المرأة الجهادية والخروج عن الدور التقليدي


فئة :  مقالات

 المرأة الجهادية والخروج عن الدور التقليدي

 المرأة الجهادية والخروج عن الدور التقليدي

ماهر فرغلي

تطورت عملية التوظيف الجهادي للمرأة في القاعدة، فمن العمل في الخطوط الخلفية إلى القتال كتجهيز الأسلحة، وإعداد الطعام للمقاتلين، وتمريض المصابين ونشر الفكر الجهادي وتجنيد عناصر جديدة، إلى اشتراكها بالفعل في العمليات القتالية كمقاتلة أو انتحارية.

إن استراتيجية القاعدة مع المرأة تغيرت بالفعل؛ فبعد أن أعلن أيمن الظواهري أنه لا مكان للمرأة داخل التنظيم، خصوصاً ميدانياً؛ لأن لها مهاما في الصفوف الخلفية ومهاما تقليدية لا غير، بدأ أبو مصعب الزرقاوي سياسة جديدة، حيث دعا إلى استخدام الانتحاريات؛ لأن المرأة ووسائل تجنيدها أقل تكلفة من تجنيد الرجل، فهي أكثر فداحة من حيث النتائج، في ظل خصوصيتها وسهولة تحركها وتخفيها بسبب ثقافة وعادات المجتمعات العربية، التي تجد فيها من الإمكانات والخيارات للوصول بها إلى الأهداف أكثر من الرجل.

حين تبلور مشروع القاعدة في الأساس كان ذكوري الطابع، ولم يكن للمرأة أي دور يذكر، لا في نشأة التنظيم، أو في الأدوار الجهادية الأولى، سواء الجهاد المحلي أو التضامني، وتدلل إصدارات التنظيم سواء الشخصانية، أو الرسمية كصوت الجهاد على أن المرأة كان دورها نمطياً معتاداً كمربية، أو خادمة لزوجها، أو كجامعة لتمويلات، ومن خلال مجموع التوصيفات السابقة وكذا أدبيات التنظيم نتبين ذلك بوضوح، إلا أن تطور دور المرأة بعد مرحلة أفغانستان، وذلك خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، وتحديدًا عام 2004 مع تأسيس «أبي مصعب الزرقاوي» فرع القاعدة في العراق، يحيلنا إلى البحث النظري الوصفي من خلال أدبيات القاعدة؛ حيث سنتبين كيف عمل تنظيم القاعدة على إدماج المرأة في الأعمال القتالية وغير القتالية، متأثرًا -خلال تلك الفترة- بخطاب سامر سويلم، القائد السعودي للجهاديين العرب في أفغانستان، والذي دعا إلى مشاركة المرأة في الأعمال القتاليَّة في الشيشان. وسوف نقدم أنموذجاً تفسيرياً عبر هذه الدراسة نؤكد فيها كيفية خروج المرأة الجهادية عن دورها التقليدي والتطورات التي رافقتها.

المرأة الجهادية في الميدان

هناك نماذج نسائية قاعديَّة التزمت بدور نمطي، وهي أن تكون مربية وداعمة للجهادي، بحسب ما قاله يوسف بن صالح العييري (مؤسس الفرع السعودي في تنظيم القاعدة الذي عرف باسم جماعة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) في كتابه: «دور النساء في جهاد الأعداء» عن أم عمر المكية، تلك العجوز التي أرسلت ابنها للمشاركة في القتال بأفغانستان.[1]

تأكيدًا لهذا الدور النمطي خلال هذه الفترة، تحدثت سميرة عواطلة زوجة عبدالله عزام والمعروفة بــ«أم محمد» عن الأدوار التقليديَّة للمرأة خلال فترة التسعينيات، باعتبارهن زوجات للمجاهدين يقمن بدور المساندة والتربية والرعاية، كما قامت بعض النساء بأعمال إغاثية، مثل توزيع المساعدات على مستشفيات النساء في مدينة ببيشاور في باكستان، وكفالة الأيتام، وإنشاء معامل الخياطة، وتنظيم بعض الدروس والحلقات للأخوات العربيات والأفغانيات.[2]

أهم تطور في أدوار المرأة ضمن القاعدة، جاء عن طريق يوسف العييري وشبكته في السعودية، المعروفة باسم تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، حيث خطا على ما رسمه الزرقاوي إلى إسناد أدوار لوجستيّة في هياكله التنظيمية للمرأة، وخصوصاً فيما يتعلق بالأدوار الإعلامية، وجمع التبرعات. وقد بلغ الدور الإعلامي لجهاديات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ذروته مع تأسيس "المكتب الإعلامي النسوي بجزيرة العرب"، والذي قام بإصدار مجلة "الخنساء"، وهي أول مجلة إلكترونية جهادية نسوية، حيث قامت المجلة بتقديم أدبيات تنظّر لانخراط المرأة في الجهاد، وتستشهد في ذلك بسِيَر أبرز الصحابيات المجاهدات، كالخنساء، وأم عمارة[3].

يقول يوسف العييري، في الرسالة نفسها: سبب مخاطبتنا في هذه الورقات المرأة، هو ما رأيناه بأن المرأة إذا اقتنعت بأمر كانت أعظم حافز، وترضى بما أمر الله به الرجال بأدائه، وإذا عارضت أمراً كانت من أعظم الموانع له، وأقل ما يطلب منك في حال خروج الرجال إلى الجهاد، أن تسكتي وترضي بما أمر الله به، واعلمي أنك حين تثنين الرجال عن الجهاد، سواء أكانوا أبناءً أو أزواجاً أو إخوة، فإن هذا نوع من الصد عن سبيل الله لا يرضاه أبداً.

يفسّر حسن أبو هنية ومحمد أبو رمان هذه التحولات، باعتبارها تحولا من الجهاد التضامني إلى النكاية، والأخير كان يحتاج لأن تتحول المرأة من اللامكان في العملية الجهادية على الأرض إلى المكان: "ما تقدم- مع التحول من أنموذج "الجهاد التضامني" وجهاد "النكاية" (الجهاد العالمي: مواجهة العولمة العسكريّة الأمريكيّة)، إلى أنموذج "الدولة"، حيث جرى الانتقال من حرب العصابات، و"النكاية"، إلى حروب السيطرة المكانية، و"التمكين" لإقامة الدولة وتأسيس الخلافة، كما اتجه التنظيم نحو دمج الأبعاد الجهادية المحلية والعالمية (قتال العدو القريب والبعيد)، وكل ذلك تطلب إسناد أدوار جديدة للمرأة في الجهاد. ويضاف إلى كل ذلك، وجود عوامل موضوعية أخرى ساهمت في تطور مساهمة المرأة ودورها، ومن ذلك انخراط عدد من المجتمعات "السُّنية" الحاضنة للتنظيم في العراق، حيث ظهر "مجتمع الجهاد"؛ وهو ما استتبعه بالضرورة اكتساب النساء أدواراً جديدة. وكانت النقلة النوعية مع تنظير تنظيم الزرقاوي وسماحه بإدخال المرأة في الأعمال القتالية، وهو ما تُرجم بقيام عدد من "المجاهدات" بتنفيذ عمليات انتحارية نوعية. وهكذا، جرى التطور والانتقال مع تنظيم الدولة من حدود دور الدعاية الأيديولوجية الذي اكتسبته المرأة مع شبكة العُييري إلى القتال في الصفوف والجبهات الأمامية، من خلال تنفيذ العمليات الانتحاريّة".[4]

إن تصاعد الطائفية والحرب الأهليَّة في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، واعتقال العديد من الأشخاص المنتمين إلى المذهب السني بموجب قانون الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، فضلًا عن تنامي ظاهرة اعتقال النساء المنتميات للطائفة السنية، حيث احتجزت السلطات الأمريكية -خلال هذه الفترة- ما لا يقل عن (100) سيدة، فضلًا عن الانتهاكات التي تعرض لها بعض المحسوبات على الطائفة السنية في السجون العراقية التي كانت تشرف عليها القوات الأمريكية، جعلت «الزرقاوي» يتأثر بهذا التكتيك ويحرص على تطبيقه في العراق، وهو جهاد النكاية، وهو الجهاد الذي سيحتاج إلى أدوار جديدة للمرأة.[5]

استغل الزرقاوي هذه الحالة الرافضة للاحتلال الأمريكي من قِبَل العديد من الطوائف السنية، وعززت الانتهاكات الأمريكية للنساء والرجال المنتمين إلى السنة، ترسيخ مبدأ مشاركة النساء في القتال جنبًا إلى جنب مع الرجال، تطور هذا المبدأ سريعًا إلى دعوة «الزرقاوي» إلى مشاركة المرأة في العمليات الانتحارية، وأكد هذا الأمر في خطابه التحريضي الشهير بعنوان: «أينقص الدين وأنا حي؟!» في يوليو (تموز) 2005، صَرخَ فيه محرضًا: «هذه رسالة إلى الحرائر من نساء الرافدين خاصة، وإلى نساء الأمة عامة أين أنتن من هذا الجهاد المبارك؟ وماذا قدمتن لهذه الأمة؟ ألا تتقين الله في أنفسكن؟ أتُربين أولادكن ليذبحوا على موائد الطواغيت؟ أرضيتن بالخنوع والقعود عن هذا الجهاد؟[6]

حققت هذه الخطابات التي دعا فيها «الزرقاوي» المرأة قبولًا كبيرًا لدى العديد من النساء اللائي تشجعن وشاركن في العمليات القتالية، منهن ساجدة مبارك عطروس الريشاوي من مواليد 1965، وهي عراقية جُندت للقيام بعملية انتحارية في فندق في عمان عام 2005، ولكن ألقي القبض عليها من قبل السلطات الأردنيَّة قبل تفجير حزامها الناسف.

سار على الدرب ذاته -لاحقًا- أبوعمر البغدادي، الذي تولى زعامة تنظيم القاعدة في العراق عقب مقتل «الزرقاوي» في 2006، وتم الإعلان عن أول «كتيبة استشهادية» في العراق عُرفت باسم كتيبة «الخنساء»، وضمت عشرات الانتحاريات خلال الفترة من 2007 وحتى 2009، كما تشكلت كتيبة أخرى للانتحاريات في منتصف 2008 على يد «أم سلمة» زوجة «أبي عبيدة الراوي» زعيم تنظيم القاعدة في شمال العراق، ونفذت كتيبتها عمليات في ديالى وبغداد.

إن التحول من الدور النمطي إلى دور أكثر راديكالية واجه مقاومةً كبيرةً من قبل ما يُسمى تيار «عبدالله عزام» داخل القاعدة، وهو تيار يؤمن بضرورة اقتصار دور المرأة على الجانب الدعوي والخدمي فقط، وكانت من رواد هذا التيار أميمة حسن زوجة زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري: والتي أوضحت في رسالتها إلى «الأخوات المسلمات» عام 2009 دور المرأة في الجهاد، فقالت: إن الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ولكن طريق القتال ليس سهلًا بالنسبة إلى المرأة، فهو يحتاج إلى مِحْرِم؛ لأن المرأة يجب أن يكون معها محرم في ذهابها وإيابها، ولكن علينا أن ننصر ديننا بطرائق كثيرة، فنضع أنفسنا في خدمة المجاهدين، وما يطلبونه منا ننفذه، سواء كان إعانة بالمال أو خدمة لهم، أو إمداداً بمعلومات أو رأي أو مشاركة في قتال أو حتى بعمل استشهادي، دورنا الأساسي يتركز على أن نحفظ المجاهدين في أولادهم وبيوتهم وأسرارهم، وأن نعينهم على حسن تربية أبنائهم.[7]

قالت سميرة عواطلة (زوجة عبدالله عزام) أو من لقبت بــ «أم المجاهدات في بيشاور»: "كل من ذهب للجهاد الأفغاني كانت زوجته معه، وكانوا يتركون العوائل في بيشاور، وكنا جميعاً كعائلة واحدة. وكانوا ينظرون إلي كأم لهنّ. وكان هناك تنسيق مباشر مع زوجات المجاهدين". لكن هناك أمور عدة عززت الحفاظ على المكتسبات في الأدوار التي حصلت عليها المرأة في مرحلة الزرقاوي وما بعده، منها توسع فروع «القاعدة» في العديد من البلدان العربية شهدت حركات احتجاجية بدءاً من عام 2011، واعتماد هذه التنظيمات على استراتيجية ما يسمى بأولوية محاربة «العدو القريب في الأنظمة العربية عن العدو البعيد» المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، ما جعل النساء يشاركن في القتال جنبًا إلى جنب مع الرجال؛ لأنهن - حسب زعم التنظيم- يتعرضن للانتهاكات والقتل مثلهن مثل الرجال؛ فلا بد من الدفاع عن أنفسهن، وعن قيادة التنظيم، والحرص على توسعه.[8]

وفي حوار لمن تُكنى بــ«أم سلمة» وصفت نفسها بقائدة مجاهدات القاعدة، أكدت فيه دور المرأة في الجهاد الأفغاني، ومقاتلة النساء إلى جانب الرجال قائلة: «نعم، هناك مجاهدات على أرض الواقع في أفغانستان يقاتلن القوات الصليبية الكافرة المعتدية، وسطرن الكثير من الملاحم البطولية التي أفتخر بها كمسلمة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، ما حصل لفتاة أراد خمسة من قوات الصليب أسرها بعد أن وجدوها بمفردها، ففجرت نفسها بهم من خلال الحزام الناسف الذي كانت (تتزنر) به على وسطها. وهناك أيضاً أدوار أخرى تقوم بها النساء في أفغانستان بنقل الرسائل والتحذيرات بين القادة، وتهيئة الأماكن لتخبئة المجاهدين أثناء العمليات".[9]

بحسب رواية المسؤول العسكري في تنظيم القاعدة سيف العدل المصري، التي نشرت في مجلة «صوت الجهاد»، ثمة إشادة بالدور الذي لعبته نساء المقاتلين لدى عرضه نبأ مقتل مجموعة من النساء خلال إحدى عمليات القصف التي استهدفت المجاهدين.[10]

وكان هناك بعض من مسلحي القاعدة العرب، ممن اصطحبوا زوجاتهم «عندما تواروا عن الأنظار، كي لا يشتبه فيهم الجيران ورجال الشرطة» وبعضهن أدّينَ أدواراً لوجستية ثانوية ومهمات إعلامية، إذ نشرت مجلة صوت الجهاد مقالات عدة وقعت بأسماء مستعارة، كما قام «المكتب الإعلامي النسائي بجزيرة العرب» بإصدار مجلة «الخنساء»، إلا أن تلك الفترة لم تشهد مشاركة أية امرأة في العمليات.

شهدت معسكرات القاعدة في أفغانستان قدوم نساء المقاتلين من حين لآخر، ولفترات وجيزة متقطعة، في مشهد يوصف بــ«السياحة الجهادية». وقد أتت من أجل تأمين الاستقرار النفسي للمقاتلين من خلال الالتقاء بالأمهات والزوجات، ومن جانب آخر، فرصة مهمة لقادة التنظيم بما توفره من حشد التأييد الشعبي بعد عودة النساء إلى المجتمعات الأصلية.

ترى كيلي أوليفر أن بداية المرحلة في استغلال الأصوليات خطاب مساواة المرأة لرفع قيمة العنف الانتحاري النسائي، لا تعطيها حرية إعادة إيجاد معنى كونها امرأة، وبحسب دعاية الجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش، فحرية النساء في أقصاها هي حريتهن في قتل أنفسهن: "يمكن رؤية الشهيدة من زاوية ما كأحد أعراض القيود الذكورية التي لا تدع مكاناً ذا معنى للنساء اللاتي لا يلتزمن بمثل الأمومة والأنوثة إلاَّ الشهادة".[11]

استند التنظيم إلى المرأة بغرض تنشيط الدور النسائي عبر خلاياه، وكما قال عبدالله سليمان المحمود في حديثه عن أم عمر المكية، التي أرسلت ابنها للقتال: عملت هي في مكة على تحريض النساء على الجهاد ودعمه، حتى إنها كانت ترسل الأطعمة التي تصنعها في بيتها للجبهات في أفغانستان، وذات يوم عزمت على زيارة أفغانستان للقاء نساء المجاهدين ومؤازرتهن، وبعدما حضرت أصرت على الدخول إلى الجبهة، وحاول المجاهدون ثنيها لخطورة الوضع، ولكن من دون جدوى، فقد أقسمت أن ترمي العدو بسلاحها، فاستجاب لها الإخوة، وركبت السيارة مع ابنها ودخلت إلى الجبهة".[12]

أما المقاتل السابق ناصر البحري، فكان من جهزه في بداية انطلاقه للجهاد امرأة تعمل مدرسة، سمعت عن مآسي المسلمين في البوسنة والهرسك، فأرادت الإسهام في الدفاع عنهم، فقالت: "أتبرع براتب شهر كامل لتجهيز مجاهد، وكان يساوي –تقريباً- ألفي دولار"[13]. كان من بين من قبض عليهن من النساء في غضون تلك الفترة، زوجة صالح العوفي قائد تنظيم القاعدة سابقاً في السعودية، والذي قتل في إحدى المواجهات الأمنية في أبريل (نيسان) 2005، وجهت إليها السلطات السعودية تهماً متعددة، من بينها وجودها في موقع لتخزين الأسلحة يحوي مطلوبين أمنياً، إلى جانب تسترها على أعمالهم وموافقتها على بقاء أطفالها الثلاثة في موقع خطر من دون مراعاة حالتهم السيئة، ومعاونة زوجها وتنقلها معه وبقية عناصر التنظيم من منزل لآخر، حتى تمّ القبض عليها عام 2004.[14]

بعد العمليات التي شهدتها السعودية عام 2003، نضجت فكرة إقحام النساء بالنسبة إلى تنظيم القاعدة بأطر مختلفة، من خلال الكتابة والحث في مجلات القاعدة، إلاّ أنه بقيت على الرغم من ذلك المنصات الإعلامية الأصلية رافضة لهذا المبدأإ حتى لحظة القبض على هيلة القصير، أو من وصفها التنظيم بــ(سيدة القاعدة).[15]

مخاطبات الجناح النسوي

من خلال زاوية «حفيدات أم عمارة» في مجلة «صدى الملاحم»، خاطب تنظيم القاعدة الجناح النسوي، وهي أولى المجلات الإعلامية لـ«القاعدة» إلى أن جاءت مجلة «الخنساء» التي كانت مخصصة للنساء بالكامل، وكانت مشرفتها «أم أسامة»، وهي سيدة مصرية اعتقلتها السلطات السعودية لنشاطها في الذراع الإعلامية النسائية للتنظيم، حيث اعترفت بأنها مسؤولة تحرير المجلة الإلكترونية المتطرفة التي صدرت عام 2004، ولم يصدر منها أكثر من عددين.[16]

كانت مجلة صدى الملاحم شهرية تصدر عن "المكتب الإعلامي النسوي بجزيرة العرب"، ومنذ الوهلة الأولى ترفع الشعار "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".[17]

أما "الخنساء"، فهي مجلة إلكترونية "جهادية" مخصصة للنساء ومهداة إلى "شهداء" تنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية "نطمح أن نؤدي مهمتنا الأساسية، وهي تقديم الأسود للساحات ندفعهم كما الخنساء".[18]

حمل عددا الخنساء شعارات وعناوين، مثل «سنقف في أرض المعركة بعباءاتنا وحُجبنا، حاملات بأيدينا السلاح والأطفال»، وأخرى مثل «كيف تصنع قنبلة في مطبخ والدتك»؟[19].

وتورد مجلة "الخنساء" في افتتاحيتها: "رصصنا صفوفنا إلى جوار رجالنا ندعمهم ونؤازرهم ونناصرهم".

في افتتاحية عدد الخنساء: "سنقف متلفعات بخمرنا متشحات بعباءاتنا.. أسلحتنا بأيدينا، وأطفالنا في أحضاننا، وكتاب الله وسنة نبيه مرشدنا وهادينا.. إن دماء أزواجنا وأشلاء أطفالنا قربان نتقرب به من الله".[20]

كما أصدر القاعدة من المجلة الإلكترونية (معسكر البتار) حوالي (20) عدداً، وكان من ضمن مؤسسيها عبدالعزيز المقرن الزعيم السابق لـ"تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية"، وكانت زاوية "المعسكر النسوي" تتطرق إلى أمور عسكرية تخص حريم التنظيم، على سبيل المثال: "الإعداد البدني للجهاد" والدرس الأول هو تقوية الساعدين لكن دون تقديم أي صور أو تجسيد للتمارين.[21]

كما خصصت المجلة زاوية أخرى لـ"دروس في الإسعافات الأولية"، وتطلب من النساء "المجاهدات" أن يتزودن باستمرار بصندوق لمعدات الإسعافات الأولية، يتضمن إضافة إلى المعدات المتعارف عليها "عسل طبيعي وماء زمزم" للبركة.[22]

وبدت زاوية "أشقاؤنا" المخصصة لـ"شهداء" تنظيم القاعدة شديدة العنف في ألفاظها، ومما جاء في بعضها: "لقد أهدانا الطغاة أعظم هدية بقتلهم لقادتنا وأسرهم لإخواننا ليتولى الزمام قوم أولي بأس شديد يعلنونها حرباً ضروساً ضدهم لم يصطلوا من قبل بلهيبها".[23]

في زاوية "المرصد" بالمجلة انتقدت التلفزيون السعودي الذي يظهر السيدات في قنواته!، وكتبت في هذا السياق "لا يزال مسلسل التعرية مستمراً، فلا تزال القناة الثانية لما يسمى النظام السعودي تعرض النساء منذ إنشائها، ولم نر من علمائنا وقفة جادة ضدها ليتبعها خطوة أخرى من خطوات إبليس، وهي ظهور بنات الجزيرة وعرضهن على الشاشات في ما يسمى بالإخبارية".[24]

في العامين الأخيرين، ظهرت مجلة «الشامخة»[25]، وهي الإصدار النسوي الأحدث لتنظيم القاعدة[26]، ولكن بمحاولة أكثر حيوية وحركة، وكانت أبوابها كالتالي:

* الافتتاحية: تهيأ يا صباح.

* عندما لا يعود الألم مؤلمًا!

* أوراق من دفتر مجاهدة

* لقاء مع.. زوجة مجاهد

* خطوات على درب الجهاد

* أسيراتنا.. جرحنا الغائر متى يلتئم؟

* الشامخة برس

* مساحة حرة.. الزواج من مجاهد!

* نجوم في السماء... الشهيدة

* ولو من حليكن

مع العدد: ملف بيتي مملكتي وفيه:

ركن: رفيق الدرب

ركن: الشامخ الصغير

ركن: إتيكيت الشامخة

ركن: جمال الشامخة

ركن: مهارات منزلية

في العامين الأخيرين أيضاً، أصدر القاعدة من سوريا مجلة (بيتك) التي كانت افتتاحيتها تتحدث عن كيفية استقبال الفتاة لزوجها المجاهد (استقبلي زوجك بابتسامة عندما يأتي وودعيه بابتسامة عندما يذهب)![27].

كما أصدر القاعدة مجلة (الأسيرات)، وقال في مقدمتها: هي مجلة دورية تعنى بأمور الأسيرات المسلمات في شتى بقاع الأرض، وهي هدية لكل من ذاقت طعم الأسر والقهر ومرارة الألم، وتحريضا لكل من عرف طريق العزة والإباء.[28]

كان من أهم الإصدارات أيضاً، مجلة "المشتاقون إلى الجنة"، التي أصدرها القاعدة بالمغرب، حيث تبعها مرفق حفيدات الخنساء[29]. كما مجلة "صوت الجهاد"، التي أفردت مساحات كثيرة للمرأة القاعدية.[30]

قالت مجلة "إيكونومست" البريطانية: إن "القاعدة" أصدر المجلة الجديدة في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، وعلى ما يبدو فإن التنظيم المتشدد "ضاق ذرعاً" بالطريقة التي مكنت بها تنظيمات جهادية أخرى النساء ضمنها، مثل تنظيم "داعش" على سبيل المثال، وتعمل في إصدارها الجديد لدعوة النساء إلى ملازمة منازلهن ولعب دور الزوجات المطيعات لا غير "حسب تعاليم الإسلام"، كي تجعل من المنزل "جنة للرجل"، وهو الخط الذي حملته مجلة "الشامخة" النسائية[31].

صراع المخاطبات النسوية

بدت المجلة جزءاً من صراع الحركات الجهادية فيما بينها على الزعامة، حيث إن حث النساء على القيام بدور أنشط في القتال هو على الأرجح محاولة للحد من تأثير النقص الحاد في القوة البشرية والناجم عن مقتل العديد من المقاتلين الذكور وأزمة التجنيد وإيجاد بدائل للحد من ضعف التنظيم مقابل التنظيمات الأخرى.

لقد كان خطاب الإسلام السياسي، جيل الإخوان في الستينيات وحتى الجهاديين فترة الثمانينيات والتسعينيات يمثل تناقضاً صارخاً مع دعاية تنظيم القاعدة فيما بعد، ثم الداعشية الجديدة، التي أبرزت وظيفة النساء الأساسية ليس كزوجات وأمهات للمجاهدين فقط، إنما لأداء دور جهادي لا يقل عن دور الرجال، مثل كتيبة الإناث المسؤولة عن الشرطة في الرقة فترة حكم داعش.

اتضح الخطاب الجديد مع حركة "طالبان"، التي أصدرت مجلة (طريق الخولة[32]) من أجل اجتذاب مجندات محتملات، وتضمن العدد الأول من المجلة مقابلة مع زوجة أحد زعماء "طالبان" فضل الله الخراساني[33].

جاءت مجلة طالبان كرد فعل على الانتشار الداعشي بأفغانستان، حيث أشارت تقارير إلى أن الأخير بدأ يخفف شيئاً من سرديته الراديكالية ضد النساء المواليات للتنظيم، بتركيزه في عدد من الإصدارات الدعائية، على دعوة النساء الداعشيات للانضمام إلى حملة السلاح والمقاتلين على الجبهة، مدفوعاً بحاجة ماسة للقوة البشرية إثر الخسائر الفادحة التي مُني بها في سوريا والعراق، لذا درب النساء على استخدام الأسلحة ومنحهن دوراً في نشر الدعاية عبر الإنترنت، وقبل أن تفقد الجماعة معقلها الأهم في الموصل، نفذت مجموعة من الانتحاريات عمليات تفجير ضد القوات العراقية، كما أسس التنظيم فئات من قوات "الحسبة" المكونة من النساء في مدينة الرقة السورية عرفت باسم "كتيبة الخنساء".[34]

على خلاف "طريق الخولة"، لم تحتو مجلة "بيتك" على نساء يحملن البنادق، بل على صور بيوت مزينة بالأرائك الفاخرة وأطباق أنيقة، ورسالة حب مزينة بأجنحة ملائكية وقلوب زهرية من "أم عبدالله لزوجها" وهو جهادي لم يكشف عن اسمه، إضافة إلى عمود لحل مشكلات الزوجات المصابات بالإحباط تقدمه امرأة خبيرة.

وبالإضافة إلى هذه الحالة التنافسية في المجلات، فإن تنظيم "القاعدة" أدار مجموعة من المعاهد لنشر التعليم المنزلي، من أبرزها مراكز "بنات الإسلام" التابعة لـ "هيئة تحرير الشام"، الفرع السوري من تنظيم "القاعدة"، والتي أعلنت عن برامجها عبر لوحات إعلانية زهرية اللون في المناطق الخاضعة لسيطرتها في محافظة إدلب السورية، والتي تضم المجلة صوراً لها أيضاً.[35]

كما أصدر التنظيم، بيانا إعلاميا يدعو فيه النساء إلى الهجرة إلى اليمن لمشاركة مقاتلي التنظيم نشاطهم هناك عام 2010.[36]

يقول الكاتب إبراهيم النجار: استطاع تنظيم "داعش"، البناء على خبرات سابقيه في استخدام النساء كآلية للترويج لأفكار التنظيم، وتجنيد أعضائه مستفيدا بالتقدم التكنولوجي الذي أتاح مزيداً من الفرص للاستفادة من وجود عناصر نسائية فيه، فتزامن بروز اسم تنظيم "داعش"، مع إعلانه عن وجود عناصر نسائية في التنظيم، ولا سيما من الأجنبيات، حيث كشف تسجيل مصور للتنظيم، حمل اسم "الإصدار الفاجعة"، والذي بث خلال يناير (كانون الثاني) 2014، عبر موقعي التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، عن حجم الحضور النسائي في صفوفه، وركز مقطع الفيديو على وجود خمس مهاجرات من جنسيات ولهجات مختلفة، يتهمن الجيش الحر في سوريا باستهداف أسر مقاتلي "داعش" والاعتداء عليهن، وركز الفيديو على التحاق بعض الفتيات بإخوانهن الذكور للقتال في سوريا، ومن بينهن الفتاة السعودية التي أثارت جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي "ندى معيض" التي لقبت نفسها بـ"أخت جليبيب" الذي سبقها أخاها للقتال في تل رفعت بسوريا، وضمن العدد (11) من مجلة "داعش" الإلكترونية "رومية" (13 يوليو/ تموز 2017)، نُشر مقال بعنوان "رحلتنا إلى الله" يؤكد أهمية أدوار النساء في أوقات الشدائد والصعوبات والمعارك[37].

منذ ذلك الحين، توالت مظاهر تركيز تنظيم "داعش"، على جهود نسائه سواء من خلال العمل الإلكتروني والإعلامي المقروء من خلال إصدارات التنظيم، والعملياتي على الأرض أيضاً، واشتراكهن في أعمال العنف، التي وثقت بمقاطع الفيديو المصورة، والتي أظهرت في أكثر من فيديو وجود مقاتلة أوأكثر من النساء في صفوف رجال التنظيم، تشترك معهم في عمليات الذبح للرهائن، فضلا عن الصور التي تبدو فيها "الداعشيات" كمشرفات على عمليات اختطاف واقتياد عدد من النساء، ولا سيما الأيزيديات في العراق.

وقد عمل تنظيم "داعش"، على إسناد جزء مهم من وجوده على الفضاء الإلكتروني، إلى ما يمكن أن يطلق عليه "جيش من النساء" المنضمات إلى التنظيم، واللائي بدأ نشاطهن في الظهور تحت اسم "المناصرات" و"المهاجرات" على موقعي "فيس بوك"، و"تويتر"، وبدأت صورهن التعبيرية على صفحاتهن الخاصة تتبدل بصور للدماء والرؤوس المعلقة، وعلم التنظيم، غير أن ملاحقة الحسابات المحسوبة على التنظيم والتابعة لأعضائه وإغلاقها، قد دفعت إلى استخدام حسابات وهمية في محاولة اختراق الجروبات الاجتماعية والصفحات النسائية على الفيس بوك، بهدف اختراق العقول وتغيير المفاهيم، ولا سيما في أوساط الشباب البسيط والنساء سهلة الانقياد وراء الخطاب الديني المغلوط، وذلك من خلال التركيز على الحديث عن مشكلات المجتمعات العربية، وما يعتبرونه تضييقا على المتدينين، مثل إغلاق بعض المساجد، ومنع الأذان، وتغيير المناهج الدينية أو إلغائها من المدارس.[38]

سنجد في مجلة (معسكر البتار العدد "21") أن القاعدة دعت المرأة لتحطيم الأفكار الغربية، والتحرر من القيود الغربية: على النساء المسلمات ارتداء النقاب؛ لأنهن اخترن ذلك ويردن ذلك، على الأخوات تحطيم الفكرة الغربية بأن النساء المسلمات يجب أن يتحررن من الإجبار على ارتداء ملابس لا يردن ارتداءها. حكم النقاب لا يمت للموضوع بصلة، فهو لن يغير من وجهة نظر الغرب تجاه النقاب شيئاً، وإذا ما كان الأئمة الأربعة أجمعوا على ذلك أو الإمام أحمد أو ابن تيمية. النقاب اكتسب الأهمية التي اكتسبها بسبب أنه علامة واضحة وفارقة للمسلمين، على غرار المآذن التي ترمز للإسلام. ما إذا كان النقاب فرضا أم لا وحقيقة أن المآذن ليس لها أصل إسلامي تاريخي حقيقي لا يهم هنا، فالقضية لا تتعلق بهذا؛ فالغرب ليس ضد النقاب أو المآذن، الغرب هو ضد الإسلام، وهذه مجرد رموز له، لهذا نقترح على النساء المسلمات في الغرب الذين لا يرون أن ارتداء النقاب واجب أن يقمن بارتدائه كعلامة على رفض هذا القرار التعسفي، وكرمز للافتخار بكونهن مسلمات، وبيان عام ووسام شرف يرتدينه للرد على طريقة الحياة الغربية المنحطة.

في صدى الملاحم، وهي مجلة رئيسة دعت القاعدة المرأة لمواجهة الأنظمة الحاكمة، في هذه النقاط:

1ـ خدمة المجاهدين، وتهيئة المكان المناسب لهم إذا طُلب منها ذلك.

2ـ الدفاع عن عناصر التنظيم بالقول وتوضيح الحقائق في أنصع صورها، والرد على الحملات التي تبثها أجهزة الإعلام المختلفة، والتي تقف وراء تشويه الجهاد وحرق شخصياته والإساءة إلى رموزه.

3ـ مساعدة المجاهدين مالياً، ولو بجزء يسير، والعمل على جمع التبرعات.

4ـ الإكثار من الدعاء لهم بالنصر والتمكين.

5ـ الابتعاد عن الترف؛ لأن الترف عدو الجهاد والحذر من الكماليات والاكتفاء بالضروريات.

6ـ تربية الأبناء تربية إيمانية تقوم على الخشونة والرجولة وعلى البطولة والجهاد والغرس في نفوس الأبناء حب الجهاد وميادين الفروسية وساحات الوغى.

7ـ الاهتمام بأخبار المسلمين والإحساس بالحزن لما يُصيبهم من ظلم وتعذيب ولا يشغلكِ بالاهتمام بالأمور المريحة عن الأمور العظيمة[39].

وفي صدى الملاحم العدد (4) دعت القاعدة المرأة لمواجهة الأنظمة: "أختي المسلمة في ظل هذه الظروف التي تمر بالأمة الإسلامية والضعف الذي خيم عليها، وفي ظل ذلها وهونها وخيانة الأنظمة الحاكمة وعمالتها وجراء الحملة الصليبية اليهودية العالمية على الإسلام وأهله بقيادة أمريكا وبريطانيا من احتلال ونهب لأراضي وثروات المسلمين، وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، وتدنيس المقدسات، وبعد تخاذل أكثر رجال الأمة عن واجبهم الديني".[40]

لم تتحدث مجلات القاعدة عن معاملة المرأة لزوجها، أو كيفية تحليها بصفات دينية، لكنها أسهبت فيما يخص علاقتها بالجهاد، وقالت في العدد الأول من الشامخة: "حيي زوجك بابتسامة عندما يأتي وودعيه بابتسامة عندما يذهب"، وفي الوقت ذاته قدمت لهن النصائح حول كيفية تربية أطفال محاربين، في إطار الدور الذي كان تنظيم «القاعدة» يحصر المرأة ضمنه.

مجلة الشامخة استمرت على لغة الخطاب نفسها، وفي ملف العدد الأول كتبت أن زوجة عضو القاعدة مختلفة عن بقية النساء؛ لأنها زوجة مجاهد! قائلة: أختي في الله.. زوجة المجاهد، ورفيقة دربه. أنتِ.. لستِ كبقية النساء.. أنتِ مجاهدة؛ لأنك زوجة مجاهد. أنت بطلة؛ لأنك زوجة بطل. أنتِ لك رسالة في الحياة، تسيرين مع رفيق دربك على طريق الحق في زمن الغربة، فينبغي عليك أختي في الله أن تعرفي ما هي متطلبات السير على هذا الطريق، وما هي مستلزماته، وما هي العقبات والعوائق والعلائق، التي ستعترضك خلال المسير. إن من أهم الأمور التي ستمر عليك خلال حياتك مع رفيق دربك المجاهد هي سماعك للكثير من الإشاعات والشبهات والأكاذيب والأباطيل التي سينسجها الإعلام والأعداء حول الجهاد وأهله، ويتفننون في عرضها والترويج لها بين الناس؛ لذا عليك أختي –المجاهدة- أن تكوني محصنة ضد هذه الإشاعات والأباطيل.. عليك أن تكوني ثابتة قوية، لا تؤثر عليك هذه الشبهات.[41]

في مجلة "الأسيرات"، وضعت لأول مرة ركن يسمى مهارات منزلية، لكنها في الوقت ذاته كانت أركانها تتحدث عن كيفية علاج الجروح النازفة، وسرّ الجمال لزوجة المجاهد.

في الجزء الأخير من الأسيرات التي صدر عدد واحد منها: حفيدات خنساء، أمينة قطب وشهادتها، وفتاة مسلمة في دولة غير مسلمة، وحوار مع الأخت حفصة، ثم قدمت بروفايل لعافية صديقي.

النموذج التفسيريّ

تؤكد تحولات القاعدة في استخدام المرأة بدءاً من مرحلة الزرقاوي أن هناك انحداراً في مفاهيم الأنوثة، وفق ما رآه أبو هنية وأبو رمان، وهو انحدار لا يتعلق هنا بالإسلام أو بتبني بعضهن لمواقف غاضبة من المجتمع العلماني، وإنما قد يعود إلى اختزال صورة ودور النساء في الحركات الإسلاموية، كما أن التفسيرات السوسيولوجية ذات المنحى الرمزي، والتي تتركز بالأساس وتتمحور حول مسألة "الهوية"، هو ما شكل عامل الجذب الأول للجهاديين والجهاديات، حيث يرى المؤلفان أن الجهاديين لا يفصلون بين العالم المرئي واللامرئي، بل إنهم يتداخل عندهم الدنيويّ بالأخرويّ، والمادي بالرمزي؛ ويتجلّى ذلك في "الشهادة"، والتي هي طريق العبور من الدنيا إلى الحياة الآخرة[42].

وهكذا، يرى المؤلفان أن تقديم تنظيم الدولة لمشروع جهادي جديد أكثر انسجاماً مع "الهوية المتخيلة"، هو عامل الجذب الأساسي للمقاتلات الأجنبيّات، حيث قدم التنظيم مشروعاً مختلفاً عن مشروع القاعدة والتنظيمات الجهادية السابقة، سواء ما كان في نموذج "الجهاد المحلي"، منذ السبعينيات، و"الجهاد التضامني"، خلال الثمانينيات والتسعينيات، كما في الجهاد الأفغاني أو البوسني، أو نموذج "النكاية"، كما كان مع تأسيس "الجبهة العالمية لجهاد اليهود والصليبيين"، نهاية الألفية الماضية، حيث كان طابع الجهاد ذكورياً، ولم تكن المرأة تلتحق فيه إلا كمرافقة لزوجها، أو أحد أقربائها، ولم تسند لها أي مواقع في هياكل التنظيمات، واقتصرت الأدوار المناطة بها على الجانب الإسنادي.[43]

لقد ترتب على مشاركة النساء في الجهاد المسلح، سواء فرادى أو جماعات، العديد من الأمور مثل تراجع دور الفتاوى المحرمة لاشتراك المرأة في الجهاد المسلح، واكتساب المرأة أدواراً وواجبات أخرى تقوم بها، بالإضافة إلى أدوارها وواجباتها التقليدية مثل العمل في المنزل وخدمة الزوج وتربية الأبناء، وإضفاء البعد الروحي والديني على الجهاد النسائي، لتخرج أمثلة على امرأة مطالبة بالجهاد المسلح عن المسلمين في شتى بقاع الأرض، وأنها يجب أن تبتغي إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، نموذج «أم الرباب» أو هيلة القصير التي عُرِفَت بـ«سيدة القاعدة» وجمعت التمويل للشبكة المتطرفة، وكذلك وجود فئتين من الجهاديات المسلمات وهن المرغمة والمتطوعة، فالمرغمة هي من أجبرت من قبل أسرتها وقد يكون زوجها على الالتحاق بمثل تلك الجماعات. أما المتطوعة، فهي المؤمنة بأفكار التنظيم وأطروحاته وتعمل على نشرها والترويج لها[44].

نقلت "إيكونومست" عن إليزابيث كيندال من جامعة أكسفورد القول: "يشعر تنظيم القاعدة أن النزاع عزز من قوة المرأة، ومنحها صوتاً، وأصبحت ناشطة، ويريد أن يركز على آداب السلوك داخل البيوت"، علماً أن المجلة تحتوي على الكثير من النصائح حول كيفية جذب انتباه المحارب الجهادي، عبر سلسلة من "النصائح المرحة" مثل: "السرقة حلال، لكن عندما تسرقين قلب رجلك"، ويدعون المرأة إلى المغازلة مثل "الفراشة"، وارتداء "ملابس أنيقة"!.[45]

بدا من الاستخدام الجهادي النسوي، أو المخاطبات الجهادية النسوية، أن النساء في تنظيم القاعدة انقسمن إلى ثلاث فئات: الأولى: زوجات أُرغِمْنَ دون اختيار على الخضوع والتسليم لأزواجهن القيادات في التنظيم.

والثانية: المقتنعات بالفكر المتطرف ممن سعين اختيارا للانتماء للتنظيم، ونشر أفكاره، مثل أسماء البخاري زعيمة مجموعة «شباو» الإرهابية التي نسيت مشاعر الأمومة، وجازفت بحياة طفليها، ورفضت الاستسلام وتبادلت إطلاق النار مع قوات الأمن، بل كفّرت زوجها وقائد المجموعة، وأصرت على القتال إلى آخر رصاصة، والثالثة: المتعاطفات والمتحمسات للتنظيم وأفكاره، وكل هذه الصنوف أظهرت تحول دور النسوة في التنظيمات المتطرفة كمجاهدات افتراضيات عبر ساحات المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي إلى مقاتلات بأحزمة ناسفة وانتحاريات على دكة الاحتياط.[46]

كما بدا أن استخدامات المرأة الجهادية هي سياسية في المقام الأول، وفق ما حددته بدرة قعلول بأن أدوار المرأة داخل التنظيمات الإرهابية تتلخص في الأمومة، وهي وظيفة نفسية لتعزيز الروح والأفكار المتطرفة من خلال زرعها في الجيل الصاعد لخلق جيل جديد من الإرهابيين.

ويعتمد دور التجنيد للمرأة الجهادية على روابط الأسرة والأصدقاء، وينشط أكثر في المناطق النائية والشعبية عبر الحلقات الدينية في المساجد، الجمعيات، المآتم، والأماكن التي توجد فيها فئة النساء المهمشات والضعيفات، ثم التسويق، فمع ازدياد التقدم التكنولوجي وتطور وسائل الإعلام أصبحت المرأة عاملا مهما لدى التنظيمات الإرهابية للترويج لنفسها وجذب الانتباه، فاتبعت استراتيجية النساء الانتحاريات وتصوير فيديوهات لهن قبل التفجير وترويجها إلى وسائل الإعلام بأكبر قدر ممكن، مما يجذب أكبر قدر ممكن من التعاطف وكسر الصورة النمطية لهذه التنظيمات[47].

الخاتمة

إن أدوار المرأة داخل القاعدة شهدت تحولات من النمطية إلى الجهادية، وأصبحت الأدوار التي تلعبها داخل التنظيم نفسه تتمثل في حفظ الأمن أو الشرطة النسائية، فعندما يغادر الرجال ـ للغزوات ـ فإن هناك من النساء من يتولين حفظ الأمن والسهر على النظام في الأحياء، ومنهن الشرطة النسائية، والتي تتولى كل قضايا المرأة وتجاوزاتهن تتكفل بها المرأة. ثانياً: التمريض والطب، فعلى إثر التجربة الأفغانية وتجهيل المرأة، فالمرأة لا يكشف عليها إلا الرجل لهذا أعطي للمرأة كذلك هذا الدور. وثالثا: التعليم والذي تتولى فيه تقديم التعليم الشرعي للمرأة، والمرأة تدرس المرأة؛ وذلك لمنع الاختلاط، وكذلك لإعطاء صورة جديدة للتنظيم وبأنه لا يجهل المرأة، بل يسعى لتعليمها حسب الشريعة الدينية.

لكن على الرغم مما سبق، فإن قضية استخدام المرأة في الأعمال العسكرية لا تزال موضع جدل بين الجهاديين بين فتاوى وفتاوى مضادة تقنن دخول النساء إلى التنظيمات المسماة الجهادية أو تحريمها، وأنه على الرغم من اعتراف تنظيم القاعدة عام 2005 باستخدام النساء كانتحاريات؛ وذلك من قبل أبي مصعب الزرقاوي زعيم التنظيم في العراق، وأن هناك دوراً كبيراً وتوسعياً للمرأة المنتمية للقاعدة، فإن استخدامها للسلاح كان متحفظا عليه بشكل كبير، على الرغم من أن نساء التنظيم يلعبن دوراً بارزاً في التنظيم في هذا السياق، حيث تحول الأمر إلى ظاهرة عام 2007، عندما شهد العراق ثمانية تفجيرات انتحارية قامت بها نساء.

[1]- يوسف بن صالح العييري، دور النساء في جهاد الأعداء، من إصدارات معسكر البتار، تنظيم القاعدة، ص16

[2]- المرأة «القاعديَّة».. دورها بدأ خدميًّا وانتهى انتحاريًّا، موقع المرجع، 4 مايو (أيار) 2018، على الرابط التالي:

http://www.almarjie-paris.com/729

[3]- المرجع السابق.

[4]- حسن، أبو هنية، محمد، أبو رمان، عاشقات الشهادة: تشكلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى الدولة الإسلامية، مؤسسة فريدريش إيبرت، الطبعة الأولى، 2017، ص96

[5]- المرجع نفسه.

[6]- رسالة الزرقاوي، أينقص الدين وأنا حي، منشورات منبر التوحيد والجهاد، على الرابط المختصر التالي:

https://cutt.us/RNiDQ

[7]- المنظر الجهادي أكرم حجازي، تعليق على رسالة زوجة الظواهري، بعنوان: القاعدة تكسب الجماعة المقاتلة، منشورات التوحيد والجهاد، على الرابط المختصر التالي:

https://cutt.us/rGNPO

[8]- المرأة «القاعديَّة».. دورها بدأ خدميًّا وانتهى انتحاريًّا، مرجع سابق.

[9]- المرجع نفسه.

[10]- هدى، صالح، بنات الإرهاب: أمهات انتحاريات وأخوات مسلمات، في: نساء الخليج واليمن: جدل الدين والحقوق والإسلاموية، مجموعة من الباحثين، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، الكتاب السابع والتسعون، يناير (كانون الثاني) 2015، متوافر على الرابط المختصر التالي:

http://cutt.us/eGdZF

[11]- المرجع نفسه.

[12]- يوسف العييري، دور النساء في جهاد الأعداء، مرجع سابق.

[13]- هدى، صالح، بنات الإرهاب: أمهات انتحاريات وأخوات مسلمات، مرجع سابق.

[14]- هدى الصالح، بنات الإرهاب، بيروت نيوز، على الرابط:

http://www.beirutme.com/?p=13924

[15]- المصدر السابق.

[16]- حواء القاعدة، صحيفة الشرق الأوسط، 8 ديسمير (كانون الأول) 2014، على الرابط:

http://cutt.us/N8td9

[17]- https://archive.org/details/Almalaahm_11/page/n21 حفيدات أم عمر، من مجلة صدى الملاحم

[18]- جهاد نسائي على طريقة القاعدة، موقع دنيا الوطن، 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2004، على الرابط:

https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2004/10/07/10872.html#ixzz5k1IqOKqm

[19]- مجلة الخنساء، تنظيم القاعدة (المرفقات).

[20]- مجلة معسكر البتار (المرفقات).

[21]- راجع أعداد معسكر البتار (المرفقات).

[22]- المصدر السابق.

[23]- المصدر السابق.

[24]- مجلة معسكر البتار، القاعدة، العدد (19).

[25]- مجلة الشامخة، القاعدة، العدد الأول، https://archive.org/details/al_shamikha

[26]- من أعداد الشامخة: https://archive.org/details/al_shamikha

[27]- المدن، القاعدة تعلم نساءها.. كيف تسرقين قلب زوجك؟

https://www.almodon.com/media/2018/2/4/القاعدة-تعلم-نساءها-كيف-تسرقين-قلب-المحارب-الجهادي

[28]- مجلة الأسيرات: https://archive.org/details/al-asira

[29]- حفيدات الخنساء https://archive.org/details/somodmaghrib

[30]- المشتاقون للجنة https://archive.org/stream/Sawt-aljihad-magazine/Sawt-aljihad24#mode/2up

[31]- المدن، القاعدة تعلم نساءها... كيف تسرقين قلب زوجك؟

https://www.almodon.com/media/2018/2/4/القاعدة-تعلم-نساءها-كيف-تسرقين-قلب-المحارب-الجهادي

[32]- نسبة إلى خولة بنت الأزور الصحابية، التي عاشت في القرن السابع.

[33]- http://cutt.us/f8GFH

[34]- مجلة سنتي خولة: https://archive.org/details/TTPMagazineSunnatKhaula01

[35]- المدن، القاعدة تعلم نساءها: http://cutt.us/pMDp4

[36]- رانيا مكرم، كيف وظفت التنظيمات الجهادية وسائل الإعلام؟، المركز العربي للبحوث، 26 أبريل (نيسان) 2016

http://www.acrseg.org/40137

[37]- إبراهيم النجار، الأهرام، عدد 21 سبتمبر (أيلول) 2016، على الرابط:

http://cutt.us/KM2HX

[38]- المصدر السابق.

[39]- صدى الملاحم، العدد الثاني، إصدارا تنظيم القاعدة.

[40]- صدى الملاحم، العدد (4)، إصدار تنظيم القاعدة.

[41]- مجلة الشامخة، العدد الأول، إصادر تنظيم القاعدة.

[42]- عاشقات الشهادة، أبو رمان، وأبو هنية، ص65، فريدريش.

[43]- المصدر السابق.

[44]- http://www.almarjie-paris.com/3983

[45]، المدن، القاعدة تعلم نساءها، على الرابط:

http://cutt.us/XdJRK

[46]- النساء والإرهاب.. قراءة جندرية، الشرق الأوسط، عدد 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، على الرابط:

http://cutt.us/dX52K

[47]- المصدر السابق.