. اكْتسحَ الفرَاغُ العمَل بدورهِ، فاخْتلطَ علَى الإنْسَان أمرُ مَا يمكنُ فعلُه بِفراغِه وعمَلِه، خُصُوصًا بَعدَ أنْ هيمَنَ القلقُ والتّرقّب علَى أُفقِه. ليْسَ لهذَا الهمّ من اسمٍ يليقُ بهِ غيرَ "التّيه". إنسانُ اليومِ كائنٌ تائهٌ أضاعَ طريقَه إلَى العيْش الجَديرِ بالعَيشِ، وفِي بَحثِهِ عن "كينَات (حبُوب)" تَغْمرُه بما فقدَه من لذّات، أضَاعَ طريقَ عوْدتهِ إلَى ذاتهِ، لِنَتَأمّل الضّغُوطَ الّتي يَحيَاهَا إنْسَانُ اليَوم، ولنتأمّل كيفَ تبخّرَت وعودُ الزّمن الحَديث باسْتقدَام السّعادَة للإنْسان بالعمَل، والعلم، وغيرهمَا من الأنْشطَة الإنْسانيّة. أمراضٌ غريبَة فتّاكَة، وضغوطَات وتَوتُرات رَهيبَة، وصراعَات مخيفة، وشُعُور بالاخْتنَاق، ورَكْضٌ مَحْمومٌ إلَى وجهةٍ مَجهولٌ مُسْتقرّهَا، هَذهِ إحدَى سمَات الإنْسان المُعاصر، الّذِي نَتمثّلهُ كَحيَوان سَعيد، تَفوّق علَى سابقِيه فِي أَخذِ نصيبِهِ كَاملاً من الحيَاة. كمْ يطيبُ لِي أنْ ألقّبَ هذَا الإنْسان بـ "الكَائِن التّائهِ الهَارِب" دلاَلَة علَى وضعِ اللاّاستقْرَار الذِي أضْحَى عليْه، والّذي قلّص عندهُ الزّمن كلّه إلَى وَقتٍ ميّتٍ. لم تفْقِد "ساعَةُ اللّهِ" شكلَهَا، إلاّ حينمَا رسّخت "الأدْيان" و"الحداثَة" فكْرة أنَّ "العمَل عبَادَةً"، أقصدُ بعدَ أنْ حكمَ الاستعبَادُ العملَ، واستبَاحَ الإنسانُ الطّبيعَة ومدّخراتهَا.

نَحيَا عَصْرًا بَلغَت الضغوطُ فيهِ أشدّهَا علَى الإنْسانِ وحياتِهِ. ضَاقَ به الزّمنُ وتقلّصَت مدّته، اسْتملَكتهُ "السّرعةُ" التِي حسبَ أنّها منقذتُه من الظّلاَل. الرّكضُ ورَاءَ الفعْلِ وجنيِ الآثَار، نجمَ عنهُ تَحوّلاَت مهْولَة فِي علاَقَة الإِنْسَانِ بالزّمن. بلَعَ المُستقْبَلُ الحَاضِرَ، وتَاهَ مُعَاصرونَا بيْن عيشِ الحيَاة، والعمَلِ اسْتعْدَادًا للمُفَاجئ: في الّدارجَة المغْربيّة أمثِلَة عدِيدَة علَى هذَا الشّعُور بالخَطَر من الزّمن منْ قبيلِ "الوقْت كادّور"، و"الزمن غدّار" و"دِير عْلاشْ ترجَعْ". لمْ تعد غَريزةُ الحيَاة منْ تدْفعُ النّاس للعيْش، بلْ هي غريزة "الخَوْف" وَ"المَوَت"، مَنْ أضحَت تَحكُم وتَسودُ. عَجَلَة الزّمان، التِي يَطْحنُ دوَرَانُهَا الجمِيعَ، كابُوس مزعجٌ للشّعوب غيْر الآمنَة اجْـتمَاعيًّا، واقتصاديًّا، فبالأحْرى صحّياً.

ثَمّة منْ يشغلُهُ الزّمَان عَن الموْت، ومنْ يَشغلُه المَوت عن الزمّان، مثلَمَا ثمّة منْ يشْتغلُ بهِمَا عنْهُما. تَقُولُ الحِكْمةُ الدّينيّةُ السّائِرَةُ: "اعْمل لدُنيَاك كأنّك تعِيشُ أبَدا، واعْملْ لآخِرَتكَ كأَنّكَ تَموتُ غَدا"، فهلْ لنَا ب "ليلةٍ بلا غدٍ" سبقَ لميلان كونْديرا أن تحسّر عليها في روَايتِه "لذّة البطء"؟ إنّ ما رسبَ فيهِ "إنْسانُ التقنيّة" بالأَسَاس هو امْتحانُ "العَيْش"، حتّى ليَلوحُ معنَا أنّهُ يحْيا حياةً بلاَ عيشٍ، أو أنّه يعيشُ حياةً لا عيشَ فيهَا، ولَنخَالُ أنّ للأَمْرِ صِلات وَثيقَة بالرّسُوب فِي "امْتِحَان الزّمان" أسَاسًا. حَسْرَةُ كونْديرَا بشَأن ضيَاع "لذّة البُطْء"، تُعيدُنَا إلَى حيَاةِ الأرْيَاف وصَفَائهَا، حَيثُ تدُور عقَاربُ السّاعَة بُبطْء شَديدٍ، مِثلَمَا تُعِيدُنَا إلَى تلْكَ العَلاقَة الحَمِيمَة، الّتِي كَانَت تَرْبطُ الإنْسَانَ بالأَشْيَاء، ولنَضْرِب لِذَلِكَ مَثَلاً بـ "حَيَاةِ الحِرَف التّقليديّة" وَمِقْدَار الرّضَى الّذِي كَانَت تُخلّفُهُ فِي نُفُوسِ أصْحَابهَا، خلافًا لـ "حَيَاة المِهَن المُعاصِرَة"، الّتي تمْضي بسرعَةِ البرْقِ مخلّفةً وراءَهَا "ثُقوبًا روحيّة". لقَد صرَخَ إريك فرُوم محذرًا من مآلِ حالِ مجتمعَات الاسْتهلاَك قائلاً: "في القرن 19 كان بإمكان المرء أن يقول: مات الله. ويجب على المرء أن يقول في القرن 20: لقد مات الإنسانُ لتَحيَا الأَشيَاء. لقَد ماتَ الإِنْسانُ ليَحيَا منْتُوجُهُ. ليْس هناكَ أحسنُ مثَالٍ علَى اللاّإِنْسانيّةِ الجَديدَةِ خيرٌ منْ فِكْرَة القُنبُلةِ النّيتْرونيّة. مَاذَا سيَعْملُهُ السّلاحُ النّيتْرونيّ؟ سيَقْضِي علَى كلّ مَا هوَ حيّ، وسيَبقَى علَى مَا هوَ غيرُ حيّ: الأشيَاء، المنَازل، الطّرقَات"[1]. هذَا هوَ الصّوت الّذي تأتينَا بهِ "كورُونَا" اليوْم، ستحْيَا الأشيَاء، وتمُوت الحيَاة، بيْد أن "قيَامَة" الإنسَان، قَد لاَ تعْني "قيَامةَ" الحيَاة. انْقرَضَت الدّينَاصُورَات، ولَم تنْته الحيَاة، والإنْسَان كغَيرهِ، قَد تَنتَهِي صلاحيّتهُ علَى الأرْض، لكنّ ذلكَ لاَ يعِنِي بأيّ حالٍ من الأَحْوال أنّها "نهَايَة الحيَاة". ليس الإنسَان شرطُ الحيَاة، بقدْر ما تشكّلُ الحيَاة شرطَ وجود الإنْسَان...

فِي طمُوح الإنْسَان إلَى حياةِ الرّفاه وإدامَة وجُوده ككَائنٍ لاَ يفْنى، أنْتجَ تَعقِيدَات شتّى، مَسّتْ كُلّ جَوَانبِ الحيَاة، صَارَ الحَديثُ مَعَهُ عنْ تدْبيرٍ أمْثلٍ للحيَاة لاَ يَتجَاوزُ حُدُودَ الإعْلاَن عَنهُ. تَسْبقُنا أَرْواحُنا إِلَى القُبُور فِي "مُجتمَعَات السّرْعَة"، بالسّرعَة نفْسهَا التِي نعيشُ بهَا الحيَاة. وفجأَة، شعَر الإنْسَان بالخَوْف، والضّعْف، والقلَق ممّا صنعتهُ يدَاهُ، لأنّ كائناً شبيهاً بهِ فِي طلَب التّوسّع والانْتشَار -بلَ والتّطوّر السّرِيعِ أيْضاً- لم يجدْ مكاناً يحيَا فيهِ سوَى جسْم الإنْسَان. وكانَ الّذِي كانَ: بوَادرُ انْهيَار شَاملٍ لكلّ مَا فَاخرَ به الإنْسَان شركَاءه في الأَرْض، وبالسّرْعَة نفْسهَا، الّتي أجهَد الإنْسَان نفْسهُ لتَقْليصِهَا لـ "قضَاء حَاجَته".

فَأَنّى لنَا بيُوغَا حُكمَاء الصّين، التِي يَتحوّلُ فيهَا "فنّ الاسْتِرخَاء" إلَى طقسٍ تعبّديّ تقرّبًا إلَى جمَالِ الكَونِ وجَلَلِهِ...أنّى لنَا بسَاعَات الرّيفِ وطقْطقَاتِ ديَكتهَا وصبَاحَات آلهَا، هنَاكَ حيثُ الخُطَى تسْتمتعُ بكلّ حبّةِ ترَابٍ تحتضُنهَا... وحيثُ يسْتريحُ الوجُودُ منْ ضجِيجِ السّاكنِينَ فِي طَوَابقِهِ". وحدَهَا "عيَادَة الطّبيعَة" منْ ينْبغي العنَايَة بهَا -بعْد كورونا- لعلاَج صحّة العَالَم، ومدَاواة النّفُوس المريضَة بالسّرعَة، والرّبح، والمَال، وغيْرهَا من "فايروسَات العَصْر". المرَضُ علامةُ صحّة، ومنْ لاَ يمرضُ، فهوَ كائنٌ مريض يتوجّب عرضه علَى "مشافِي" الطبيعَة بحجّة أنّه مريضٌ بـ "اللاّمرض"، كما هوَ حالُ من يُعرضُ علَى الطّبيب (مثلاً)؛ لأنّه عاجز عن البكَاء: المرض، كالبكاء دليلٌ علَى أنّكَ طبِيعَتُك، إنْ لمْ تمْرَض فثمّة خللٌ فيكَ. المرَض تذكيرٌ للإنْسَان بأنّه في صحّة جيّدة، و"كُورونَا" تنْبيهٌ للإنسَان لكيْ يهْتمّ بصحّة العَالَم، ويتّبع "نظامَ عيْش صحّيّ"، يقيه "مفاجآت المستقبّل". هَل سيتعلّم العالمُ المهزُوم اليومَ الدّرس؟ وهلَ سيخفّ "طيشُ الإنْسَان" فِي الطّبيعَة بعْدئذٍ؟ لاَ أَدْري، ومَا أَدرِيه، أنّهُ وحْدهُ "مخْبُولٌ" منْ يحتَاج إلَى أكْثر من درْس قاسٍ ليتعلّم...

  


[1]- إريك فروم، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، ترجمة وتعليق حميد الأشهب، (الرباط: فيديبرانت)، ص 52