حوار مع الدكتورة ميادة كيالي: الحركات النسوية موجاتها وتحوّلاتها


فئة :  حوارات

حوار مع الدكتورة ميادة كيالي:  الحركات النسوية موجاتها وتحوّلاتها

حوار مع الدكتورة ميادة كيالي:

الحركات النسوية موجاتها وتحوّلاتها

"فكوني نسوية ...لا يسقط عليّ كل ما تمارسه الحركات النسوية الأخرى، وخاصة المتطرفة منها، ولا يعني أنني أعادي وأكره الرجال، ... بل يعني أنني أؤمن بالمساواة بين الجنسين...وأؤمن بضرورة تخطي الصراع للتحول إلى المشاركة الحقيقية في البناء والتنمية".

الدكتورة ميادة كيالي باحثة وكاتبة سورية، حاصلة على البكالوريوس في الهندسة المدنية، جامعة دمشق، وعلى الماجستير في الحضارات القديمة من جامعة فان هولاند، هولاندا. وعلى الدكتوراه في التاريخ القديم من جامعة فان هولاند، هولاندا. تشغل منصب المدير المالي والإداري لمؤسسة سراج للأبحاث والدراسات في هيئة أبوظبي للإعلام، الإمارات العربية المتحدة، والمدير العام لدار نشر مؤمنون بلا حدود في بيروت-لبنان. صدرت لها مؤلفات إبداعية، منها: "أحلام مسروقة" (2010)، و"رسائل وحنين" (2013)، وأخرى أكاديمية، منها: "المرأة والألوهة المؤنثة" (2015). و"هندسة الهيمنة على النساء، الزواج في حضارات العراق ومصر القديمة" (2018)، في ظلال الياسمين (2022).

عبدالسلام شرماط: ناضلت المرأة من أجل المساواة وضد الظلم، وحققت مكاسب مثل الحق في التصويت والوصول المتكافئ إلى التعليم، ومع هذا ما تزال النساء تتأثر بشكل غير متناسب بجميع أشكال العنف والتمييز في الحياة، كيف تقيّم الدكتورة ميادة هذا الوضع؟

ميادة كيالي: لا يمكن أن ننظر إلى وضع المرأة، دون النظر إلى وضع المجتمعات بالعموم، فكما يشير الفيلسوف الفرنسي شارلز فورييه Charles Fourier، (1772-1837)، الذي كان من أكثر المدافعين عن تحرير المرأة، على "أنَّ درجة تحرر المرأة هي المقياس الطبيعي للتحرر العام"، وكما كنت تردد الطبيبة والكاتبة والناشطة النسوية نوال السعداوي (1931-2021) أنه لا تحرر للمجتمعات من دون تحرر المرأة، فإنَّ تحرر المجتمعات يعكس تقدما بخطوات واسعة في تحرر المرأة وحصولها على العدالة والمساواة، وكافة الحقوق الإنسانية على قدم المساواة مع الرجل، للأسف ولغاية اليوم لا نزال نعيش في مجتمعات بطريركية، أسيرة الطبقية وكل الصراعات العرقية والمذهبية والطائفية، إضافة للصراعات على السلطة التي يتصارع فيها الرجال، وما يتبعها من حروب داخلية وخارجية، كل هذا مع اجتياح الفقر والجهل للسواد الأعظم من مجتمعات العالم الثالث، مما ساهم في استمرار المرأة في خضوعها وتبعيتها.

هذا من جهة وعلى الوجه الآخر، فإنَّ النساء اللواتي خضنَ ثورتهن خلال قرون طويلة، تحت هيمنة المجتمعات البطريركية على اختلاف مستويات تقدم أو تأخر تلك المجتمعات، جاهدن لاسترجاع تاريخهنَّ المغيَّب، بل لاسترجاع ذاكرة النساء في التاريخ، التي بسبب إهمالها صدّقت النساء أنهنَّ مخلوقات أدنى وأقل ذكاءً، وأضعف بالجسد الذي اعتبر أنه جسداً مخلوقاً للمتعة ولإنجاب النوع، كدور حتمي خُلق له، عزز ذلك وغزته الأفكار الدينية، التي رسمت من خلال تصوراتها لقصة الخلق الأولى، هذا التباين ما بين المرأة والرجل، وتلك التراتبية في الأدوار ليكون هو الضوء وهي ظله، وهو التابع وهي المتبوع، إلى أن اقتنعت المرأة أنَّها ليست سوى رحم العالم، ومصنع رجاله، أولئك الرجال الذين احتكروا صدارة التاريخ، فالتاريخ يكتبه المنتصرون، وبالتالي كانت حرب المرأة في رحلتها للتحرر قائمة على جبهتين؛ جبهة الآخر "الرجل" الذي بنى مجده على أسس من تبعيتها، والجبهة الأخرى جبهة الداخل؛ أي جبهة المرأة التي كانت بحاجة لإعادة فهم لدورها وإعادة الثقة بمقدرتها، وفهم حقوقها، مما جعل من نضالها لتحقيق العدالة نضالاً صعباً ولا يزال.

عبدالسلام شرماط: يمكن النظر إلى النسوية على أنها حركة تهدف إلى إنهاء التحيز الجنسي والاستغلال والقمع على أساس النوع الاجتماعي وتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين في القانون والممارسة؛ إلا أن ثمة دولاً ليست لديها قوانين ضد الاغتصاب الزوجي، وتسمح بزواج الأطفال وببعض الممارسات الضارة، مثل "جرائم الشرف" وختان الإناث، كيف تتعاطى النساء الناشطات مع مثل هذه الممارسات؟

ميادة كيالي: نضال النساء يختلف باختلاف الزمان والمكان، وعلى أساس ذلك كانت هناك أنواع عديدة للحركات النسوية، والتعريف الذي سقته هو يشكل عنوانا عريضا تتفرع منه العديد من الأشكال للحراك النسوي، وفي وقت ظهرت فيه عدة موجات للنسوية في العالم الغربي، في كل موجة منها، نادت النساء بالمزيد من الحقوق وتحقيق العدالة والقضاء على التحرش وعلى استغلال المرأة وقمعها جسدياً، فهناك مجتمعات لا زالت تطالب بما نادت به الموجات الأولى ربما ولم تصل إليه، وبالتالي ستختلف المواجهات فيها وحجم الصدامات التي ستعترض نضال النساء المنافحات عن الحق والعدالة والمساواة، وخاصة حين يكون خضوع المرأة مشرعنا عبر موروث واسع من الدين والأعراف التي اشتبكت في ما بينها، وشكلت ديناً يختلف في جوهره عن بدايات الأديان، وكان من تركة البطريركية التي هيمنت على مؤسسات الدولة ومؤسسات الدين.

لقد أضحت مقاومة الأعراف معاداة للدين وكفراً به، ولذلك غالباً ما تواجه النساء الناشطات ومن يدعمهن من الرجال المؤيدين لمظلوميتهن، وجهاً لوجه مع التيارات الحارسة للتراث، والمستعدة لخوض حروب واسعة من أجله. نعم، لقد اعتبرت المرأة من خلال الموروث الديني مكلَّفة من الخالق بالطاعة، وكل عصيان هو كفر به، وعليها وحدها تقع مهمة الحفاظ على شرف العائلة، المتعلق بكل فعل أو قول أو إشارة من جسدها الذي اعتبر مصنع الغواية والضلال، وتحولت مفاهيم الشرف والعرض وضرورة الطاعة، لأصول تشريعية دينية، تساهم في كل أشكال الظلم التي ستقع على المرأة، وأخذت قوة حضورها في الاجتماع من سلطة الدين وسدنته.

عبدالسلام شرماط: لعبت العديد من النساء عبر التاريخ، دورًا مهمًّا في الحياة الثقافية والسياسية، مثل سيدة الآداب الإيطالية كريستين دي بيزان التي كتبت عن رفاقها من البشر كمجموعة اجتماعية ابتداء من 1495، وأصدرت كتابا يتحدث عن مكانة المرأة، وهي تسرد خطايا وضعف الجنس اللطيف، وتتساءل عما إذا كانت النساء بشرًا حقًا أم إنهن أشبه بالحيوانات. وكانت كريستين دي بيزان مثالاً رائعًا على النسويات الأوائل؛ لأنها كانت تستطيع القراءة والكتابة، وهو أمر غير معتاد جدًّا بالنسبة إلى المرأة في ذلك الوقت. كيف تقارن الدكتورة ميادة بين جهود امرأة ناضلت في نهاية القرن الخامس عشر، ونساء مازلن يقبلن التهميش في القرن الحادي والعشرين؟

ميادة كيالي: هذا ما أشرت إليه في معرض ردّي على سؤالك الأول، فجبهة النساء اللائي يقاومن تحررهن هي جبهة لا يستهان بها، خاصة وأنهنَّ اقتنعن عبر عقود طويلة أنهنَّ كذلك، ضعيفات وتابعات وغير قادرات على الاستقلالية، وبحاجة لأن يكنَّ في ظل الرجل، إضافة إلى أنّ غياب تاريخ النساء، وحضورهن في صناعة المعرفة والحضارة، هذا التغييب مسح من ذاكرة أجيال واسعة من النساء المرجع والقدوة، وبالتالي تحول الاعتقاد بالضعف والنقص إلى إيمان حتمي أنهنَّ كذلك، وساهم تخلف المجتمعات في تكريس هذا الاعتقاد والتأكيد على ضرورته، وهو ببساطة يساهم في إخضاع نصف المجتمع إذا لم يكن أكثر، في الغرب لمعت نسويات خضن نضالاً من أجل حق التعليم في البداية، وتضافرت جهودهن لاحقاً وتراكمت تجاربهن لتصل إلى حقوق في العمل والمشاركة السياسية والاستقلالية، والحرية الجنسية، وسار ذلك بالتوازي مع نهوض مجتمعاتهن، رغم ما عانته الحركة النسوية من المفكرين والمنظرين لعصر الأنوار والحداثة من نظرة دونية للنساء ولأفكارهن ولنضالاتهن، لكن تغير البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ساهم في دعم نضالات هؤلاء، بينما بقيت النسويات في المجتمعات النامية، والتي منها مجتمعاتنا العربية ترزح تحت ظلم مضاعف، سواء على مستوى القوانين، أو من خلال الإطباق على الحريات العامة عموماً، وتأخر على مستوى الإنجاز الحضاري. لذلك، كيف سأطلب من امرأة حرمت من إكمال علمها، ولم تستقل مادياً، وليس هناك من قوانين مدنية تنصفها، أن تصرخ في وجه التهميش والعنف؟

عبدالسلام شرماط: على الرغم من المحاولات النسوية التي ظهرت في إيطاليا وفرنسا، فإن الحركة النسوية لم تظهر منظمة إلا في القرن التاسع عشر، حيث اكتسبت زخما في أمريكا الشمالية، وبدأ معظم النساء في الذهاب إلى المدرسة في وقت أبكر من أوروبا. وأصبحت المرأة قادرة على القراءة والكتابة، وصارت تفكر في حالها، وهي تتساءل عن أداء المجتمع. ما جعل الناشطات الأوائل عبر القارة يناهضن العبودية واضطهاد المرأة؛ ففي 1848، نظمت أول اتفاقية لحقوق المرأة، واستمرت النساء في حملتهن لتحسين الوضع الاجتماعي لجميع النساء، ثم انطلقت الحركة بعد ذلك في أوروبا، مسترشدة بنفس الأهداف، حيث قامت الناشطات بالمطالبة بالحصول على أجرهن الخاص، وأن تكون لهن منازل خاصة بهن ورعاية أطفالهن. ماذا عن المحاولات النسوية في الوطن العربي؟ وماذا حققت؟

ميادة كيالي: لا شك أن النسوية كحركة أخذت أشكالاً متعددة من خلال تجارب عديدة وموجات استمرت كما أشرت منذ القرن الثامن عشر وحتى زماننا الحالي، واكتسبت مفهوم التعاقب، النسوية العربية كانت لها مسيرتها التي بلا شك تأثرت بالموجات في المجتمع الغربي، واستفادت من تنظيراتها واستمدت بعض القوة من نجاحاتها وانتصاراتها، وفي نفس الوقت حملت بعض انتكاساتها وانحرافاتها؛ لأنها عاشت الموجات كلها دفعة واحدة. ولذلك من المجحف اليوم ما نراه من هجوم على النسوية العربية انطلاقاً من انحرافات أو أخطاء وقعت فيها بعض توجهات النسوية الغربية، ومن غير المقبول أيضاً التطرف لدى بعض الحركات النسوية العربية في تبني كل ما نادت به الغربيات؛ لأن طبيعة المراحل والمواجهات لها نوع من الخصوصية، بلا شك عندنا. النسوية العربية كانت عندها مشكلة جوهرية، وهي عدم الانتظام بحركة أو حركات واضحة المعالم، بل كانت فردية اعتمدت بالشكل الأساسي على شخصيات نسوية، كانت بارزة في تحدّيها للواقع، وتحملت ربما السهام في صدورها طيلة مسيرتها، حتى وقت قريب، لكن بلا شك دخول عالم السوشال ميديا كلاعب أساسي في المشهد ساهم في تعزيز الاصطفاف، وتوحيد الجهود في رفع الصوت للمطالبة بالحقوق والمساواة والتعليم والعمل وعدم التمييز حسب الجندر، وخاصة في جيل الشباب، مما شكل حركة ثورية ضد قهر المرأة وتنميطها وخضوعها باسم الدين والعادات والتقاليد، وساهم ذلك في تغيير بعض القوانين الجائرة في الأحوال الشخصية، والمشاركة السياسية ومقاومة العنف ضد المرأة. وحاولت النسوية الإسلامية إن صح لنا إطلاق مثل هذه التسمية على عمل توليفة بين مطالبات النسويات لحقوقهن وتعديل بعض القضايا التشريعية في محاولات إعادة التأويل للنصوص ومشاركة المرأة في المؤسسة التشريعية الدينية، ولو أنهن لم يخرجن ربما من عباءة الدين وهيمنته على مسألة قضايا المرأة.

عبدالسلام شرماط: أخذت الحركة النسوية في نهاية القرن التاسع عشر بُعدا عالميًا، وأصبح يعرف الكفاح من أجل حق المرأة في التصويت باسم "الحركة المناصرة لحقوق المرأة"، ثم ظهر استخدام كلمتي "النسوية" و"الحركة النسوية"؛ ما حدود المصطلحين؟

ميادة كيالي: الموجات التي مرت بها النسوية الغربية مثلت رحلات متعاقبة عبرت عن حركية تطور نضال المرأة من أجل حريتها، هذا النضال الذي حمل عناوين أساسية في كل موجة، فكانت المطالبة بالحقوق في الموجة الأولى، ومواجهة المجتمع الذكوري ونقده في الموجة الثانية، والتركيز على قضية الجندر في الثالثة، إلى الوصول لتناول قضية التحرش بكل أشكالها في الموجة الرابعة، خلال هذه الموجات نشأت حركات نسوية عديدة، وتعددت مسمياتها وتفرعت، واختلفت ممارساتها، وأهدافها وأصابت الراديكالية بعضها، مما شوش على مفهوم النسوية الذي بات في بعض الأوقات مسيئا لأي امرأة تنادي بالمساواة وتطالب بالعدالة دون تمييز وفقاً للجندر. وهنا كان علينا أن نميز بين مفهوم "النسوية" وبين مفهوم "الحركة النسوية"، فكوني نسوية قد يعني بالضرورة أنني أنتمي لحركة معينة، ولكن لا يسقط علي كل ما تمارسه الحركات النسوية الأخرى، وخاصة المتطرفة منها، ولا يعني أنني أعادي وأكره الرجال، ولا يعني أنني أرفض الاعتراف بالاختلاف والتمايز بينهما، أو أنني أسعى إلى سلطة نسوية تواجه الذكورية، بل يعني أنني أؤمن بالمساواة بين الجنسين على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأؤمن بضرورة تخطي الصراع للتحول للمشاركة الحقيقية في البناء والتنمية. لكن لا نستطيع أن ننكر أنه لا يزال هذا المفهوم اليوم إشكالياً، ومتداخلاً مع مفهوم الحركات النسوية التي كانت لها مطالبات عديدة خرجت عن إطار المطالبة بالمساواة بالحقوق، ليتبلور لاحقاً في مقاومة النظام الأبوي، وكل أشكال التنميط التي فرضها، واحتكار فئة محددة للسلطة السياسية، ووضع مفاهيم جديدة للنوع، وتغيير نمط العلاقات السائدة، والدفاع عّن حرية اختيار الجنس، وحرية الممارسات التي تتبع ذلك.

عبدالسلام شرماط: شهدت الحركة النسوية نضالات ونشاطات امتدت عبر موجات؛ منها الموجة الأولى وفيها بدأت النساء بالتنظيم في نهاية الحرب العالمية الثانية في بعض الدول الأوروبية قصد الحصول على حقوق سياسية متساوية، ثم الموجة الثانية وفيها عادت الحركة النسوية إلى الظهور في السبعينيات، وهي تهدف إلى "تحرير المرأة" حسب قوانين مساواة أفضل وإصلاح المؤسسات، ثم الموجة الثالثة، والتي أشارت بشكل أساسي إلى الحركة الأمريكية في التسعينيات. وقد أدت هذه الموجات إلى انقسام الحركة النسوية بين حركة نسوية راديكالية تناهض النظام الأبوي، وحركة نسوية اشتراكية ترى أن الجمع بين النظام الأبوي والرأسمالية هو أساس اضطهاد المرأة. ما هي الأسس التي استندت عليها الحركة النسوية في اتهام الرجل بالاضطهاد؟ وكيف تعاملت مع بعض المؤسسات الإعلامية والسياسية (المحافظة) التي أعلنت عن نهاية الحركة النسوية، أو تحدثت عن "ما بعد النسوية"؟

ميادة كيالي: الأسس التي استندت عليها الحركة النسوية في اتهام الرجل بالاضطهاد هو ذلك الغياب لحقوق المرأة، وتغييب لهويتها ووجودها، وتأسيس فلسفات كاملة على أساس من دونيتها، وإقصائها عن المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هناك تاريخ طويل من الإجحاف بحق النساء، من تدني الأجور، والإقصاء من التعليم، والإبعاد عن دوائر القرارات، إضافة إلى معاناة النساء الملونات التي تضيف إلى سلة الاضطهاد الجندري اضطهاداً عرقياً، لكن بعد النضال الرايع حققت المجتمعات خطوات واسعة في تخطي النظام البطريركي وتحولت إلى أنظمة ديمقراطية، ووضعت مدونات حقوقية مختلفة ساهمت في إحلال المساواة والعدالة بصورة أفضل.

لاشك أن النسوية تعرضت إلى هجوم قويّ تبلور خلال العقدين الماضيين، سواء في الغرب أو الشرق، وهدد ذلك بإعلان موتها، وتفريغها من معناها الذي أُسست عليه، خاصة مع ظهور التيارات الراديكالية المتطرفة، ما أفقد النسوية الكثير من التأييد الجماهيري الواسع ربما، بعدما اكتسبت معاني شعبوية سلبية، وبات الانخراط فيها مجالاً للتنمر وللإقصاء.

لكنها صمدت ولا تزال تصحح من نفسها، خاصة مع انطلاقة النسوية السيبرانية، التي تواءمت مع ظهور نظام عالمي جديد، السلطة فيه للعالم الرقمي، وبالتالي ستتابع النسوية مسيرتها في خلق تيار تجاوز الزمان والمكان، وربما سنتحدث عنه في المحور القادم.

عبدالسلام شرماط: ما الفرق بين النسوية السيبرانية والنسوية الشبكية؟ وهل يبدو المعنى بينهما واضحا؟

ميادة كيالي: كما أشرت في معرض ردي على المحور السابق، أن التحول للعالم الرقمي ساهم في ظهور شكل جديد من النظم الاقتصادية، تسمى بالنظم الرقمية، مكَّن ذلك النساء من إيجاد فرص العمل عبر هذا العالم الرقمي الواسع، وسهل تمكينهنَّ من التعليم والاستقلالية المادية، ولذلك دعت الكثير من النسويات المرأة لتطوير مقدراتها في المجال التكنولوجي، لكي تستطيع الحصول على الفرص الحقيقية من خلال العمل الرقمي الذي لا يهم فيه الجنس ذكر/ أنثى بقدر ما يكون الأهمية للإتقان والتمكن من إيجاد فرصة العمل المناسبة، فالنسوية الإلكترونية هي التي شجعت تمكين النساء من خلال إتقان استخدام التكنولوجيا في العمل. أما النسوية الشبكية، فهي التي استفادت من العالم الرقمي لتوحيد جهود النسويات عبر العالم، وتبادل التجارب والجهود والخبرات لتعزيز العمل النسوي، ومتابعة النضال لمواجهة التمييز والسلطة الذكورية. خاصة من خلال فيس بوك وتويتر وأنستغرام واستطاعت تجييش حملات واسعة عبر إطلاق الهاشتاغ وتجييش وسائل التواصل لربط النسويات في مختلف أنحاء العالم للتآزر وتوحيد الجهود.

عبدالسلام شرماط: هل النسوية الإلكترونية حركة سبقت النسوية الشبكية؟ وهل استطاعت حشد الناس لاتخاذ إجراءات ضد التحيز الجنسي أو كراهية النساء أو العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة؟

ميادة كيالي: بالتأكيد كانت النسوية الإلكترونية سابقة على الشبكية؛ لأنَّ تمكن المرأة من دخول الحقل التكنولوجي وإمساكها لمفاتيحه وإتقانها له، ساهم في منحها الثقة للخروج إلى العلن ونشر قضاياها، وتعزيز حملات الدفاع عن نفسها ضد كل أشكال العنف والتحرش وضد التمييز، وأصبح خوفها من فقدانها الوظيفة أو العمل في نطاق مكاني محدد غير مبرر لبقائها تابعة وصامتة، طالما لديها إمكانية العمل من أي مكان من خلال الشبكة العنكبوتية.