النسبية الثقافية: ما بعد الحداثة في نقد الحداثة


فئة :  مقالات

النسبية الثقافية: ما بعد الحداثة في نقد الحداثة

تقديم:

"يبدو أنه ليس لدينا أيّ معيار للحقيقة والصواب، إلا في إطار ما نجده سائدًا من آراء وعادات على الأرض التي نعيش عليها (أوروبا)، حيث نعتقد بوجود أكمل الديانات، وأكثر الطرائق فاعلية في الحصول على الأشياء"[1]، هذه مقولة تعود للباحث الفرنسي ميشيل دي مونتاني (1532-1592) دوّنها في مقال شهير له موسوم بـ "أكلة لحوم البشر" خلال القرن السادس عشر، وهي مقولة ملهمة للتفكير حول النسبية الثقافية، ومساءلة الخلاصات الأنثربولوجية التي تم إنجازها في سياق تاريخي تميز بسمتين اثنيتن؛ السمة الأولى صعود العقلانية وبروزها، بعدما تم تفكيك ونقد المعرفة الدينية والإرث الأرسطي اللذين سادا خلال القرون الوسطى جنبا إلى جنب[2]، والسمة الثانية هي التوسع الاستعماري الإمبريالي الأوروبي على حساب العديد من مجتمعات العالم. وفي الواقع، لا يمكن الفصل بين هاتين السمتين، إذ يمكن القول إنه بفضل استخدام العقل وإزاحته السحر عن العالم بتعبير ماكس فيبر، تم الإقدام على عملية الاستعمار ومحاولة إعادة تقسيمه وتشكيل تاريخه بناء على السردية الأوروبية الجديدة، والتي طالما اتخذت من العقلانية والتحضر مطية وشرعية للاستعمار.

بالإضافة إلى هذا، ففي سياق النصف الثاني من القرن العشرين عرفت الساحة الإبستيمولوجية نشاطا نقديا مكثفا للمعرفة والمنهج، وقد ارتبط ذلك في الواقع بالآثار الناجمة عن الحربين الكونيتين التي جعلت العديد من الفلاسفة والمفكرين في مختلف الحقول المعرفية يعيدون التفكير حول العقل الحداثي الذي طالما أعلت أوروبا من شأنه والمعرفة التي أنتجها؛ وحقل الأنثربولوجيا من ضمن هذه الحقول التي شهدت مراجعات فكرية نقدية. وعليه، تبدو فكرة النسبية الثقافية مغرية للنقاش بناء على هذه المراجعات، ولن يتأتى ذلك إلا بوضع الخلاصات التي راكمتها الأنثربولوجيا الغربية إزاء الشعوب الأخرى على محك مساءلة المناهج التي ارتكنت إليها، وإذا كان تاريخ الأفكار هو تاريخ قطائع إبيستمية بتعبير مشيل فوكو وتطبعها النسبية كما يذهب إلى ذلك الإبيستيمولوجي الفرنسي غاستون باشلار، فيبدو مشروعا أن نسائل هذه الخلاصات الأنثربولوجية التي وصل إليها الأنثروبولوجيون الأوروبيون.

هذه المساءلة بطبيعة الحال، ستقودنا إلى نسبية تلك الخلاصات، خصوصا إذا ما استحضرنا الكتابات التي انتقدت التوجهات الاستعمارية/الاستشراقية التي كانت هاجس الباحثين الأنثربولوجيين في سياق المد التحرري في النصف الثاني من القرن الماضي، وهذا سيمنحنا شرعية مناقشة نسبية الثقافة، حيث تنتفي إيديولوجية الأفضلية وهمجية الآخر، وادعاء اعتبار الحداثة الأوروبية النموذج الوحيد والأوحد لكل المجتمعات، هذه الهواجس التي شكلت عصب الأنثربولوجية الأوروبية تجاه بقية المجتمعات؛ ذلك أن كل ثقافة لها مسارها الخاص وتجربتها التاريخية، وبالتالي يكون إسقاط مفاهيم تجربة معينة على باقي التجارب أمرا فيه غلو.

بناء على هذا، تروم هذه الورقة مناقشة موضوع النسبية الثقافية من جانبين اثنين؛ الجانب الأول يتعلق بالمراجعات النقدية التي طالت المنهج في العلوم الإنسانية في سياق ما بعد الحداثة؛ ذلك أن نقد المنهج وتبيان شوائبه يعني التشكيك في الخلاصات التي توصل إليها، الجانب الثاني يرتبط باستحضار أطروحات بعض الأنثربولوجيين التي تعالج نفس الموضوع، وذلك لتتبع النقاش الدائر حول هذه الفكرة بين مجموعة من الباحثين في حقل الأنثربولوجيا. وقبل الاضطلاع بهذه المهمة يلزمنا شرح مفهومين نعتبرهما بمثابة مدخل لتحقيق فهم سلس لدى القارئ، وهما المنهج والنسبية الثقافية.

المنهج:

بدأ الحديث عن معرفة علمية حين تم التوصل إلى منهج علمي دقيق وصارم خلال النهضة الأوروبية مع فرانسيس بيكون، فأصبح بالإمكان الحديث عن معرفة علمية تستند إلى منهج، ومن خلاله تحوز على الاعتراف لولوج سوق المعرفة إن صح التعبير، حيث إن أية معرفة غير مصاغة بناء على مقولات المنهج العلمي، لا يصح تسميتها معرفة علمية.

على هذا الأساس، فأيّ حقل معرفي يريد لنفسه الريادة والاعتراف بين الحقول المعرفية الأخرى ينبغي عليه أن يرتكن إلى منهج علمي صارم، على الأقل ساد هذا الاعتقاد أو المبدأ بشكل كبير إبان فترة الحداثة. إن الأنثربولوجيا كحقل معرفي لم يكن بالإمكان الاعتراف به لو لم يتبنّ "منهجا علميا" يضمن به حيازة الاعتراف، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا الصدد هو: إلى أي حد يمكن القول بنجاح هذا المنهج في تشييد معرفة علمية وصروح نظرية؟

من داخل الإبستمولوجيا تم استخلاص قانون يضفي الدينامية على المعرفة العلمية، وهو قانون النسبية، ليست هنالك نظريات يمكن أن تظل لزمن طويل صحيحة، ولا منهج غير قابل للتعديل وفق المستجدات الطارئة في الواقع الذي يتم مقاربته، ووفق كذلك التفاصيل المتعلقة بالباحث نفسه. نستفيد من الدرس الإبستمولوجي حول المعرفة العلمية والمنهج أن الطبيعة المتبدلة للواقع المدروس، سواء تعلق الأمر بالظواهر الطبيعية[3] أو الإنسانية، يوازيها تبدل/تغير في المقاربة أو المنهج، وبالتالي اختلاف الخلاصات التي يتم التوصل إليها كل مرة، وعليه يمكن الحكم على المعرفة العلمية بالنسبية، فكيف الحال في حقل الأنثروبولوجيا إذن؟

يتحدد المنهج العلمي بكونه "مجموعة مقننة من الأدوات التي تستخدم وفق قواعد إجرائية متفق عليها من قبل المجتمع المهني العلمي"[4]، ومن أهم سماته استبعاد المعتقدات والآراء الشخصية التي تحُول دون تحقيق الحياد العلمي؛ فالرأي بتعبير غاستون باشلار هو ترجمة للحاجات، ويقف عائقا أمام بناء المعرفة العلمية. إذا سلمنا بهذه النتيجة، فماذا بإمكاننا أن نقول عن المنهج في حقل الأنثربولوجيا، هل هو منهج صارم على هذا المنوال؟

النسبية الثقافية:

يتكون هذا المفهوم من شقين اثنين؛ النسبية ثم الثقافة، الشق الأول يحيل إلى عدم الإطلاقية والجزم، بمعنى أن النسبية تحمل دلالة تفيد تعدد الاحتمالات والحقائق والتأويلات، ولنقارن بين خطاب أو تصور إطلاقي وآخر نسبي لأجل الفهم، الخطاب الإطلاقي يدعي امتلاك الصواب والحقيقة دون غيره، بينما الخطاب النسبي فهو يضع نصب أعينه أنه لم يأت سوى بجزء من الصواب، وأن هناك احتمالات أخرى يمكن الوصول بها إلى نفس الخلاصات التي انتهى بها أو خلاصات أخرى مغايرة لها. على هذا الأساس، نجد الخطاب العلمي يتميز بكونه خطابا يؤمن بالخطأ، وكذلك بتعدد الرؤى المنهجية، وبالتالي نسبية "الحقائق" التي يصل إليها. ولعل تاريخ الأفكار والنظريات العلمية يمكن أن نستقي منها هذا المبدأ. في الواقع يمكن القول إن النسبية كمفهوم تم نحته في من داخل مبحث الإبيستمولوجيا، وهو مبحث نقدي يدرس "المعرفة العلمية من حيث المبادئ التي ترتكز عليها والفرضيات التي تنطلق منها والنتائج التي تنتهي إليها."[5] دراسة أسس المعرفة العلمية وفرضياتها ومناهجها، أدت إلى أن الخلاصات التي تنتهي بها البحوث العلمية تتميز بالنسبية بناء على نقد مبادئ هذه المعرفة بمعنى مناهجها، ثم فرضياتها.

على هذا الأساس، تصلح مقارنة الخطابات العلمية بالخطابات الدينية لفهم النسبية بشكل أكثر جلاء، رغم أن هناك من يعترض على هذه المقارنة بحجة أن الخطابين مختلفين أساسا في مبادئ كل واحد منهما، وبالتالي فنتيجة المقارنة واضحة دون حتى عقدها. لكن الأمر الغائب لدى أصحاب هذه الحجة هو أن الخطابين يشتركان في الغاية، حيث إن كليهما يهدف إلى فهم العالم وبناء تصور حوله، وعليه تكون مقارنتهما أمرا جائزا، خصوصا في هذا السياق الذي نبتغي فيه توضيح النسبية. الخطاب الديني خطاب إطلاقي لديه أجوبة جاهزة حول مشاكل الفرد والمجتمع، وحتى في تكوين العالم ومصيره والجانب المتعلق أيضا بأنطولوجية الإنسان (قصة خلق الإنسان، مصيره، الغاية من خلقه...)، بينما الخطاب العلمي ليس لديه أجوبة جاهزة، وخلال تنقيبه عن الحقيقة عبر مناهج علمية يجد أن الحقيقة التي يتم التوصل إليها نسبية بناء أولا على احتمالية وجود خطأ في المقاربة، وثانيا بناء على إمكانية تغير الظاهرة أو الواقع، مما يجعل الخلاصات العلمية نسبية تبعا لهذا التغير الذي يطال الواقع المدروس.

الآن، ماذا نعني بالثقافة؟ حظيت الثقافة بعدة تعاريف تصل إلى 164 تعريفا حسب المراجعة التي قام بها كل من عالمي الاجتماع ألفريد كروبر وكلايد كلوكهون حول الدلالات المختلفة لكلمة ثقافة[6]، ونظرا لهذا التنوع الدلالي للثقافة يقول إدغار موران إن: "كلمة الثقافة بداهة خاطئة، كلمة تبدو وكأنها ثابتة، حازمة، والحال أنها كلمة فخ ..."[7]، وعلى هذا الأساس، فإن الثقافة تحتمل أكثر من دلالة وذلك تبعا للمرجعيات العلمية التي تتناولها بالدراسة. والتحديد الذي يمكن أن نمنحه لها في هذا السياق هو تحديد يجمع بين دلالة مفهوم النظرة إلى العالم (world view) الذي نحته ماكس فيبر، والتي تتمثل في التصور العام للوجود الذي يحكم ويحرك كافة الفاعلين الاجتماعيين[8] والدلالة التي يحددها روبيرت بيرستيد للثقافة؛ إذ يعتبرها "ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نمتلكه كأعضاء مجتمع"[9].

يأتي إذن مفهوم النسبية الثقافية للتعبير عن تعدد واختلاف الرؤى أو التصورات الثقافية حول العالم، تبعا لتعدد المجتمعات واختلاف الأماكن التي تقطنها، ولن نقول إن لكل ثقافة تاريخها الخاص تجنبا للسقوط في شراك الشوفينية، على الأقل في الحقبة المعاصرة التي احتكت فيها الشعوب فيما بينها على نحو غير مسبوق. ولكن هذا لا يعني إطلاقا أن لكل ثقافة استقلالا يرتبط بتاريخ تشكلها وبطبيعة المكان الجغرافي الذي تتواجد فيه، وهذا ما أشار إليه فرانز بواس؛ إذ أكد على دراسة كل ثقافة دون مقارنتها بالثقافات الأخرى ودون أفكار مسبقة[10].

النسبية الثقافية والمنهج:

المداخلة الأساسية في هذا المحور هي النظر إلى مسألة النسبية الثقافية بناء على المراجعات النقدية التي يعرفها حقل الإبيستمولوجيا؛ فالدرس الإبيستمولوجي يمنحنا زاوية جيدة لمعالجة النسبية الثقافية. الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الصدد هي: لماذا لم تبق فيزياء نيوتن سائدة إلى اليوم؟ لماذا تم نقد المنهج البوبري (كارل بوبر)؟ لماذا تم نقد المنطق الأرسطي الذي ساد خلال العصور الوسطى؟ وغيرها من الأسئلة التي تمدنا الإجابة عنها بخلاصة مفادها أن المعرفة العلمية في بناء مستمر ومتراكم، وهذا البناء المستمر لم يكن ليحصل لولا النقد الذي لازم المعرفة العلمية، وكذلك لولا تبدل الواقع الذي تتم دراسته، هذا فيما يخص العلوم الطبيعية التي لطالما اتخذت كنموذج يحتذى به من الناحية المنهجية، فماذا عن العلوم الإنسانية التي ما تزال تعاني من أزمة المنهج (ثنائية الذاتية والموضوعية)؟

بما أن ولادة العلوم الإنسانية لم تكن ولادة طبيعية، خصوصا علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، حيث لازمتها معضلة المنهج منذ أن تشكلت؛ فعلى هذا الأساس تكون مناقشة النسبية الثقافية في حقل الأنثربولوجيا هي مناقشة تروم إلى مساءلة الخلاصات العلمية التي تم بناؤها في هذا الحقل ما يعني مساءلة المنهج الذي تم الارتكان إليه لبناء تلك الخلاصات. ولكي نبدأ هذه المناقشة، يلزمنا العودة إلى لحظتين أساسيتين من تاريخ الأنثروبولوجيا؛ اللحظة الأولى لحظة ظهور الأنثروبولوجيا، اللحظة الثانية مرتبطة بسياق المرحلة المسماة "ما بعد الحداثة".

ارتبط ظهور الأنثروبولوجيا بتطور الملاحة البحرية والقدرة على السفر بعيدا عن مكان المنشأ، ليتم اكتشاف عوالم جديدة ومجتمعات أخرى، هذه اللحظة تم فيها وضع الآخر باعتباره موضوعا خارجيا، لتتم دراسة ثقافته كثقافة خارجية، هي لحظة تؤرخ لوضعية إبسيتمولوجية من تاريخ الأنثروبولوجيا؛ فالباحث آنذاك يدرس ثقافة مختلفة، ما يجعله يدرسها كشيء خارجي عنه، وتنتمي إلى الطبيعة ويحكم عليها، باعتبارها ثقافة سحيقة وتمثل حلقة من حلقات تطور الإنسان، ومن تم الحكم عليها من موقع الباحث ومن المرحلة التاريخية التي يعيشها في بلده. هذه الوضعية الإبستيمولوجية تجعلنا نتساءل أيّ منهج تم الاستناد إليه فيها؟ نلاحظ أن معظم البحوث الأنثروبولوجية أنتجت خلاصات تضع الثقافات الأخرى في مصاف الهمجية وأكلة لحوم البشر، هذه النتيجة توضح أن المنهج لم يكن سليما، حيث تدخلت فيه الذاتية على نحو كبير، ويمكن أن نأخذ على سبيل المثال تقنية الملاحظة التي تستعمل في معظم البحوث الأنثروبولوجية. تقنية الملاحظة ليست بريئة، إنها تشتغل لدى الباحث بناء على الترسبات التي تعتمل بالمخيال الجماعي للمجتمع الذي ينتمي إليه، يرى الوقائع التي تبدو له غرائبية وينتقي منها ما يتماشى وطرحه الذي بني أساسا على معاينة آخر مختلف عنه.

يمكن أن تتخذ مناقشة تقنية الملاحظة منحاها الأقصى إبان ظهور الكاميرا واعتماد الصورة الفتوغرافية والفيلم الوثائقي الإثنوغرافي لجمع المعطيات من الميدان، وراء عدسة الكاميرا عين باحث ينقب عن تصوير الغرائبي[11]، عين مروضة ثقافيا؛ فالباحث لا يرى الواقع لأن له عينين، بل يراه بناء على الثقافة التي قننت استعمالات المشاهدة/الملاحظة، هكذا يدخل المنظور الثقافي للباحث في المنهج. وعليه، فلا غرابة أن تنتهي مجمل البحوث الأنثروبولوجية بجعل الآخر وثقافته في مرتبة متدنية من ثقافة الباحث، بالإضافة إلى أن أغلب الباحثين كانوا يستقون معطياتهم من المخبرين، وهذا حال دون الاحتكاك اللغوي المباشر بين الباحث والمجتمع المدروس، بل أكثر من هذا تٌأخذ المعرفة التي يمدها المخبر للباحث بكونها إيديولوجية[12] وغير دقيقة وتحتاج إلى تصنيف، وكذلك يبقى وصف الباحث الذي لا يجيد لغة المجتمع الذي يدرسه وصفا باردا لا يتجاوز وصف القشرة الخارجية للأفعال والظواهر التي يعاينها.

حسنا، الآن يمكننا مناقشة اللحظة الثانية من تاريخ الأنثربولوجيا، بناء على ما أوردناه في اللحظة الأولى. بعد مراكمة المعرفة العلمية حول الآخر، يأتي سياق ما بعد الحداثة ليعيد النظر في تلك المعرفة، وتجدر الإشارة إلى أن مرحلة ما بعد الحداثة تظافرت مجموعة من الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لظهورها، وتشكل الحربين الكونيتين أهم حدثين ساهما في بروزها، حيث تم طرح العديد من الأسئلة التي بدأت مع مدرسة فرنكفورت النقدية بألمانيا، الهدف من وراء هذه الأسئلة مساءلة العقل الحداثي الذي وعد الأوروبيين بالتقدم والرفاه، العقل الذي توصلوا من خلاله إلى أن التاريخ يسير بشكل خطي، من التوحش إلى التحضر، من الأسوأ إلى الأفضل.

بناء على هذا، عرف مبحث الإبستمولوجيا دينامية نقدية، ولم يسلم حقل الأنثروبولوجيا من هذه الدينامية التي لم ترتبط في الحقيقة بالنسبة إلى الأنثروبولوجيا بالحربين الكونيتين فقط، وإنما ارتبطت كذلك بتنامي المد التحرري في البلدان المستعمرة من جهة، وبالاكتشاف الذي أتى به ألبرت إنشتاين وهيزنبرغ بخصوص الفيزياء الكمية[13]، وهو اكتشاف هز أركان قلعة التجريبيين في العلوم الطبيعية، حيث أصبح السؤال هنا لدى العلوم الإنسانية هو كيف أصبح بالإمكان الارتكان إلى منهج أصبح حتى في معقله مهددا بالتجاوز؛ ذلك أن العلوم الإنسانية استقت مناهجها من العلوم الحقة بحجة أنه يحقق الموضوعية في التعامل مع الظواهر.

هذه التفاصيل قادت الأنثروبولوجيا إلى مراجعة خلاصاتها المعرفية بخصوص الآخر، وكان فرانس بواس (1858-1942) من الأوائل الذي ناقشوا فكرة النسبية الثقافية من الناحية المنهجية، إذ أكد على ضرورة دراسة الثقافة "دون أفكار مسبقة ودون مقارنتها قبل الأوان بثقافات أخرى. وكان ينصح بالحيطة والحذر والصبر في البحث. وكان واعيا بتعقيد كل منظومة ثقافية"[14]. سيتطور هذا البراديغم المنهجي مع الأنثروبولوجيين الما بعد حداثيين، وستتم مناقشة "الثقافة" بإسهاب أكثر، حيث سيتم تفكيك التصور السائد حول الثقافة، الذي صاغته إيديولوجية الحداثة، وهو تصور لا يجد معناه سوى في ثنائية متحضر وبدائي، وكذلك في علم الأعراق الذي نظر إلى الثقافة، باعتبارها خاصة بعرق معين دون آخر، والمنظور العرقي للثقافة الذي تبناه التطوريون انتقده بشدة بواس في نهاية القرن التاسع عشر.

كيفن دواير (1942) من الأنثروبولوجيين الذين انخرطوا في نقاش المراجعات النقدية في حقل الأنثروبولوجيا التي بدأت منذ النصف الثاني من القرن الماضي، ويخصص كيفن كتابه "حوارات مغربية بين المؤلف كيفن دواير والفقير محمد الشرادي، مقاربة نقدية للأنثروبولوجيا"، ليشرح تصوره المنهجي وانتقاده للأنثروبولوجيا الكلاسيكية، ويقترح المنهج الحواري الذي يعيد النظر بين الباحث ومستجوبه أو مخبره[15]. وفي الواقع، يعيدنا منهج دواير إلى ثنائية الداخلي والخارجي التي طبعت الأنثروبولوجيا الأمريكية مع الأنثروبولوجيين بايك ومارفن هاريس[16]، إذ أصبح النقاش دائرا حول الوضع الإبيستمولوجي الذي على الباحث أن يتخذه لدراسة الثقافات الأخرى، هل يتبنى النظرة من خارج أم من الداخل، وتمخض عن هذا السجال تعدد في الرؤى المنهجية منها التأويلية التي تتبنى النظرة من الداخل، وكذلك حوارية كيفن، رغم أنه ينتقد من خلالها التأويلية، حيث إن المنهج الحواري يتحاشى منح أية تفسيرات ضمنية لما يقوله المستجوب أو المخبر، يكتفي الباحث فقط بتسجيل هذا الحوار ونقله للمتلقي على الرغم من العوائق التي ترتبط بتحويل حوار شفوي واقعي إلى حوار مكتوب. على هذا الأساس، يرى دواير الحوار منهجا للبحث مقوضا بذلك تقليدا راسخا في الأنثروبولوجيا، وهو تقليد يضع الباحث في مرتبة أعلى من المبحوث ويتحدث نيابة عنه.

من خلال ما تم الوقوف عنده، يتضح أن المعرفة الأنثروبولوجية التي تمت مراكمتها خلال بدايات اعتماد الأنثروبولوجيا كتخصص معرفي، هي معرفة مؤطرة ضمن سياق إبيستمولوجي كان فيها الباحث يصف ويحلل فيها ثقافات الشعوب الأخرى من الخارج، دون محاولة استكناه المعاني التي تحتويها بالنسبة إلى أصحابها، وكشفت المراجعات النقدية والسجالات الفكرية حول المنهج في حقل الأنثروبولوجيا التي بدأت منذ النصف الثاني من القرن العشرين، أن الخلاصات التي تم التوصل إليها عبر المناهج المصاغة من قبل العقل الحداثي أو من الإيديولوجية الحداثوية التقدمية التي كان لها تصور حول العالم وحول التاريخ وحول ثقافات الشعوب الأخرى هي خلاصات نسبية بالنظر إلى الثغرات المنهجية التي تم الوقوف عندها في سياق ما بعد الحداثة.

نحو النسبية الثقافية:

في المحور السابق، ناقشنا فكرة النسبية الثقافية بناء على المستجدات التي عرفتها ساحة الإبيستمولوجيا خلال النصف الثاني من القرن الماضي، في هذا المحور سنحاول الوقوف عند بعض الأعمال الأنثروبولوجية التي تؤسس للنسبية الثقافية في سياق ما بعد الحداثة، وجدير بالذكر أنه كانت هنالك إرهاصات حول هذا الموضوع، وإن لم نكن نعرف بداية هذه الإرهاصات، إلا أننا نؤرخ لها مع مشيل دي مونتاني الذي بدأنا هذا المتن بمقولته، ثم كذلك مع الأنثروبولوجيا الانتشارية التي تحتوي تيارين اثنين؛ التيار الأول يقول بالمركز الواحد للثقافة، بمعنى أن الثقافة كان لها مركز واحد ومنه شاعت الثقافة في بقاع المعمورة، والتيار الثاني يأتي كرد فعل على الأول، ويقول بالدوائر الثقافية المتعددة؛ أي إن الثقافة تتواجد لدى مجتمعات مختلفة والتشابهات الحاصلة بين هذه الثقافات، إنما يأتي عبر الاحتكاك الذي يحصل فيما بينها (الحرب، التجارة...)[17]، وفي هذا السياق، يأتي فرانز بواس ليعارض "الفكرة القائلة بوجود طبيعة واحدة وثابتة للتطور الثقافي"[18]، ويشدد على دراسة كل ثقافة على حدة والإلمام ببنائها الثقافي قبل مقارنتها والخروج بالتعميمات. إلى جانب كتابات مارغريت ميد أيضا التي برهنت على أن النمو الجنسي والحريات الجنسية لدى المراهقين في مجتمع الساموا يحصل بشكل طبيعي[19] على عكس ما يحدث في المجتمع الأمريكي لدى نفس الفئة، وهي دراسة أحدثت ضجة في الوسط الأكاديمي بالولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا دراساتها حول المرأة في أحد مجتمعات إفريقيا التي كشفت فيها وجود مساواة بين المرأة والرجل، بل وقيام المرأة بأعمال لا يقدر عليها الرجل في ذلك المجتمع، وهذه الدراسة ألهمت الحركة النسائية في الولايات المتحدة الأمريكية في تشييد أطرها النظرية والإيديولوجية.

سيأخذ النقاش حول الثقافات عموما مداه في مرحلة ما بعد الحداثة، ولكي يسهل فهم الكتابات الأنثروبولوجية التي يعلن أصحابها انتماءهم إلى هذه المرحلة، يجب أن نعرف ميزات كل من مرحلة الحداثة ومرحلة ما بعد الحداثة؛ في المرحلة الأولى ساد اعتقاد دوغمائي بالمنهج العلمي وبصرامته، وكذلك آمن الحداثيون بيقينية المعرفة العلمية، وصاغوا نظريات شمولية/ كليانية تدعي قدرتها على استيعاب الحياة الاجتماعية، واعتقدوا في خطية التاريخ، خصوصا مع ذيوع النظرية الداروينية التي تأثر بها الأنثروبولوجيون، ليصيغوا نظرية التطور التي أرادوا من خلالها تبيان المسار التاريخي للمجتمعات الذي يتجه من الأسوأ إلى الأفضل، من التوحش إلى التحضر. بينما مرحلة بعد الحداثة على عكس ذلك، طبعتها نسبوية بخصوص المعرفة العلمية والمنهج كذلك، وإعادة النظر في النظريات الشمولية، وأيضا الدفاع عن تعددية الأصوات[20].

تأتي كتابات كليفورد غيرتز التي أسست للنظرية التأويلية في سياق ما بعد الحداثة، لمنح الفرد والرموز أهمية في البحث والتحليل على عكس الأنثروبولوجية الكلاسيكية التي كانت تسقط في تعميمات، ولم يكن للفرد فيها أية قيمة أمام الأنساق الاجتماعية في تطورها أو سكونها، وقد أسس غيرتز ما يسمى بالتوصيف الكثيف الذي استعاره من الفيلسوف جيلبرت رايل، وهو أسلوب استخدمه غيرتز لينفذ إلى عمق الفعل الاجتماعي واستكناه معناه عوض الاكتفاء بوصف ما يظهر من هذا الفعل، ويستعمل على سبيل المثال "الغمزة"[21] وصراع الديكة عند البالينزيين ليوضح ذلك، وتكمن أهمية هذا الأسلوب في كونه قد قطع مع الوصف البارد الذي من الممكن تسميته الوصف الانطباعي السائد في الأنثروبولوجيا الحداثية، وهو وصف يكتفي بظاهر الأفعال الاجتماعية للمجتمعات المدروسة دون محاولة سبر أغوار هذه الأفعال، وكشف المعنى أو الدوافع التي تقف وراءها. تكمن أهمية مداخلة غيرتز في كونها تؤكد على ضرورة البحث عن معاني أفعال الأفراد ومعرفة تصورهم للعالم، ما يعني أنه لا يستقيم إعطاء المعنى والتفسير لهذه الأفعال من الخارج.

في كتابه "سرقة التاريخ" يعيد جاك غودي فحص السردية الأنثروبولوجية الحداثية التي تم تشكيلها لتمثيل الآخر (Representation the other) أو بتعبير منذر كيلاني اختلاق الآخر، حيث يعود جاك إلى استنطاق التاريخ، إن صح التعبير التاريخ غير الرسمي الذي يتم تجاهله، ومن ثمة يكون السؤال هو: هل الديمقراطية والرأسمالية والفنون المختلفة والحب والفردية... هي من صنع وإبداع الحضارة الغربية لوحدها؟ ارتكن غودي للجواب عن هذا السؤال إلى "منهجية مقارنة من أجل تحليل التفاعل بين الثقافات المختلفة"[22]، وكذلك إلى البحث الميداني، حيث قضى سنوات من البحث في قبائل غانا، فحاور غودي في دراسته كل من كارل ماركس ونوربرت إلياس وماكس فيبر ومؤرخين من قبيل فيرناند برودل وموسى فينلي وغيرهما. ويصل غودي إلى نتيجة مفادها أن لكل ثقافة قسطا من الإنجازات التي تدعي أوروبا الغربية أنها وصلت إليها بمفردها، ما يعني أن الحكم على الثقافات الأخرى بالستاتيكية وعدم قابلتها للتغير إلا بطرف خارجي هو زعم أجوف غرضه تحديد موقع الذات من التاريخ عبر الحكم على الآخر بالبدائية.

في هذا المقام، نخلص إلى أن هناك مجموعة من الكتابات – غير هاتين اللتين توقفنا عندهما - التي اتجهت نحو نقد وتفكيك السردية الأنثربولوجية الأوروبية التي تأسست على أوهام الحداثة والتقدم والوضعية الصارمة، كتابات تمثل هدفها في إرساء مدخل جديد لفهم المجتمعات الأخرى. ومن ثمة تأسيس للنسبية الثقافية التي تقوض النموذج الوحيد والأوحد للثقافة الذي ادعت أوروبا أنها تمثله.

على سبيل الختام:

تاريخ المعرفة العلمية قائم على التراكم والتجاوز والخطأ، كل صرح نظري ومنهجي يدعي القدرة على التفسير الجيد لكل شيء سرعان ما يتم كشف قصوره عبر ابتداع طرائق منهجية أخرى أكثر قدرة على التفسير، على هذا الأساس حاولنا أن نبين في المحور الخاص بالنسبية الثقافية والمنهج أن المعرفة التي تمت مراكمتها طوال سيادة الإيديولوجية الحداثية ومقولاتها هي معرفة ارتبطت بهذه الإيديولوجية الحداثية التي اقتضت تمثيل ذاتها في صورة التحضر والآخر في صورة المتوحش والبدائي، وذلك دون محاولة تعميق الفهم حول ثقافة هذا الآخر وربطها بسيرورتها التاريخية، ولفشل المناهج التي تمت صياغتها في مرحلة الحداثة في هذه المهمة، أتت مرحلة ما بعد الحداثة التي برزت نتيجة أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية عرفها العالم في المنتصف الأول من القرن العشرين، فقامت بمراجعة نقدية لتلك المناهج والخلاصات التي تم التوصل إليها، مما أسس للحديث عن النسبية الثقافية. وفي المحور الثاني (نحو النسبية الثقافية) توقفنا عند باحثين (كليفورد غيرتز، جاك غودي) اللذين انخرطا في هذا النقاش النقدي للسردية الأنثربولوجية الحداثية.

لم يكن مسعانا في مناقشة النسبية الثقافية إثبات أن كل ثقافة من الثقافات الموجودة هي منغلقة على نفسها، ولا تزكية لأطروحة صامويل هنتغون المتمثلة في صراع الحضارات، بل كان غرضنا هو توضيح أن المعرفة العلمية في حقل الأنثروبولوجيا وجهتها هواجس المرحلة الحداثية، مما قادها لتمثيل الآخر كنقيض للذات الأوروبية، وإماطة اللثام عن هذه الهواجس في الخطابات الأنثروبولوجية الحداثية من شأنه أن يؤسس لفهم جديد حول العالم وحول ثقافات الشعوب الأخرى، وتأسيس منطلقات فكرية جديدة لا تروم للتصنيف، بل للفهم والحوار والاعتراف.

  


[1] عيسى الشماس، مدخل الى علم الإنسان (الأنثربولوجيا)، (دمشق، من منشورات اتحاد الكتاب العرب 2004)، ص 21

[2] فؤاد زكريا، مترجم، حكمة الغرب (الجزء الثاني) الفلسفة الحديثة والمعاصرة، (عالم المعرفة 1983)، ص 39

[3] في هذا السياق، هناك من يجزم بكون الطبيعة محكومة بقوانين فزيائية، والعقل العلمي اكتشف هذه القوانين مما سمح بالسيطرة على الطبيعة، والواقع أن الطبيعة ما تزال محاطة بهالة من الغموض ولأدل على ذلك اكتشاف أن الذرة تتكون من جزئين؛ جزء مادي صلب يمكن التنبؤ بمساره وجزء موجي يصعب التوقع أو التنبؤ باتجاهاته، وهذا الاكتشاف أخذ مع إنشتاين مسارا عجل بإعلان سقوط وهم المنهج التجريبي الذي ساد في الفيزياء الكلاسيكية. من جهة أخرى فإيمانويل كانط في كتابه نقد العقل العملي يرى أن المنهج التجريبي، لا يمكنه أن يرى أبعد من ظاهر الظاهرة، بمعنى خارجها ويصعب عليه النفاذ إلى جوهرها.

[4] إسماعيل ناشف، "صمت الظواهر: مقاربات في سؤال المنهج" مجلة إضافات، العدد العاشر، ربيع 2010

[5] محمد وقيدي، "ماهي الإبيستمولوجيا؟"، (بيروت، دار الحداثة، الطبعة الأولى 1983)، ص 12

[6] ديفيد إنغليز، جون هيوسون، مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة، ترجمة لما نصير، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2013)، ص ص 16-17

[7] عيسى الشماس، مدخل الى علم الإنسان (الأنثربولوجيا)، (دمشق، من منشورات اتحاد الكتاب العرب 2004)، ص 57

[8] عبدالغني منذيب، الدين والمجتمع: دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، (الدار البيضاء المغرب افريقيا الشرق، 2006)، ص 89

[9] عيسى الشماس، مدخل الى علم الإنسان (الأنثربولوجيا)، (دمشق، من منشورات اتحاد الكتاب العرب 2004)، ص 58

[10] "فرانس بواس والمفهوم الذاتي للثقافة"، 05 مايو https://bit.ly/2W7W8Pv

[11] محمد الجوهري وآخرون، "الأنثروبولوجيا الاجتماعية: قضايا الموضوع والمنهج"، (الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2004) 331

[12] عبد االله حمودي، "الداخلي والخارجي: في التنظير للظاهرة القبلية"، عمران، ترجمة من الفرنسية إلى العربية المولدي الأحمر، العدد 19/5، شتاء 2017

[13] "قراءة إبستمولوجية لإشكالية المنهج العلمي في العلوم الإنسانية"، 10/06/2018 https://bit.ly/2PyMh0Y

[14] "فرانس بواس والمفهوم الذاتي للثقافة"، 05 مايو https://bit.ly/2W7W8Pv

[15] "كتاب حوارات مغربية لكيفن دواير"، 28 يناير https://bit.ly/2INrjMY

[16] جون بيار أوليفي دي ساردون، "الداخلي"، ترجمه إلى العربية الحبيب درويش، مجلة عمران، العدد 19/05، شتاء 2017

[17] عيسى الشماس، مدخل الى علم الإنسان (الأنثروبولوجيا)، (دمشق، من منشورات اتحاد الكتاب العرب 2004)، ص 36 37 38

[18] نفس المرجع 39

[19] "الأنثروبولوجيا من النسبية إلى العلم المعرفي"، 02 أبريل https://bit.ly/2WimyxQ

[20] محمد على فارس، "نظرية المعنى الثقافي في الأنثروبولوجيا المعاصرة ثمرة الاتجاهات النقدية"، مجلة جامعة أم القرى للعلوم الاجتماعية، المجلد الثالث، العدد الثاني، يونيو 2011

[21] محمد بدوي، مترجم، تأويل الثقافات، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، بيروت، ديسمبر 2009، ص 46 47 48

[22] جاك غودي، "سرقة التاريخ"، ترجمه محمد محمود التوبة، (مكتبة العبيكان، السعودية، الطبعة الأولى، 2010) ص6