الترجمة ومقاومة المحو Translation resisting invisibility


فئة :  مقالات

الترجمة ومقاومة المحو  Translation resisting invisibility

الترجمة ومقاومة المحو

Translation resisting invisibility

أسماء السكوتي

ملخص:

تسائل هذه الورقة وضعية المترجم الإشكالية، ليس فقط لما توصف به الترجمة عادة من خيانة، بل وكذلك لما تحكم به من نسيان لشخص المترجم، إذا ما هو أتقن عمله ونقل النص كما يجب. من هنا، تتبع المقالة أسماء المترجمين العرب الذي فشلوا في الثقافة العربية، وكان فشلهم سببا في بقاء ذكرهم والإحالة عليهم كأشخاص وليس كقناة نقل وحسب؛ ذلك أن الخطأ الترجمي غالبا ما ينجح في إثارة فضيحة تخرج المترجم من الكواليس وتدفع به إلى حيث يمكن للجمهور أن يراه. طبعا، هذا لا يحسّن من سيرة المترجم كثيرًا، ولكن بما أنه مغضوب عليه في كل الأحوال، فلماذا لا يستغل ذلك للإبقاء على اسمه. ورغم أن استراتيجيات محاربة النسيان كثيرة، إلا أن المقالة ركزت بشكل رئيس على استراتيجيتيْ الخطأ وخلق الأعداء المناسبين. لتتبع من ثمة زلات مترجمين من أمثال متى بن يونس، حنين ابن إسحاق والمنفلوطي وحافظ إبراهيم.

مدخل: كائنات ممحية

المترجم، ذلك الكائن الذي عليه أن ينقل كلام غيره وأحاديثهم، وأن يفرمل نفسه، كلما عنّت له ضرورة الكلام؛ أن تتكلم دون أن تتكلم؛ أن تدرك أنك مجرد وسيط، يُتوقع منه ألا ينطق وألا يدخل في علاقات شخصية حتى لا يضيع "حياده"؛ أن تدرك أنك مجرد قناة، ونجاح القناة يتمثل في مدى شفافيتها؛ في محوها لذاتها حتى يَعبر ويُعبّر الآخر بواسطة لسانها. ولكن ليس المترجم هو وحده من يمحو نفسه، هناك الهامس بدوره، تلك الشخصية الأسطورية التي لا يظهر منها سوى رأسها (وحتى هذا الرأس لا يظهر إلا لنصف القاعة)، تقف الرأس هناك معلقة بين خشبة المسرح والعالم السفلي الكامن تحت الخشبة، مولية ظهرها للجمهور، مختفية داخل قطعة إكسسوار، متوثبة للتدخل إذا ما نسي أحد الممثلين أسطره. هذا الكائن الأسطوري الذي اختفى الآن، ليقطع آخر خيط لنا مع العوالم السفلية غير المدركة. الناسخ بدوره واحد من هذه الكائنات اللامرئية التي كان انتشار الطباعة كافيا لمحوها، ولولا نصوص من قبيل دون كيشوت ما كنا لنتذكرها، إلا لو تعثرنا بها صدفة في أحد المؤلفات التاريخية. ولكن، المترجم مازال هنا، أحيانا يثور ويترك الطاولة مع صديقته، كما فعل المترجم مع مونيكا في السلسلة الأمريكية فريندز، ليترك العاشقين في مواجهة كل إمكانيات اللغة واللاتفاهم. ربما كان الحب غير كافٍ في غياب لسان مفلوق يوحد شتات لغتين. ومع أهمية المترجم، واستعداده ليمحو نفسه في أية لحظة في سبيل العبور بالمعنى من ضفة إلى أخرى، كانت وما تزال شخصيته مشوبة بالكثير من الشبهات والأسئلة. إنه الخائن، الذي في يده أن يعبر بالمعنى، وفي يده أن يموهه. المصيبة أن لا أحد من الطرفين قد يكتشف لعبته، إذا ما هو قرر أن يلعب بذيله. طبعا، يمكن ألا يقرر اللعب بهذا الذيل، ويبلّغ المعنى على أحسن ما يستطيع، ولكن هذا لا ينفي أن بإمكانه كذلك أن يفعل دون أن يُكشف. هكذا، تكون إمكانية اللعب حتى مع عدم استغلالها كافية للشك فيه، ومن ثمة لوصمه بالخيانة.

المترجم، ذلك الكائن الذي عليه أن ينقل كلام غيره وأحاديثهم، وأن يفرمل نفسه، كلما عنّت له ضرورة الكلام

إلا أن مصيبة المترجم لا تقف عند السمعة الكريهة التي التصقت به منذ فجر التاريخ، بل تمتد كذلك للحكم عليه بالاختفاء إذا ما هو أحسن عمله، وجعله مثالا للإتقان والجودة. وبذلك يكون البديل الوحيد لوصمه بالخائن هو نسيانه وإلغاؤه من النص. ومن ثمة، فإن المترجم محصور بين سيناريوهين: أن يخطئ فيُشتم، أو يُتقن فينسى. ترى أيّهما أسوأ؟ أن تتحول إلى قناة شفافة لا تكاد تُدرَك من شدة جودتها، أو تُذكر ويُلتفت إلى إنجازك لعطب في الإنجاز. مفارقة مثيرة للحسرة، تبدو جلية في تعريف المترجم نورمان شابيرو للترجمة بكونها:

محاولة لإنتاج نص من الشفافية، حيث لا يبدو أنه ترجمة. الترجمة الجيدة أشبه بقطعة زجاج، لا تلاحظ وجودها إلا عندما يكون فيها تشوهات - خدوش، فقاعات. نموذجيا، لا يجب أن تحتوي الترجمة على أي من هذا. لا يجب عليها أبدا أن تسترعي انتباها لوجودها".[3]

ربما اتفقنا قرّاءً على صواب هذا الطرح، إذ كلما اقترب النص المترجم من لغتنا نشأت أواصر الألفة بيننا وبينه، وصار كاتبه واحدا منا، حتى لننسى غرابته وحدوده ولسانه وجمهوره الأصلي. ولكن ماذا عن المترجم، ألا يمكن أن تخطر بباله ضرورة الفخر بصنيعه والتدليل على عظمة إنتاجه، أن يشير إلى اسمه الذي نادرا ما يبدو على الغلاف، أو أن يفاخر بوساطته التي لولاها ما كان لهذا النص أن يتكلم بأكثر من لسان؟ أليس المترجم وسيطا مثله مثل الأوراق التي لولا أنها قد احتفظت وحفظت ذهن الكاتب ما كان لصوته ليبلغ أكثر من محادثيه المحصورين في زمانه ومكانه؟

إن الطرح الذي تتبناه هذه الورقة، مفاده أن المترجم دوما ملعون؛ ملعون إذا أتقن، ملعون إذا أخطأ، ومادامت اللعنة مصيره في كلتا الحالتين، فمن الأجدر أن يتوجه البحث للسبل التي لعبت بهذه اللعنة، وصاغت منها سبلا للبقاء والإبقاء على ذكر الناقل ومقاومة محو اسمه. بصيغة أخرى، سؤال هذه الورقة ليس هو كيف للمترجم أن يستعيد مشروعيته، بل كيف وظف سوء سمعته ليخلّد اسمه في ذاكرة قرائه. ما هي الاستراتيجيات التي خرجت بأسماء مترجمين عدة في الثقافة العربية من النسيان؟ ماهي الوسائل التي فشلوا بها لدرجة أن احتفظت كتب التاريخ بأسمائهم؟

للجواب عن هذه الأسئلة، ستحاول هذه الورقة تسليط الضوء على خمسة مترجمين في محاولة لتبئير الاسم، وتوزيعهم إلى فئتين: فئة وظفت استراتيجية من داخل النص تتمثل في الخطأ والثورة على الأصل وصوت الكاتب الكامن فيه. أما الفئة الثانية، فقد لجأت إلى خارج النص من خلال استكشافها للعلاقات الإنسانية -عداوة كانت أم صداقة- مع الوسط النقدي، ليبقى السؤال المعلق أبدا: ما هو الكم المناسب من المتاعب والفضائح التي يمكن أن تصنع اسما لا ينسى؟

1- التماهي والخطأ: حافظ إبراهيم والمنفلوطي

قبل أن نبحث في استراتيجيات المترجم، يجب أن نتساءل عن أعدائه الذين دفعوه لطلب هذه الاستراتيجيات؛ الأعداء الذين قدروا عليه المحو، مع أنه لم يطلب إلا أن يجعل لنص ما لسانين ووجودين. ربما كان العدو الأول هو النص الأصلي الذي يتحداه ويواجهه في كل لحظة بابتسامة سمجة مفادها "لن تترجمني"، أو ربما كانت لغته الأم التي ما تفتأ تسائله "لماذا تثقل علي بنصك الدخيل؟". ولكن يبقى هناك عدو أصعب وأشد تربصا بالمترجم حتى في غيابه. إنه المؤلف: الأصل الذي سيظل الجميع -قراء ونقادا-يسائلون المترجم لماذا لم يرتفع لقدره؟ الكاتب الذي ربما طارده في أحلامه ويقظته، مبتسما دائما، بابتسامة الآباء الجامعة بين التعاطف والتعالي "ليس هذا ما أردت قوله!". كيف للمترجم أن يتعامل مع هذا الصوت الشبح الذي جاء مع النص؟

 مصيبة المترجم لا تقف عند السمعة الكريهة التي التصقت به منذ فجر التاريخ، بل تمتد كذلك للحكم عليه بالاختفاء إذا ما هو أحسن عمله، وجعله مثالا للإتقان والجودة

المؤلف طبعا، أسعد حظا من المترجم، فحتى شكليا يوضع اسمه على الغلاف، بينما يختفي اسم المترجم في الداخل (أو على الأقل هذا هو المفترض، ما لم نكن في حضرة مترجم مثل المنفلوطي)، وأحيانا لا يُذكر أبدا. المؤلف كذلك، هو الأصل الذي يقاس عليه، بينما المترجم أقرب إلى الناسخ منه إلى المبدع، ولنتذكر في هذا الإطار سؤال الجاحظ "متى كان خالد[4] مثل أفلاطون؟![5]. كلاهما يكتب، ولكن المؤلف يكتب من وحي خياله، بينما المترجم يحاول أن يكتب من وحي المؤلف. بصيغة أخرى، الكاتب أقرب ما يكون إلى المعنى والمجرد، بينما المترجم أقرب إلى اللفظ والمسطور. موازنة تبدو غير عادلة، إذا ما لاحظنا أن للمترجم لسانين على الأقل، بينما قد لا يكون للكاتب إلا لسان واحد. ينفرد المؤلف من ثمة بأوصاف من قبيل الأصل والمنبع والفرد الذي لا يتكرر. وربما كانت هذه الفردانية والأصالة أشد ما يثقل على المترجم، خاصة وأنها تجرّ معها عاقبتين: أولهما أن الترجمة تغدو تمثيلا Representation من الدرجة الثانية (اشتقاقا، تزييفا، نسخة)، وثانيهما أنها تُحتم على المترجم أن يسعى إلى محو ثانويته من خلال جعل لغته من الشفافية، حيث يتجلى صوت المؤلف المتفرد في نسخته. هكذا فقط تكتسب الترجمة أصالتها بإنتاج وهم حضور المؤلف من خلال إلغاء نفسها[6]. بعبارة أخرى، فالمترجم لا يثبت جدارة نصه المشتق/المنشق إلا بإحياء صوت المؤلف الذي يقتل وجوده هو. هكذا يكون على المترجم أن يساهم في ترسيخ وهم الكاتب المتفرد على أمل الاقتراب من النص الأصلي، ولو كان ذلك يلغي وجوده هو.

ما عسى أن يفعل المترجم تجاه هذا الإلغاء المزدوج (إلغاء المؤلف للمترجم، وإلغاء المترجم لنفسه)؟ هنا، تتبدى أولى الاستراتيجيات -وربما أكثرها شيوعا والأكثر سلبية في رأيي- التي تتخذها الترجمة، ومفادها ألا يتقبل المترجم المحو فحسب، بل ويدفع به إلى درجة السعي للتماهي مع صوت الكاتب، فبما أنه لا يستطيع أن يتحدى المنبع ولا أن يتعداه، فإنه يستطيع على الأقل أن يتناسى هزالة وجوده وثانويته، ويحل وينمحي في شخصية الكاتب من خلال محاكاتها. وكأنه ممثل على خشبة. وعلى أي، فليس هناك فرق كبير بين الممثل والمترجم؛ كلاهما ينطق بلسانه بغير لسانه، و"يلقي على الخشبة كلام شخص آخر وكأنه له"[7]. ولكن، يجدر ألا ننسى أن لهذا التماهي أن يسقط في أية لحظة، خاصة في لحظة الخطأ، التي تذكرنا فجأة -كمتلقين للفرجة- أن هذا المتلعثم على الخشبة ليس الشخصية Personage بل الشخص Person. هنا، تغدو اللامرئية أكثر تعقيدا واستشكالا، فالممثل أمامنا ولكنه ليس أمامنا![8]

المؤلف طبعا، أسعد حظا من المترجم، فحتى شكليا يوضع اسمه على الغلاف، بينما يختفي اسم المترجم في الداخل

1-1- حافظ إبراهيم

تحتفظ ذاكرة القارئ العربي بالكثير من أسماء المترجمين المخطئين، أقدمهم ربما متى بن يونس الذي أخطأ في ترجمة كلمتين، ومما يزيد شناعة خطئه أنه أورث ابن رشد خطأه ليسير الأخير على نفس نهجه ويترجم الكوميديا والتراجيديا بالهجاء والمدح، وعلى شناعة خطأ الاثنين إلا أنهما كان سببا في إلهام نص من أهم نصوص بورخيس المعنون بـ"بحث ابن رشد"[9]. وعلى أهمية الخطأ، فإن من أخطاء الترجمة ما لم يكن سببا في إبداع لاحق، بل سببا في قتل النصوص التي نقلها، ويكفي مثالا على ذلك ترجمة حافظ إبراهيم لرواية البؤساء التي اقتطعت جزءا كبيرا من النص الفرنسي، أو لنقل الجزء الأكبر من النص الفرنسي، كما يتبدى من مقدمة الترجمة اللاحقة للرواية على يد منير البعلبكي:

"منذ أن أصدر شاعر مصر البائس، حافظ إبراهيم، بضعة فصول من الرواية في جزأين صغيرين لا يبلغان عُشر الأصل (...) ومن أسف أن يكون اطلاع الأجيال العربية على البؤساء منذ عهد حافظ إبراهيم حتى هذه الساعة، اطلاعا منقوصا مشوها لا يسلم معه من تلك الملحمة الإنسانية الراسخة رسوخ الأطواد غير هيكلها المجرد، وأحداثها العاطفية المثيرة"[10].

إذا كان لوم المترجم الذي أعاد ترجمة البؤساء بعد سبعين سنة أو أكثر من ترجمتها الأولى قد عاب على حافظ تلخيصه وبتره للنص الأصلي، فإن عتاب معاصريه قد تجاوز المضمون ليسائل اللغة؛ لغة حافظ التي وقعت في حب ذاتها، فأغفلت الرواية وكاتبها واهتمت بإثبات فصاحتها وجزالتها، كما تبرز شهادة طه حسين:

"ماذا تقول في كتاب لا تكاد تمضي في قراءته حتى تشعر بأنه، إنما كُتب في غير هذا العصر. كتب أيام كانت اللغة العربية بدوية جزلة لم تخلع بعد أسمال البداوة (..) ثم هو يصف بهذه اللغة البدوية عواطف حضرية، ومعاني حضرية: عواطف ومعاني نشأت في أوربة وفي نفس فيكتور هوجو، يصف بلغة رؤبة والعجّاج وذي الرمة خواطر كتاب الفرنسيين في القرن التاسع عشر (...) أحمد لحافظ هذه اللغة الغريبة الجزلة؛ لأنها تدل على عناء وجهد عظيمين، وأنكرها عليه؛ لأنها تكاد تجعل هذا الجهد غير نافع، وهذا العناء غير مفيد، وما رأيك أني أقرأ الأصل الفرنسي فأفهمه بلا عناء، وأقرأ ترجمته العربية فلا أفهمه إلا كارها! ولست أتقن الفرنسية إتقانا خاصا، ولا أجهل العربية جهلا خاصا، فكثير من الناس يفهمون البؤساء بالفرنسية فهما يسيرا، ويفهمون البؤساء بالعربية فهما عسيرا، ولقد قال لي أحد الكتاب المجيدين: أليس غريبا أن يكون ابن المقفع أدنى إلى أفهمنا من حافظ".[11]

 لغة حافظ التي وقعت في حب ذاتها، فأغفلت الرواية وكاتبها واهتمت بإثبات فصاحتها وجزالتها

إن مقارنة حافظ بالمقفع لمثيرة للاهتمام، إذ كلاهما مترجم، ولكن في الوقت الذي استطاع فيه الأخير إلغاء الأصل الذي نقل منه وإقران اسمه بكليلة ودمنة، لم يستطع حافظ أن يمحو هيجو، ولا حتى أن يتجاوب مع معاصريه. لقد أساء للزمن كما أساء للغة. بقي نصه غريبا، عن القراء العرب الذين من الأسهل أن يتعلموا الفرنسية على أن يتعلموا غريب لغتهم. أما هيجو فمن حسن حظه أنه لم يعرف بما آل إليه نصه في اللغة العربية. هكذا، يتجلى حافظ مثالا معاكسا للمترجم الساعي للتماهي مع صوت الكاتب، إذ ابتلع الكاتب ومعه النص ليخرج نصا لا يفي لا للعربية ولا للفرنسية، يحمل اسم هيجو على غلافه وحده، بينما يبهت حضور هذا الأخير كلما استمررنا في القراءة؛ إذ ليس من وراء حجاب الغلاف إلا اسم غريب في تهجيته عن القراء؛ غريب بالعربية وعنها.

1-2- المنفلوطي:

تذكرنا خيانة حافظ هذه، بمترجم "أخون" منه، لم يكتف باستعراض لغته العربية على حساب النص الأصلي، ولا بمحو الكاتب وبتر كلماته، لينسج من حواليها ما شاء له من الإنشاء، بل تجاوز ذلك إلى توظيف مترجم ومحوه بدوره من عملية النقل. كل قارئ عربي، يمكن أن يتوصل بغير كثير من النباهة إلى أن المقصود بهذا الوصف هو المنفلوطي، الذي وصف عمر الدسوقي سيرورة نقله على النحو التالي:

"وقد شاء له طموحه أن يترجم بعض هذه الآثار القصصية، ولكن كيف السبيل إلى هذا، وهو لا يجيد أية لغة غربية، ومن ثم دعا من ترجم له ترجمة حرفية بعض هذه القصص من طويلة وقصيرة، ثم صاغها بقلمه صياغة عربية مع كثير من التصرف والحرية في التعبير كما فعل في قصة "برناردين دي سان بيير" "بول وفرجيني" التي سماها الفضيلة، وكانت قد ترجمت من قبل على يد محمد عثمان جلال، وكما فعل بقصة "ألفونس كار" "ماجدولين"..."[12]

أما محمد خليفة التونسي، فقد غادر الحياد الذي وصف به الدسوقي "ترجمة" المنفلوطي، ليوضح مقدار التشويه الذي لحق النصوص بسبب "إعادة الصياغة" التي كانت أقرب إلى التشويه والمسخ منها إلى سواها:

"ما أكثر ما لجأ المنفلوطي في سبيل إخضاع الفكر أو الإحساس لطرق الأداء، وتجويد العبارة إلى إخراج الفكرة مضطربة، والإحساس شائهاً، وأظهر ما تظهر هذه السمات فيما ترجم المنفلوطي، فإنه - لجهله الأصل يترجم عنه - لا يقف في تصرفه عند حد حتى ليضل من يقرأ جزءاً من ترجمته العربية حين يحاول أن يتعرف مقابله من الأصل الأجنبي، بل كان يلجأ أحياناً إلى القصة الأجنبية فيجعل مقدماتها أعجازها، ويشيع فيها الهدم علواً وسفلاً، ويقص بعض أطرافها ويزيد في بعضها الآخر، ولا يزال مكباً عليها مسخاً وتشويهاً حتى ليعجز متبعه عن السير معه، وحتى ليكاد يخفي الأصل كله عنه، لولا أن يهتدي إليه من طريق آخر كالأعلام مثلاً، وما علينا إلا أن نرجع إلى ترجمته لقصة غادة الكاميليا؛ فقد غير حتى عنوانها ثم جعلها قصتين بعنوانين، كما يظهر ذلك من الرجوع إلى مجموعته العبرات، وهذان العنوانان يظهران حتى في فهرس المجموعة، ولو وازنا بين ترجمة القصة في آخر مجموعته والأصل الفرنسي، أو بينها وبين الترجمة العربية للدكتور أحمد زكي بك، لرأينا مقدار ما جنى المنفلوطي بجهله الأصل وحريته التي لا تقف عند حد- على هذه القصة الفريدة الخالدة، ولقد كان مسخه يمتد إلى كل ما يترجم حتى العناوين".[13]

إنها لحقا سيرورة مثيرة تلك التي نقل بها أو أغرق بها المنفلوطي نصه، إذ يستعين أولا بمترجم مجهول مخلص للأصل في حرفيته، ليعيد من ثم كتابته بلغته، ثم ما يفتأ أن يغير العنوان، ويدفع باسم الكاتب إلى داخل النص. لقد كان من الصلافة، حيث جعل الكاتب هو من يسعى إلى التماهي معه. لقد تبنى النص قسرا ومنحه اسمه، ومن ثمة لم يكن أمام الأب الأصلي إلا أن يتوارى عن الأنظار قانعا بملامح مشتركة قد تذكر بأبوته المنسية، ولكن، إذا كان للأب أن يعزي نفسه بالبيولوجية الوراثية أو بفحص الحمض النووي، فهل للمترجم الحرفي "الأمين" من عزاء؟ هل يمكن ذات يوم أن نعرف أسماء من ترجموا للمنفلوطي؟ ولكن رغم مأساوية وضع المترجم المنسي، إلا أنه يظل مثالا مؤكدا لمغبة الوفاء والأمانة في النقل، وإذا ما عدنا لاستعارة الزجاج الشفاف التي بدأنا بها، فالمنفلوطي بالتأكيد مثال على الزجاجة المظلمة التي لا يمكن التعامي أبدا عن رؤيتها.

 لا أدري ما فائدة الإبقاء على أسماء أجنبية في نص كل ما فيه عربي - سوى أصله الذي لا يكاد يبين- إلا حيرة المنفلوطي بين عروبته وإعجابه الخجول بأوروبا

إذا ما عدنا للمقتطف الأخير، تتبدى لنا من ظلمة القطعة الزجاجية نقطة بيضاء، لم تصل إليها الترجمة الخائنة، ولعلها الأثر الأخير من المترجم المجهول الذي نقل النصوص بحرفيتها للمنفلوطي، ليعيث فيها فسادا ألا وهي أسماء الشخصيات التي ظلت على حالها في النص العربي. ولكن، ألا يخلق بقاء هذه الأسماء أسئلة أكثر مما كان غيابها ليخلق، ألا يحدث أن نتساءل لماذا أبقى المنفلوطي على أسماء الشخوص التخيلية، وهو الذي قد محى اسم خالقها؟ أما كان لأفكاره أن تبدو أقل سماجة لو أنها اتخذت أسماء عربية على غرار لغة الصياغة، أم إنه احتفظ بها أمانة للنص الأصلي الذي أضاعه؟ شخصيا، لا أدري ما فائدة الإبقاء على أسماء أجنبية في نص كل ما فيه عربي - سوى أصله الذي لا يكاد يبين- إلا حيرة المنفلوطي بين عروبته وإعجابه الخجول بأوروبا الذي أشار إليه كيليطو في مقدمة كتابه لن تتكلم لغتي:

لم يكن المنفلوطي يتكلم لغة أوروبية، وربما لم يكن يرغب في ذلك، ولهذا يبدو أسلوبه غارقا في التقليد مشدودا إلى الماضي. ومع ذلك، فكل صفحة من صفحاته تهمس بسؤال واحد: كيف أكون أوروبيا؟ لا يطرح أبدا هذا السؤال عنده صراحة، ولكنه وارد ضمنيا وبحياء شديد في كتاباته. ويمكن أن ندقق أكثر، وأن نرى فيه جانبين؛ الجانب الأول ينم عن استنكار واحتجاج: من يستطيع أن يصمني بالأوروبي، وأنا لا أتقن إلا العربية، وأكتب كما كان يكتب أسلافي خلال العصور الذهبية للنثر العربي؟ أما الجانب الثاني، فتبريري تشفعي: من تراه ينكر أنني أبذل قصارى جهدي لاستيعاب أوروبا والوفاء لها.[14]

عموما، سواء أظلت الأسماء التخيلية على حالها بسبب الحيرة أو الخجل، أو لبقية باقية من أمانة تجاه النص الأصلي، فقد كان لبقائها أثر في تغريب النص عن العربية، أو ربما لا تعدو كونها دليلا على صوت الكاتب الذي لا يمحى، أو ببساطة دليلا على أن أنفة المنفلوطي وقفت عند محاولة محو أسماء كائنات من لحم ودم، مما نتج عنه جانبيا أن تحظى الكائنات الورقية ببعض من الاستقلالية. في النهاية، لا يمكن إلا الإعجاب بمقدار الفساد الذي ألحقه المنفلوطي بهذه الترجمات لدرجة تغييبه لكل المترجمين الذين تناولوا النصوص ذاتها، ولكنهم أغفلوا أن الأمانة، وإن أفادت النص لا تفيد شخوصهم.

1-3- هل ينفع التماهي؟

هل ينتصر نموذجا حافظ والمنفلوطي لضرورة التماهي والاختفاء في شخص الكتاب، أم يثبتان أن من شأن جنون العظمة إذا ما استبد بالمترجم أن يأتي على النصين معا؟ عموما، ما دام رهان الورقة أن تبرز العلاقة بين الخطأ والديمومة، فيجب أن نجيب: قد يضر الخطأ بالنص، ولكنه حتما سينفع المترجم. ومع ذلك فلا ضير من تذكر واحد من أهم النصوص التي نظّرت لوجوب اختفاء المترجم، وهو رواية إيطالو كالفينو، لو أن مسافرا في ليلة شتاء، حيث يتبدى المترجم شرا خالصا، إذ يتسبب في كل الخلط والحيرة التي تسود الكتاب. إلى درجة وصفه بـ "الثعبان الذي يبث شره في جنة القراءة"[15]. ما الذي يجمع بين المترجم والثعبان، للوهلة الأولى تتبادر إلى أذهاننا ازدواجية اللسان، لكن السارد يوجه أنظارنا إلى الشر أو السم الكامن في لدغته. ومع أن لقاء الثعبان في سفر التكوين قد قاد آدم إلى شجرة المعرفة، إلا أن المعرفة فيما يخص الحكاية لا دور لها إلا إفساد لذة السرد. المترجم كما الممثل والثعبان عليهم جميعا الاختفاء من الخشبة كفواعل، ليؤدوا وظيفة الوساطة، حتى لا تغيب لذة النص البريئة البعيدة عن كواليس المعرفة. ولكن هل للنص أن ينطق بغير ناطق؟ المثير في رواية كالفينو أن كل الشخوص القابعة في كواليس التحول من نص إلى كتاب (الناشر، الكاتب، الناقد، الكتبي..) يقابلون القارئ/البطل، ويتحدثون إليه مباشرة باستثناء المترجم الذي لا يصلنا صوته إلى من خلال الرسائل التي بعث بها إلى الناشر.

إن التماهي ليس شرا خالصا، فلنتذكر أن واحدا من أشهر استراتيجيات البقاء هو التماهي مع لون المكان، إما لاصطياد الضحية، أو للفرار من الصياد. ومن ثمة يمكن أن يُقرأ التماهي على أنه موت للمترجم في النص، كما يمكن أن يقرأ على أنه حياة للغة التي استخدمت الكاتب والمترجم معا. وبما أننا جميعا ضيوف اللغة، فلنعد إلى التماهي، ولنتساءل هل يُقبل تماهي المترجم؟ هل يحسب له أم عليه؟ في مقال فرنسي بعنوان "المترجم شاعر في الهاوية LE TRADUCTEUR, POÈTE EN ABYME يطالعنا منذ السطر الأول سؤال "هل يجب أن يكون المترجم شاعرا حتى يترجم الشعر؟" على طول المقال يقدم الكاتب الذي هو بدوره مترجم جملة من الآراء التي تجيب أحيانا بنعم وأحيانا بلا، دون أن ينبئنا برأيه هو، وأيا كان رأيه فأهمية السؤال تكمن في تنبيهه لهذه الحساسية الموروثة من المترجم، مما يؤكد أنه حتى إذا ما قبل على نفسه التماهي مع المؤلف الأصل، إلا أن تضحيته عادة لا تُقبل إلا مع الكثير من التحفظ، أو ببساطة لا تقبل البتة، إذ حسب چيلڤك Guillevic "ترجمة الشعر ليست متعسرة، هي ببساطة مستحيلة".[16]

عموما، سواء أتماهى المترجم أم انتفخ حتى محى الكاتب، ففي ظني لا تستقيم المقارنة بينهما، أولا لأن للكاتب وظيفة غير وظيفة المترجم، وثانيا أنه إذا ما عنّت المقارنة فسرعان ما يتكشف أن صنعة المترجم تتطلب قدرا من التحايل والإبداعية التي قد لا تتوفر للكاتب نفسه، هنا تحضرني شهادة سيوران:

"المترجمون الذين تسنى لي التعرف إليهم، كانوا أكثر ذكاء وأكثر إثارة للاهتمام من المؤلفين الذين ترجموا لهم؛ ذلك أنه، عند الترجمة، يلزم إعمال الفكر أكثر مما عليه الأمر عند الإبداع".[17]

 يمكن أن يُقرأ التماهي على أنه موت للمترجم في النص، كما يمكن أن يقرأ على أنه حياة للغة التي استخدمت الكاتب والمترجم معا

يعلق كيليطو على هذا الطرح بقوله:

"المترجم أكثر إعمالا للفكر؛ ذلك أن له حاجزا يمنعه من التهور، بل وازعا أخلاقيا، فهو مقيد بالنص الأصلي يتحرك جنبا إلى جنب معه. أما "المبدع"، فلا أحد يلومه على انحرافه عن النصوص التي يتعامل معها، بل إن تهوره وطيشه قد يحمدان، فيغفر له هذيانه وجنونه ويتسامح مع شطحاته، بينما لا تساهل مع مترجم مجنون ولا صفح عنه".[18]

يبدو الكاتب حسب هذا الطرح، طفلا مدللا، إذ لا يُكتفى بمدحه وتقديس بنات أفكاره، بل حتى هامش الحرية والجنون المتاحين له يبدوان أكثر كرما مما يجب، خاصة إذا ما قورن بالمترجم الذي لا يعمل فكره فحسب، بل ويتحتم عليه كذلك ألا يتزحزح عن حرفية الأصل، مما يستدعي إلى خيالي الآن صورة حمار وقطة، الاثنان يندرجان تحت صنف الحيوانات البيتية، ولكن أحدهما يحمل الأثقال ويعيش في الاصطبل، بينما يتبختر الثاني كما شاء في قلب المنزل.

السؤال المنطقي الذي يتبادر إلى ذهني الآن، هو ما عسى المترجم يكسب من وضعية الانمحاء والتماهي هذه؟ إذا حتى الجريمة لا تكتمل إلا بانكشاف المجرم، لا رغبة في العدالة وغيرها من المفاهيم الأخلاقية، ولكن ببساطة لأن اللص إذا لم ينكشف لم يعرف أحد ما كان وراء هذه السرقة من خطط متقنة أو -على الأقل- من يد خفيفة، فحتى المجرمون والمتلصصون في حاجة إلى التعرف، إذ إن التعرف يجر إلى الاعتراف، والاعتراف شهادة للص قبل أن تكون شهادة عليه. وكما يبحث اللص عن الاعتراف في عيني من قبض عليه، فكذلك يجب أن نبحث عن الاعتراف بالمترجم في أعين مكتشفيه. وبذلك، تكون ثاني تقنية لإثبات حضور المترجم، هي قدرته على خلق، إما بطانة تحميه، أو عدو يخلد اسمه.

2- العلائقية؛ لا فرق بين الأعداء والأصدقاء: ابن إسحاق، أبو بشر متى وأبو موسى الأسواري

اقترنت سيرة هؤلاء المترجمين الثلاثة؛ أي ابن إسحاق، أبو بشر متى وأبو موسى الأسواري بمقدار متفاوت من الجودة والإخفاق، جودة جعلت من حنين واحدا من مبعوثي المأمون إلى بلاد الروم لإحضار الكتب اليونانية، وإن لم تمنع عنه شر السجن امتحانا لوفائه، أما إخفاق متى بن يونس، فقد جمع له بين عداوة معاصريه ولاحقيه، رغم ما جاء عنه في كتاب وفيات الأعيان من أنه "لم يكن في ذلك الوقت أحد مثله في فنه، وكان حسن العبارة في تواليفه لطيف الإشارة، وكان يستعمل في تصانيفه البسط والذليل". أما موسى الأسواري، فبما أنه كان يترجم شفاهيا على يمينه العرب وعلى يساره الفرس، فلم يبق أثر لتبين إجادته من إخفاقه، ولكن يكفي أن من شهد له بالإجادة كان من أعدى أعداء الترجمة في الثقافة العربية.

2-1- حنين ابن إسحاق: بين السم والذهب

يقال إن المأمون كان ينقد حنين ابن إسحاق وزن ترجماته ذهبا[19]، وهو ما جعله يستغل قدراته النقدية بشيء من المكر، إذ كان يكتب بخط كبير وعلى أغلظ الأوراق، وهو ما أكده ابن أبي أصيبعة في كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء حين قال:

"وجدت من هَذِه الْكتب كتبا كَثِيرَة وَكَثِيرًا مِنْهَا اقتنيته، وَهِي مَكْتُوبَة مولد الْكُوفِي بِخَط الْأَزْرَق كَاتب حنين، وَهِي حُرُوف كبار بِخَط غليظ فِي أسطر مُتَفَرِّقَة وورقها كل ورقة مِنْهَا بغلظ مَا يكون من هَذِه الأوراق المصنوعة يَوْمئِذٍ ثَلَاث وَرَقَات أَو أَربع؛ وَذَلِكَ فِي تقطيع مثل ثلث الْبَغْدَادِيّ. وَكَانَ قصد حنين بذلك تَعْظِيم حجم الْكتاب وتكثير وَزنه لأجل مَا يُقَابل بِهِ من وَزنه دَرَاهِم، وَكَانَ ذَلِك الْوَرق يَسْتَعْمِلهُ بِالْقَصْدِ وَلَا جرم أَن لغلظه بَقِي هَذِه السنين المتطاولة من الزَّمَان[20].

ربما لم يرد ابن إسحاق من وراء غلظة الأوراق ولا بكبر الخط إلا أن يزيد من "حجم" أجره، ولكن من محاسن الصدف، أن يكون ذلك سببا في بقاء كتبه لأزمنة طويلة. وعموما، فالحيلة نفسها تجعل من الصعب تناسي اسمه، وإن لم تكن أول حيلة من نوعها، إذ تذهب الرواية إلى أن الأصمعي دوّن قصيدته على عمود رخامي حتى يؤجره الخليفة أبو جعفر المنصور وزن القصيدة التي لم يستطع حفظها. وسواء أكانت حيلة حنين من عنده أم من عند الأصمعي، فقد اكتفى بغلظة الأوراق عن ثقل الحجارة، ربما لأن الأصمعي ما كان لينفذ حيلته إلا مرة واحدة فيما كان لحنين أن يكررها مع كل ترجمة جديدة. ورغم أن كتبه لم تكن من الثقل الكافي، إلا أنها وفرت له مستوى معيشيا يحسد عليه، إذا ما صدق وصف أبو أصيبعة الذي جاء فيه:

كَانَ فِي كل يَوْم عِنْد نُزُوله من الرّكُوب يدْخل الْحمام فَيصب عَلَيْهِ المَاء وَيخرج فيلتف بقطيفة وَقد أعد لَهُ هناب من فضَّة فِيهِ رَطْل شراب وكعكة مثرودة، فيأكلها وَيشْرب الشَّرَاب ويطرح نَفسه حَتَّى يَسْتَوْفِي عرقه وَرُبمَا نَام ثمَّ يقوم ويتبخر وَيقدم لَهُ طَعَامه، وَهُوَ فروج كَبِير مسمن قد طبخ زيرباجه ورغيف فِيهِ مِائَتَا دِرْهَم فيحسو من المرق، ثمَّ يَأْكُل الْفروج وَالْخبْز وينام فَإِذا انتبه شرب أَرْبَعَة أَرْطَال شرابًا عتيقا وَلم يذقْ غير هَذَا طول عمره[21].

وإذا عدنا لما ورد من أخبار عن حنين بن إسحاق، لأدركنا أن حيلته هذه لم تكن إلا رد فعل على عداوات متتالية لحقته في حياته، ذاك أنه ابتدأ حياته العلمية بالطرد بسبب أسئلته الكثيرة التي أثارت حفيظة أستاذه يوحنا بن ماسويه، لدرجة أن صرخ فيه "ما لأهل الحيرة والطب عليك ببيع الفلوس في الطريق"[22]، ليخرج حنين باكيا، ولا يعود إلى أستاذه إلا بعد أن يقر هذا الأخير بأن ترجمته "إخراج مؤيد بروح القدس"[23]. ومع ذلك، فلم تطل سعادة حنين بمديح أستاذه، إذ سرعان ما سجنه أحد الخلفاء سنة كاملة اختبارا لأمانته وصدقه، "إذ شك أن ملك الروم ربما كان قد عمل شيئا من الحيلة"[24]، والمثير أن الخليفة لم يشك في علاقة حنين بأحد وزرائه أو من أحد أفراد حاشيته، بل من ملك الروم الذي يدرك حنين لسانه دونه. ينقل القفطي هذه الحادثة في كتابه إخبار العلماء بأخبار الحكماء على النحو التالي:

"... ثُمَّ قال لَهُ بعد أشياء جرت أريد أن تصف لي دواء يقتل عدوّاً تريد قتله، وَلَيْسَ يمكن إشهار هَذَا وتريده سرّاً، فقال حنين مَا تعلمت غير الأدوية النافعة، ولا علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها، فإن أحب أن أمضي وأتعلم فعلت، فقال هَذَا شيء يطول ورغبه وهدده، وهو لا يزيد عَلَى مَا قال إِلَى أن أمر بحبسه فِي بعض القلاع ووكل بِهِ من يرفع خبره إِلَيْهِ وقتاً بوقت فحبس سنة، وَكَانَ ينقل ويفسر ويصنف، وهو غير مكترث بما هو فِيهِ ولما كَانَ بعد سنة أمر الخليفة بإحضاره وإحضار أموال يرغبه فِيهَا وإحضار سيف وقطع وسائر آلات العقوبات، ولما حضر قال هَذَا شيء قَدْ طال ولا بد لي مما قلته لَكَ، فإن أنعمت فزت بهذا المال وَكَانَ لَكَ عندي إضعافه، وإن امتنعت عاقبتك وقتلتك فقال حنين قَدْ قلت لأمير المؤمنين إنني مَا أحسن غير الشيء النافع، ولا تعلمت غيره قال الخليفة فإنني أقتلك، فقال حنين إِلَى رب يأخذ بحقي غداً فِي الموقف الأعظم، فإن اختار أمير المؤمنين أن يظلم نفسه فتبسم الخليفة وقال لَهُ، يَا حنين طب نفساً وثق بنا، فهذا الفعل منا كَانَ لامتحانك لأننا حذرنا من كيد الملوك، فأردنا الطمأنينة إِلَيْكَ والثقة بك لننفع بعلمك فقبل حنين الأرض وشكر لَهُ"[25]

من المثير، أن ابن إسحاق لم يتوقف عن التصنيف والترجمة أثناء سجنه، كيف لا وهو المتشبع بحكمة جالينوس. إلا أن هذه لم تكن آخر محنه، بل كانت آخرها زمن المتوكل الذي سجنه بسبب تصديقه لما قاله بختيشوع بن جبرائيل أحد حساد حنين من الأطباء، الذي لم يعترف أبدا بمهارته كطبيب، ولم ير فيه إلا "ناقلا" لكتب الطب. يورد أبو صبيعة في كتابه طبقات الأطباء رسالة كتبها حنين، يفتتحها بمدحه لأعدائه والاعتراف بجميلهم:

"وَكَانَ سَبَب رد نعمتي إِلَيّ بعض من كَانَ قد الْتزم عَدَاوَتِي واختص بهَا من هَهُنَا صَحَّ مَا قَالَه جالينوس، أَن الأخيار من النَّاس قد يَنْتَفِعُونَ بأعدائهم الأشرار؛ فلعمري لقد كَانَ ذَلِك أفضل الْأَعْدَاء"[26].

إلا أن الانتفاع بالأعداء ليس باليسر الذي تصفه الافتتاحية إذ جمعت محنته بين الضرب والاعتقال وصنوف العذاب المتجددة، يحكي:

"ثمَّ ]أمر الخليفة المتوكل[ بإحضاري فأحضرت إِلَيْهِ وأحضر السَّوْط والحبال وَأمر بِي، فشددت مُجَردا بَين يَدَيْهِ وَضربت مائَة سَوط وَأمر باعتقالي والتضييق عَليّ وَوجه، فَحمل جَمِيع مَا كَانَ لي من رَحل وأثاث وَكتب وَمَا شاكل ذَلِك وَأمر بِنَقْض منازلي إِلَى المَاء وأقمت فِي دَاخل دَاره معتقلا سِتَّة أشهر فِي أَسْوَأ مَا يكون من الْحَال، حَتَّى صرت رَحْمَة لمن رَآنِي وَكَانَ أَيْضا فِي كل يسير من الْأَيَّام يُوَجه يضربني ويجدد لي الْعَذَاب".[27]

دامت محنة حنين ستة أشهر، ولم ينقذه منها إلا حلم الخليفة بالمسيح الذي جاء شفيعا لحنين بن إسحاق. ومما يجدر الإشارة إليه أن حكاية حنين في طبقات الأطباء لم تختتم فحسب بحلم، بل افتتحت به كذلك، إلا أن الحلم الأول كان حلم المأمون بأرسطو طاليس، ليتربع بذلك حنين مترجما بين حلمين؛ الأول يكون سببا في رواج صنعته التي جادت عليه بالذهب حرفيا، وحلم يكون سببا في انتصاره على أعدائه، إلا أنه مما يثير الاهتمام أن يكون بطلا الحلمين غريبين عن الثقافة العربية الإسلامية، وكأن شفيع المترجم لا يجب أن يكون إلا غريبا غرابة لغته ودينه عن المشهد العربي الإسلامي.

2-2- متى بن يونس: بين العدو الاتفاقي والعدو المستحق

على سوء حظ ابن إسحاق، إلا أن من حسن حظه أن عداواته انحصرت في معاصريه، كما كانت دائما تنتهي بانتصاره عليهم. كما كانت سببا في نسج كم من الأخبار حول شخصه، لتضيف من ثمة إلى أوراقه الغليظة كمية أوراقا لا بأس بها من أمهات الكتب كالفهرست وطبقات الأنباء وتاريخ الحكماء. أما أبو بشر متى بن يونس فلما يكن بالحظ نفسه؛ ذلك أن خطأه في ترجمة مفهومي التراجيديا والكوميديا مد من عمر كراهيته إلى عصرنا هذا، ويكفي أن نطلع على ما قاله عنه عبد الرحمن بدوي في كتابه أرسطو عند العرب، حتى نتبين ذلك:

"وهو ما يدعونا إلى القطع بأن هذه الترجمة لا يمكن أن تكون من عمل أبي بشر متى بن يونس؛ لأن ترجمة هذا ذات أسلوب رديء في العربية، تغلب عليه العجمة حتى لا يكاد يبين. ومن ذا الذي يقرأ هذه الترجمة المشرقة [ترجمة إسحق بن حنين لفصول مقالة اللام] التي بين أيدينا، ويستطيع أن يعزوها إلى صاحب ترجمة كتاب "الشعر"، تلك الترجمة الركيكة الفجة التي لا تكاد تبين إلا بعد عناء شديد".[28]

أو أن ننظر في إحدى ترجمات فن الشعر لأرسطو، لنستشعر أهمية الخطأ الذي صنعه متى لدرجة ربطت ذكره أبديا باسم أرسطو في التلقي العربي على الأقل، ولئن كان يذكر اسم المترجم بكثير من الغيظ، فإنه على الأقل يُذكر، يقول إبراهيم حمادة في مقدمة ترجمته:

"والحقيقة أن قراءة هذه الترجمة الحرفية السيئة، تدلل على أن مترجمها متى بن يونس، لم يكن على أدنى معرفة بمضمون كتاب "فن الشعر". كما لم يكن يحسن استخدام اللغة العربية، وإنما كان ينقل إليها -بلا علم صحيح- عن ترجمة سريانية للكتاب، كانت هي الأخرى ترجمة حرفية سيئة لأصل يوناني مجهول لنا الآن. وإذا كان متى قد اتخذ اللغة العربية الفصحى أساسا لترجمته، إلا أن عباراته جاءت هزيلة بنائيا، وسقيمة نحويا، وحشوة بكلمات محرفة، وأخرى مستعجمة، أو عامية، أو يونانية، أو سريانية، أو فارسية. وكان في بعض الأحيان، يقابل الكلمة الأجنبية الواحدة التي تتكرر في أكثر من موضع بكلمات عربية مختلفة، أو يسيء فهم الكلمة الأجنبية لجهله بمدلولها (...) ولهذا كله، عندما يتناول الباحث ترجمة متى العربية، يصاب بخيبة أمل شديدة، بسبب فساد الترجمة، وسوء دلالاتها، وضياع مغزى الأصل الأرسطي، ويعزى هذا -كما قلنا- إلى قلة درايته بأصول اللغة اليونانية والعربية، وافتقاره إلى أدنى معرفة بمناخ الحضارة اليونانية القديمة (..) وبهذا التفسير الخاطئ فقد الكتاب دلالاته الفكرية الأساسية، ودخل بالمترجم -والمجتهدين الذين اعتمدوا عليه في شروحهم- إلى غابة مظلمة من المعاني المستغلقة، والتأويلات الشائهة، والكلمات الأعجمية والتعبيرات التي لا تحمل في ذاتها أي مفهوم بالمرة (...) وبهذا الاضطراب والتشويش الشديد، ضاع التأثير النوري الحقيقي، الذي كان يمكن أن يحدثه كتاب "فن الشعر" في الأدب العربي وفكره، لو أنه ترجم الترجمة الصحيحة، أو حتى الترجمة التقريبية غير الكاملة، التي كان يمكن أن تفشي بعض أسراره".[29]

 إن أبا بشر لو أحسن الترجمة أو لم يبدأها أصلا، لما كان اسمه ليختفي تماما، خاصة بعد مناظرته مع أبي سعيد السيرافي

هذا المقتطف على طوله، جزء من خمس صفحات خصّصها أحد المترجمين لكتاب فن الشعر لانتقاد أقدم مترجم للكتاب نفسه، انتقاد عنيف لشخص المترجم الذي كان من شأنه أن ينير الأدب العربي ويعرفه على المسرح منذ قرون، وإذ به يقحمه في "غابة مظلمة من المعاني المستغلقة، والتأويلات الشائبة، والكلمات الأعجمية والتعبيرات التي لا تحمل في ذاتها أي مفهوم بالمرة". إن أخطاء متى التي لا تكفي خمس صفحات لشملها، كانت من الفضائحية، حيث ضمنت تخليد اسمه، وإن اقترن هذا الاسم بكثير من الغيظ، ليرسخ بين أجيال من العرب الذين تساءلوا منذ النهضة، بعدما تعرفوا على المسرح أخيرا، حول ما إذا كان مشهد الثقافة العربية ليختلف، بل وربما أن عصر الانحطاط ما كان له أن يكون لو أن أبا بشر قد ترك ترجمة صحيحة أو حتى تقريبية لنص أرسطو.

إلا أنه والحق يقال، إن أبا بشر لو أحسن الترجمة أو لم يبدأها أصلا، لما كان اسمه ليختفي تماما، خاصة بعد مناظرته مع أبي سعيد السيرافي التي يوردها التوحيدي في الليلة الثامنة من كتابه الإمتاع والمؤانسة. هذا النص الذي نعت بالمناظرة، رغم أنه بعيد كل البعد عن الحوار بين نظيرين، كان في الحقيقة أقرب لصراع ديكة قامر فيه الوزير ابن الفرات على النحو والعربية، فيما احتل متى موقع الفريسة التي يجب القبض على زللها حتى يغلب الوزير ويرتفع معه شأن العربية، وهو ما يتبدى من أول جملة للوزير التي سعى بها لتشجيع أحد جلسائه لينتصر على المترجم، إذ يقول: "ألا ينتدب منكم إنسان لمناظرة متى في حديث المنطق... والله إن فيكم لمن يفي بكلامه ومناظرته وكسر ما يذهب إليه، وإني لأعدكم في العلم بحارا"[30]. هكذا، تمثل رهان الجلسة في التغلب على متى لإسعاد الوزير ولي نعمتهم، يعلن الجلساء خوفهم بالصمت بداية ثم ما يفتأ السيرافي أن ينبري للمناظرة، أو بالأحرى لإمطار مخاطبه بأسئلة نحوية لم يفقهها، ولم يكن ليجيب عنها سوى بقوله: "لو نثرت أنا أيضا عليك من مسائل المنطق أشياء لكان حالك كحالي"[31]. لم يقف التحامل عند الوزير بن الفرات الراغب في الانتصار على متى، ولا في أسئلة النحوي التعجيزية، بل انضاف إلى الاثنين السارد الإطار للمناظرة؛ أي أبو حيان التوحيدي الذي وصفه كيليطو بـ"أكبر هجاء عرفه الأدب العربي، بل يمكن اعتباره أسلط لسانا من الحطيئة"[32]، فيما يذهب ميشيل كوبرسون أبعد من ذلك، حين وصفه "ببذاءة اللسان، بما أنه لم يكن مترجما وعلى الأغلب لا يعرف إلا العربية. لقد كان، بصيغة أخرى، سائقا في المقعد الخلفي، ومن ثمة فقد جعل نفسه بغيضا أكثر من متّى"[33]. وسواء أصح حكم الاثنين أم لم يصح، فمن السهولة بمكان أن نستشف انحياز التوحيدي المتعصب للعربية الذي قاده لتقديم متى بن يونس على أنه "كان يملي ورقة بدرهم مقتدريّ، وهو سكران لا يعقل، ويتهكّم، وعنده أنّه في ربح، وهو من الأخسرين أعمالا، الأسفلين أحوال."[34]. هل حقد التوحيدي على متى بسبب سكره؟ لا أظن، إذ إن من يطلع على رسالة الشارب والمشروب[35] للجاحظ يدرك مقدار التسامح، بل والإقبال الذي يحوز عليه الخمر، خاصة وأنه شراب الملوك والراعي لجلساتهم. ولكن أغلب الظن أن ضغينة التوحيدي لم يكن سببها السكر، بل القبول بأجر أقل مما يستحق العمل. ولكن، ربما لم يكن متّى ساذجا أو سكرانا ليقبل هذه الخسارة، ربما كان على أتم علم أن ترجمته من السوء، حيث لا تستحق أكثر من درهم للورقة... عموما، فالناس عادة أصدق مع أنفسهم وأدرك لقيمة أعمالهم في حالة السكر، كما لا ننسى أن الخمر لا يصلح لإثارة الفضيحة وحدها، بل وكذلك لقول كل ما تأخر قوله خوفا أو كسلا.. أو كما تعلن المقولة اللاتينية In vino veritas (في النبيذ تكمن الحقيقة). لنتخيل الآن مترجما بلغ ثمالة الكأس، ألا يكون قد بلغ لحظة لصدق، ألا يمكن أن يكون النبيذ هو كل ما ينقص المترجم لاستعادة مشروعيته، هو الآن كمذنب في غرفة الاعتراف، سيقول كل الشيء، سيجد تلك الكلمة المناسبة التي تعني تماما ما يريده النص في لغته الأصلية؛ ستنفك عقدة لسانه. بلوغ الكلمة الحقة وإثارة فضيحة.. ضرب عصفورتين بكأس واحد. ولكن هذا السيناريو ليس بالمثالية التي نأملها؛ ذلك أن المخمور دائما أصدق مما يجب، وواحدة من أهم واجبات المترجم هي أن يرضي اللغتين، وعلى الأغلب أن اللسان المخمور ليس بالمرونة الكافية لينتقل بين ضفتين ولغتين.

صدقت شهادة التوحيدي أم لم تصدق، فمما لا شك فيه أنه قصد تعليقه بمعنى القدح وحده، قدح أخلاقي يتناول شخصه لا عمله. وكما لو أن هجاءه لمتى غير كافٍ لتبيان موقفه من الطرفين، إذ ما يفتأ أن يعلن انتصاره للسيرافي في نص المقابسات، إذ يصفه:

أبو سعيد السيرافي، شيخ الشيوخ، وإمام الأئمة، معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والفرائض والحديث والكلام والحساب والهندسة. أفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة، فما وجد له خطأ ولا عثر له على زلة. وقضى ببغداد، وشرح كتاب سيبويه في ثلاثة آلاف ورقة بخطه في السليماني فما جاراه فيه أحد، ولا سبقه إلى إتمامه إنسان. هذا مع الثقة والديانة والأمانة".[36]

قبل أن يصلنا صوت متى إذن، يواجهنا السارد الذي ليس في حاجة للكثير من الذكاء لنتبين إلى أي الطرفين ينتصر. وعموما إذا ما كان هناك شك في تحيز القصة الإطار؛ فالمناظرة كافية لبث اليقين، خاصة مع عبارات السيرافي التي لا يفي نعت العدائية لوصفها، من قبيل: "ولقد موهت بهذا المثال، ولكم عادة بمثل هذا التمويه"[37]، "أخطأت وتعصبت وملت مع الهوى"[38]، "أفتيت على غير بصيرة ولا استبانة"[39]، لست نازعا عنك حتى يصح عند الحاضرين أنك صاحب مخرقة وزَرق (خداع)"[40]... إلى غيرها من العبارات التي لو أضفنا لها عبارات ابن الفرات المشجعة للسيرافي - من مثل "أيها الشيخ الموفق، أجبه بالبيان عن مواقع الواو حتى تكون أشد في إفحامه، وحقق عند الجماعة ما هو عاجز عنه، ومع هذا فهو مشنِّع به"[41]، "سله يا أبا سعيد عن مسألة أخرى، فإن هذا كلما توالى عليه بان انقطاعه، وانخفض ارتفاعه، في المنطق الذي ينصره، والحق الذي لا يبصره"[42]- لنتبين أن المجلس لم يكن مناظرة، بل مؤامرة على أبي بشر متى بن يونس.

ولئن كانت المناظرة قد أعلنت أن موضوعها هو النحو والمنطق، إلا أنها في رأيي لم تكن مفاضلة بين علوم العرب وعلوم اليونان، بل بين العربية واليونانية، كما أن معاداة متى كانت لمناصرته لليونانية وعدم تمكنه الكافي من العربية، وليست لكونه منطقيا، وهو ما قد يتضح جليا في هذا المقطع من المناظرة: [43]

قال ]السيرافي[: أنت إذن لا تدعونا إلى علم المنطق، إنما تدعو إلى تعلم اللغة اليونانية، وأنت لا تعرف لغة يونان، فكيف صرت تدعونا إلى لغة لا تفي بها؟ وقد عافت منذ زمان طويل، وباد أهلها.. على أنك تنقل من السريانية، فما تقول في معان متحولة بالنقل من لغة يونان إلى لغة أخرى سريانية، ثم من هذه إلى أخرى عربية؟

قال متىّ: يونان وإن بادت مع لغتها، فإن الترجمة حفظت الأغراض وأدت المعاني، وأخلصت الحقائق.

قال أبو سعيد: إذا سلمت لك أن الترجمة صدقت وما كذبت، وقّومت وما حرّفت، ووزنت وما جزفت، وأنها ما التاثت ولا حافت، ولا نقصت ولا زادت، ولا قدمت ولا أخّرت، ولا أخلت بمعنى الخاص والعام ولا بأخص الخاص ولا بأعم العام - وإن كان هذا لا يكون، وليس في طبائع اللغات ولا في مقادير المعاني (...) وأنت لو فرغت بالك وصرفت عنايتك إلى معرفة هذه اللغة التي تحاورنا بها، وتجارينا فيها، وتدارس أصحابنا بمفهوم أهلها وتشرح كتب يونان بعبارة أصحابها، لعلمت أنك غني عن معاني يونان كما أنك غني عن لغة يونان".

ولعل هذا الجزء من المناظرة يثبت أن متىّ لم يكن المقصود بعداوة المجلس، وإنما اللغة التي كان يترجم منها، تلك اللغة الأعجمية التي سرعان ما ستتنكر بلسانهم العربي، وكالثعبان كانت ستُلبس النصوص الأعجمية جلدا غير جلدها؛ جلدا هو في الحقيقة جلدهم العربي الذي قانونه النحو. من هنا تتبادر إلى ذهني مقارنة بين أعداء أبي بشر الذين عاصروه، وأولئك الذين خلقتهم النهضة من أمثال بدوي، إذ يبدو لي أن معاصريه عادوه اتفاقا؛ لأنه صدف أن يعيش في عصر تعدد ثقافي أراد فيه العرب أن يثبتوا أهمية لغتهم، بينما كان أعداء بعد النهضة أعداء مستحَقين خلقهم أبو بشر خلقا، حينما ترجم وأساء الترجمة. إلا أن هذا لا ينكر حظوة أبا بشر ببعض المؤيدين على غرار كيليطو الذي شكر له سوء ترجمته التي أتاحت للعرب أن ينتجوا في أدبهم أكثر وأحسن قبل أن يتعرفوا على أدب الغرب، جاء في خاتمة كتابه لن تتكلم لغتي:

لم لا نقول إن العرب مدينون بالكثير لمتى بن يونس؟ فربما قد يكون أنقذهم، بفضل رداءة ترجمته، من الخطر العظيم الذي كان يتهددهم. فلولاه لابتعدوا عما ألفوه وتعودوا عليه من فنون وأنماط أدبية، ولأقبلوا على دراسة الأدب اليوناني من أجل تقليده والنسج على منواله. بفضل متى بن يونس وخيانة ترجمته إذن، تمكن العرب من أن يظلوا يعتقدون أن شعرهم هو الشعر ولغتهم هي اللغة. لقد أنقذهم هذا الترجمان عن غير عمد، من دون أن ينوي ذلك أو يخطط له، ومن دون علم بما يفعل".[44]

وسواء أكان طرح كيليطو على صواب أم على خطأ، فلا مفر من تقدير طرحه لما يتضمن من قراءة للتراث على ما هو عليه لا في ضوء "ماذا لو"، إذ حتى لو كان جزء كبير من الماضي قد جاء نتيجة لخطأ ترجمي، فمن ذا ينكر ما للخطأ من ثمار كشفية واكتشافية، على غرار ما للأعداء من وظيفة تعريضية واستعراضية.

2-3- أبو موسى الأسواري: صديق الجاحظ

على غرار الاسمين السابقين، لم يحظ الأسواري بكثير من الثقة، وإن كان الشك فيه قد تناول روايته لا ترجمته، ومن مثال ذلك الجملة المقتضبة التي ذكره بها ابن الجوزي في كتابه كتاب الضعفاء والمتروكين، حيث جاء: "لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء وَقَالَ الرَّازِيّ مَجْهُول"[45]، أما في ميزان الاعتدال في نقد الرجال، فقد جاء ذكره مقترنا بخبرين، أكتفي بذكر أولهما لما فيه من إحالات شعوبية: "حدثني أبو علي الشيباني، قال: قال موسى بن سيار: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أعرابا جُفاة، فجئنا نحن أبناء فارس فلخصنا هذا الدين"[46]. ولكن، إذا ما خرجنا من كتب الجرح والتعديل التي تضم أسماء مئات الروات غيره، فسنجد أن ما يميز الأسواري هو شهادة بالإجادة جاءت من آخر من تُنتظر منه شهادة إيجابية، خاصة وأننا لا نكاد نعرف عنه إلا أسلوبه الساخر في الكتابة ورفضه للترجمة.

 تتبدى الترجمة مستحيلة لعيب متأصل في المترجم، كامن في أنه لن يرقى أبدا لمعرفة وعلم الكاتب الأصل

بغير حاجة للكثير من الذكاء، سيتوصل القارئ أن المادح غير المتوقع للأسواري هو الجاحظ، الجاحظ الذي أكد في كتابه الحيوان:

إنّ التّرجمان لا يؤدّي أبدا ما قال الحكيم، على خصائص معانيه، وحقائق مذاهبه ودقائق اختصاراته، وخفيّات حدوده، ولا يقدر أن يوفيها حقوقها، ويؤدّي الأمانة فيها، ويقوم بما يلزم الوكيل ويجب على الجريّ، وكيف يقدر على أدائها وتسليم معانيها، والإخبار عنها على حقّها وصدقها، إلاّ أن يكون في العلم بمعانيها، واستعمال تصاريف ألفاظها، وتأويلات مخارجها، مثل مؤلّف الكتاب وواضعه، فمتى كان رحمه اللّه تعالى ابن‌ البطريق، وابن ناعمة، وابن قرّة، وابن فهريز، وثيفيل، وابن وهيلي، وابن المقفّع، مثل أرسطاطاليس؟!و متى كان خالد مثل أفلاطون؟![47]

حسب هذا الطرح، تتبدى الترجمة مستحيلة لعيب متأصل في المترجم، كامن في أنه لن يرقى أبدا لمعرفة وعلم الكاتب الأصل. ولكن، إذا ما عدنا إلى الأسواري، وعما قاله الجاحظ في حقه، في كتاب البيان والتبيين، فما نفتأ أن نلاحظ أنه من ركام الأسماء التي عددها الجاحظ -أحيانا دون حتى ذكر لقبها تهوينا من شأنها وتبئيرا لثانويتها- يتربع الأسواري على عرش الاستثناء، إذ كان حسب الجاحظ

من أعاجيب الدنيا، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس في مجلسه المشهور به، فتقعد العرب عن يمينه، والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب اللّه ويفسرها للعرب بالعربية، ثم يحول وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية، فلا يدري بأي لسان هو أبين. واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد، أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها إلا ما ذكرناه من لسان موسى بن سيار الأسواري."[48]

يخرق إذن الأسواري قاعدة الجاحظ المنكرة للازدواجية اللغوية، ليثبت أن لسانه المفلوق ليس قادرا فحسب على إجادة لغتين، بل وكذلك بالعدل بينهما، ليتضح من ثمة أنه لا شيء ربما يميز أبا موسى الأسواري عن غيره من مفسري الحديث ويخرجه من ركام أسمائهم المتعددة، إلا قدرته على جعل عدو الترجمة يصفه بالأعجوبة. وإنه لفعلا أعجوبة في مجلسه بين الفرس والعرب وكأنه جسر بين ضفتين، وإن كانتا ضفتين غير متساويتين، فبينما كان العرب يطلبون تأويل الآيات وتفسيرها، فقد كان الفرس يطلبون فوق ذلك فك شيفرة العربية وما استغلق من أسرارها. كل ذلك والأسواري قائم بين الأمتين، بشحمه ولحمه ولسانه المفلوق. حاضرا لا يمكن تناسيه في أية لحظة من لحظات الترجمة، إذ إنه إما أن ينظر إلى إحدى الفرقتين وينطق بلسانها أو يوليها قفاه، لينظر إلى الفرقة الأخرى وينطق بغير لسانها. لقد كان مسموعا وحاضرا في كل لحظة من ترجمته، وما كان من شك في أنه في لحظة توقفه عن الكلام ما كان للمجلس إلا أن يُرفع. مذكرا كل فرقة من الفرقتين أنها أمام بصير صحيح نظر بينما هي عوراء لا ترى إلا بعين واحدة (كما لا تنطق إلا بنصف لسان). ربما، في مجلس الأسواري يفضل العمى على العور؛ لأن الأعمى على الأقل لا يدرك ما فاته، كما أن الأعمى لا يستشعر حرج النظر إلى قفا[49] المترجم كلما ولى وجهه إلى الفرقة الأخرى عربية كانت أو فارسية.

بعد حلم التماهي والذوبان في الكاتب المستحيل، تكون الاستراتيجية الثانية إذن هي التعزي والاحتماء بغيره من خارج النص، إما بإثارة عداوتهم أو التماس صداقتهم، وعلى رغم الاختلاف بين الاثنين، فإن أثرهما واحد، إذ يصنعون من المترجم شخصا ذا خلفية وبيوغرافية، وليس مجرد صوت شفاف يمحى بحثا عن الأصل. ولكن، أحيانا لا يكفي القيل والقال، ولا الأصدقاء والأعداء، إذ يتوجب أحيانا الدفع بكل هؤلاء إلى الظل حتى يستوي شخص المترجم مباشرة أمام العيان، وهو ما لا يتحقق إلا إذا استطاع المترجم ينتج حكايته بنفسه، أو بصيغة أخرى، أن ينتج سيرة فضائحية تغنيه عن تعريض أعدائه ومدح أصدقائه.

خاتمة: في ضرورة البحث عن فضيحة

ختامًا، يتضح من المترجمين الخمسة الذين تناولتهم المقالة بدون ترتيب كرنولوجي ما للخطأ والفشل من آثار إيجابية من أهمها الإبقاء على ذكر أصحابها؛ إلا أنه يجب ألا ننسى أن ليس كل الفاشلين يذكرون. وأن تتبع هؤلاء المخطئين الخمسة قد كان أولا وأخيرا بسبب الحساسية والشك التي تثيره الترجمة، سواء أفشلت أو نجحت في نقل النص الأصلي. وسواء أكان الخطأ الترجمي من داخل النص أم من خارجه، فإنه غالبا ما ينجح في إثارة فضيحة تخرج المترجم من الكواليس، وتدفع به إلى حيث يمكن للجمهور أن يراه. طبعا، هذا لا يحسّن من سيرة المترجم كثيرا، ولكن بما أنه مغضوب عليه في كل الأحوال، فلماذا لا يستغل ذلك للإبقاء على اسمه. وأخيرا، يجب ألا ننسى أنه ليس من السهل دائما إيجاد الفضيحة المناسبة، ولنتذكر كل السيناريوهات التي جربها عادل إمام في فيلمه البحث عن فضيحة قبل أن يتمكن من الزواج من ميرفت أمين. ولكن حتى لا يوصم هذا المقال بالحض على الفشل والخطأ، فيمكن الإشارة إلى أن المترجم قد يثبت وجوده بغير خطأ ولا أعداء، بل كذلك بقلمه إذ ما نظّر للعملية الترجمية، ولكن رغم ما في ذلك من ثمار أنطولوجية وأكاديمية، إلا أنها ليست دائما بالمتعة نفسها التي يمنحها التنقيب عن الأخطاء والفضائح.

 

بيبلوغرافيا:

بالعربية:

أبو أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق: نزار رضا، بيروت، دار مكتبة الحياة، د.ت

أرسطو، فن الشعر، ترجمة: إبراهيم حمادة، د.م: مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت

بدوي، عبد الرحمن. أرسطو عند العرب؛ دراسة ونصوص غير منشورة، الطبعة الثانية، الكويت، وكالة المطبوعات، 1978

ابن الجوزي، كتاب الضعفاء والمتروكين، تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، ج3، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت

ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، الجزء 5، بيروت، دار صادر، 1994

التوحيدي، أبو حيان. الامتاع والمؤانسة، الجزء الأول، بيروت: المكتبة العصرية، 2011

التوحيدي، أبو حيان. المقابسات، تحقيق: حسن السندوبي، الكويت، دار سعاد الصباح، 1992

التونسي، محمد خليفة. "حول بعث القديم؛ منزلة المنفلوطي بين كتابنا"، في: مجلة الرسالة، العدد 580، 1944

الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق: علي أبو ملحم، الجزء الأول، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 2002

الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، الجزء الأول، الطبعة الثانية بيروت، دار الكتب العلمية، 2003

الجاحظ، رسائل الجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، الجزء الرابع، بيروت: دار الجيل، 1964

حسين، طه. حافظ وشوقي، القاهرة، مكتبة الخانجي، د.ت

الدسوقي، عمر. نشأة النثر الحديث وتطوره، القاهرة، دار الفكر العربي، 2007

الذهبي، أحمد بن عثمان. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الجزء الرابع، بيروت، دار المعرفة، 1963

القفطي، علي بن يوسف. إخبار العلماء بأخبار الحكماء، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، 2005

كيليطو، عبد الفتاح. بحبر خفي، الدار البيضاء، دار توبقال، 2018

كيليطو، عبد الفتاح. لن تتكلم لغتي، بيروت، دار الطليعة، 2002

هيجو، فيكتور. البؤساء، ترجمة: م. البعلبكي، الطبعة الثانية، بيروت، دار العلم، 1979

بلغات أجنبية:

Borges, Jorge Luis. L’Aleph, traduit par: Roger Caillois, Paris, Gallimard, 1967

Brecht, Bertolt. Brecht on Theatre, editors: Marc Silberman, Steve Giles and Tom Kuhn, Trans. J. Davis, Romy Fursland, S. Giles, V. Hill, K. Imbrigotta, M. Silberman and J. Willett, 3rd edition, London, Bloomsbury, 19640

Calvino, Italo. If on a winter’s night a traveler, trans. Wiliam Weaver, London, Harcourt, 1981

Cooperson, Michael. “To Translate or Not to Translate Arabic”, in: Comparative Literature Studies, Vol. 48, No. 4 (2011)

Hersant, Patrick. ‘LE TRADUCTEUR, POÈTE EN ABYME’, Traduire en Poet, ed. Geneviève Henrot et Simona Pollicino, Artois PU, 2017

Venuti, Lawrence. The Translator’s Invisibility; A history of Translation, second edition, New York, Routledge, 2008

[1] طالبة دكتوراه بجامعة برلين الحرة، قسم الدراسات العربية.

[2] طالبة دكتوراه بجامعة برلين الحرة، قسم الدراسات العربية.

[3] Norman Shapiro, quoted by: Lawrence Venuti, The Translator’s Invisibility; A history of Translation, second edition (New York: Routledge, 2008), 1

[4] يظل السؤال كيف كان وجود أفلاطون ليصل إلى شخص أحادي اللغة مثل الجاحظ، دون خالد هذا الذي ذكر الجاحظ اسمه نكرة ليثبت ثانويته. وتوجب الإشارة إلى أن خالد المذكور هو خالد بن يزيد بن معاوية أو حكيم آل مروان، أول من أشرف على أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة.

[5] الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، الجزء الأول، الطبعة الثانية (بيروت: دار الكتب العلمية، 2003)، 76

[6] Lawrence Venuti, The Translator’s Invisibility,p6

[7] Willard Trask, quoted by: Lawrence Venuti, The Translator’s Invisibility, p7

[8] ربما كانت هذه المفارقة هي ما دفع ببريخت إلى وضع نظرية التغريب في المسرح، خاصة ما سماه بالتغريب الذاتي الذي يوجب على الممثل أن يتذكر أبدا أنه محض ممثل. "هدف الفنان هو أن يبدو غريبا بل وحتى مدهشا لجمهوره. ويتوصل لذلك، بأن ينظر لنفسه ولأدائه بغرابة. والنتيجة، أن كل ما يبدر عنه يتحلى بحلة الدهشة".

Bertolt Brecht, “Verfremdung Effects in Chinese Acting”, in: Brecht on Theatre, ed. Marc Silberman, Steve Giles and Tom Kuhn, Trans. J. Davis, Romy Fursland, S. Giles, V. Hill, K. Imbrigotta, M. Silberman and J. Willett, 3rd edition (London: Bloomsbury, 19640, 164

[9] Jorge Luis Borges, “La Quête d’Averroёs”, in: L’Aleph, trad. Roger Caillois (Paris: Gallimard, 1967), 78-86

[10] منير البعلبكي: "مقدمة"، البؤساء، ترجمة: م. البعلبكي، الطبعة الثانية (بيروت: دار العلم، 1979)، 5-6

[11] طه حسين، "البؤساء"، في: حافظ وشوقي (القاهرة: مكتبة الخانجي، د.ت)، 84-85

[12] عمر الدسوقي، نشأة النثر الحديث وتطوره، (القاهرة: دار الفكر العربي، 2007)، 174

[13] محمد خليفة التونسي، "حول بعث القديم؛ منزلة المنفلوطي بين كتابنا"، في: مجلة الرسالة، العدد 580، 1944، 24

[14] عبد الفتاح كيليطو، لن تتكلم لغتي، (بيروت: دار الطليعة، 2002)، 8

[15] Italo Calvino, If on a winter’s night a traveler, trans. Wiliam Weaver (London: Harcourt, 1981), 125

[16] Guillevic, quoted by: Patrick Hersant, ‘LE TRADUCTEUR, POÈTE EN ABYME’, Traduire en Poet, ed. Geneviève Henrot et Simona Pollicino, Artois PU, 2017, 24

[17] اميل سيوران، اقتباس: عبد الفتاح كيليطو، "ميزان الترجمة"، في: بحبر خفي (الدار البيضاء: دار توبقال، 2018)، 65

[18] كيليطو، "ميزان الترجمة"، 66

[19] أبو أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق: نزار رضا (بيروت: دار مكتبة الحياة، د.ت)، 260

[20] نفسه، 270-271

[21] أبو أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، 262-263

[22] علي بن يوسف القفطي، إخبار العلماء بأخبار الحكماء، تحقيق: إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، 2005)، 134

[23] نفسه، 135

[24] نفسه، 135

[25] نفسه، 135

[26] أبو أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، 264

[27] نفسه، 268

[28] عبد الرحمن بدوي، أرسطو عند العرب؛ دراسة ونصوص غير منشورة، الطبعة الثانية (الكويت: وكالة المطبوعات، 1978)، ص17

[29] إبراهيم حمادة، "المدخل إلى كتاب فن الشعر لأرسطو"، في: كتاب أرسطو فن الشعر، (د.م: مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت)، ص45-49

[30] أبو حيان التوحيدي، الامتاع والمؤانسة، الجزء الأول (بيروت: المكتبة العصرية، 2011)، ص90

[31] أبو حيان التوحيدي، الامتاع والمؤانسة، 97

[32] عبد الفتاح كيليطو، لن تتكلم لغتي، (بيروت: دار الطليعة، 2002)، 110

[33] Michael Cooperson, “To Translate or Not to Translate Arabic”, in: Comparative Literature Studies, Vol. 48, No. 4 (2011), 571

[34] أبو حيان التوحيدي، الامتاع والمؤانسة، ص89

[35] الجاحظ، "الشارب والمشروب"، في: رسائل الجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، الجزء الرابع (بيروت: دار الجيل، 1964)، 258-281

[36] أبو حيان التوحيدي، المقابسات، تحقيق: حسن السندوبي (الكويت: دار سعاد الصباح، 1992)، 58

[37] أبو حيان التوحيدي، الامتاع والمؤانسة، 91

[38] نفسه، 92

[39] نفسه، 95

[40] نفسه، 97

[41] نفسه، 95

[42] أبو حيان التوحيدي، الامتاع والمؤانسة، 97

[43] نفسه، 91-92

[44] عبد الفتاح كيليطو، لن تتكلم لغتي، 113

[45] ابن الجوزي، كتاب الضعفاء والمتروكين، تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، ج3، (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت)، 146

[46] أحمد بن عثمان الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الجزء الرابع (بيروت: دار المعرفة، 1963)، 227

[47] الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، الجزء الأول، الطبعة الثانية (بيروت: دار الكتب العلمية، 2003)، 75-76

[48] الجاحظ، البيان والتبيين، الجزء الأول، تحقيق: علي أبو ملحم (بيروت: دار ومكتبة الهلال، 2002)، 293

[49] في تقديم الوجه على القفا، أنظر رسالة الجاحظ في "تفضيل البطن على الظهر"، حيث ورد: "ولم نرهم وصفوا الرجل بالفحولة والشجاعة إلا من تلقائه، وبالخبث والأبنة إلا من ظهره. وإذا وصفوا الشجاع قالوا: مر فلان قدما، وإذا وصفوا الجبان قالوا ولى مدبرا. ولشتان بين الوصفين: بين من يلقى الحرب بوجهه وبين من يلقاه بقفاه، وبين الناكح والمنكوح، والراكب والمركوب..". الجاحظ، "رسالة تفضيل البطن على الظهر"، في: رسائل الجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، الجزء الرابع (بيروت: دار الجيل، 1964)، 161