القُضاة وتطبيق الشريعة الإسلامية في إسرائيل اليوم


فئة :  ترجمات

القُضاة وتطبيق الشريعة الإسلامية في إسرائيل اليوم

القُضاة وتطبيق الشريعة الإسلامية في إسرائيل اليوم[1]

تأليف: ييتزاك رايتر

ترجمة: جواد الرضواني

تقريباً، سدس عدد سكان إسرائيل مسلمون[2]. يخدم النظام القانوني الإسلامي في إسرائيل نحو (700.000) مسلم (بما في ذلك سكان شرق القدس التي منذ عام 1967، كانت تعتمد على النظام القضائي الإسرائيلي-الإسلامي)[3]. بالإضافة إلى الاختلافات الدينية بين الأقلية والأغلبية من السكان، لقد ظلت إسرائيل غارقة في صراع سياسي مع الفلسطينيين والعالم العربي كلّه. لقد اتخذ هذا الصراع صفة مضافة تتمثّل في الصراع ما بين الموالين للديانتين. لقد أبقت إسرائيل على النظام القضائي الإسلامي كما كان قبل عام (1948)؛ أي كما تم تأسيسه خلال الحماية الإنجليزية في فلسطين[4]. حافظت المحاكم الإسلامية على سلطتها في مجالات تخص الوضعية الشخصية وقضايا الوقف، حتى بعد عام (1948)، على الرغم من أن النظام القضائي الإسلامي قد تم إدخاله ضمن النظام القضائي العام. يتم تعيين القضاة بشكل يتوافق والقانون المدني، من طرف السلطات المدنية، بطلب من لجنة يترأسها وزير الشؤون الدينية، ويتشكّل إداريّوها من عضو مكتب، وثلاثة أعضاء من الكنيست (البرلمان) على الأقل اثنان منهم مسلمون، وقاضيين وعضوين إسرائيليين من جمعية بار (وهؤلاء بإمكانهم أن يكونوا مسلمين كذلك). يؤدّي القضاة قسم ولاء بحضور رئيس الدولة، ويطبقون القانون الإسلامي في حدود القوانين المدنية التي يشرعها الكنيست[5].

أن تدخل الكنيست في القضاء الخاص بالمحاكم الإسلامية كان دائماً ما يتم بشكل غير مباشر ومن باب تأسيس قواعد اجتماعية، وخاصة فيما يتعلق بالتشريع الاجتماعي الذي يخص تحسين وضعية النساء. غالباً ما كان يتمّ التدخّل في مجالات تتعلّق بمنع تعدّد الزوجات، وتحديد سنّ الزواج، ورعاية الأطفال القاصرين وحضانتهم، والعلاقات بين الأزواج، ومنع تطليق الزوجة ضداً لإرادتها[6]. لم تتدخل التشريعات الإسرائيلية فيما يخص هذه المسائل بطريقة مباشرة في الشريعة؛ بل اكتفت بتعديل القانون الجنائي لكي تشترط عقوبات تجريمية على المخالفين. فخلق هذا النوعُ من التدخل قيوداً على مستوى تطبيق التشريع الإسلامي في إسرائيل.

وبالإضافة إلى التدخل عبر التشريع، يمكن أن نفحص موقف المحاكم المدنية تجاه محاكم الشريعة، غالباً ما لا تتدخل المحاكم الإسرائيلية في مشاكل المسلمين الشخصية التي هي من تخصص محاكم الشريعة وفقاً للنظام البريطاني لعام (1922) (الفقرات: 52-53). لا تتجاوز المحاكم المدنية قرارات المحاكم الدينية، إلا إذا تعلق الأمر بعجز هذه الأخيرة عن مقاربة مشكل ما بشكل صحيح. وهذا هو وضع منازعات نسب الأطفال للأب، التي، في المجتمع الغربي والإسرائيلي، يتم تحديدها عن طريق العلاقة البيولوجية. أما القانون الإسلامي، فإنه يعترف بالأبوة فقط عبر العلاقات الزوجية. ففي إحدى الحالات، أنجبت امرأة مسلمة بنتاً خارج الزواج، من أب مسلم متزوج (وقد ادعت أنه وعدها بالزواج، وبناء على ذلك الوعد وافقت على الدخول معه في علاقة جنسية). تقدّمت المرأة بدعوى أمام القضاء لكي تجبره على الاعتراف بأبوّته للبنت وأداء تكاليف إعالة البنت. المحكمة الشرعية لم توافق على فرض وجوب الخضوع لتحاليل جينية تحدّد أبوته. المحكمة المدنية العليا، المكوَّنة من سبعة قضاة، برئاسة القاضي ميشيل هيشين، وجدت أن هناك فرقاً بين الأبوة المدنية والأبوة الدينية. يتم تحديد الأبوة المدنية بيولوجياً، وهي من اختصاص القانون المدني الإسرائيلي فيما يتعلق بالإعالة والإرث؛ وبذلك فإنّها قد اكتشفت أنّ هذه القضية الأبوية يجب أن تنظر فيها محكمة الإقليم. اقترح هيشين أنّ قضاء محكمة الإقليم سوف يكون مشابهاً لقضاء المحكمة الدينية فيما يتعلق بجميع الجوانب الأساسية. هذا الحكم الذي يعود إلى سنة (1955) غير الحكم القانوني السابق، الذي كانت قد أسسته المحكمة العليا منذ اثنتي عشرة سنة (المعروف باسم القانون العمري)، الذي يتم بموجبه، حتى بعد التوصل إلى قرار بناء على قواعد قانونية إسرائيلية، عدم أحقية محكمة إسرائيلية إقليمية في البت في مشاكل تتعلق بنزاع حول إعالة الأطفال بين المسلمين: كان لدى المحاكم الشرعية تشريع خاص فيما يخص هذا المجال[7].

إن أحد مقترحات هيشين كذلك هي تقليص مجال القانون، الذي اتخذت بموجبه المحكمة العليا قراراً منذ أكثر من (30) سنة مضت، والذي أعطى محاكم الشريعة سلطة خاصة للنظر في الصراعات بين المسلمين فيما يخص قضايا الأبوة. واقترح رئيس المحكمة العليا، مائير شامكار، أن تتمتع محاكم المقاطعات بسلطة موازية لتلك التي تتمتع بها المحاكم الدينية، فيما يخص أي قضية أساسية، ولو أن المحكمة العليا وافقت على هذا المقترح كانت المحاكم الدينية في إسرائيل سوف تفقد سلطتها الخاصة.

يمكن أن نرى أنّ واقع كون أيّ محامٍ مدني إسرائيلي يمكنه أن يمثّل موكلين له أمام محاكم الشريعة (قانون القضاة لعام 1961)، كوسيلة، يساعد القضاء الإسلامي لكي يصير متناسقاً مع القانون المدني.

إنّ الظلال التي يلقيها الصراع الإسرائيلي-العربي، إلى جانب السياسات الإسرائيلية التي ترى المواطنين العرب في الدولة مخاطرَ أمنيّة محتملة نظراً لهويّتهم الوطنية الفلسطينية، منعت المسلمين الإسرائيليين[8] من إقامة مؤسساتهم الخاصة؛ مثل المحكمة الإسلامية العليا التي كانت تشتغل تحت الانتداب البريطاني. الأكثر من ذلك، أنه لم تتم إعادة فتح مكتب المفتي في إسرائيل. بشكل عملي، ليست هناك مؤسسة ضمن الحدود الوطنية الإسرائيلية بإمكانها أن تقدم آراء قانونية مبنية على الشريعة. رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ومفتي القدس، حتى عام (1937)، الحاج أمين الحسيني، كان أحد أكبر معارضي الصهيونية، واستغل موقعه على رأس النظام الديني الفلسطيني، لكي يخدم صراعه السياسي مساعداً الحكومة الإسرائيلية، سنة (1948)، على الانتباه إلى قضية تأسيس وكالات إسلامية مستقلة.

إن أحد العوامل التي تؤثّر في تطبيق القانون الإسلامي في إسرائيل هو مسار تعليم القضاة. وخصوصاً واقع كون المسلمين في إسرائيل لا يمكنهم اتباع دراسات عليا للشريعة في مؤسسة معروفة مثل الأزهر في مصر. حتى بعد أن توصلت إسرائيل ومصر إلى حلول سلمية، حيث كان بإمكان المسلمين الحاصلين على جوازات سفر إسرائيلية أن يتابعوا دراساتهم في الأزهر في مصر، لم يكن منصب القاضي من بين الوظائف المطلوبة من طرف المسلمين الشباب في إسرائيل؛ لم يكن منصباً يريدون تكريس مستقبلهم من أجله وصرف أموالهم. على العكس من ذلك، يفضل الشباب العرب في إسرائيل دراسة القانون المدني في جامعات إسرائيلية وخارج البلد[9]. بعد عام (1967)، حصل المسلمون في إسرائيل على الحقّ في التسجيل في جامعات إسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويُعدّ النظام الدراسي في هذه الجامعات، مع ذلك، ضعيفاً جداً، وقد انتهى أغلب خريجيهم إلى متطرفين ينتمون إلى حركات إسلامية في إسرائيل بدل قضاة متفقهين في تخصصهم. في غياب دراسات إسلامية عليا، لم يتم خلق أي مؤسسة «علماء» أو باحثين في إسرائيل من أجل توفير أحكام قانونية مبنية على الشريعة. غياب أساتذة أكفاء في مجال القانون الإسلامي في النظام التعليمي العربي الإسرائيلي هو أحد العوامل التي تساهم في إنتاج مستويات ضعيفة جداً من الدراسات الإسلامية في المدارس[10].

ونظراً لأن القضاة هم الذين يطبقون القانون فيما يتعلّق بالوضعية الشخصية والقضايا المتعلقة بالوقف، يُعدّ من المهم جداً الاعتراف بتكوينهم الدراسي؛ أين وكيف حصلوا على معارفهم فيما يخص التشريع الإسلامي، مستوى دراستهم العام، نسبة اطلاعهم على القانون الدستوري.

لا يعطي المجتمع الإسلامي في إسرائيل النظام القضائي الشرعي قيمة عليا، لكنّ نتائج استطلاع الآراء فيما بين المسلمين العرب تبين أنّهم يحترمون النظام القضائي الإسرائيلي[11]. مع ذلك، يتبع المسلمون بشكل عام الشريعة والقانون العرفي، وهم غير مهتمين بالفصل في مشاكل الوضعية الشخصية في المحاكم المدنية، على الرغم من أنّ هذا الحل مفتوح أمامهم. فيما يتعلق بقضايا الإرث والوصاية، مثلاً، القليل فقط من المسلمين من يسجّل وصايتهم لدى المحاكم، والبعض فقط يطلب من المحكمة أن تفصل في حقه في الإرث[12]. لا يميل المسلمون في إسرائيل نحو مخالفة التعاليم القرآنية فيما يخصّ الإرث، ومع ذلك، إنّ القضاء الشرعي يتم تجاهله بسبب عدم تمكن القضاة من الفقه الشرعي. خمسة من بين القضاة السبعة، الذين تم تعيينهم مباشرة بعد عام (1948)، كانوا من خريجي الأزهر. اثنان منهم، الشيخ أمين الحبش والشيخ موسى الطبري، اشتغلوا قضاةً خلال المراحل الأخيرة للانتداب. أحد القضاة كان خريج جامعة الأحمدية في عكا، والآخر كان يشتغل محامياً قبل تعيينه (انظر الجدول). لا أحد من القضاة اللاحقين تخرج من مؤسسة دراسات إسلامية عليا. لقد اكتسبوا معرفتهم الشرعية اعتماداً على أنفسهم، والبعض الآخر من خلال آبائهم القضاة، أو خلال مرحلة اشتغالهم موظفين في المحاكم الشرعية. الجيل الثاني من القضاة، في إطار غياب أي تكوين إسلامي أو أكاديمي لديهم، واصلوا الاشتغال اعتماداً على الأعراف القضائية التي اشتغل وفقها الجيل الأول وجعلوا من مهمة القاضي مهمة تقنية تعتمد النسخ فقط. والبعض من الجيل الثالث للقضاة، الذين تم تعيينهم قضاة مؤخراً، يتميّزون بتعليم أفضل، على الرغم من أنهم يفتقدون معرفة تتعلق بالقوانين الشرعية. لقد تلقوا دراسات مستقلة في مجال الإنسانيات، والعلوم الاجتماعية، وفي بعض الحالات، القانون الحديث، ويجتهدون في دراسة القانون الإسلامي بأنفسهم مباشرة من المصادر. ثلاثة من القضاة الحاليين تخرجوا في كليات قانون إسرائيلية، بينما القاضي الآخر، الذي اشتغل أبوه قاضياً خلال الجيل الأول، لا يتوافر إلا على مستوى تعليم ثانوي فقط.

يركز النقد العمومي للنظام القضائي الشرعي على قانون (1961) المتعلق بقانون القضاة الذي لا يشترط الحد الأدنى من المعايير الدراسية فيما يخصّ القضاة المستقبليين. مؤخراً، تقدّم أعضاء كنسيت مسلمون بمسوّدة تشريعية تحدّ من شروط العضوية عند التقدم من أجل التعيين في منصب قاضٍ، وتشترط أشخاصاً ذوي تكوين فقهي/قانوني. المتقدمون بهذا القانون لا يشترطون، مع ذلك، مستوى تخصص في الفقه الإسلامي؛ لأن إسرائيل ليست فيها مؤسسات عليا في الدراسات الإسلامية. يمكننا التساؤل حول ما إذا كان هذا النوع من التشريع سوف يؤدي إلى علمنة الشرع الإسلامي. يتبين أنّ المتقدمين بالقانون يهمّهم إحقاق نسبة أكثر من العدل في النظام القضائي الإسلامي، ويفترضون أن خريجي المدارس القانونية سوف يكون لهم فهم أعمق للنصوص التشريعية الإسلامية.

القضاة في إسرائيل بحسب الجيل والمستوى التعليمي

الجيل

اسم القاضي

المستوى التعليمي

الأول

حسن الحبش

خريج الأزهر

موسى الطبري

خريج الأزهر

حسني الزوبي

خريج كلية قانون

طاهر الطبري

خريج الأزهر

توفيق عسلية

خريج الأزهر

طاهر حماد

خريج الأزهر

أمين مدلج

كلية الأحمدية

الثاني

محمد حبيشي

حاصل على شهادة تعليم ثانوي

يوسف الدسوقي

حاصل على شهادة تعليم ثانوي

حسن الأسعدي

خريج كلية قانون

فريد وجدي الطبري

شهادة إجازة في الإنسانيات

الثالث

أحمد الناطور

إجازة في العربية، وماستر في الدراسات القانونية والتواصل

زكي مدلج

تعليم ثانوي

سليم سمارة

إجازة في العلوم الإنسانية

فاروق الزبي

خريج كلية قانون

محمد تيلاوي

إجازة في العلوم الإنسانية

داوود الزيني

إجازة في العلوم الإنسانية

زياد عسلية

إجازة في علوم التدريس.

لقد ظل القضاء الشرعي لسنوات عدة في صراع مع القضاء الديني اليهودي في إسرائيل. نظراً لأنّ نظام الشريعة تابع لوزارة الشؤون الدينية، التي كانت دائماً تسيّرها أحزاب دينية يهودية (وخصوصاً الحزب الوطني الديني)، ولم يتوصل أبداً إلى ميزانية كافية، وموظفين، ولم يلقَ اهتماماً[13]. حتى عام (1994)، لم يكن للمحكمة الشرعيّة للاستئناف العدد الكافي من القضاة. جميع قضاتها يتشكّلون من قضاة قادمين من محاكم صغرى. تحت مثل هذه الظروف، لم يكن بإمكان محكمة الاستئناف أن تشتغل مؤسسةً تحقّق العدل أو حتى توجيه القضاة في المحاكم الدنيا فيما يخصّ الأمور التي تتعلّق بقرارات سياسية. لم تتمكن هذه المحكمة الشرعية من أن يتمّ تعيين ثلاثة قضاة دائمين فيها وشاب آخر مدرب أكاديمياً على مهمة القاضي، وهو الشيخ أحمد الناطور، رئيساً لمحكمة الاستئناف.

لقد تم تعيين الشيخ أحمد الناطور عام (1985)، في سنّ الثالثة والثلاثين، في منصب قاضٍ في يافا وبئر السبع. في ذلك الوقت، كان الناطور قد حصل على إجازة في اللغة العربية والدراسات الإسلامية وماجستير في العلوم الاجتماعية، وكلاهما من الجامعة اليهودية في القدس، بالإضافة إلى إجازة في القانون من جامعة تل أبيب. قبل تعيينه قاضياً اشتغل محامياً مرخصاً في نظام المحكمة الشرعية. لقد اكتسب معارفه في الدراسات الشرعية بشكل مستقل، من خلال الاطلاع على المصادر الشرعية مباشرة. بعد تعيينه، واصل دراسته في الماجستير في تخصّص القانون، وبدأ يدرس الفقه الشرعي في مؤسسات دراسات عليا متعددة في إسرائيل. حصل الناطور على منصب قاضٍ بهدف إصلاح النظام القضائي الشرعي.

هدف هذا البحث هو دراسة تأثير الدراسات القانونية الحديثة، والدراسات الأكاديمية العامة، في الجانب التطبيقي للقانون الإسلامي من طرف الجيل الثالث من القضاة في إسرائيل. تقدّم لنا مختارات من أحكام الناطور التي أصدرها من المحكمتين كأرضية للدراسة. إنّ الأحكام التي أصدرها الناطور، خلال فترة اشتغاله قاضياً، وخصوصاً تلك المتعلّقة بمنصبه رئيساً لمحكمة الاستئناف، تشير إلى توجهات عديدة يجب إبرازها.

رفض تشريعات الدولة مصدراً للقانون:

عندما يُعيّن خريج كلية قانون لم يتلقَّ تعليمه في جامعة إسلامية تقليدية رئيساً لمحكمة الاستئناف الشرعية، يظنّ المرء أنه سوف يعتمد قانون الدولة مصدراً للإلهام من أجل إجراء تعديلات مختلفة على مستوى القضاء الشرعي. لقد وجد لاييش أنّ بعض القضاة من الجيل الأول فضّلوا اعتماد بعض القوانين المتعلقة بتشريعات الكنيست، بل دافعوا من أجل اعتماد مبادرات أكثر فيما يخصّ القانون المدني مع احترام وضعية المسلمين الشخصية[14]. نحن لا ندري إذا ما كان هذا نابعاً عن نظرتهم الخاصة أو أنهم كانوا يحاولون إرضاء المؤسسة اليهودية. تبيّن أحكام الناطور الصادرة عن محكمة الاستئناف نوع من التحيز المقصود ضد الدولة الإسرائيلية. في العديد من قراراته، يعاتب الناطور القضاة على اعتمادهم الخاص على القانون المدني بدلاً من اعتمادهم في قراراتهم على الشريعة. تعبر أحكامه عن غضبه من قضاة المحاكم الصغرى الذين يعتمدون القانون المدني مرجعاً لأحكامهم (على سبيل المثال، في حالة الإعالة المؤقتة، يبنون أحكامهم على قانون الإعالة الإسرائيلي لعام 1959). إنه يحيلهم على المراجع الإسلامية كما لو أنهم يعتمدون على القانون المدني من باب الجهل. تنبع توجيهات الناطور في هذا الباب من فلسفته العامة، التي تؤكد الاعتماد بشكل عام على القانون الإسلامي. القاضي، عندما يحاول تحقيق العدالة، عليه أن يحدّد مصادر القانون الإسلامي ويجد أجوبته هناك. ونجد مثالاً على هذا الاتجاه في موضوع حضانة القاصرين.

يقر القانون الحنفي أنّ الأم هي التي لها الحق في حضانة الأطفال حتى وصول سنّ السابعة بالنسبة إلى الولد وسنّ التاسعة بالنسبة إلى البنت. تدخل التشريع الإسرائيلي فيما يخص هذه النقطة وحدّد تطبيقاً عالمياً فيما يتعلق بحضانة الأطفال، متبعاً في ذلك مبدأ حماية الطفل. في الوقت نفسه، قلص قانون الاستطاعة والحضانة لعام (1962) مدة حضانة الطفل لرفقة الأم (إلى حين وجود أسباب لإصدار حكم مخالف) حتى ستة أعوام بالنسبة إلى الجنسين. عندما تحاول المحاكم المدنية أن تحلّ مشكل حماية الطفل، يعتمدون رأي موظف خاص بالحماية، وهو نظام يوجد ضمن قانون مدني آخر: قانون الحماية (وهي تشريعات تتعلق بالقاصرين، والمرضى العقليين، والأشخاص الغائبين)، (1955). لقد اعتاد القضاة أن يبنوا تعليماتهم، فيما يخص الحضانة، على سنّ الطفل، إلا في حال تمّ رفض تسليم الحضانة إلى الأم لأيّ أسباب كانت. في مثل هذه القضايا، جلّ القضاة عَدّوا حقوق الأطفال قاعدةً في حاجة إلى اعتمادها، وغالباً ما حاولوا استبعاد خدمات الموظف الخاص بالحماية الذي يشتغل بناء على قوة القانون. لقد وجد لاييش أن آراء الموظف فيها انحياز ضد النساء[15].

هناك بعض الحالات السابقة، التي حكمت فيها المحكمة العليا لصالح حضانة امرأة لأولادها القاصرين من خلال اتخاذ حقوق الطفل في الاعتبار، ومع ذلك، في هذه الحالات، بنت المحكمة أحكامها على القوانين المدنية. في إحدى الحالات، مثالاً، ادعت امرأة أنّ زوجها أراد حضانة الأطفال فقط لكيلا يؤدي مبلغ العناية بالأطفال وتربيتهم. لقد أوضحت أنّ القوانين الوضعية تعطي الأم سلطة موازية لتلك التي تعطى للأب (الحضانة الطبيعية). الأكثر من ذلك أنها ادعت أنّ المحكمة الابتدائية قد أصدرت حكماً معارضاً لقرار الموظف الخاص بحماية أمن الطفل. أجاب الزوج بأنّ قرار محكمة الاستئناف الشرعية لا يجب أن ينبني على القانون الوضعي. حكمت المحكمة بأنّ حماية الطفل هي أساس تحديد حضانته، واقتبست حكماً صادراً عن المحكمة المدنية العليا، الذي بالنسبة إليه لا يمكن أن يتم إصدار حكم معارض لرغبات طفل يفوق سنه ثمانية أعوام[16].

يوضح المثال الآتي مقاربة جديدة نحو فهم كيفية تطبيق مبدأ شرعيّ في ضوء مبدأ مستخلص من القانون الحديث. بعد طلاق زوجين من قرية المزرعة، طالب زوج من المحكمة تمكينه من حضانة ابنه، محتجاً بأنّ ابنه صارت له سبع سنين وأنّ مدّة حضانة الأم له قد انتهت. طالبت المحكمة الشرعية موظف حماية الأطفال بإبداء رأيه، وأصدرت حكماً بأنّ حماية الطفل، على الرغم من أن المرأة تشتغل خلال الليل ممرضةً في أحد المستشفيات، تتطلّب أن يظلّ في رفقة أمه، لكن الحكم لم ينطق بقرار موظف الحماية، فلمّا استأنف الأب القضية، أثار رئيس المحكمة انتباه قاضي المحكمة الابتدائية إلى هذه الثغرة. أما فيما يخص أهمية الموضوع نفسه، فقد أقرّ الناطور بأنّه ليست هناك حاجة إلى الاعتماد على القانون الوضعي؛ وذلك لأنّ الشريعة كذلك فيها أحكام تتعلق بحضانة الأطفال[17]. مع ذلك، لقد شكّلت السنّ المحدّدة، التي اشترطها فقهاء الحنفية (سبعة أعوام بالنسبة إلى الولد وثمانية بالنسبة إلى البنت)، تقليداً قديماً جداً يمكن أن يتم تجاوزه. هذا العرف، الذي أساسه حماية الطفل، يجد له تفسيراً في المعتقد الذي يتعلّق بكون الطفل محتاجاً إلى رعاية أمه حتى سن البلوغ، ويحتاج إلى أبيه بعد ذلك لكي يُعدّه لحياة الرشد. كلّ هذا الافتراض كان مبنياً على اعتبارات عرفية؛ لأنّ القاضي الأول لم يصرّح بأيّ شيء فيما يخصّ حماية الطفل، ولم يقدم أيّ سبب يفسر قراره إعطاء حق الحضانة للأم بعد سن السابعة، على الرغم من أنّها تشتغل خلال فترة الليل. اقتطف الناطور لفظاً من القانون الحديث وهو «افتراض ممكن» يتعلق بتفسير أحكام الفقهاء المسلمين وموافقتها للقوانين الحديثة. إنه يفترض شروط السن التي أملاها فقهاء الحنفية، بناء على أن جميع الافتراضات يمكن تحدّيها، يمكن للحضانة أن يتم تمديدها فوق السن القانونية، إذا ما أثبت أحد المدعين أنّ ذلك سوف يخدم مصلحة الطفل.

لقد أبان الناطور، على سبيل المثال، أنه بخلاف شروط السن، تنص الشريعة على التفريق بين حضانة أخ وأخت ذوي سنّ مختلفة. في هذه الحال، على الرغم من ذلك، يجب التخلص من شروط السن وإعطاء الحق في الحضانة لأحد الأبوين؛ وذلك لأن التفرقة سوف تضرّ العلاقة بين الأخوين.

في حالة أخرى، قام رجل مطلق بتسجيل دعوى قضائية بشأن حقه في زيارة أبنائه الذين كانت تقوم أمهم بحضانتهم. اعتمد قاضي المحكمة الابتدائية على الفقرة (25) الخاصة بقانون القدرة والحماية لــــ سنة (1962). اطلع رئيس محكمة الاستئناف على الحكم وقرّر ما يأتي:

يُعدّ قانون القدرة والحماية قانوناً وضعياً، بينما على القاضي أن يعتمد على الشريعة فقط. الأكثر من ذلك أنّ الشريعة كاملة، وهي نظام قانوني شامل باستطاعته أن يقدم جواباً لأيّ قضية كانت[18].

لم تتفهم المحكمة الشرعية في الناصرة الميل نحو تقديس رعاية الطفل بغضّ النظر عن سن القاصر. في حالة أخرى، قضت المحكمة بأن رعاية الطفل سيتمّ تحديدها بناء على السنّ المحددة في القانون الإسلامي، على الرغم من أن موظف الرعاية قد تقدّم برأي معارض. قامت محكمة الاستئناف بتحديد الحكم الأول، موضحة أنّ القاضي كان عليه أن يعطي رعاية الطفل اهتماماً أكثر بغضّ النظر عن سنه. في نقده قرار محكمة الاستئناف، صرّح قاضي الناصرة قائلاً: «لقد قضى رئيس محكمة الاستئناف في مرات عدة بأنّه لا يجب علينا الاعتماد كلية على القانون الوضعي كما لا يجب علينا أن نغفل القانون الإسلامي»، لكن رئيس المحكمة قد تحاشى هذا النقد بالقول إن محكمة الناصرة، من تلقاء نفسها، تقدمت بطلب من الموظف الخاص بالرعاية، وهو شخص تابع لمؤسسة مدنية، لكنّه أصدر قراراً مخالفاً للرأي المعبر عنه. كان بإمكان المحكمة أن تقضي في الأمر دون التقدّم بطلب رأي. طلب رأي موظف الرعاية لم يتمكن القاضي من تفاديه والحكم بقرار مخالف له دون تقديم سبب واضح ومقنع لكي يفسر قراره[19]. يتضح هنا، مرة أخرى، أنّ مبادئ الإجراءات، كما يتمّ تعلمها في كليات القانون، أثرت في أحكام الناطور[20].

يعارض رئيس محكمة الاستئناف اعتماد القانون الإسرائيلي. يريد أن يصبح مثالاً للقضاة الآخرين من خلال إحالته على المصادر القانونية الإسلامية، التي يفسرها في ضوء «روح الشرع»، أو «مقاصد المشرع». فعلى سبيل المثال، إذا ما قام مشرع قانوني من العصور الوسطى أو عثماني بتحديد مصلحة الطفل بأن يبقى في رفقة أمه حتى بلوغ سن معينة، ويتمّ بعدها تحوّل مسؤولية رعايته إلى أبيه، فإنّ «غاية هذا المشرع» و«روح القانون» معادلة لمصلحة الطفل. إذا ما استطاع أحد المدعين أن يقنع القاضي بأن مصلحة الطفل تقتضي حكماً يتجاوز قانون السن، فإنّ ذلك المبدأ يعوض سن الطفل عاملاً محدداً. بدل الاعتماد على رأي موظف الرعاية، رئيس محكمة الاستئناف الشرعية يطلب من القاضي أن يلجاً إلى استعمال أدوات متقدمة متوافرة لديه، وتحديد سن الطفل من خلال فحص وإعادة فحص الشهود. تقويم القاضي المطلق يُعدّ أفضل من رأي الموظف الخبير. هنا يظهر أثر الدراسات القانونية في إلهام الناطور إلى إدخال إجراءات مدنية في المحكمة الشرعية، مثل فحص وإعادة فحص الشهود بدل اللجوء إلى عملية التزكية الشرعية، حيث تتفحص المحكمة صدق الشاهد، وليس شهادته.

الاعتماد على محكمين وأشخاص لديهم معلومات واسعة:

غالباً ما يعتمد القضاة في إسرائيل على حكم أو محكم في حالات تتعلّق بفسخ الزواج، ويعتمدون على أهل خبرة في مجال تحديد نفقة المرأة المطلقة. في نظر الناطور، يلجأ القضاة نحو الاستعمال المفرط للخبراء في مجال العائلة. الحكماء أنفسهم لا يحترمون حدود سلطتهم، وغالباً ما يتجاوزونها، كما أنّهم يفتقدون إلى المهارات المطلوبة. إنهم غير واعين بأن دورهم قضائي، ويتطلب التوافق مع القواعد القضائية[21].

بالنسبة إلى الفقرة (130) من قانون الأسرة العثماني لسنة (1917)، الذي مازال يطبّق في إسرائيل، في حال وجود خصومة زوجيّة، على القاضي أن يعين حكمين، واحداً من عائلة الزوج، والآخر من عائلة الزوجة؛ وذلك من أجل تشكيل مجلس عائلي في محاولة لعقد صلح. تعرف المدرسة الحنفية بنظام المحكمين، وقد قضى فقهاؤها بأنّ الحكمين لهما الحقّ في فسخ الزواج إذا ما مكنهما الزوجان من القيام بذلك[22]. لقد فرض القانون العثماني تجديداً؛ وذلك من خلال إدخال مبدأ من الفقه المالكي يسمح للمحكمين، في الحالات التي يكون فيها التصالح مستحيلاً، بتحديد أيّ زوج هو على خطأ. إذا كانت المرأة، فإنّ لها الحق في مهرها أو ما يعادل قيمته، وذلك كما يشترطه محكموها حقاً لها يتساوى مع نوع الذنب الذي اقترفته. إذا لم يستطع المحكمان أن يتوصلا إلى تفاهم فيما بينهما، يمكن للقاضي أن يستبدلهما أو يحدّد محكماً ثالثاً لا يرتبط بأي زوج. ويكون قرار هذا المحكم (سواء كان مبنياً على توافق أم على أغلبية) نهائياً ولا يمكن الطعن فيه. أما الجيل الأول من القضاة في إسرائيل فقد اختلفوا في كيفية تطبيق هذا القانون العثماني[23]. بالنسبة إلى لاييش، هذا الشرط المتعلق بالتشريع العثماني كان يستعمل بشكل أساسي من طرف النساء اللواتي كانت لديهنّ رغبة في فسخ زواجهن[24]. بالنسبة إلى الجيلين الثاني والثالث، تمّ اللجوء إلى هذا الشرط كذلك من طرف الرجال الذين أرادوا تطليق زوجاتهم، وخافوا من المنع من طرف القانون الجنائي، إذا ما اتخذوا مثل هذا الإجراء ضداً لرغبة زوجاتهم[25]. وفي النتيجة، تمكن التحكيم من الشيوع عموماً، ولم يعارض أيٌّ من الجيلين الثاني والثالث تطبيق هذا القانون.

أعطى المثال التالي رئيس محكمة الاستئناف الشرعية التفسيرَ الكافي، لكي يحدّد الخروقات المتعلقة باعتماد المحكمين في فسخ علاقات الزواج، ولأمر قضاة المحاكم الابتدائية باستخدام هذه السلطة بشكل مختلف عما كانت تمارس عليه حتى هذا الوقت.

مباشرة بعد حدوث خصام بين زوجين، تخلص زوج من ممتلكات زوجته، فقامت باللجوء إلى بيت في ملكيّة أبيها في حيفا. قامت المحكمة الشرعية في حيفا بتعيين محكّمين استناداً إلى الفقرة رقم (130) من قانون حقوق الأسرة العثماني، فاتفقا على وجوب فسخ عقد الزواج، بينما اختلفا مادياً. حدّد المحكم المعيّن من جهة الزوج للزوجة الحق في الحصول على خمس مهرها فقط (وهو ما كان يساوي، بحسب عقد زواجها، 30.000 دولار). أمّا المحكم من جهة الزوجة، فقد حمّل الزوج مسؤولية عدم القدرة على التوصل إلى حل، فقام، بناء على ذلك، بمطالبته بإعادة قيمة المهر كاملةً لزوجته. وبذلك يكون المحكم من طرف الزوجة قد تجاوز حدوده بمطالبته الزوج بأداء قيمة إضافية أخرى تعادل المهر، نوعاً من التعويض عن الضرر الذي ألحقه بزوجته. وفي النهاية، أوضح أنه، وفقاً للقانون المدني الإسرائيلي المتعلّق بعلاقات الملكيّة بين الزوجين (1973)، يجب أن يعاد اقتسام الملكية المجتمعة من طرف الزوجين، التي تمّ تقديمها أثناء الزواج، بشكل متساوٍ بينهما[26]. بعد الاستماع إلى آراء كلا المحكمين، قامت محكمة الشريعة في حيفا بتعيين محكم ثالث، كما هو محدد في الفقرة رقم (130) من القانون العثماني. قام هذا المحكم بأمر الزوج بإعادة خمسي مهر زوجته، وهي القيمة التي تعادل مرتين ما طلبه المحكم من جهة الزوج. عندما خضع هذا الأخير إلى تقييم المحكم الثالث، قام محكم الزوج بمراجعة رأيه من خلال تبنّي رأي المحكم الثالث. أما المحكم من جهة الزوجة فلم يكن يعلم أيّ شيء عن رأي المحكم الثالث، فقام قاضي مدينة حيفا بإصدار حكم يتماشى وقرار محكمين اثنين.

وعندما قامت الزوجة باستئناف القضية أمام محكمة الاستئناف الشرعية، تمكن القاضي من تفهم الوضع من خلال خبرته قاضياً في مدينة يافا: في مقابل جهل القاضي بالقانون المتعلق بالمحكمين. فقرّر إصدار قرار من أجل تذكير القضاة التابعين له بالإجراءات القانونية المتعلقة بتلك الأحكام. أولا، صرّح بأنه لا أحد من أولئك المحكمين يمثل مدعياً، حيث يُعدّ المحكم شخصاً ثقة لدى القضاء يقوم بالاشتغال وفق أحكام القضاء، كما لو أن القاضي هو من يعيّنه ويعطيه سلطة. لا يمكن لمحكم ما أن يغيّر رأيه بمجرّد الاطلاع على رأي محكم آخر. الأبعد من ذلك أن دور المحكم الثالث يتمثّل في اختيار أحد الاختيارات المقترحة من طرف المحكمين الأولين، وليس تقديم رأي ثالث بإمكانه أن يزيد في نسبة الاختلاف وتعقيد الأمر. في هذه الحالة الخاصة، لم يفهم المحكم من جهة الزوجة سلطته وحدوده فقام بذلك بتعدّيها. لم يكن متمكناً بما يكفي لكي يتخذ أيّ إجراء من جهة الزوجة غير تمكينها من مهرها كاملاً، ولم يكن بكلّ تأكيد لديه سلطة كافية لكي يشتغل لدى مؤسسة شرعية، ويقسم ملكية الأزواج بشكل يتوازى مع قانون علاقات الملكية بين الأزواج (1973)، وهو قانون مدنيّ يتماشى مع عرف مدني آخر. هنا، قام الناطور بتوجيه نظر القاضي نحو مهمته المتمثلة في اختيار محكمين ذوي كفاءة، وتمكينهما من حدودهما وسلطتهما. في الأخير، رفضت محكمة الاستئناف الحكم الأول وإعادته إلى وضعه الأول من أجل إعادة الاستماع للمدعيين[27]. يتوقع رئيس المحكمة الشرعية من القضاة أن يتصرفوا بوصفهم قضاة تشريع إسلامي وليس موظفي قوانين عرفية.

إنّ العودة إلى القانون المدني -علاقات الملكية الخاصة بالزوجين (1973)- في المحكمة الشرعية يُعدّ ذا أهمية بالغة. يقضي هذا القانون، وهو نظام سائد في المحاكم المدنية الإسرائيلية، بأنه بعد انتهاء الزواج، يجب إعادة اقتسام الملكية المراكمة من طرف الزوجين فيما بينهما. متأثراً بالقانون الأوروبي، اعتاد القانون الإسرائيلي على تقبّل، والعمل وفق؛ الفكرة المتعلقة بالملكية الجماعية والمشتركة. عندما قام الكنيست بمناقشة القرار، رفضه كلّ القضاة لسببين: أولاً تُعدّ فكرة الملكية المشتركة والجماعية غريبة عن التشريع الإسلامي، وذلك نظراً لكون النساء المسلمات يكون لهنّ ذمة مالية خاصة تتعلّق بمهرهنّ، وملكيتهنّ، وحليهنّ، ومداخيلهنّ. على الزوج المسلم أن يتحمل مصاريف زوجته حتى وإن كانت مداخيلها أكبر من مداخيله. إذا ما تمّ تطبيق القانون المدني المتعلق بعلاقات الملكية بين الأزواج على الرجال، فسوف يقومون بأداء تعويضات لزوجاتهم، بشكل نسبي، أكثر مما كان سيؤديه الرجال غير المسلمين: المهر والنفقة أولاً، ثم نصف الملكية المشتركة بعد ذلك. ثانياً، في حال غياب تفاهم بين الزوجين، سيكون على المحكمة الشرعية، في إطار القانون الأساسي، أن تحكم باقتسام الملكية المشتركة بشكل متساوٍ. بعد أن مرّر الكنيست هذا القانون، على الرغم من اعتراض القضاة، شرع القضاة في التحايل عليه، وذلك من خلال توصية مسجلي العقود (المأذون) بحثّ النساء المتزوجات، عند كتابة عقد الزواج، على إضافة شرط يفرض عليهنّ، في حالة الطلاق، أن يخضعنَ فقط للشرع الإسلامي، وليس قانون علاقات الملكية بين الأزواج. وتوجد إحالة إلى هذا النوع من التحايل في كلام رئيس المحكمة الشرعية، «وقد جرت العادة على أن العملية، خلال كتابة عقد الزواج، تتم عبر طلب المأذون من الزوجين أن يصرّحا بشروطهما في المقدمة الخاصة بعقد الزواج. وهنا يمكنهما أن يختارا القانون الذي يمكنهما اللجوء إليه فيما يتعلق بعلاقات ملكيّتهما وبطريق تقسيم أملاكهما إذا ما كانا سيلجآن إلى القانون الوضعي (العلماني)»[28]. كانت الوضعية الحقيقية أكثر تشدداً؛ فقد كان على الأزواج أن يوقعوا على ورقة عقد زواج بيضاء، ويقوم بعدها المأذون بإضافة التفاصيل. وقد تم ثبوت كون المأذون يقوم بالتصرف شخصياً في إدخال الشروط المتعلقة بعقد الزواج. لا تقوم الزوجة بتوقيع عقد الزواج، يقوم أبوها أو أخوها بتوقيعه بدلاً منها. تُعدّ هذه الظاهرة شائعة، وبناءً عليها قامت المحاكم في إسرائيل، في العديد من الحالات، بإصدار قرار يتعلق بأنه ليس هناك أيّ مشروعية فيما يخص ذلك النوع من الشروط المتضمّنة في عقود الزواج. على الملكية أن تقتسم بشكل متساوٍ بين الأطراف[29].

يقوم الناطور بإصدار أوامر للقضاة حول أمر المأذون ليس بكتابة عقد الزواج بل بتدوين تصريحات الأطراف، وبتقديم نسخة لكلا الطرفين من العقد خلال ثلاثة أيام بعد توقيعه[30].

ومن خلال الإتيان على ذكر التشريع المدني، قام المشرع من جهة الزوجة، في الحالة المذكورة أعلاه، بإعطاء رئيس محكمة الاستئناف الشرعية فرصة دعوة المحكمة الابتدائية إلى الانتباه إلى مسألة كون كتّاب عقود الزواج، الذين يستمدّون سلطتهم من القاضي، لديهم السلطة فقط في تسجيل تصريحات الأطراف؛ ليس لديهم الحق في اقتراح تضمين العقد أيّ نوع من الشروط الإضافية الأخرى. بالنسبة إلى الشريعة، مثل هذا الموظف، الذي يعرف باسم المأذون، هو فقط مسجل للعقد وليس طرفاً فيه. تعكس ملاحظات رئيس المحكمة رأيه، وليست مبادئه. من باب المبدأ، رفض الناطور تطبيق قانون علاقات الملكية المدني بين الأزواج على الأزواج المسلمين. بوصفه فقيهاً متمكّناً من القانون المدني، يؤكّد أنّ التوافقات المادية، التي يتمّ تضمينها في عقود الزواج، وليس توافقات جانبية يتمّ الاعتراف بها من طرف المحكمة، ليست لديها أي مشروعيّة. يظنّ القضاة والمأذونون الذين يقترحون مثل هذا التوافق أنّهم يساعدون الأزواج من خلال اقتراح حلّ معارض لقانون علاقات الملكية بين الأزواج. مع ذلك، يُعدّ مثل هذا التصرّف ذا انعكاسات جدّ سلبية على الأزواج، وذلك نظراً لكون النساء بإمكانهنّ تحريك القانون المدني بكلّ سهولة ضدهم[31]. وهذا نظراً إلى كون القانون يشترط كون أيّ نوع من التفاهم المادي بين الأطراف يجب أن يوضع في وثيقة غير عقد الزواج، وبذلك يلغي تفاهماً يدخل ضمن العقد نفسه[32]. لقد وقفت محكمة مقاطعة تل أبيب على مثل هذه القضية في شباط/فبراير عام (1995) في حالة طلاق امرأة من طيبة (عطيفة جابر) من خلال إعطائها الحق في نصف البيت الذي اشتراه زوجها فريد بعد الزواج. لقد أشارت المحكمة إلى أن البيت يبقى على حاله، وأنّ تربية الأطفال ستكون مهمّة مشتركة تقوم بها الزوجة جهداً، مقابل حصولها على الملكية.

تم تقديم الحالة من طرف مجهود شخصي قام به عضو الكنيست من خلال محاولةٍ الهدف منها إصلاح قانون مالية العلاقات المادية بين الأزواج من خلال طريقة تتعلق بكون القاصرين ليس بإمكانهم التوقيع على التفاهم المادي فيما بينهم أثناء الزواج. عندما انفصلت عطيفة جابر عن زوجها فريد، بعد عام زواجها الخامس عشر، غادرت البيت الذي امتلكه بينما كانا متزوجين، والموجود في طيبة، والذي سجله باسمه هو. بالنسبة إلى الحكم القانوني المتعلق بالحاخام لدى المحكمة العليا، ومنذ 1977، تم اعتبار كون الطرفين شريكين في الملكية معاً. قبل القاضي كورين شكاية عطيفة فيما يتعلّق بكون عقد الزواج لم يكن وثيقة مادية صالحة؛ لأنّه لم يكن هناك أي شهادة أو توقيع من طرف المحكمة العليا أو المحكمة الدينية. لا يمكن تقديم إشهاد إلا إذا تم تأكد أن الطرفين قد وافقا على العقد بكلّ حرية ومن خلال فهم واستيعاب تامّ لمعانيه ودلالاته. في هذه الحال، لم توقع عطيفة، قام بذلك أبوها بدلاً منها. إضافة إلى ذلك، كانت طفلة قاصراً، ولم تكن تعلم ما يجري. وبذلك، حكم كورين بأنّه يجب إيجاد حل متوازن للمصاريف. وأوضح كورين أنّ مساهمة عطيفة في المحافظة على المنزل وتربية الأطفال، على الرغم من أنّها لم تنفق المال في شراء البيت، تعادل ما قام به الزوج من جهد من أجل شرائه[33].

يُعدّ القانون المذكور أعلاه بمنزلة التدخل الإسرائيلي غير المباشر الأكثر جرأة في الأوضاع الشخصية للمسلمين. عكس حالات الإرث، حيث لا تلجأ النساء إلى القانون المدني من أجل ضمان حقوقهن، ولما كانت القوانين العرفية هي المسيطرة والخصومات العائلية حول الإرث قليلة، يعكس العديد من حالات الطلاق مشكلات بين الأطراف تتعلق بالمشاعر، وتؤدي في بعض الأحيان إلى مقاضاة الزوج السابق في المحاكم المدنية من أجل تطبيق قانون علاقات الملكية بين الأزواج. إن تضاؤل عدد الحالات يعكس عدم دراية النساء المسلمات بوجود مثل هذا النوع من التشريع[34].

إنّ طريقة الناطور في تطوير نظام القضاء الشرعي يعتمد على نظامين؛ الطريقة العرفية هي استعمال أحكام قضائية، والناطور يعتمد هذا الإجراء بشكل واسع لكي يعلم القضاة كيف يقاربون عملهم. إنّ قضاة المحاكم السفلى، ملاحظين أن قراراتهم بمراجعات قضائية لدى المحكمة العليا، غالباً ما يسعون إلى ملاءمة أحكامهم بأهداف المحكمة فوقهم. هذا النوع من التبعية في التسيير، الذي يستعمل بشكل واسع في القانون الوضعي، تمّ اعتماده من طرف الناطور، ويتم اللجوء إليه أكثر من الماضي. مع ذلك، خلافاً للقانون المدني؛ حيث إن قرارات المحكمة العليا هي مصادر قانون حيث إنّها تفسر القانون، لا يتعامل القانون الإسلامي مع الأحكام على أنها ملزمة بالسبق. إن محكمة الاستئناف بإمكانها فسخ وتعديل أو قلب القرارات الخاصة بمحكمة ابتدائية، أو بإمكانها، حتى إعادة الحالة إلى القاضي في المحكمة الابتدائية من أجل إعادة البت في القضية.

في إطار غياب مؤسسة علماء أو مؤسسة إسلامية قضائية، قرّر الناطور إدخال إجراءات قانونية مستمدة من النظام السوداني؛ حيث إن القاضي الأعلى يتمتع بسلطة إصدار منشورات قضائية، بعض منها يعدل بعض الجوانب الخاصة بالقانون الشرعي[35]. أصدر الناطور مجموعة من المراسيم القضائية حول موضوعات عدّة، وألح على توقيع القضاة على إقرار باعتمادها واحترامها. تمّ اللجوء إلى هذا الحلّ دون الحاجة إلى سلطة الدولة من أجل تنفيذه، كما هو الحال بالنسبة إلى قضية السوداني التي طرحت أمام القاضي الأعلى. ونتيجةً، أيُّ شخص يرى نفسه قد مسّه الضرر من خلال هذا الإجراء يمكنه تحدّي صلاحياتها من خلال اللجوء إلى المحكمة العليا للعدل. والناطور يعلم بهذا جيداً، ويدعي أن ما هو بحاجة إليه هو تعاون القضاة معه. وقد تعامل المرسوم الأول مع منع القضاة المتعلق بإيقافهم عن بثّ فتاوى شرعية، أو السماح لهم بالبت في قضايا تتعلق بالوقف المتعلق بأماكن سبق أن كانت عبارة عن مساجد أو مقابر. أما المرسوم الثاني فالهدف منه منع عمل قضائي كان يعتمد المخبرين، الرجال الذين هم على دراية، ويعيّنهم القاضي مساعدين في عملية التحقق من المسؤولية. كان المرسوم مهماً نظراً لأنّ القضاة في إسرائيل كانوا قد لجأوا إلى هذا الحل سامحين للمخبرين بالبت في نسبة نفقة الزوجة المطلقة، ومنه إقرار سلطتهم الخاصة[36]. عَدّ الناطور هذا التصرف غير قانوني. إضافة إلى ذلك، من أجل الوصول إلى حكم نهائي فيما يخص النفقة، غالباً ما كان القضاة يطلبون من مساعديهم في الوظيفة إيجاد شخصين مسلمين كيفما كانا من أجل الاشتغال مخبرين. وكانا يقرّران في نسبة النفقة دون الحاجة إلى معرفة وضعية الزوج الاقتصادية[37]. بالنسبة إلى الشريعة، القاضي هو الذي يقرّر في النفقة إذا لم يتوصل الزوجان إلى حل وسط بهذا الشأن خلال عملية الطلاق. بإمكان القاضي تعيين مساعد فقط لمساعدته في تقييم الوضعية المادية للزوج[38]. رئيس المحكمة الشرعية قرّر أنّ تسليم السلطة للمخبرين كان له أثر عكسي على النساء؛ لأنّ المخبرين كانوا رجالاً كلهم، ومن أجل هذا السبب كانوا سوف يلجؤون إلى تكريس الاختيارات الذكورية الاجتماعية. إنّ عادة الاعتماد على المخبرين كانت قد انتشرت إلى درجة أنّ محكمة الاستئناف، في الماضي، لجهلها، كانت معتادة جداً على إصدار أحكام نفقة، وذلك لأن القضاة كانوا يلجؤون إليها دون الحاجة إلى مخبرين. في مرسومه، ينهر الشيخ الناطور القضاة، ويصف قرارتهم بأنّها لا تعكس الأعراف القضائية للعدل. ولاجئاً إلى النقد العام الذي ظهر بهذا الشأن، يحذّر من أن المطالب بتحويل طلبات النفقة القضائية إلى المحاكم المدنية سوف يتمّ تعطيلها إذا ما فقد الناس ثقتهم في أحكام القضاة. في محاولة لتتبّع مؤسسة المخبرين المتعاونين في المدرسة الحنفية والتشريع المدني في البلدان العربية، يؤكّد الناطور أنّ مهمة المخبر الوحيدة هي تأكيد الوضعية المادية للزوج. على القاضي أن يعيّن مخبرين فقط إذا طالبت الزوجة، في حالة شاذة، تفوق ما تمّ تحديده نفقةً، وذلك بناء على كون الزوجة موسرة وهي فقط غير قادرة على إثبات ذلك. الشيخ الناطور يؤكد أن المخبر ليس له الحق لا شاهداً ولا حكماً، وأنّ تعيينه لا يتعلق بأية معايير، وأنّه غير مهم. المخبر، في نظر الناطور، هو فقط شخص يمدّ بالمعلومات. وبذلك يخلص الناطور إلى أن مسألة اعتماد أشخاصٍ، العديد منهم غير متعلم وليس بنزيه، وتمتيعهم بوظيفة من الأهمية بمكان، تبدو أمراً عبثياً. يعتقد الناطور بأنّه ليس هناك شخص يمكنه تحديد نفقة زوجة غير القاضي، وبذلك فهو يجب عليه ألا يمنح سلطته القضائية لأيٍّ كان. وبذلك، هو ينصح القضاة باللجوء إلى الأدوات الإدارية التي تمنحهم إياها الدولة الحديثة، والتي هي أكثر عملية ونزاهة من آراء المخبر: كشوفات حساب الزوج، وشهادة الدخل المخوّلة من طرف سلطة الضرائب، والوثائق المقدمة من طرف المؤسسة الوطنية للضمان، ومكتب السلامة، أو مكتب التوظيف[39]. في تلك الحالات، التي اتّبع فيها القضاة المرسوم، ارتفعت نسبة النفقة بشكل ملموس.

تفسير أحكام الشريعة بشكل يتوازى مع الأوضاع الراهنة:

يفهم من بعض الأحكام، التي اتخذها الناطور، أنّه مطلع على المراجع الدينية بشكل جيد في محاولة لتفسيرها ومطابقتها مع الأوضاع الحديثة. واحد هذه الأمور هو تعريف المسكن الشرعي. المسكن الشرعي، بالنسبة إلى القواعد القانونية الحنفية التي جمعها القادري باشا، تعني بيتاً خاصاً (أي إنه بيت غير بيت العائلة) إذا كان الزوجان ميسورين، وشقة خاصة ضمن بيت العائلة إذا لم يكونا ميسورين. على المسكن أن يتوافر على جميع شروط العيش، وأن يكون قريباً من جيران لهم الدرجة الاجتماعية نفسها. إذا وضع الزوج زوجته في شقة ضمن مسكن العائلة، لا يحقّ لها المطالبة بمسكن خاص بها إلا إذا اعتدى عليه أفراد العائلة بكلام أو فعل نابٍ[40].

في محاكمة رفعها زوج ضد زوجته في المحكمة الشرعية في يافا، طالب المدعي بالطاعة، وذلك من أجل إلزام زوجته بالاستمرار في العيش في بيت الزوجية في اللود. أكدت المرأة، ممثلةً من طرف أخيها، بأنها تطيع مقابل ثلاثة شروط: أن تتوافر في المسكن شروط المسكن الشرعي، وأن يعاملها زوجها بشكل مناسب، وأن يتوقف أفراد عائلته عن التدخّل في شؤونها. المبدأ الأساسي تمثّل في كيفية تعريف المسكن الشرعي؛ أي إذا ما كان يوافق ما ينص عليه الشرع. كاتب المحكمة تمّ توجيهه من طرف المحكمة لتفقد البيت، فوجد أنّ البيت تتوافر فيه الشروط. أمّا بالنسبة إلى الجيران، فقد أكّد الكاتب أنّ المسكن كان يضمّ شققاً مشتركة، حيث إن أبوي الزوج كانا يسكنان بالقرب، وإن مطبخ الشقة كان يطل على شقة الأبوين، وإن المنزل كان له مدخل واحد، بينما كانت الشقق مستقلّة. بنى شقيق الزوج شقة بالقرب من بيت الزوج، لكنّ البيت لم يكن مسكوناً بعد.

ادّعت المرأة أنّ نوافذ البيت كانت في وضعيّة تسمح بتسرّب أسرار الزوجية. ولمّا طلب منها القاضي إعطاء دليل على هذا الأمر، ذكرت حدثاً يتعلّق بمغادرتها البيت يوماً بينما كان زوجها غائباً، محاولةً استعادة متاع سقط منها. ولما عاد زوجها من العمل، طلب منها أن تخبره ماذا كان في يدها لمّا غادرت البيت. وقد أفادت من هذا أنّ عائلة زوجها قد أخبرته بما حصل. في قضيّتها، ادّعت الزوجة وأخوها أنّ المسكن الشرعي يعني وجود مسكن بعيد عن العائلة، وأنّ وجود جيران آخرين غير والدي زوجها كان يضايقها.

كان على المحكمة تقرير ما إذا كان المسكن تتوافر فيه شروط المسكن الشرعي بيتاً. والسؤال الذي من الأهمية بمكان هو ما إذا كانت، كما يعتقد بعض الفقهاء، «المرأة من العلية يجب توفير مسكن مستقل لها» (غير المرأة من طبقة متوسّطة أو دنيا التي يمكنها أن تعيش في بيت برفقة الزوجة الثانية أو والديه)[41]. في حكمه، كتب القاضي أنّه من غير الممكن في إطار الأوضاع الحالية فرض معايير المسكن الشرعي في إطار الوضعية الاقتصادية.

في الماضي، كانت الأوضاع المعيشية صعبة، والتغير الطبقي الاقتصادي لم يكن له وجود. اليوم، بيوت الكراء متوافرة بكثرة، ويمكن للوضعية الاقتصادية أن تتغيّر بسرعة. الأغنياء يمكن أن يصبحوا فقراء فجأة والعكس صحيح. وعليه، إنّ شرط كون امرأة غنيّة عليها أن تطلب بيتاً مستقلاً غير صالح. أما فيما يخص وصف مسكن شرعي بالبيت، فلجأ الناطور إلى القواميس الكلاسيكية وتعاريف الفقهاء. وهو يقتبس من (لسان العرب) الذي يعرف البيت على أنه وحدة ضمن دار، ويعرف الدار على أنّها، كقطعة أرضية فيها غرف ووسط، بيت غير مغطى. في الوقت الحاضر، يفسر القاضي، لم يعد تفسير البيت والدار على أنهما الغرفة والمنزل ممكناً. إن شقة في منطقة حضرية تعادل بيتاً. إنه يضيف أنه إذا كانت تعادل منزلاً مستقلاً، فإنّه علينا وصف المدينة كلّها بأنّها مكوّنة من مساكن غير شرعية. بعد البحث في رغبة المشرعين وجد أنّ منطق المسكن الشرعي يعني حقّ الزوجة في خصوصيّتها فيما يتعلّق بالحياة الزوجية. وعليه، إنّ اكتشاف أسرار الزوجية من خلال النوافذ يعني الزوجين فقط. وعليه، إنّ المحكمة قد وجدت المسكن شرعياً، وأمرت الزوجة بطاعة زوجها في شقته، على أساس أنه يتمّ وصفها بزوجة عاقة، ولا يتمّ الحكم لها بأيّ نفقة منذ مغادرتها البيت[42]. هذا الحكم الذي قدّمه الناطور من يافا كان بمنزلة نقطة انطلاق للقضاة لترك التعريف الذي وضعه القادري باشا للبيت[43]. بالنسبة إلى هذا التعريف، قام القضاة بالحكم بأنّ البيت غير صالح إذا كانت عائلة الزوج تسكن برفقة الزوجة في بيت ليس له مدخل خاص؛ لكنّ الناطور فسّر «المدخل الخاص» بشكل مغاير؛ أي إنّه ليس مدخلاً خاصاً لجميع السكان، بل مدخلاً خاصاً لكلّ شقة. ما يجعل الناطور مختلفاً عن سابقيه هو ميله نحو البحث عن حلول عادلة لمشكلات يتم التعرض لها بسبب اختلاف طبيعة الحياة المعاصرة. بوصفه خريج كلية قانون تلقّى تعليماً يتعلق بإعطاء أولوية لــــ «مقصد المشرع»، فإنّه يميل نحو البحث في، وتفسير؛ المراجع القانونية الكلاسيكية بشكل عقلاني.

إدخال قواعد أخلاقية في القضاء الشرعي:

في أحد أوّل أحكامه قاضياً في يافا، لم يتوانَ الناطور عن توجيه اللوم إلى مَن هم فوقه، محكمة الاستئناف ورئيسها. أقدّم أسفله وصفاً للقضية والحكم القضائي الناتج عنها[44]:

طالبت امرأة من يافا، أثناء عقد زواجها سنة (1973)، برفقة خطيبها الذي كان من حيفا، بأنّه إذا ما تركها أو طلقها فسوف يؤدّي لها نفقة قيمتها (1500) جنيه إسرائيلي كلّ شهر. وهذه حالة خاصة في عقود الزواج[45]، لكن الزوجة قد توقعت هذه الحالة، وطالبت بالشرط وسيلةً لردع ذلك. بعد أن تركها زوجها سنة (1980)، طلبت من المحكمة أن تأمره بأن يتكلّف النفقة عليها هي وابنتهما الطفلة. بعد أن حصلت على حكم يأمر زوجها بأداء النفقة، قامت مرة أخرى بمتابعته من أجل الشرط المذكور في العقد، أي أن يؤدي لها مبلغاً شهرياً قدره (1500) جنيه إسرائيلي منذ تاريخ الزواج سنة (1973)؛ وذلك من خلال ربطه بمستوى الاستهلاك العام. استمعت المحكمة الشرعية في يافا إلى الحكم سنة (1984)، قبل أن يتمّ تعيين الشيخ أحمد الناطور قاضياً. خلال التقاضي، طالب الزوج باعتبار مطلب الزوجة مطلب النفقة الذي قد تمّ أمره بأدائه. لكنّ الزوجة أصرّت على أنّ الشرط كان يتعلّق بحالة الهجر، وتركت القضية في يد المحكمة. أمرت المحكمة بأنّه عليها أن تتوصّل بالمبلغ المذكور في العقد بالتمام، (1500) جنيه، دون العودة إلى التقويم بحسب مستوى الاستهلاك العام، وأنّه يجب تأديته منذ يوم إصدار الحكم؛ أي 7 أشهر بعد أن هجرها زوجها. يجب التذكير بأنّ إسرائيل قد عرفت تضخّماً ثلاثياً منذ نهاية السبعينيات إلى حدود منتصف الثمانينيات. وخلال هذه المدّة تمّ استبدال الشيكل بالجنيه بمستوى (10: 1).

كان أساس هذا الحكم هو الفقرة (38) من حقوق العائلة العثمانية[46]، الذي يقضي بأنه في إمكان الزوجة أن تشترط، عند هجران زوجها لها والتزوج من أخرى، أن يطلق إحداهما. استأنفت الزوجة القضيّة ضد الحكم الصادر، وطالبت بتحيين المبلغ بشكل يتوازى ونسبة الاستهلاك العام، وأن يتم حسابه منذ أن تركها زوجها. قامت محكمة الاستئناف، بمساعدة قاضيين، بإصدار حكم جاء فيه أنّه إذا كان المبلغ الذي أمرت به محكمة يافا غير كافٍ، ففي إمكانها المطالبة بمبلغ أكبر. مع ذلك، إذا كانت نيتها هي تفسير المبلغ المشروط في عقد الزواج على أنه غرامة يجب فرضها على زوجها، فإنّ المحكمة الشرعية ليس لها أساس تبني عليه فرض غرامات. قامت محكمة الاستئناف برفض الطلب، وفسخت قرار المحكمة الابتدائية، وطلبت منها إعادة البت في القضية[47]. عندما أعادت محكمة يافا البت في القضية، طلبت من المدعية أن توضح طبيعة الدعوى. فأقرّت بأن مطلبها ليس النفقة، بل التعويض عن الهجر.

في الحكم الذي أصدرته، وجدت المحكمة أن مثل هذا الشرط كان يجب أن يخضع للقضاء الخاص في المحاكم. من أجل أن يساعدها على توجيه قضيتها إلى المحاكم المدنية، قام قاضي يافا بإرفاق رسالة بهذه الصيغة «لمن يهمه الأمر»، واصفاً الحكم بأنّه نهائي ولا يمكن استئنافه. فقامت المرأة بالتقاضي في المحكمة المدنية في حيفا، التي قضت بأنّ المحكمة الشرعية كانت لها السلطة للنظر في خرق شروط عقود الزواج. وفي حكمها، قامت بتحديد عدد من القضايا المتعلقة بقضاء المحكمة الشرعية تماشياً مع الفقرة (51) لقرار سيادته في المجلس الفلسطيني[48].

كتبت المرأة لرئيس المحكمة الشرعية للاستئناف، مضمّنة رسالتها قرار محكمة حيفا، فأرسل إليها الرئيس هذا الجواب:

أخبرك أنّ بإمكانك تسجيل دعوى قضائية لدى المحكمة الشرعية في يافا بناء على الرسالة التي قمتِ بتوجيهها إلي، مطالبة بتفعيل الشرط اعتماداً على مبلغ معين. ستقوم محكمة يافا بالفصل في الحالة بشكل يتماشى والقوانين. وبعدما يتمّ تسليم الحكم، بإمكانك توجيهه إليّ للاستئناف لكي تتمّ معالجة الأمر بشكل أقرب...

في المرحلة الأولى من التقاضي، حاول قاضي يافا عقد صلح بين الزوجين من أجل التوصل إلى تسوية. في الجلسة الثانية، كان القاضي الناطور قد التحق بالمحكمة. انطلق الناطور من إلقاء اللوم وانتقاد محكمة حيفا. إنّ نقاشه حول تفسير صحيح للقانون لدولة علمانية كان غير طبيعي وغير معتادٍ عليه لدى قاضي محكمة شرعية. في انتقاده، أخبر قاضي يافا أنّ المحكمة الإقليمية قد بنت حكمها على الفقرة الخطأ من قرار سيادته، وهي الفقرة (51) بدل الفقرة (52). إنّ البرلمان الإنجليزي -استمرّ في التوضيح- فرّق بين المسلمين الذين شكّلوا أمة ضمن الدولة العثمانية، وأفراد الملل الأخرى، الذين وضعت الفقرة (51) من أجلهم. الفقرة (51) تحدّد كلّ الموضوعات الخاصة بما هو شخصي، بينما الفقرة (52) تحدد بشكل خاص نوع التشريع المتعلق بالمحكمة الشرعية[49].

في تشخيصي لحكم الناطور، هو ينتقد السلطة فوقه. أولاً، كتب يقول إنّ محكمة الاستئناف ارتكبت خطأ من خلال التعامل مع القضية كمتابعة من أجل الخسائر. المحاكمة تم تسجيلها من أجل تنفيذ شرط موجود في عقد زواج؛ وبذلك، إن المحكمة الشرعية كانت لديها السلطة التامة للبت فيها. ثانياً، أخطأت المحكمة من خلال السماح للمدعية بإعادة رفع الدعوى. مستعملاً مصطلحات مستمدة من القضاء الحديث، يذكر الناطور حكماً شائعاً في القانون الإسلامي: الأحكام التي يتم إصدارها تُعدّ نهائية، ولا يمكن إعادة البت فيها، وذلك بسبب وجود مانع، إلا في حالة بعض الدعاوى، حيث تتغير الأوضاع، كما هو الحال بالنسبة إلى النفقة ودعم الأطفال. ونظراً لأنّ شرط عقد الزواج كان وضعاً لا يمكن البتّ فيه بشكل رجعي، ولما كانت المشتكية قد استنفذت جميع سبلها بما في ذلك حقّها في التقاضي، لم يكن من الممكن السماح لها بإعادة فتح الدعوى من جديد. ثالثاً، ينتقد الناطور أخلاق رئيس محكمة الاستئناف. وهو يقتبس الرسالة التي بعثها الرئيس إلى المدعية، بعد صدور قرار محكمة يافا، يأمرها باتباع الخطوات المقترحة: «بعد أن يصدر الحكم، عليك أن توجّهيه إليّ لكي أنظر في الأمر عن قرب...»، ويواصل الناطور انتقاده للرئيس. في نظره، الرئيس، الذي اعتمد على قاضيين خلال مرحلة الاستئناف، كان عليه أن يعتمد على عدد أكبر من القضاة من أجل الاستماع إلى الحالة، بدل تقريره، من تلقاء نفسه، إعادة فتح القضية. أوضح الناطور أنّ الرئيس ليست له سلطة أمر القاضي بإعادة فتح القضية. كان الحل الوحيد هو لجوء المدعين إلى إرسال طلب إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، التي تتمثل في المحكمة العليا للعدل. فقط في هذه الحالة -يؤكّد- يمكن لسلطة ما أن تفسخ حكم المحكمة الدينية وتأمرها بإعادة البت في القضية[50].

إنّ الحكم القضائي الذي تطرّقنا إليه يوضح اختلاف ما بين الأجيال من القضاة، كما هو موضح من طرف القاضي الذي ينتمي إلى الجيل الثالث، وفقهاء محكمة الاستئناف الذين ينتمون إلى الجيل الأول. هذا، دون شك، حكم متفرّد في نوعه. من خلال تمكّن تام من إحكام القضاء الحديث، الناطور، القاضي من الجيل الثالث، كانت له الجرأة لكي ينتقد حتى محكمة حيفا الإقليمية. إنّ تمكّنه من مبادئ الأخلاقيات والأعراف القضائية، التي اكتسبها من كلية القانون، جعله واعياً بالأخطاء الأخلاقية في نظام الشريعة، واختار أن يقوم بالتغيير بناء على أحكامه هو. أعطى تعيين الناطور سنة (1994) رئيساً للمحكمة الشرعية، أعطى القاضي نفسه فرصة لكي ينشر تغييراً دينامياً على مستوى النظام.

حالة أخرى هي قضية تمّ عرضها على المحكمة الشرعية في حيفا من أجل إكمال تسديدات السكن بالنسبة إلى قاصرين كنوعٍ من التسوية تخصّ إسكانهما، وكان أبوهما الطليق قد تمّ الحكم عليه بالتسديد. قبل القاضي حجة الأب وأعفاه من التسديد بناء على أنّ، كما شدّد الأب، بإمكانهم السكن برفقة أمه هو، وأنهم غير ملزمين بالعيش برفقة أمهم. استأنفت الأم الحكم، وجاءت، ضمن أشياء أخرى، بأنّ القاضي كان أخا الزوج المدَّعى عليه. اعترف هذا الأخير بالعلاقة، وبأنّه يقضي وإياه وقتاً كثيراً. في دفاعه، مع ذلك، أكد أنّ هذا الأمر كان معروفاً لدى المحامي منذ بداية القضية، وأنّها لم تعترض عليه منذ بداية المحاكمة. لدى إصدار حكمه، طالب رئيس المحكمة بما يأتي:

كيف بإمكان الناس أن يثقوا بنظام قضائيّ يقضي في حالات ويصدر أحكاماً يكون فيها أحد المدعين ممثلاً من طرف أخ زوجة القاضي الذي ينظر في القضية؟ كان على القاضي أن يزيح نفسه. الأكثر من ذلك أنه ليس هناك أي أسباب تفسّر قرار القاضي[51].

في حكم آخر أصدره الاستئناف، يشير الناطور كذلك إلى غياب الأسباب في الحكم الذي أصدرته المحكمة الشرعية في الناصرة:

إنّ نظاماً قضائياً ينظر بالعدل في قضية بين شخصين يستمدّ قوّته من ثقة الناس، لكنّه لا يستطيع أن ينال ثقة الناس حتى يقتنع الناس بأن العدل يتمّ إحقاقه. وهذا لا يمكنه أن يتم إلا إذا كان القاضي يفسر الهدف والبرهان الذي تنبني عليه أحكامه[52].

خاتمة:

في ظلّ الأوضاع العامة في إسرائيل، وهي دولة علمانية غير مسلمة أساساً، وليست فيها أيّ مؤسسة دراسات إسلامية عليا بالنسبة إلى المسلمين الذين يريدون دراسة الفقه الإسلامي، تبقى دراسة وتعليم القضاة أمراً في غاية الأهمية في تحديد توجهاتهم القضائية. يمكن تقسيم القضاة في إسرائيل إلى أربعة انواع، وذلك بناء على نوع التعليم الذي تلقوه: خريجي الأزهر (جل قضاة الجيل الأول)؛ وأولئك الذين حصلوا على تعليم في المستوى الثانوي فقط؛ وخريجي جامعات في مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، وخريجي كليات القانون. لقد تناولت هذه الورقة كيف لقاضٍ تلقى تعليماً حديثاً في كلية قانون في الجامعة أن يؤثر تعليمه في نظرته فيما يخص الشريعة، وقانون الدولة، وعلاقتهما المتبادلة.

منذ عام (1948)، تم تعيين ثلاثة قضاة ضمن النظام القضائي الشرعي كانوا خريجي كليات قانون إسرائيلية. وواحد فقط، صاحب منصب رئيس محكمة الاستئناف الشرعية، اعتمد مقاربة أصيلة. لقد وصف هذا البحث مواقفه المستجدة كما جاءت في العديد من الأحكام التي أصدرها. إن تكويناً أساسياً في القانون الحديث وحده لا يكفي للتأثير على مجهودات القاضي في إصدار الأحكام بشكل ملموس. يمكن تحقيق هذا التأثير فقط عندما يجتمع برغبة في إجراء تغيير على مستوى النظام القضائي الشرعي.

إن رئيس محكمة الاستئناف الشرعية، الذي تشكّل قراراته موضوع هذه الورقة، يرفض تشريعات الدولة مصدرَ إلهام بالنسبة إلى المحكمة الشرعية، وهو ليس بالأمر المستغرب رفضه هو وباقي القضاة التشريعات الإسرائيلية العلمانية؛ لأنها تعكس مبادئ قانونية أوربية تعارض مبادئ الثقافة الإسلامية. واحد من الأمثلة على ذلك مبدأ الملكية المشتركة الاجتماعية، كما هو مقرّر في القانون الإسرائيلي، الذي هو معارض لمبدأ الملكية الخاصة الموجود في القانون الإسلامي. مع ذلك، يرفض رئيس المحكمة الشرعية للاستئناف القوانين المدنية التي لا تعارض أسس الشريعة، والتي بإمكانها أن تساعد القاضي في التوصل إلى الحقيقة وإحقاق العدل. في حالة تبني الأطفال، على سبيل المثال، القانون الإسرائيلي، مثل القانون الإسلامي، يعدّ حماية الطفل الوازعَ الأساس. يسمح القانون الإسرائيلي باعتماد رأي خبير الأمن والحماية لكي يقرّر في وضع الأطفال.

في هذه الحالة الخاصة، لم يكن تكوين القاضي الأكاديمي، بل توجهه الفصل

«الإصلاحي»، هو الذي سمح له بإعادة تفسير المصادر الإسلامية. رئيساً للنظام القضائي الشرعي في إسرائيل، يريد الشيخ الناطور أن يرى القضاة وهم يتخلّون عن عادات أسلافهم القضائية، وأن يكونوا أكثر حركية في إصدار الأحكام. على القاضي أن يحاول تفسير المصادر الإسلامية القانونية بطريقة تتوافق مع المشاكل الحديثة، مثل معنى المسكن الشرعي كما يتم تطبيقه في ظل النظام السكني الحديث. على القاضي كذلك أن يحدد نفقة الطفل ودعمه، بدل جعل هذا الأمر في يد المخبرين، وعليه أن يتأكد من أن الأحكام الصادرة في مجال الخصومات الزوجية تتبع الأحكام القضائية الناجعة. وأخيراً، على النظام الشرعي القضائي ألا يكون منحازاً، وعليه أن يشتغل ضمن مجال أخلاقي محايد، كما يجب أن يكون أي نظام قضائي.

إنّ النداء الموجه من طرف الناطور إلى زملائه لكي يعتمدوا المصادر الإسلامية، وعدم الاكتراث بالتشريع الإسرائيلي، ينبع من نظرته إلى الشريعة التي يراها جسماً متكاملاً ووحياً قادراً على أن يتوافق مع جميع أنواع الحالات المتغيّرة. إنّ إدخال أخلاقيات في مجال النظام القضائي الشرعي وتقوية مكانة القاضي في المهنة القضائية يجب أن تدعم ثقة العموم من الناس فيما يخص النظام القضائي الشرعي. إن هذه المعايير الأخلاقية تجعل من القاضي حكماً فعالاً يستعمل أساليب متأثرة بالقانون الحديث، مثل فحص الأدلة وإعادة تفحصها ودعم القرارات. يعبّر الناطور عن هذا في مرسومه القضائي الثاني (وهو عبارة عن مجموعة من التعليمات):

إنّ المحكمة الشرعية هي المؤسسة الإسلامية الوحيدة التي مازال المسلمون في إسرائيل يحافظون عليها. إنّه من الواجب علينا أن نجعلها مؤسسة تطبق الشرع الإسلامي؛ وذلك لكي نرسخ الاعتقاد الديني ونقوي حكم الله في الأرض. وعليه، إنّ الحفاظ على المحاكم الشرعية هو واجب إسلامي أساسي، في ظلّ كون هذه المحاكم تشتغل وفق مبدأ تحفيف العدل والحقيقة.

[1] - ملاحظة الكاتب: يشكر الكاتب مؤسسة هاري س. ترومان للأبحاث ونشر السلام في جامعة القدس على منحة البحث التي صُرِفت له من أجل إجراء هذا البحث. أقدّم شكري للأستاذ اهارون لاييش من أجل مساعدته وتوجيهه منذ بدايات دراساتي الجامعية، والشيخ أحمد الناطور على ملاحظاته العميقة.

[2] - يجب التنبيه على أن هذه الإحصائيات ترجع إلى عام 1997، تاريخ نشر الكتاب، وبأنها قد تغيرت في يومنا هذا.

[3] - حول النظام القضائي الشرعي في شرق القدس، انظر: L. Welchman, `Family Law under Occupation: Islamic Law and the Shariaa Courts in the West Bank' in Ch. Mallat and J. Connors, eds, Islamic Family Law (Dodrecht, Boston, and New York, 1990), 93-115; Y. Reiter, Islam in Jerusalem (forthcoming), chapter 2

[4] - وفيما يخصّ النظام القضائي الشرعي خلال الحماية، انظر: U. M. Kupferschmidt, the Supreme Muslim Council: Islam under the British Mandate for Palestine (Leiden, 1978).

[5] - حول القضاة في إسرائيل والنظام القضائي الإسلامي انظر: المرجع نفسه؛ Layish, `Qadis and Shariaa in Israel,' AAS7 (1971), 237-72 ; Layish, `Women and Islamic Law in a Non-Muslim State (New York, Toronto, Jerusalem, 1975); Layish, `Mahkama,' EI Vol. 2, p. 6, fasc.99-100: 30; Eisman, Islamic Law, S. Shaashua, Islamic Courts in Israel (Hebrew) (Tel Aviv, 1981).

[6] - حول تشريعات الكنيسة، انظر: Layish, Women and Islamic Law, pp. 1-4; Layish, `The Status of the Shariaa in a Non-Muslim state: The Case of Israel,' AAS 27 (1993), 171-87.

[7]- Moshe Reinfeld, `Beit Ha-Mishpat,' Ha'aretz, 22.6.95

[8] - المراجع: يُقصد بالمسلمين الإسرائيليين عرب 1948 المسلمون.

[9] - يوجد نحو 1000 مسلم إسرائيلي خريج كلية قانون. سنة 1995 كان هناك نحو 80 طالبَ قانونٍ مسلم في كليات القانون.

[10] - فيما يخص التعليم في المدارس العربية في إسرائيل، انظر: M. al-Hajj, Education among the arabs in Israel (Jerusalem, 1996) ; S. Mari, Arab Education in Israel (New York, 1978).

[11]- تبين الإحصاءات الخاصة بالرأي أنّ 59% من العرب يثقون في المحاكم الخاصة بالدولة في مقابل 38% يثقون في الحكومة. H. Levinson, E. Katz and M. al-Hajj, Jews and arabs in Israel: Common Values and Mutual Images (Hebrew) (Jerusalem, 1995), 16

[12]- Suha arraf, `Aba Kvar hatam,' Haaretz Magazine, 21.7.95. إن قانون 1965 الجديد يعطي المحاكم الحق في العدل بين الرجال والنساء أثناء التقاضي في جميع الحالات الخاصة بالملكية، ويضمن الحق التام في الحرية في التأكد، بينما الشريعة تسمح فقط بالتخلّي عن ثلث الملكية انظر: Layish, `The status of the Sharia,' p

[13] - See Lilly Galeely, `Be-Shaarey ha-i-tzedeq,' Haaretz, 16.12.94

[14] - Layish, Women and Islamic Law, p.335

[15] - المرجع نفسه، ص256-7

[16] - حالات الاستئناف، 12/78 من 22.1.79

[17] - حالات الاستئناف، 28/94

[18]- فيما يخص حماية الأطفال مبدأً، بالنسبة إلى الجيل الأول من القضاة، انظر: Layish, Women and Islamic Law, pp.256-7

[19] - حالات الاستئناف، 48/94. من أجل الأحكام الخاصة بمحكمة الاستئناف قبل الناطور، التي تنبني على القانون المدني، انظر: Appeals 7/82 of 14.3.82, 42.86 of 25.11.86 and 37/87 of 20.8.87.

[20] - حالات الاستئناف، 23/94

[21] - انظر، مثالاً، حالة قام فيها المحتكم إليهم بتحديد علاقة الملكية بين زوجين؛ الاستئناف 48/86 من 27.12.86

[22]- من أجل فكرة عن الاحتكام في المدرسة الحنفية، انظر: Layish, Women and Islamic Law, p.169

[23] - المرجع نفسه، ص206-8

[24] - المرجع نفسه، ص169-71

[25] - فيما يتعلق بالطلاق ضداً لرأي الزوجة، انظر: المرجع نفسه، ص35ff.

[26] - Sefer Hahuqim (Book of Laws) 712, 24 July 1973

[27] - Appeals, 50/93; 54/94

[28]- Subhi Abu Gosh, `The Sharia Courts from the Perspective of Israeli Pluralism,' in K. O. Cohen and J. S. Gerber, eds, Perspectives on Israeli Pluralism: Proceedings of a Conference on Pluralism in Israel (New York, 1991), 50

[29]- Yossi Elgazi, `Lama Lish'ol et hakkala kesheyyesh la av o-ah,' Haaretz, 23.8.95

[30] - Suha Arraf, `Aba Kvar hatam,' Haaretz magazine, 21.7.95

[31] - دار هذا الحوار بتاريخ 3 نيسان/أبريل 1995

[32] - يقول أبو زهرة إنّ معيار سن الحضانة بالنسبة إلى الطفل هو أن يكون قادراً على الأكل، والشرب، واللبس بنفسه، ويكون بغير حاجة إلى امرأة لكي تربيه، أما بالنسبة إلى البنت فهو أن تصل إلى سن البلوغ الجسدي. ولكيلا يكون هناك خصومات تم تحديد سن معينة بالنسبة إلى المواصفات. محمد أبو زهرة، الأحوال الشخصية (الطبعة الثانية، القاهرة، 1950)، 483-4

[33]- H''P 490/90 of 28.2.95. انظر: Moshe Reifeld, `Yahasey mamon bein qtinin,' Haaretz, 3 July 1995

[34] - تمّ تقديم هذا الادعاء من طرف المحامي حداس تاجري من جمعية الحقوق المدنية، Suha arraf, `Aba Kvar hatam,' Haaretz magazine, 21.7.95.

[35] - A. Layish, and G. R. Warburg, The Implementation of the Shaia in Sudan under Numayri: 1983-85 (forthcoming), 105-8.

[36] - من أجل فكرة عن وظيفة المخبر في زمن الجيل الأول انظر: Layish, Women in Islamic Law, p.91.

[37] - انظر، مثالاً، الاستئناف، 18/81 ل 16.9.95

[38]- Suha Arraf, `Aba Krar halam,' Haretz, 21.7.95

[39] - مرسوم قضائي رقم: 2، بتاريخ 24 كانون الثاتي/يناير 1995

[40] - Layish, Women in Islamic Law, p.3. هذا الطرح مبنيّ على ما جاء به القادري باشا، كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان في كتاب رشدي السراج، كتاب مجموعة القوانين الشرعية (يافا، 1944) 80ff، الفقرة 184-8

[41] - يقتبس ابن عابدين من ملتقاة أبو القاسم: الشريفة ذات اليسار لا بد من إفرادها بدار.

[42] - يافا، السجل 82/85

[43] - من أجل أحكام قضاة الجيل الأول انظر: Layish, Women and Islamic Law, pp.3ff., pp.108ff.

[44] - سجل يافا 829/80

[45] - هذا حكم نابع من قانون عرفي بأنه يجب تعويض امرأة عند طلاقها دون سبب. انظر: Layish, Women and Islamic Law, pp.145-6.

[46] - سجل يافا، 829/80

[47] - المحكمة الشرعية للاستئناف، 1/81

[48] - محكمة إقليم حيفا 1743/81

[49] - انظر: A. Ben Shemesh, Muslim Law in Israel (Hebrew) (Jerusalem, 1957), 274. Abu Gosh, `The Shariaa Courts,' p.46.

[50] - من أجل الشروط المضمنة في عقود الزواج، انظر مثالاً: الشلبي، حاشية الذرر في: محمد بن عابدين، رد المحتار على ذرر المختار (الطبعة 2، القاهرة، 1979)، المجلد 3، 241

[51]- القضايا 64/94. في حالة قامت فيها المحكمة العليا بإلغاء حكم قاضٍ بناء على علاقته بالمدعى عليه. انظر: Hqretw 13 Septe;ber 1991

[52] - حالات الاستئناف، 68/94