الحدس أساس المعرفة: من كونه مقوليا ترنسندنتايا إلى كونه مشاركة وجدانية


فئة :  مقالات

الحدس أساس المعرفة:  من كونه مقوليا ترنسندنتايا إلى كونه مشاركة وجدانية

1) المعرفة: حدس بشيء ما

هل يمكن للذات أن تفكر في الفراغ دون موضوع؟ إذا كان ذلك مستحيلا، كيف يتم هذا الترابط بين الذات والعالم؛ أي بين الذات والموضوع؟ ثم ما الجامع بين "هوسرل" و"برجسون" في نظرتهما (تصورهما) إلى المشكلة هاته؟

يجتمع "برجسون" و"هوسرل" على هدف واحد، وهو الهدف الذي ينبغي للفلسفة أن تحقّقه، إذ يقضي بجعلها: العلم الصارم والدقيق. ينبغي أن ينبني على أسس مضبوطة، وقواعد معقولة، مفكرٌ فيها بعناية وصرامة: قبليا وبعديا، حتى يتسنّى لها أن تحفظ مكانتها وأهميتها بين العلوم من ناحية، وتنصيبها المرجع الأصيل والعلم الأول الذي يجب الاستناد إليه؛ كبوصلة ترسم السُبُل لكل الأبحاث العلمية، طالما أنها علماً ترنسندنتاليا من ناحية أخرى. والواقع، حسب "هوسرل"، هذا هو:

"المطلب الدائم للفلسفة -منذ بداياتها الأولى- أن تكون علما دقيقا، بل أن تكون ذلك العلم الذي يفي بأعمق المقتضيات النظرية للعقل، ويمكّن من وجهة نظر أخلاقية -دينية- من قيام حياة تحكمها معايير العقل الخالصة".[1]

 إن الفلسفتين معا البرجسونية أو الهوسرلية، تربطان، في العمق، مسألة تأسيس الفلسفة كعلم دقيق بالإنسان

وإن كان المتأمل في هذا القول يستنبط الغاية الأسمى الثاوية وراء جعل الفلسفة علما دقيقا، إذ تفيد إمكانية إضفاء المعنى على الحياة الإنسانية من خلال محاولة القبض على هذه القواعد والمعايير، لا باعتماد منهج أحادي النظر، بل من خلال منهج يسعى إلى الربط بين الذات والموضوع، ربطا تتوحد فيه كل ملكات ومصادر الإنسان المعرفية. إن المتأمل يرى هذا المضمون، فإن الأمر نفسه سيجده متضمنا في القول البرجسوني الذي يقضي ب: "أن الميتافيزيقا تحاول الآن أن تتبسّط، وأن تزداد اقترابا من الحياة. وأعتقد أنها على حق، وأن هذا هو الاتجاه الذي يجب أن يسير عملنا فيه".[2]

لكن الروح الفلسفية العميقة التي تُلملِم شمل كل هذه الأسس وكل هذه القواعد، نتزّعم من خلال مقالنا هذا، أنها روح حدسية؛ بمعنى أن الرجلين معا (برجسون وهوسرل) يعتقدان في هذه الروح التي لطالما اعتبرت النقطة الأرخميدية المؤسِسة والبانيّة لأية معرفة ممكنة قد نعتبرها معرفة دقيقة يقينية صارمة.

وبما أن الفلسفة المعاصرة عموما، اتخذت من الإنسان، بشكل أو بآخر، البدء والمنتهى لكل فكر فلسفي مزعوم، فإن الفلسفتين معا سواء البرجسونية أو الهوسرلية، تربطان، في العمق، مسألة تأسيس الفلسفة كعلم دقيق بالإنسان. وبالدرجة الأولى، بهذه الملكة أو الخاصية المميزة له، والتي هي "الحدس". من هنا، فإن "هوسرل" و"برجسون" معا، كلٌ وفق منطلقاته ومرجعياته العلمية والفلسفية يلتقيان في مستوى اعتبار الذات بمثابة المسألة الفعلية التي ينبغي أن تهتم بها الفلسفة؛ وذلك بهدف رد الاعتبار من جهة، خاصة في علاقة الفلسفة بالتطور والتقدم العلمي/ السيكولوجي على وجه التحديد، وأيضا لكي تزيل عنها العوائق التي حالت دون أن تحتل المكانة الأولى في التأسيس من جهة ثانية.[3]

ما يفهم من هذا الطرح، هو إن كان من اللازم إصلاح الأسس والضوابط التي ينبني عليها الفكر الفلسفي، فإن هذا الإصلاح يقتضي إصلاح نقطة البدء، والتي ترتبط، لا محالة، بالذات. لذا، فضرورة إصلاح وإعادة بناء مفهوم الذات بناءً ممكنا، يمكن أن يسمح للفلسفة بأن تصير علما صارما مطلقا، قادرا على إنتاج معرفة علمية خالية من أي حسٍّ ميتافيزيقي سلبي.

وإن كنا من خلال هذا المقال، نهدف إلى تبيان ذلك عبر النظر إلى الذات كونها ذات حادسة، فذلك للوقوف على إظهار كيف أن الحدس لا يمكن أن يكون بمثابة وعاء فارغ أو شيء من هذا القبيل. فإذا كان "الوعي هو دائما وعي بشيء ما"، فإن الحدس ذاته هو، أيضا، دائما حدس بشيء ما". ولعل محتوى هذا الطرح، سواء من حيث المنظور البرجسوني الفرنسي، أو من حيث المنظور الألماني الهوسرلي، يفيد بأنه محاولة واعدة في إخراج الذات من سياجها ومن عزلتها تجاه العالم، أو بصورة أخرى تكسير سلبية الوعي في تفاعله مع العالم الخارجي. ولما كان الحدس قوة، مع "برجسون"، تبذلها الذات كي تحقق هذا التعاطف الوجداني بالأشياء؛ والذي يؤهلها لفهم وطرح مشكلات الطبيعة طرحا سليما لا مزيفا، وجدنا أنه لا يمكن للذات أن تبذل هذا المجهود دون وجود أشياء؛ أي دون وجود العالم الخارجي.

 إن "برجسون" و"هوسرل" يلتقيان، لاشك، في اعتبار أن الحدس دائما حدس مالئ؛ أي حدس بشيء ما

إن ذلك يدفعنا إلى القول إن "برجسون" و"هوسرل" يلتقيان، لاشك، في اعتبار أن الحدس دائما حدس مالئ؛ أي حدس بشيء ما. والحق، إن الفكرة هاته حاملة لدحض ولنقد ميتافيزيقا الذات كما تصورها ديكارت[4]. كما أنها محاولة لتجاوز هذا التقسيم التعسفي للعقل الذي أرسى قوامه "كانط[5]" من ناحية أخرى. فإذا كان الوعي محايثا لموضوعاته من منظور "هوسرل"، فإن "برجسون" يقبل ذلك بصورة ما، حيث التجربة الروحية توحّد بين الوعي وأشيائه؛ وذلك بزمانية لا مجال فيها للانقطاع.

لهذا، فإن كان "برجسون" يحاول أن يؤسس الفلسفة على أرضية ذات مبادئ وأسس متحركة/ روحية، يمكن أن تضمن لها إبداع مفاهيم وتصورات صحيحة ومطلقة بالكائن الحي، فإننا نفهم هذا التقسيم الثنائي الذي استنبطه "برجسون" من طرائق وكيفية معالجة الفلاسفة السابقين عليه للقضايا والمشاكل المطروحة كمشكلات للمعرفة:

"الأولى تفيد أننا نحوم حول الشيء، بينما الثانية تتضمن أننا نغوص داخله، حيث الأولى متوقفة على الزاوية التي ننظر منها إليه، وبالرموز التي نعبّر بها عنه، إلا أن الثانية لا تتوقف على أية زاوية من زوايا النظر، ولا تعتمد على أي رمز من الرموز. لذا، فالمعرفة الأولى إن كانت تقتصر على النسبي، فإن المعرفة الثانية تنحو نحو المطلق"[6].

اعتبارا لهذا القول، نستطيع أن نستجلي القيمة المنهجية الكبرى لخاصية الحدس، والتي هي السبيل الوحيد والأوحد في إمكانية تحقيق الطريقة الثانية، والتي لا يمكن لغيرها أن يؤهلنا لتحصيل معرفة مطلقة. وفقا لذلك، نجد فينومينولوجية "هوسرل" لا تخرج عن هذا الإطار، خاصة في مستوى مبدأ العودة إلى الأشياء ذاتها، حيث المسعى من حيث دلالته العامة، يتحدد باعتباره مجهودا موجها كله نحو استرجاع الماهية الثاوية وراء الأشياء، والتي هي حاضرة في التجربة التي يكونها الإنسان عنها. على أساس أن تمثل الوعي الإنساني لهذه الأشياء كواقع، إن كان موجها باستعدادات مقولية يحتويها هو نفسه، فإن العملية المعرفية هذه تتم دفعة واحدة.

لهذا، فالإنسان عموما هو وحدة مترابطة بخيوط حدسية زمانية مقولية، لا إمكانية فيها للتجزيء أو للتقسيم. من زاوية أخرى، نستطيع أن نتلمس كيف أن هذه الوحدة الجامعة بين الوعي وأشيائه (عالمه الخارجي)، تحمل في طياتها تجاوزا لأية فكرة أو تصور ميتافيزيقي من شأنه أن يجعل الوعي الإنساني مبنيا على أسس لاهوتية أو مثالية كتأسيسه على فكرة الإله الضامن أو الروح المطلق أو شيء من هذا القبيل.

 الوعي الإنساني حينما يكون بصدد بناء معارف تتغيا الإطلاقية والصرامة يرتبط تمام الارتباط بالوعي الفردي الخالص

هكذا إذن، فنحن أمام فلسفتين، شكلتا لحظة تاريخية واحدة، إذ تحملتا مهمة إعادة تأسيس الذات تأسيسا فلسفيا معقولا، وذلك بإصلاحها، والذي يقتضي تنقية هذه الذات من الثيولوجيا ومن تلك النزعات السريالية التي تنزع عن الفلسفة روحها العلمي الذي يجعلها بمثابة العلم الأول. فإذا كان الرجلان يرجعان أزمة الفلسفة إلى الذات من خلال مشكلة كيف يحصّل الوعي المعنى؟ حيث واجهوا النزعات السيكولوجية التي أرجعت عمليات الوعي إلى اعتبارها عمليات مادية طبيعانية محضة؛ فذلك لكي يبينان أن هذه العمليات مستقلة تمام الاستقلال عما هو مادي من جهة، وربط المعنى المحصّل عن الأشياء من قبل الوعي بهذه الأشياء من جهة ثانية. وما يثبت ذلك، حسب "برجسون"، هو أن هناك مجموعة من التجارب العلمية بيّنت:

"أن اقتطاع أجزاء رئيسة من الدماغ، تلك التي تعتبر مسؤولة عن التفكير بالذات، لم يؤد إلى تعطيل الوعي: بينما لو صحت نظريتهم[7] بالمقابل لكان كل تدمير في الدماغ يستتبع بالضرورة تعطيلا للوعي وللظواهر النفسية"[8].

ولعل الجامع بين كل هذه الخصائص المكونة للوعي الإنساني من: تمثّل، وتذكّر، وفهم، وتحليل، وربط، وإدراك...إلخ، تعود إلى ملكة الحدس كخاصية أولى تدفع بالوعي نحو موضوعاته دفعا مباشرا دون وسائط. فلما كان "هوسرل" يحاول، من خلال الكتاب الأول من مؤلف "أبحاث منطقية" المعنون تحت اسم مقدمات للمنطق الخالص، أن يظهر تهافت دعاوى النزعة السيكولوجية عن كيف يفكر الإنسان؟؛ وذلك بمحاولة نزع الكلي العام من العالم المادي الذي يجعله مرتبطا بتلك العمليات الفعلية للوعي وللتفكير، حيث يجب ربطه بالعالم الترنسندنتالي الخالص، باعتباره موجودا بذاته وبشكل موضوعي، لما كان "هوسرل" محاولا تحقيق ذلك، وجدنا "برجسون"، بصدد نفس المشكلة، إذ هو الآخر انتبه إلى مخاطر السيكولوجيا على قضية مشكلة الوعي الإنساني.

 يجتمع هوسرل وبرجسون، لا محالة، في إيلائهما الصلاحية للوعي الفردي الخالص كقدرة نافدة؛ يمكن عبرها ومن خلالها أن تحقق الذات بلوغ المطلق عموما

والواقع، أن ذلك جلي بوضوح كبير في كتابه الأول الموسوم بعنوان: "بحث في المعطيات المباشرة للوعي" سنة 1889. والكتاب الثالث بعد كتاب "فكرة المحلّ عند أرسطو" الذي كتبه باللغة اللاتينية: (Quid Aristotels de loco senserit)، والذي جاء تحت عنوان "المادة والذاكرة، رسالة في علاقة البدن بالنفس" سنة 1896: (Matière et Mémoire ; essai sur la relation du corps et de l’esprit). فإذا كان هذا الأخير عبارة عن ضربات نقدية يوجهها الرجل إلى مذهب التوازي النفسي الفيزيولوجي، بغية تبيان أنه ليس ثمة أي ارتباط مباشر بين وظيفة الذاكرة، وبين وظيفة الدماغ أو المخ؛ بمعنى هناك، حسب "برجسون"، انعدام تام لوجود توازي parallélisme بين الوظائف النفسية، وبين حالة الخلايا الداخلية في تركيب المخ. إذا كان هذا الكتاب يحمل في طياته هذا الموقف، فإنه في الكتاب الأول يحاول نقد السيكولوجيا psycho-physique من ناحية، وتحطيم وهدم واضحين للنظرية الارتباطية Associalisme من ناحية ثانية.

والحق، إن كانت كل هذه الاتجاهات تسير نحو إثبات إلغاء العقل ككيان مستقل، على أساس مجموع تلك العمليات الدماغية، أو إنتاجات المادة الأكثر تجريدا، حيث الشروط المادية هي ما يحدد في نهاية المطاف كل تفكير؛ فإن "برجسون" تناولها بالنقد والتمحيص محاولا دحض دعاواها وإظهار خطورتها تجاه الفلسفة. والحال، أن الأمر نفسه قام به "هوسرل"، خاصة في كتابه الأول من "الأبحاث المنطقية"، إذ فيه "ينبه إلى مخاطر النزعة السيكولوجية التي تتجلى أساسا في أنها تقود إلى نزعة نسبية متطرفة، بل وشكية، تقضي تماما على طموح العلم نحو معرفة صارمة لها صلاحية موضوعية".[9]

وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن الفلسفتين "الهوسرلية" و"البرجسونية" تتفقان وتلتقيان في هذا المطمح الكبير الذي طبع إبيستمية الفكر الفلسفي المعاصر؛ والقاضي بجعل الفلسفة علما دقيقا صارما.

2) الذات: نقطة بدء لتأسيس معرفة حقة

بأي معنى تعتبر الذات مركزا أصيلا لبناء معرفة حقة؟ وهل إصلاحها يقتضي تنقيتها من أي حسٍّ ثيولوجي كان أو ميتافيزيقي، حيث إبقاؤها فقط على الوعي الخالص؟ وهل من شأن هذا الإصلاح أن يكسر ثنائية الذات والموضوع؟ وإلى أيّ حد استطاعت الفلسفتان (الهوسرلية والبرجسونية) إصلاح الذات بتجاوز النزعة الديكارتية؟

بالنسبة إلى "هوسرل" يكمن إصلاحه للذات، كونها تتخذ القيمة التأسيسية للمعرفة؛ وذلك من خلال إبداعه لعملية الاختزال الفينومينولوجي، والتي تفيد إمكانية وضع كل الأشياء بما في ذلك الأنا الحسية/ التجريبية، وكذا تلك التصورات اللاهوتية التي تؤسس المعنى اعتمادا على افتراضها للكائن الإلهي المطلق، وضعا إيبوخيا؛ أي تعليق الحكم تجاهها، إلا أن الذي يجب اعتباره وعدم نسيانه هو الوعي الخالص، أو الأنا الترنسندنتالية التي لا تخضع لهذا الاختزال الفينومينولوجي. ولعل ما يؤكد هذا الطرح هو القول الهوسرلي التالي:

"حيث –الأنا المحددة- إن كانت تتخذ وضعية للاختزال الفينومينولوجي بصورة متعلقة، تماما كما يقع لمجموع عالم الموقف الطبيعي، فإنها توضع خارج الدائرة، ولا تصعد إلى المعيش، من حيث هي فعل، بفضل ماهيتها الخالصة".[10]

وعليه، فإن كانت الأنا الخالصة هذه خارج دائرة الاختزال الفينومينولوجي، حيث لا وجود ضروري إلا لها، فإن هذا ما يسعنا القول ب ديكارتية "هوسرل" الواضحة تمام الوضوح، والتي تكاد تسقطه في المأزق نفسه الذي سقط فيه "ديكارت"، إذ انغلاقية الذات على عالمها المتعالي. لكن على الرغم من كل ذلك، يبدو أن الرجل من خلال كتاباته وتحليلاته على حيطة كبيرة واحتراس يقظ. والحال، أن ما يكثف ويحصر معنى هذا الزعم هو مضمون أطروحته المشهورة: "إن الوعي هو بالضبط وعي بشيء ما، حيث ماهيته أن يحتوي بداخله على معنى يمكن اعتباره جوهر الروح والعقل[11]".

إن كان "هوسرل" و"برجسون" يشتركان، نوعا ما، في هذا الحوار الجدلي بين الفلسفة والعلم بطموح واعد في إخراج الفلسفة من أزمتها الأنطولوجية... فإنهما يختلفان من حيث المنطلقات الفلسفية والارتكازات الميتودولوجية

على غرار كل ذلك، يمكن الإقرار، مع "هوسرل"، وظيفة الوعي المنجلية من خلال بنائه وإخراجه لأيّ معنى ممكن. إن هذا التصور من شأنه أن يدحض فكرة تأسيس أو بناء المعاني والدلالات أو التصورات على أرضية أخرى غير أرضية الوعي الخالص من قبيل مثلا: "الإله الضامن" أو "الروح المطلق" أو "علة العلل"...وهلم جرا. يقول "هوسرل" بصدد هذا التصور: "إن ذلك يجب أن يبقى مقصيا من الحقل الدراسي الجديد الذي ينبغي علينا تأسيسه؛ وذلك لأنه من الضروري أن يكون حقل الواقعي المحض[12]".

والحق، أن ذلك يفيد أن الوعي الإنساني حينما يكون بصدد بناء معارف تتغيا الإطلاقية والصرامة يرتبط تمام الارتباط بالوعي الفردي الخالص؛ إذ ذلك، بصورة أو بأخرى، يدفعنا إلى تلمس هذا التداخل وهذا التقارب بين "هوسرل" و"برجسون". فهذا الأخير هو الآخر يعتقد أيما اعتقاد في ضرورة العودة إلى الذات في عمقها الحيوي السيّال بالزمان الحي، طالما أنها القادرة على قبض جوهرية الشيء بنفسها، لا باعتمادها على مفهومات أو رموز جامدة. فإن كان "برجسون" منصِّبا لتصوره هذا، فذلك بغرض إزاحة وإلغاء العقل التصوري l’intelligence conceptuelle. الذي لطالما زج بالفلسفة، مع الفلاسفة السابقين، في بحر الميتافيزيقيات المتهافتة والسلبية.

فمثلا لو شئنا الوقوف عند معرفة - الأنا- ل-أنا أخرى-(الغير)، سيتضح لنا بشكل ملموس قيمة هذا الوعي الفردي في قدرته على استبطان وعي فردي آخر بصورة محكمة وبصورة لا تقل علمية مقارنة بما تحققه العلوم الرياضية الحقة. ولعل ما يثبت زعمنا هذا قول "برجسون" الآتي:

"...لأن نظرتي إلى الآخر تجعلني أتموقع خارجه، حيث تمثّلي له لا يكون عن طريقه هو مباشرة، ولكن عن طريق كل ما يمكن أن يشبهه أو يحاكيه، وجوهر هذا - الآخر- لا يمكن أن نصل إليه انطلاقا مما هو في الخارج، ولا حتى بالرموز مادام جوهره مرتبطا بما هو داخلي".[13]

إن مضمون هذا القول يرمي، لا شك، بالدراس إلى تبيّن كيف أن "برجسون" و"هوسرل"، إن كانا على نفس القناعة الرامية إلى ضرورة إصلاح الذات، حتى يتسنى لها أن تنتج معرفة صحيحة ويقينية، فإنهما يجتمعان، لا محالة، في إيلائهما الصلاحية للوعي الفردي الخالص كقدرة نافدة؛ يمكن عبرها ومن خلالها أن تحقق الذات بلوغ المطلق عموما. وهكذا، فلمّا كان "برجسون" يعتقد في عدم جدوى برانية الذات في إدراكها للآخر بخاصة، وللعالم عامة، كان "هوسرل" هو الآخر ينهج الطريقة نفسها. إيمانا منه بإمكانية بناء معرفة يقينية صارمة بهذا الآخر من ناحية، وبالعالم عموما من ناحية أخرى؛ وذلك من خلال إبداعه لمفهوم البينذاتية الذي يطرح علاقة الأنا بالآخر، باعتبارها علاقة تفاعلية، وكشرط ضروري لتأسيس معرفة موضوعية بالعالم. فإذا كان في كتابه "تأملات ديكارتية" يحاول أن يرسي تصورا نظريا يظهر عبره كيفية "تعالي[14] الأنا"؛ فذلك كان بغرض إيضاح أن إدراك الغير بوصفه جسدا إنسانيا يماثل الأنا، ويختلف عنها في الآن ذاته.

ما يستنتج من هذه المقارنة بين "هوسرل" و"برجسون" هو أن الرجلين يلتقيان، بشكل أو بآخر، في الطرح الذي يقضي بأن الذات كوعي فردي خالص، تستطيع أن تبني حقيقة موضوعية في علاقتها بالذوات الأخرى، وأيضا بالعالم. فإن كان هذا الأخير يعد المشترك الواقعي بين التجارب المعيشية للأناوات، فإنه المنطلق والمنتهى في تحقيقها للتذاوت وللتعارف في ما بينها. يقول "هوسرل":

"ينجلي لنا الأغيار من خلال التجربة، باعتبارهم يتحكمون في وجودهم الفيزيولوجي بشكل نفسي، وحين كانوا يرتبطون بأجسامهم بصورة خاصة، إذ بذلك يصيرون موضوعات نفسية طبيعية، وبالتالي فإنهم موجودون في العالم...كيف يمكن أن نفهم ذلك؟ إن المشكلة تطرح كمشكلة خاصة، ومن ثمة تطرح بوصفها مشكلة لنظرية متعالية في تجربة الآخر، مثل مسألة التوحد بالآخر حدسيا (Einfublung)".[15]

اعتبارا لما سبق، يمكن أن نستنتج فكرة واضحة ومركزة، حول المشكلة المثارة بصدد هذا الترابط الضروري واللازم بين الذات والموضوع، والتي تفيد: إذا كانت المعرفة الحقة تقتضي الترابط الإلزامي هذا بين الذات الحادسة والموضوع المحدوس، فهو غير محصّل لنا إلا بملكة الحدس التي تجعلنا نتعاطف ونتوحد بالموضوع؛ بمعنى أكثر دقة: إن الخاصية الأساسية التي تجعل هذا الربط ممكنا هو الحدس الذي يتوجه إلى القبض على ماهية الشيء.

وذلك إن دل على شيء، فإنما يدل على هذا التقارب البيّن بين "هوسرل" و"برجسون" في محاولتهما ملء الوعي بالعالم، حيث ذلك غير حاصل إلا بملكة الحدس هاته. إيمانا منهما أن الطريق نحو جعل الفكر الفلسفي فكرا علميا يقينيا منتجا للحقيقة لا يستند إلى الفهم، ولا تمر عبره، وإنما من خلال ضرورة أن نبوئ لملكة الحدس الصدارة، وأن نعتبرها نقطة البدء. فإذا كانت القصدية، مع "هوسرل"، كمفهوم يجعل الوعي يتجه نحو موضوعه الذي يجعل ذلك الترابط والتعالق بين فعل الوعي وموضوعه ارتباطا وثيقا، حيث الحدس يلعب الدور الأساس في تحقيق ذلك، إذا كانت القصدية بهذا المعنى مع "هوسرل"، فإن "برجسون" يتخذ منه تلك القوة التي تدفع بالذات إلى أن تلتحم وتشترك بالأشياء اشتراكا حيويا، لا مجال فيه لتصور الانقطاع أو التوقف، حالما أننا كائنات زمانية.

والحق، إن الفيلسوفين بذلك يوجهان سهام نقدهما إلى فلسفة "ديكارت" التي جعلت الذات المفكرة مستقلة عن العالم الخارجي، باعتبارها وجودا ثابتا كحقيقة مطلقة من جهة، وإلى ادعاءات "كانط" الفلسفية في ما يخص تصوره التجزيئي للذات في كيفية تكون المعرفة من جهة ثانية. ولما كان "هوسرل" يرمي إلى إمكانية بناء المطلق كحقيقة يقينية من داخل الفلسفة، باعتبارها علما صارما، وجدنا "برجسون" هو الآخر هادفا إلى تحقيق ذلك على أساس:

"أن ما هو مطلق لا يمكن أن ينكشف لنا إلا عن طريق الحدس؛ وأما كل ما عداه فهو وليد التحليل. ونحن هنا نطلق لفظ الحدس على تلك المشاركة الوجدانية، التي بمقتضاها ننفذ إلى باطن أي موضوع، لكي نتطابق مع ما في ذلك الموضوع من أصالة فريدة، وبالتالي مع ما فيه من فردية لا يمكن التعبير عنها".[16]

إن القول البرجسوني هذا، يجده المتأمل محتويا، لا محالة، تقاربا واتفاقا بينه وبين فينومينولوجية "هوسرل"، خاصة في مستوى عملية الوعي القصدية. زيادة على الحدس المنظور إليه كأيقونة تدفع الوعي إلى إخراج ما هو مقولي وربطه بالعالم الموضوعي. هكذا إذن، نتبين المهمة الفلسفية العسيرة التي كانت ملقاة على الفكر الفلسفي المعاصر عامة والفلسفتين "الهوسرلية" و"البرجسونية" خاصة، في إصلاح الذات طالما اعتبرت نقطة البدء في تأسيس أية معرفة ممكنة؛ وذلك من خلال إخراجها من عزلتها وفتحها على العالم.

3) المعرفة: بين الفلسفة والعلم

يصعب على الدارس في مجال الفكر الفلسفي والفكر العلمي أن يفصل منهج الفيلسوف عن فلسفته، حيث الأمر نفسه بالنسبة إلى العالم. فإن حاول، فإنه كذلِك الذي يريد أن يفصل الروح عن الجسد دون أن يحدث موت. والواقع، فحينما نتأمل، مع كل من "هوسرل" و"برجسون" تطور العلوم الوضعية في القرن التاسع عشر، وخاصة السيكولوجيا، فإننا نتذوق مرارة وخطورة هذه العلوم على حياة الوجود الإنساني. ففي تصورها لكيفية وعي وإدراك الإنسان لذاته وللعالم نجدها، تنزع عنه لا محالة، روح الحركة والحيوية من وجوده المادي من جهة، كما تلغي اعتقاداته في الحرية وتطلعه للمطلق وارتباطه بمصير الحياة من جهة ثانية.

لهذا، فإن كان "هوسرل" و"برجسون" يشتركان، نوعا ما، في هذا الحوار الجدلي بين الفلسفة والعلم بطموح واعد في إخراج الفلسفة من أزمتها الأنطولوجية، إن شئنا أن نستعير هذا المعنى من فلسفة "هايدغر"، وإعادة تنصيبها العلم الكلي الأول كما كانت عليه منذ اليونان، فإنهما يختلفان من حيث المنطلقات الفلسفية والارتكازات الميتودولوجية من ناحية، وأيضا من جهة النتائج والمواقف من ناحية ثانية.

فلما كان "برجسون" من خلال كتابه "بحث في المعطيات المباشرة للوعي" عام 1989 منطلقا من اعتبار أساس يقضي بالتمييز بين مجال العلم، عموما، باتخاذه مجالا يدرس الكم والامتداد والمكان، وبين حقل الفلسفة كونها تشتغل في إطار مسألة الكيف والتوتر والزمان؛ كي يبلغ في الأخير إلى أن العلم هو معرفة مطلقة بالجامد L’inerte، بينما الفلسفة هي معرفة مطلقة بالحي Le vivant. لما كان "برجسون" يتغيا كل ذلك، وجدنا "هوسرل" من خلال فلسفته الفينومينولوجية، وخاصة مرحلة الفينومينولوجيا الترنسندنتالية يريد أن يصل بالفلسفة إلى مرتبة العلم الأول كبدء أو منطلق لأيّ علم آخر مزعوم، حيث الافتراض الكامن وراء هذه الغاية يفيد أن تكون كل العلوم متأصلة ومؤسسة في مجال التجربة الموضوعية للوعي الخالص. طالما أن الفلسفة إن كانت ستصير علما دقيقا، فإنها ستكون "علم البدايات أو الأصول الصحيحة". كما أنها تغدو خادمة وفية لأسئلة وقضايا الإنسان. ولعل ما يثبت هذا المضمون قول "هوسرل" نفسه:

"...فالفلسفة التي تعدّ، وفقا لغايتها التاريخية، أسمى العلوم جميعا وأدقها، تلك الفلسفة التي تمثل مطلب الإنسانية الدائم في المعرفة الخالصة والمطلقة (وفي القيمة والإرادة الخالصة، وهو ما لا ينفصل عن المطلب الأول) عاجزة عن أن تبني علما دقيقا".[17]

وفقا لذلك، نستطيع أن نوضح كيف أن "برجسون"، إن كان واقفا وراء وضع اليد على مكمن الخلل ومركز الغموض الذي أدى إلى القضاء على الفلسفة أمام صراعها مع العلوم الوضعية، حيث كشف عن ذلك التداخل بين طبيعة الطرفين، مما يؤدي بالباحث إلى سوء التعامل مع القضايا سواء من حيث الطرح، أو سواء من جهة ماهيتها: هل هي قضايا أصلا أم لا؛ إن كان الرجل متعاملا مع القضية بهذه الشاكلة، فذلك بهدف إجلاء القاسم المشترك بين الفلسفة والعلم، وهو قاسم التجربة؛

"حيث تتجلى القرابة بين التفكير المنطقي والمادة الجامدة، وحيث لابد للعقل من اتباع حركته الطبيعية عند أقل اتصال ممكن بينه وبين التجربة، في سبيل الانتقال من كشف إلى كشف، هذا إلى جانب تيقنه أن التجربة تسير وراءه وتؤيده دائما[18]".

وهذا معناه أن على الفلسفة، مثلها في ذلك كمثل العلم، الرجوع إلى الواقع لكي تقوم بدراسة وفهم المعنى والدلالات المتراكمة لظواهر الوعي الإنساني وعلاقته بالعالم.

فإذا كان الأمر بهذه الصورة مع "برجسون"، فإن "هوسرل" يتمثل القضية؛ أي المعرفة بين الفلسفة والعلم، بنوع من الصرامة النظرية، حيث تأسيسه وتأصيله لما يجب على الفلسفة أن تكون عليه مستقبلا، يطبعه نوع من الراديكالية. والحق، أن ذلك واضح تمام الوضوح في ما تبيّناه سالفا، إذ الفلسفة لابد لها، آجلا أم عاجلا، أن تصير العلم الأول الكلي والمطلق، على اعتبار أن باقي كل الحقول المعرفية كيفما كانت طبيعتها يجب أن تكون تابعة لها، تستمد منها طرائق وكيفية التعامل مع القضايا والمشكلات؛ خاصة تلك المرتبطة بعمق الوجود الإنساني.

إن تصوره هذا يجده الباحث، دون شك، ممتدا عبر كتبه بدءًا من "أبحاثه المنطقية" (1990/1991)، مرورا بمقاله الشهير "الفلسفة علما صارما أو دقيقا" جليا صراحة 1911، وكتاب "الأفكار" 1913، وصولا إلى "تأملات ديكارتية" 1931، ثم "أزمة العلوم الأوروبية" 1948. ففي هذا الكتاب الأخير، يوضح الفيلسوف على قدر كبير من البيان المهمة الضرورية الملقاة على الفلاسفة، والتي تقتضي إلزامية: "إخضاع كل العلوم إلى نقد جذري وضروري جدا دون أن نتخلى، بسب ذلك، عن المعنى الأول لعلميتها الذي لا يمكن الطعن فيه من زاوية مشروعية إنجازاتها المنهجية"[19]. فإن كان "هوسرل" يقصد العلوم الطبيعية (الفيزيائية) والرياضية، فإنه، على الرغم من كل ذلك، يعترف ويسلم بعلميتها ودقتها، حيث الهوة كبيرة وشارخة بينها وبين لا علمية الفلسفة.

لهذا، فإن كنا نتلمس بعض نقاط التقارب بين "هوسرل" و"برجسون"، خاصة في ما يخص نقد النزعات السيكولوجية، التي تنزع عن الوجود الحي الطابع الحركي الزمني والبعد الروحي الذي يجعل الإنسان يتطلع، دائما وأبدا، إلى بلوغ مغزى حياته وسبب وجوده، فإننا نتبنّى، من زاوية أخرى، هذا الاختلاف والتباعد الحاصل بينهما في مستوى نظرتهما إلى العلم بشكل عام. ففي ماذا يختلف كل من "هوسرل" و"برجسون" في تصورهما لمفهوم وطبيعة العلم؟

لا شك، فهذا السؤال يبعث على أن العلم، كمفهوم، منفلت الحصر، من حيث شساعته وفضفاضية معناه؛ فكل يستعمله وفق أدوات وآليات اشتغال مجاله، إلا أن الذي يمكننا قوله بنوع من الارتياح والاطمئنان هو أن هناك دائما "موضوع" الدراسة و"الذات" الدارسة، ثم "المنهج" المعتمد.

فبالنسبة إلى "برجسون"، العلم هو هذا المجال الذي يحاول القبض على القانون المفسر لحدوث الظاهرة، وبالتالي، فإنه، لا محالة، تعبير عن علاقات قابلة للتغير بشكل دائم، وذلك تناظرا مع الأشياء كمقادير تتحول دائما وأبدا. يقول "برجسون":

"ليس القانون بالمعنى الحديث للكلمة إلا تعبيرا عن علاقة دائمة بين مقادير تتحول؛ فالعلم الحديث هو إذا ابن الرياضيات، نشأ يوم أصبح الجبر من القوة والمرونة، حيث يستطيع أن يستوعب الواقع ويدخله في شبكة حساباته، فظهر الفلك والميكانيكا أول ما ظهر في الصورة الرياضية التي خلعها عليها المحدثون، وتبعتهما بعد ذلك الفيزياء، وكانت فيزياء رياضية كذلك، والفيزياء بعثت على الكيمياء، وأقيمت هذه كذلك على قياسات ومقارنات بين حجوم وأوزان...وهكذا نرى علمنا يتجه دائما إلى الرياضيات، ويعتبرها المثل الأعلى له".[20]

إن عمق هذا القول هو ما دفع بـ "برجسون" إلى ضرورة التمييز بين الأشياء المكانية التي تتخذ طابع اللاحركة والقابلة للقياس، وبين القضايا والموضوعات الزمانية التي تتخذ طابع الحيوية والحركة الدائمتين. وإلا سنكون أمام خلط شنيع بين هاته المحددات الأساسية لمفهوم العلم، حيث محور هذا الخلط ينجلي حينما نحاول أن نطال ونمدد أدوات ومفاهيم العلم الطبيعي/الفيزيائي على المجال الإنساني الروحي. ولما كان الرجل يعتبر هذا الخلط هو بمثابة اختلال جوهري، فذلك إيمانا منه أن الأساليب والأدوات المنهجية التي تعتمدها العلوم الطبيعية غير قادرة، بصورة أو بأخرى، على تلمس عمق الوجود الإنساني. من هنا، فإذا كانت هذه العلوم الطبيعية، من حيث أسسها المنهجية، تتغيا تكميم الظواهر، كل الظواهر الوجودية، فإن هدفها ذاك غير متحقق. وليس بمقدورها أن تشمل الكلية الجوهرية للظاهرة، اللهم المادي الظاهر منها والمنزوع عنه كل صفات وخصائص العمق الحيوي الروحي للشيء.

إن هذا الفهم النقدي للعلم يجده الباحث، بشكل أو بآخر، مختلفا تمام الاختلاف مع النقد الهوسرلي للعلوم. فإن كان هذا الأخير محاولا تبيان تهافت الأسس والمبادئ التي تقوم عليها العلوم الوضعية الدقيقة، وكشف غموض مفاهيمها التي لا تلوح بمعاني واضحة وصريحة لعمق الوجود البشري. إذ، حسب "هوسرل"، لا مخرج لها من هذا الوضع المتأزم إلا بالرجوع إلى الفلسفة واتخاذها بتلك الصورة التقليدية التي كانت عليها؛ إن كان الأمر بهذه الصورة مع "هوسرل"، فإننا نتلمس نوعا من المهادنة وشكلا من أشكال الحوار الديبلوماسي[21] الذي يقيمه "برجسون" بين الفلسفة والعلم. والقائم على أرضية التزام كل طرف بمجاله والملائم لمناهجه وأدواته. اعتقادا منه: أي تداخل بين المجالين من شأنه أن يزج بهما داخل إطارات نظرية ضيقة التفكير وقاصرة على النفاذ إلى عمق الأشياء.

والواقع، إن كان "برجسون" ينتقد، بشكل جذري، النزعة العلموية للعلوم[22] في تصورها "للتفكير"؛ فذلك لكونها محط خطورة كبيرة طالما قياساتها ومعاييرها المنهجية لا تطال أسئلة الوجود الإنساني في بعده الروحي.

فإذا كان يبدو للمتأمل بصدد هذه الفكرة نوعا من التقارب والتكامل بين "برجسون" و"هوسرل"، فإننا نتلمس هذا الاختلاف الجذري بينهما، خاصة على مستوى تمثلهما لما يجب أن يكون عليه العلم من جهة، وما يجب أن تكون عليه الفلسفة من جهة أخرى. فلما كان "هوسرل" على طول تأملاته واجتهاداته الفلسفية، بدءا من الأبحاث المنطقية إلى الأزمة الأوروبية، يحاول أن يجعل من الفلسفة العلم الأول الدقيق، وذلك عبر كشفه للأسس والمبادئ المتهافتة التي يقوم عليها العلم الوضعي؛ إيمانا منه بإمكانية إرجاع الصورة القديمة الأولى للفلسفة كمنبع وكأصل أصول كل العلوم الجزئية الأخرى، والتي لا يمكن أن تتقدم، قيد أنملة، دون أن تأتمر من العلم الأول (الفلسفة)؛ لما كان "هوسرل" محاولا الدفاع عن ذلك وتحقيقه، وجدنا "برجسون" على اقتناع فلسفي نظري كبير يفيد ضرورة التزام كل من الفلسفة والعلم مجاله الخاص به. طالما أن الهدف الأساس للعلم هو تحقيق القياس، حيث بانعدام إمكانيته، تُبعدُ وتُزاح كل الموضوعات غير القابلة للضم وللاحتواء من قِبله. إضافة لذلك، فالعلم إن كان يروم صورنة الواقع بشكل منطقي صارم، فإن ذلك:

"عاجز عن تصور طبيعة الحياة على حقيقتها، وعن إدراك المغزى العميق لحركة التطور. وهكذا، فالحياة هي التي تخلق العقل في شروط محددة، للتأثير في أشياء محددة".[23]

 ثمة اختلاف جذري بين هوسرل وبرجسون، خاصة على مستوى تمثلهما لما يجب أن يكون عليه العلم من جهة، وما يجب أن تكون عليه الفلسفة من جهة أخرى

يبدو من خلال منطوق هذا القول، أن هناك نوعا من التعارض الضمني بين "برجسون" وتصور "هوسرل" للفهم الذي يجب أن تنبني عليه الفلسفة، والذي يقضي بالصورنة الدقيقة والعلمية الرصينة في مقاربة القضايا والموضوعات؛ بما فيها الموضوعات ذات الطبيعة الروحية. ولعل هذه الأخيرة تبرز بوضوح تام هذا الاختلاف الحاصل بين الفيلسوفين. وعلى الرغم من كل هذا التباعد والاختلاف بينهما، إلا أن الباحث والمتأمل في مضمون فلسفتهما يجدهما، لا محالة، على الاعتقاد ذاته، والذي يفيد إمكانية تفسير وتفكيك قضايا الفكر/الوعي من جهة، وموضوعات الروح البشرية من جهة ثانية، واللذين لطالما اعتبرا خارج دائرة المنهج العلمي، حيث سينجم عن ذلك، بصورة أو بأخرى، انكسار داخلي لروح الإنسان الغربي.

4) المعرفة: من الحدس المقولي إلى الحدس كمشاركة وجدانية

يبدو أن الفلسفة البرجسونية والهوسرلية إن كانتا تهدفان إلى إخراج الفلسفة، عموما، من أزمتها الخانقة أمام العلم، فإنهما يقضيان بإصلاح وإعادة إصلاح الأسس التي انبنى عليها الفكر الفلسفي عبر تاريخه. فإذا كان "هوسرل" و"برجسون" يرجعان، بصورة أو بأخرى، تلك الأسس والمبادئ إلى الحدس كملكة إنسانية أصيلة تؤطر كل معرفة مزعومة قد تكون في الأخير معرفة دقيقة صارمة، فإن نظرتهما لها، لا محالة، يطالها الاختلاف. إن لم نقل التباعد الجذري على مستوى بعض القضايا والإشكالات. ففي ماذا يتجلى هذا الاختلاف؟ وما طبيعة هذه القضايا والإشكالات التي يظهر معها هذا التباعد الجذري بين الرجلين؟

لعل من بين أهم النتائج التي خلصنا إليها، من خلال دراستنا لمفهوم الحدس عند "هوسرل": هو أن المضمون العام أو الكلي الذي تتغيا كل العلوم القبض عليه، هو إن كان يكمن، لا شك، في التجربة الحسية نفسها للوعي الإنساني، فإن المسؤول عن تحصيله هو الحدس المقولي L’intuition catégoriale. بناءً على ما يخبره به الحدس الحسي من انطباعات حسية.

إن معنى هذا الطرح، يجعلنا نقول: إن الحدس المقولي عند "هوسرل" حدسٌ عقلي يتجه، بنوع ما، نحو أن يصير حدسا تصوريا جامدا ينزع عن الأشياء طابعها الحيوي. فلما كانت الكليات تُحدَس على مستوى الإدراك الحسي ذاته، وجدنا أن من طبيعته، بالضرورة، الحركية والتغيّر، في حين أن الكليات لها طابع المعقولية الثابتة.

هكذا نتبيّن، إن شئنا مقارنة هذا الزعم الفلسفي الهوسرلي بالإطار العام للفلسفة البرجسونية، فإننا نتلمس، لا ريب، هذا العداء أو الرفض لها لأي مذهب يدعي إمكانية تحصيل أو القبض على المعقولية الثابتة وراء الأشياء. والحق، أن ما يثبت خلاصتنا هاته، هو النقد البرجسوني الجذري لمفهوم العقل التصوري L’intelligence conceptuelle، حيث تحقيق معرفة دقيقة في مجال الميتافيزيقا، لا بد من تكسير وتجاوز هذا العقل ومحاولة إحلال محله الحدس كمجهود ذهني قادر على فحص وامتحان الروح، والتي هي أساس كل القدرات البشرية في فهم وإدراك العالم عامة؛ بمعنى من المعاني أن الحدس البرجسوني هو نوع من الفحص الروحي L’ausculation spirituelle للذات وللعالم على حد سواء.

نتساءل مع "هوسرل" من حيث تقسيمه للحدس، حيث هناك ما هو حسي وما هو مقولي: أليس من شأن ذلك أن يجعلنا أمام تقسيم تعسفي متهافت لوحدة الذات الزمنية غير القابلة لأي تشطير أو تجزيء؟

إن هذا التساؤل الإشكالي ذا الطابع النقدي الإحراجي لأطروحة "هوسرل" في الحدس يدفع بالباحث، لا شك، إلى ترجيح التصور البرجسوني على الهوسرلي؛ وذلك لكونه تصورا يجعل من "الزمان" الخيط الناظم لكل الأحداث ولكل الوقائع، سواء ذات الطابع العقلي/الفكري، أو تلك الموسومة بصفة الحسي النفسي، حيث الوعي الإنساني دائم الصلة الزمنية بذاته من ناحية، وبالعالم من ناحية ثانية.

قد يعترض علينا بصدد قراءتنا هاته، أن المقولي والحسي عند "هوسرل" يتمان دفعة واحدة وفي آنٍ واحد، وكعملية إدراكية واحدة. على الرغم من كل ذلك، نستطيع الرد بالقول الاستشكالي الآتي: أليس من شأن هذا الفهم التصوري الهوسرلي أن يسقطنا مرة أخرى في نزعة كانطية أكثر سوء من فلسفة "كانط" نفسها؟. إن الغاية الأسمى هي تجاوز هذه الأخيرة عبر تجاوز الديكارتية طالما هناك تسلسل ترابطي بين الفلسفتين، ليس بالقضاء عليهما، وإنما بإصلاحهما. فإذا كانت المعرفة تتشكل، حسب "كانط"، عندما تلتقي معطيات الحدس الحسي (الحساسية) بالمقولات القبلية للفهم، حيث هذه الأخيرة هي المسؤولة عن ترتيب وتنظيم هذه المعطيات الحسية، فإن الرجل هو الآخر، يمكن الزعم، أنه يقر بأن هاتين الملكتين تلتقيان وتجتمعان بفعل المخيلة.

 هناك نوع من التعارض الضمني بين "برجسون" وتصور "هوسرل" للفهم الذي يجب أن تنبني عليه الفلسفة، والذي يقضي بالصورنة الدقيقة والعلمية الرصينة في مقاربة القضايا والموضوعات

وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن البعدي والقبلي عند "كانط" كذلك يسيران مرة واحدة. لهذا فتصور "هوسرل" مكَبّلٌ، بشكل أو بآخر، بأغلال المفاهيم الكانطية التي يريد الفلاسفة المعاصرون تجاوزها. فتماثلا لذلك، فإن كان الرجل يرى في إمكانية تحريك القبلي وإخراجه من قوقعة الفهم المغلقة بفعل الحدس المقولي وإعطائه وجودا موضوعيا في العالم، فإنه، هو الآخر، يعتقد في أن هذه العملية الإدراكية تتم بفعل القصدية، حيث الوعي يقصد موضوعاته بشكل مباشر عبر أفعاله؛ وذلك من خلال ما يأتي به الوعي من معطيات حسية مقَدَمة من قبل الحدس الحسي، كي يرفعها في الأخير الحدس المقولي إلى مستوى الماهية الكلية، والتي تتخذ صفة "الموضوعي".

على غرار كل ذلك، فالمتتبع بتركيز وبمجهود ذهني فاحص لكل من التصور الكانطي والهوسرلي، سيكشف عن هذا التجزيء الحاصل بين هذه الأطراف المشكلة للعمليات الإدراكية. في حين إن التجزيء/التقسيم يتخذ لا شك، حسب "برجسون" طابعا مكانيا. والواقع، فبقدر ما تكون نظرتنا إلى الأشياء نظرة مكانية/كمية، بقدر ما ينفلت منا، بالضرورة، هذا الجوهر الزمني الثاوي وراء تلك الأشياء، حيث التتابع الجامع بجدّة حيوية لأحداث ووقائع هذه الأشياء هو الذي يمنحها ماهيتها. لكن نتساءل: ما الذي يضمن للذات القبض على هذا التتابع الزمني الحاكم لماهيات الأشياء؟

لن يتأتى ذلك للذات، حسب "برجسون" إلا إذا صادقت وتعاطفت وجدانيا مع موضوعها. لهذا، فإن كان الحدس كملكة إنسانية هو القادر على إحداث هذا التشارك الوجداني بالموضوع، فإنه يبقى دائما وأبدا وحدة زمنية غير قابلة لأي تجزيء أو تقسيم؛ إذ رؤية الحدس على هذه الشاكلة يقتضي مجهودا ذهنيا عسيرا.

وبالتالي، فتحقيق معرفة ميتافيزيقية دقيقة لا يمكن أن تكون إلا معرفة حدسية، هي في جوهرها معرفة مباشرة عبرها تُكسّر كل المفاهيم والقوالب التصورية التي تقتل، لامحالة، العمق الحيوي للأشياء. من هنا، فإذا كان "هوسرل" لا يرى في الحدس مجهودا خارقا، أو عملية تتطلب قدرات خاصة، بل إنه يبقى بمثابة تلك الكيفية التي يعطى بها موضوع ما، حيث يكون أمامنا هو ذاته بلحمه ودمه؛ فإن "برجسون" نجده على النقيض من كل ذلك؛ وذلك لأنه يجعل من الحدس، عموما، النواة الأصيلة لماهية الأشياء. والحق، إن القبض على الماهية ليس أمرا يسيرا سهل المنال كما قد يُتخيّل لنا إذا ما نظرنا إلى كلمة المباشر L’immédiat دون المفهوم البرجسوني؛ والذي يفيد أعوص وأعسر المحتويات. إنه ثمرة جهد متواصل، عبره تحاول الذات أن تفجر كل الحواجز والشوائب المكانية التي تحول دون القبض على جوهر الشيء.

فعلى الرغم من أن الرجلين، يبدوان أنهما يلتقيان نوعا ما في هذا التصور الفلسفي الذي يقضي بأن الماهية العامة للأشياء محايثة لها وليست مستقلة عنها، فإنهما يبتعدان تمام الابتعاد في تمثلهما للكيفية الحدسية التي بواسطتها تبلغ الذات هذه الماهية. فلما كان "هوسرل" مقرا بأن تحقيق "عام صحيح" ما بشكل موضوعي يتأتى كونه مدركاً من قبل الذات في تماهٍ وتحايث مع تلك الإنجازات الذاتية الفعلية لها، وجدنا "برجسون" مقرا أن "معنى كلي" لشيء ما يتخذ صورة زمنية غير محصلة لوعينا إلا بإدراكنا للديمومة الحقة، والتي تقتضي من الفيلسوف بذل قصارى جهده، حتى يتسنى له أن يبين تهافت وقصور الفكر التصوري عن الوصول إلى عمق الروح[24].

وإذا كان المسؤول عن تحقيق ذلك يعود، حسب "برجسون"، إلى ملكة الحدس، فإننا نستطيع أن نتزعم من خلال مقالنا هذا، أنها ملكة ليست ذات طابع عقلي محض، كما أنها ليست بلباس حسّي خالص. ومنه، فإن قوة "برجسون" تأتي بصدد هذه النقطة بالضبط؛ إذ يجده الباحث محاولا تجاوز وتكسير هذه الثنائيات الميتافيزيقية المبنية، لا محالة، على تجزيء ملكات الذات بشكل تعسفي متهافت.

[1] هوسرل، الفلسفة علما دقيقا، ترجمة وتقديم: محمود وجب، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة. الطبعة الأولى 2002، العدد 489، ص: 23

[2] Henri Bergson; la pensée et le mouvant, 9édition: 1985, parisة presses universitaires de France, 1938; p 117

[3] للتوسع أكثر بصدد هذه النقطة، نحيل القارئ على مقال الأستاذ "عبد الحي أزرقان" المعنون بـ "الوظيفة التأسيسية للذات عند هوسرل" والمنشور ضمن مجلة "مدارات فلسفية"، العدد الرابع.

[4] يتصور "ديكارت" الذات كفكر مستقلة بذاتها ومتقوقعة داخل سياجها، إذ ليست في حاجة للعالم المادي/الحسي، لكي تعتمده في إثبات وجودها. إن تصور "ديكارت" هذا واضح من خلال قوله الآتي: "سأفترض إذن، أن جميع الأشياء التي أرى هي خاطئة. وسأرجح الاعتقاد أن لا شيء موجود على الإطلاق في ما يعج داخل ذاكرتي بالأخطاء والأكاذيب التي تتمثل لي. سأفكر اعتقادا أنني خال من كل الحواس، وأن الجسم والشكل والامتداد والحركة والمكان ما هي إلا أوهام ذاتي. فمن ثمة أي شيء يمكن أن يكون صحيحا؟"(R.Descqrtes, Méditations métaphysiques, Présentation et notes par Marie-Frédérique Pellegrin, Editions Flammarion, Paris, 2009, (M.S), p92.). لكن الذي لا يجب أن يغيب عن ذهننا مع فلسفة "ديكارت" هو أن الرجل إن كان ينفي الحواس بمعنى الجسم الممتد، فهو لا ينكرها، بل على العكس إن المتتبع للتأملات الميتافيزيقية إلى آخرها سيدرك كيف أن هم ومشكلة "ديكارت" هو إثبات العالم كونه أشياء مادية تمتد، حيث هذا الإثبات يكون بالفكر لا غيره؛ بمعنى دون أن يعوّل على كل ما هو محسوس. على الرغم من أن الإحساس صفة من صفات النفس كما يؤكد هو ذاته. هكذا، فإن كان "ديكارت" يصوّر الذات، باعتبارها فكرا خالصا لا يتوجه إلى العالم، فإن ذلك ما جعل كل من "هوسرل" و"برجسون" يقفان على المسألة تلك بالنقد بغية الإصلاح. على أساس أن الفاحص للمشروعين الفلسفيين التأسيسين لهذين الفيلسوفين سيتلمس بين ثنايا أعقابها فكرة: "أن الذات كوعي حادس لموضوعاته، ليس بإمكانها أن تحصّل معرفة، سواء عن ذاتها أو عن العالم إلا بتشاركها وتلاحمها بموضوعاتها، حيث إن ذلك يتم دفعة واحدة وبزمانية متصلة. ولعل الخاصية الجامعة لكل هاته الأطراف هي ملكة الحدس، سواء كان مقوليا مبنيا على ما هو حسي، أو كان تشاركا وجدانيا مؤسس على روح زمانية.

[5] لا يخفى على المهتمين بالفكر الفلسفي ذلك المجهود الذي بذله "إيمانويل كانط"، لكي يجعل من الميتافيزيقا علما كالفيزياء وكالرياضيات. وإن كان ذلك واضحا في كتابه النقدي الأول: "نقد العقل الخالص" من خلال إمكانية تحقيق الأحكام التركيبية القبلية في مجال الميتافيزيقا، فإن هذا ما أخفق فيه الرجل، إذ أقرّ في نهاية المطاف بتحليلية الفلسفة واستحال أن تصير تركيبية. ولعل ذلك راجع إلى المنهج الذي نهجه؛ حيث يقتضي بتجزيء وحدة الإنسان إلى ملكات: (الحساسية والفهم ثم العقل الخالص). فإذا كانت معرفتنا، حسب "كانط"، تبدأ بالحواس ثم تنتقل إلى الفهم وتختم في العقل باعتباره أرقى درجة للفكر، فإنه بذلك يجعلها منها معرفة تتشكل بثباتية مكانية، إذ ينزع من العمليات الإدراكية للإنسان الزمن الحي الذي يجعل من تقسيم الإنسان إلى جزر متفرقة أمرا مستحيلا. إضافة إلى أنه بهذا التصور يجعل من الحدس معطى حسي ينقل العالم الخارجي إلى الفهم لا أقل ولا أكثر. والحال. إنه النقطة الأولى والأخيرة التي تنبني عليها المعرفة الحقة مع كل من "برجسون" و"هوسرل".

[6] Henri Bergson; la pensée et le mouvant, 9édition: 1985, parisة presses universitaires de France, 1938; pp 177.178

[7] يقصد "برجسون" النظريات السيكولوجية التي ترى أن الفعل الإدراكي للإنسان محكوم بميكانيزمات آلية mécanisme. وخاصة نظرية الموازاة Parallélisme التي تزعم بأن كل تغير يحدث في الجسم يصاحبه تغيّرا موازيا يطرأ في الوعي.

[8] البروفسور س.ي.جود، مدخل إلى الفلسفة المعاصرة، تعريب وإضافة: الدكتور محمد شفيق شيّا، مؤسسة نوفل، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: 1981، ص ص: 110. 111

[9] إدموند هوسرل، أزمة العلوم الأوروبية والفينومينولوجيا الترنسندنتالية، ترجمة د. إسماعيل المصدق، مراجعة جورج كتورة. المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، بيروت: 2008، ص 13

[10] Edmund Husserl, Idées directrices pour une phénoménologie, Traduit de L’allemand par Paul Ricoeur, Editions Gallimard, 1950, p 270.

[11] استعرت هذه الإحالة، بتصرف، من مقال الأستاذ "عبد الحي أزرقان" المعنون ب "الوظيفة التأسيسية للذات عند هوسرل" والمنشور ضمن مجلة "مدارات فلسفية".

[12] Edmund Husserl, Idées directrices pour une phénoménologie, Traduit de L’allemand par Paul Ricoeur, Editions Gallimard, 1950, p 192

[13] Henri Bergson; la pensée et le mouvant, 9édition: 1985, parisة presses universitaires de France, 1938; p 179

[14] بمعنى أن الذات تحمل في عمقها، وفي إطار حياتها الشعورية الخالصة بشكل متعالي تجربة عن العالم وعن الأخرين. والحال أن التعالي هنا يفيد: "ما ليس نتاجا للتجربة للحياتية/المعيشية، بل إنه شرط قبلي للإمكان. حيث أن الاختزال المتعالي، أو الاختزال الفينومينولوجي (عمل الوعي)، هو وضع بين قوسين كل المعطيات الإمبيريقية للأنا الطبيعي وللحياة النفسية، والتي ترد الوعي إلى وعي خالص أو وعي متعالٍ".

[15] Edmond Husserl, Méditations Cartésiennes, Introduction a la Phénoménologie, Traduit de l’allemand par Mlle Gabrielle Peiffer et M. Emmanuel levinas, Paris, Librairie Philosophique, Vrin 6, Place de la Sorbonne, V² 1966, pp 76.77

[16] Henri Bergso; la pensée et le mouvant, 9édition: 1985, paris presses universitaires de France, 1938; p 181

[17] هوسرل، الفلسفة علما دقيقا، ترجمة وتقديم: محمود وجب، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة. الطبعة الأولى 2002، العدد 489، ص: 24

[18] Henri Bergson, L’évolution Créatrice, 1903, édition électronique (ePuB, PDF), Les Echos du Maquis, avril 2013, p 6

[19] إدموند هوسرل، أزمة العلوم الأوروبية والفينومينولوجيا الترنسندنتالية، ترجمة د. إسماعيل المصدق، مراجعة جورج كتورة. المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، بيروت: 2008، ص 43

[20] هنري برجسون، الأعمال الفلسفية الكاملة، ترجمة سامي الدروبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الفاهرة، ط 2008، ص ص، 87. 88

[21] بالمعنى التفاوضي للكلمة، حيث نجد الرجل محاولا الحفاظ على استمرارية العلاقة بين العلم والفلسفة؛ وذلك من خلال التزام كل طرف بمقومات مجاله المنهجية، حتى لا ينشب التداخل والخلط اللذين لن يؤدي إلا إلى التباس القضايا وغموضها. وبالتالي ضياع وفقدان الدقة المنجهية بلغة "هوسرل".

[22] بمعنى الإفراط والتوغل الحاصل من قبل العلم في تمسكها بالمفاهيم والمعايير النظرية الصارمة والمتعالية على كل ما هو روحي/حيوي مميز للكائن البشري خاصة، وللعالم المادي عامة. مما يجعله في الأخير بمثابة مذهب مغلق يحمل نوعا من الدوغمائية في فهمه وتعامله مع الموضوعات والقضايا.

[23] Henri Bergson, L’évolution Créatrice, 1903, édition électronique (ePuB, PDF), Les Echos du Maquis, avril 2013, p 6

[24] Henri Bergson; la pensée et le mouvant, 9édition: 1985, parisة presses universitaires de France, 1938; p 25