سيكولوجية الدين


فئة :  أبحاث محكمة

سيكولوجية الدين

سيكولوجية الدين[1]

أولا- مفهوم سيكولوجيَّة الدِّين

يصعب أحياناً الحسمُ في مفهوم هذا الفرع العلميِّ النَّاشئ من فروع علم النَّفس؛ لأنَّ مردَّ هذه الصُّعوبة هو أوَّلاً في التَّسمية الَّتي تُعطى لهذا العلم، تارةً السِّيكولوجيا الدِّينيَّة أو علم النَّفس الدِّينيُّ كما نجد عند جيمس هنري لوبا[2]، وتارة سيكولوجيَّة العقيدة الدِّينيَّة كما نجد عند كارل فلوجل[3]؛ وثانياً في الحقل السِّيكولوجيِّ الَّذي يتناول هذا الموضوع بالدِّراسة والبحث: هل هو التَّحليل النَّفسيُّ الكلاسيكيُّ كما افتتحَه فرويد[4]؟ أم هو التَّحليل النَّفسيُّ المعدَّل (أي: علم النَّفس التَّحليليِّ) مثلما دشَّنه يونغ ودرس فيه الدِّين واللَّاشعور الجمعيَّ[5]؟ أم هو التَّحليل النَّفسيُّ المجدَّد بالدِّراسات السوسيولوجيَّة داخل الرُّؤيا السِّيكولوجيَّة الإنسانيَّة كما عند فروم[6]؟ أم هو التَّحليل النَّفسيُّ الَّذي يتخصَّص فيه رجال الدِّين والقساوسة كما عند أنطوان فرغوت في سيكولوجيَّة الدِّين[7]؟ أم هو هذا الفرع العلميُّ الَّذي يجمع علم النَّفس إلى علم الاجتماع، ويتخصَّص في دراسة ظواهر التَّفاعل والصِّراع؛ أي: سيكوسوسيولوجيَّة الدِّين (علم نفس اجتماع الدِّين) كما نجد في دراسات مختلفة؛ منها تلك الَّتي أشرف عليها روسيو[8]؟ أم هو كما نجده لدى المعلِّمين الأوائل وليم جيمس في علم النَّفس الوصفيِّ للشُّعور وستانلي هول في دراسات الطُّفولة؟

لا نريد أن نكتفي هنا بالتَّعريف «المدرسيِّ» لسيكولوجيَّة الدِّين، فربَّما عرَّجنا عليه في الأخير، بعد تبيان أهمِّ منعرجات الإشكال، ولكنَّنا نريد استشكال الموضوع ليتَّضح.

1- تحديد سيرل بيرت:

عند تحديد علم النَّفس الدِّينيِّReligious psychology في الكتاب الَّذي خصَّصَه لذات الموضوع، وأفرد له فصلاً يحمل العنوان نفسَه، يُحيل سيريل بيرت Cyril Burt على ما يفعله عالم النَّفس الدِّينيُّ، أو إن شئنا الدِّقَّة: يُحدِّد مهمَّة هذا العالم؛ وذلك بقوله: «إنَّ عالم النَّفس يدرس الدِّين - في هذه الأيَّام - لا ليكشفَ كونه حقَّاً أو باطلاً، بل لمجرَّد أنَّه مُعنى برفاقه من البشر وبإعمال عقولهم»[9].

فليس المهمُّ في هذه الدِّراسة بيان حقِّ أو بطلان دينٍ ما، فذلك من شأن المؤمنين بعقيدة ما تظنُّ أنَّها الحقُّ، وغيرها من العقائد هو الباطل؛ مِمَّا قد ينجم عنه خصومات وجدالات، وربَّما عداوات وحروب، بل المهمُّ هو دراسة الدِّين كظاهرة بشريَّة، وإنتاج للعقل الإنسانيِّ، سواء في جانبه المنطقيِّ أو جانبه الوهميِّ، وسواء كان هذا الدِّين توحيديَّاً (الدِّيانات السَّماويَّة) أو كان تعدُّديَّاً؛ تنزيهيَّاً أو تجسيميَّاً؛ روحيَّاً أو وثنيَّاً...

فالباحث النَّفسانيُّ ينسى داخل هذه الدِّراسة دينَه كإنسان مؤمن، ويُعلِّق معتقدَه كفيلسوف، ويتعامل مع عقائد وشعائر الآخَرين كوقائع قابلة للملاحظة والمقارنة والاستنتاج؛ أي إنَّه يتعامل مع الدِّين كما يتعامل المؤرِّخ مع الوثيقة أو الأثر، واللِّسانيُّ مع اللُّغات، والسوسيولوجيُّ مع الوقائع والظَّواهر والمؤسَّسات الاجتماعيَّة، والعالم الفيزيائيُّ مع الظَّواهر والموضوعات الفيزيائيَّة...

أمَّا المسائل الَّتي يهتمُّ بمعالجتها، فيمكن إجمالها في الآتي:

- كيف ينشأ الدِّين؟ وكيف يتطوَّر وكيف ينمو؟

- ما علاقة الدِّين بجماعة الانتماء والتَّقاليد المؤسِّسة لوجودها؟

- كيف يمكن تفسير ظاهرة الارتداد الدِّينيِّ - كانقلاب مفاجئ في الحياة الشَّخصيَّة لإنسان ما إلى اتِّجاه دينيٍّ جديد - لدى المراهقين كما لدى الكبار من العظماء؟

- ما الدَّور الَّذي تلعبه الصَّلاة في تحسين سيكولوجيَّة المؤمن وصحَّته؟[10]

إذا كان بيرت (1883-1971) عالماً بريطانياً متخصِّصاً في علم النَّفس الفرديِّ وعلم نفس الشَّخصيَّة، وأخصائيَّاً نفسيَّاً عُيِّنَ بالمجلس البلديِّ لمقاطعة لندن لفحص الأطفال المتأخِّرين عقليَّاً، والأطفال المشكَّلين بتطبيق اختبارات الذَّكاء عليهم، وتقديم التَّوصيات عنهم بخصوص تخلُّفهم الدِّراسيِّ وسلوكهم الجانح والعامِّ'[11]؛ إلَّا أنَّ هناك باحثين متخصِّصين في موضوع «سيكولوجيَّة الدِّين»، يرون ما لا يراه هذا العالم النَّفسيُّ الموسوعيُّ دون أن يكون متخصِّصاً في الموضوع.

2-تحديد أنطوان فرغوت:

إنَّ هذا العالَم الَّذي يجمع بين تخصُّصات ثلاثة هي الثِّيولوجيا والفلسفة والتَّحليل النَّفسيُّ؛ وبين ممارستَين: قَسٌّ ومحلِّل نفسيٌّ؛ هو أستاذ مُتميِّز émérite بالجامعة الكاثوليكيَّة بلوفان، معروف عالميَّاً في الأوساط الأكاديمية بأعماله في «سيكولوجيَّة الدِّين Psychologie de la religion»، يعرف هذا العلم من خلال عناصر متكاملة، نذكرها ثمَّ نجمعها.

يقول: «في الوسط الفكريِّ الباريسيِّ، الَّذي تكوَّنتُ فيه، أثار دهشتي أنَّ لاكان وليفي ستروس وميرلوبونتي لم يكونوا مسيحيِّينَ، باستثناء فرانسواز دولتو... وكانوا كلُّهم مقتنعين أنَّه لا يمكننا حقَّاً أن نُفسِّر التَّصوُّرات؛ من دين وفلسفة، بمعطيات سيكولوجيَّة (...) هذا في الوقت الَّذي يعتقد فيه السِّيكولوجيُّون أنَّ بإمكان السِّيكولوجيا أن تُفسِّر الدِّين»[12].

يظهر هنا الفرق بين رؤية عامَّة، تعود إلى الثَّقافة عامَّةً في تفسير التَّصوُّرات الفكريَّة والإبداعات الإنسانيَّة، وبين رؤية سيكولوجيَّة -مثلما اعتقد فوندت وذكره لالاند- ترجع الإبداعات الإنسانيَّة والتَّصوُّرات الفكريَّة إلى مبادئ سيكولوجيَّة، ليس كنزعة ضدَّ التَّفسير المنطقيِّ Anti logicisme فحسب، بل كنزعة تفسيريَّة شاملة يمكن أن تجدَ تبريرها في الفتوحات الجديدة لعلم النَّفس المعرفيِّ الَّذي متح من حقول معرفيَّة متداخلة كالبيولوجيا والفلسفة والمنطق وعلوم الحاسوب. يقول فرغوت: «هناك معطيات تُكوِّن جزءاً من الواقع الإنسانيِّ، وهي جِدُّ أساسيَّة للكائن الإنسانيِّ، والَّتي لا تستطيعُ السِّيكولوجيا أن تُفسِّرها، بل إنَّ هذه المعطيات على العكس من ذلك، تمارس تأثيرها على النُّموِّ السِّيكولوجيِّ للإنسان»[13].

يظهر هذا الواقع الإنسانيُّ في اللُّغة؛ فالإنسان كائن مُتكلِّم، يطرحُ على نفسه أسئلة تتعلَّق بمعنى الحياة؛ وكلُّ هذا يتَّصل بكونه يتميَّز بالعقل، وبتميُّزِه ذاك يساهم بلغته في جماعة إنسانيَّة محدَّدة، وداخل هذه الجماعة الإنسانيَّة توجد تشكُّلات تصوُّريَّة ورمزيَّة تُضفي معنىً على الحياة، ينخرط فيها الإنسان دون أن يتمكَّن شعوريَّاً من إيضاح كلِّ ذلك أو تفسيره أو تبريره عقليَّاً؛ أي إنَّ ذلك لا يأتي من سيكولوجيَّته، ولكن يغرس داخلَه توجُّهاً سيكولوجيَّاً يُمكِّنه من الانتماء إلى الجماعة، والانخراط فيها، والالتزام بأشكالها التَّصوُّريَّة (الفكريَّة) والرَّمزيَّة؛ فليست السِّيكولوجيا هي الَّتي تفسِّر، وإنَّما الثَّقافة. يقول فرغوت: «هناك ما هو أكثر في الإنسان، وما هو أكثر في التَّعابير الإنسانيَّة. إنَّه يوجد في الثَّقافة الإنسانيَّة الَّتي يمكن أن أدرسَها وأن أُلاحظها من وجهة نظر سيكولوجيَّة. وبالنِّسبة للمحلِّلين النَّفسيِّين، أؤكِّد أنَّهم يعرفون المكانة الحقيقيَّة والمختزلة للواقع السِّيكولوجيِّ الَّذي تحيط به عدَّة ألغاز من الواقع الإنسانيِّ، كما أنَّ بإمكانهم أن يكونوا على سجيَّتهم لَمَّا يكونوا وسط أُسَرِهم مع أطفالهم. ولهذا، فمن الأهمِّيَّة بمكان أن يكون لعالم نفس الدِّين تكوينٌ آخَر غير علم النَّفس، ولِعالم النَّفس الإكلينيكيِّ ميدانٌ آخَر من الأنشطة»[14].

يتطلَّب التَّخصُّص من عالم نفس الدِّين معرفة شاملة بالواقع الإنسانيِّ، ومتفتِّحة عليه، عوض اختزاله فيما هو نفسيٌّ. كما يتطلَّب إدراكاً للخصوصيَّات السِّيكولوجيَّة للأشخاص عوض دمجهم جميعاً في خاصِّيَّة واحدة، وتفسيرهم ببُعد واحد؛ مثلما حصل لعلماء التَّحليل النَّفسيِّ، وعلى رأسهم فرويد، الَّذي لم يكن ينظر إلى الواقع الإنسانيِّ إلَّا بعين واحدة، هي عين الحتميَّة الطَّبيعيَّة البيولوجيَّة؛ ومن هنا الانزلاق الَّذي وقع فيه فرويد حينما أعاد تشكيل الدِّين كلِّيَّةً على أسس التَّحليل النَّفسيِّ.

إنَّ «الدِّراسة المتقدِّمة والعميقة لنصوص فرويد من شأنها أن تُبرهن على أنَّ هذه الأخيرة زاخرة بحلقات من الاستدلال الفاسد. في «الطَّوطم والطَّابو» مثلاً، أراد أن يُعيد تكوين التَّاريخ على فكرة الله؛ فهو - بفعل تأثير النَّزعة التَّطوُّريَّة البيولوجيَّة- تصوَّرَ تشكُّل الإنسان وتصوُّراته عن العالم، وعن الدِّين كنتاج لتطوُّر مُتدرِّج، ووضع نقطة انطلاق هي أنَّ الإنسان كان حيواناً [ثمَّ تطوَّر]، وفي مرحلة تاريخيَّة ما، استحوذ الأبُ البدائيُّ على كلِّ الإناث [النِّساء] لصالحه، وحصل أن اتَّفق أبناؤه على قتلِه، فلمَّا قاموا بذلك شعروا بالإثم، وأقرُّوا بالمحرَّم أو الممنوع الَّذي كان يُلزمهم به أبوهم.

إنَّ في هذا الاستدلال حلقة مُفرغة؛ إذ لو لم يكن الأب أباً حقَّاً، يُمثِّل القانون الأخلاقيَّ الأوَّل للإنسانيَّة، لَمَا أحدثَ قتلُ الأب هذا التَّأثيم؛ فلا إثم إلَّا داخل قاعدة أخلاقيَّة لها وزنها لدى الإنسان. إنَّ مثل هذه الاستدلالات كثيرة لدى فرويد، وهو لا يزيد على أن يولِّد سيكولوجيا ما سبق أن وضَعها كافتراضات»[15].

إنَّ الدِّين سابق على عِلم النَّفس وعلى التَّحليل النَّفسيِّ، فهو مُكوِّن ثقافيٌّ به واجه الإنسان معضلات الخوف من غضب الطَّبيعة وألغاز موت غيره من البشر، ومفاجآت ميلاد غيره من بني البشر بمافيهم أبناؤه، وأسرار علاقاته المتوتِّرة مع الحيوانات والوحوش والأعداء. أمَّا علم النَّفس، فهو وسيلة علميَّة تجريبيَّة لفهم الوقائع والظَّواهر الإنسانيَّة لدى الفرد الطِّفل خاصَّة، ثمَّ الرَّاشد، ثمَّ الجماعات بعد ذلك. أمَّا التَّحليل النَّفسيُّ، فهو طريقة علاجيَّة للأعصاب، ميدانه الرَّغبات والمخاوف، والقلق والتَّمثُّلات الخيالية: والدِّين مجاله العالَم المافوْقيُّ، وميدانه الممارسات الطُّقوسيَّة والشَّعائريَّة. وهذا الميدان الأخير هو الَّذي يمكن أن يشتغل به علم النَّفس الدِّينيُّ.

لأجل ذلك، وعلاوة على التَّكوين الإضافيِّ الَّذي يحتاج إليه عالم النَّفس، والممارسات الأُخرى والأنشطة المختلفة الَّتي يحتاج إليها عالم النَّفس الإكلينيكيُّ، من المشتغلين بدراسة الدِّين؛ سيكون عليهما أن يتحلَّيا بالحياد التَّامِّ في دراسة الدِّين كما في العمل السِّيكولوجيِّ، فلا يُدخلان مسألة الاعتقاد أو الإيمان في الحسبان. فأنْ يكون هذا العالم مؤمناً أو غير مؤمن، معتقداً بدين التَّوحيد أو دين التَّعدُّد، تلك مسألة ثانويَّة يتعيَّن التَّعامل معها بكلِّ حياد وتجرُّد، لتكون الدِّراسة موضوعيَّة. ولقد أصاب بول دييل، حينما قال: «إن البحث - وهو يعارض العقيدة بطبعه- لا يمنع أحداً من الإيمان. ولكن الإيمان لا يمكن أن يمنع أحداً من البحث»[16].

3- تحديد نيكولا روسيو:

ظلَّ هذا الباحث وفيَّاً للرُّؤية الثُّلاثيَّة للظَّواهر والعلاقات الَّتي دشَّنها عالم النَّفس الاجتماعيِّ سيرج موسكوفيسي سنة 1984، والَّتي استعاض بها عن الرُّؤية الكلاسيكيَّة الثُّنائيَّة الموروثة عن الفلسفة: ذات - موضوع. أمَّا الرُّؤية الجديدة، فتأخذ في الحسبان الحدود الثَّلاثة: الذَّات الفرديَّة - الذَّات الاجتماعيَّة - الموضوع (طبيعيٌّ، اجتماعيٌّ...)؛ بمثل ما ظلَّ وفيَّاً للقراءة الَّتي اقترحَها فلهلم دواز Doise للواقع، والَّتي تتألَّف من أربعة مستويات، تمكَّن من تفسيرها، وهي:

«- المستوى الأوَّل مِن التَّفسير يُركِّز على دراسة السَّيرورات الفرديَّة؛

- المستوى الثَّاني من التَّفسير يصف السَّيرورات بين- الفرديَّة، والوضعيَّاتيَّة؛

- المستوى الثَّالث يأخذ في الحسبان الاختلافات بين المواقع الَّتي يحتلُّها مختلف الفاعلين الاجتماعيِّين داخل نسيج العلاقات الاجتماعيَّة المميِّزة لمجتمع بعينه؛

- المستوى الرَّابع يستدعي أنساق المعتقدات والتَّمثُّلات، والتَّقويمات والمعايير الاجتماعيَّة»[17].

من الواضح أنَّ هذا المستوى الرَّابع هو الَّذي يدخل فيه الدِّين، هو مستوى مُعقَّد يفترض استيعاب وتمثُّل واستحضار وتجاوز المستويات الثَّلاثة السَّابقة من تفسير السَّيرورات الفرديَّة، إلى تفسير السَّيرورات بين- الفرديَّة، إلى تفسير المواقع الَّتي يحتلُّها الفاعلون الاجتماعيُّون داخل نسيج العلاقات الاجتماعيَّة في مجتمع مُحدَّد.

يرى روسيو Roussiau أنَّ الدِّين يمكن أن يُتناول وفقَ هذه الرُّؤية على قاعدة يتداخل ويتمفصَل فيها البُعد السِّيكولوجيُّ الَّذي يُسائل من ضمن ما يسائل ظواهر فرديَّة؛ كالتَّحوُّل الدِّينيِّ (أو الارتداد)، والبعد المجتمعيِّ الكلِّيِّ والشَّامل الَّذي يعالجُ المسائل الإيديولوجيَّة؛ كالوثوقيَّة الدِّينيَّة. وخير ما يستشهد به في هذه الرُّؤية الجامعة هو التَّعريف الَّذي استقاهُ من كتاب للباحثَيْن أرغيل Argyle وبيت-هالحمي Beit-Hallahmi الموسوم بـ«سيكولوجيَّة السُّلوكيات الدِّينيَّة والمعتقدات والتَّجارب»، حيث يُحدِّدان حقل دراسة ما هو دينيٌّ كالآتي:

«إنَّ عِلم النَّفس الاجتماعيِّ للتَّديُّن religiosité يدرس التَّرابطات بين علم النَّفس والأبعاد الاجتماعيَّة وسياق التَّديُّن»[18].

أمَّا الموضوعات الَّتي يعالجها هذا التَّخصُّص -علم النَّفس الاجتماعيِّ للتَّديُّن- فهي:

- التَّجربة الدِّينيَّة؛

- التَّنشِئة الدِّينيَّة؛

- العلاقات بين الشَّخصيَّة والدِّين؛

- آثار الدِّين على الفرد وعلى الجماعة؛

- ظواهر الارتداد (التَّحوُّل الدِّينيِّ).

لم يورد روسيو هذه الموضوعات مجَّاناً، وإنَّما ليُبيِّن تطوُّر وبنية هذا الفرع العلميِّ، الَّذي استفاد من النَّقد الموجَّه لهشاشاته النَّظريَّة، وتوجُّهاته الفلسفيَّة واللَّاهوتيَّة؛ ممّا جعل فضاءَه المعرفيَّ ينفتح على النَّظريَّات الكلاسيكيَّة في علم النَّفس الاجتماعيِّ. وهكذا، أصبح الفعل الدِّينيُّ يدرس في ارتباط مع:

- التَّنافر المعرفيِّ لفستنجر؛

- ثبات المعتقدات الطَّائفيَّة؛

- الإسناد الاجتماعيِّ؛

- الهويَّة الاجتماعيَّة؛

- التَّمثُّلات الاجتماعيَّة؛

- التَّفيؤ الاجتماعيِّ؛

- تقدير الذَّات[19].

وكذلك ليعطي مشروعيَّة لموضوعات المؤلِّف الَّذي أشرف على إدارته، وهي:

- الدِّين والتَّنشئة: ويغطِّي مرحلة المرور من الطُّفولة إلى سنِّ الرُّشد متناولاً السَّيرورات الهويَّاتيَّة للتَّنشئة، ودور الثَّقافة في تحويل الفرد إلى كائنٍ دينيٍّ، عبر إدماج المعايير الاجتماعيَّة الَّتي يبنيها الأفراد من أجل إعطاء معنى للعالم الَّذي يحيط بهم، وعبر آليَّات بناء وإعادة بناء الهويَّة الدِّينيَّة؛

- الدِّين والشَّخصيَّة: ويتوجَّه إلى دراسة الفرد المتديِّن وشخصيَّته، وخاصَّة شخصيَّة الَّذي بدَّل دينَه، ودراسة مختلف مظاهر الشَّخصيَّة، ولاسيَّما تلك الَّتي تقود الفرد إلى أن يكون أكثر تديُّناً من غيره؛

- الدِّين والعلاقات بين الجماعات: وانصبَّ الاهتمام فيه على مسألة التَّفرقة والتَّمييز في الحقل الدِّينيِّ، والشُّعور باللَّاعدالة في الصِّراعات الدِّينيَّة بين الجماعات، وآليَّات الإشاعة واختلاق الأساطير واستخدامها في وصم بعض الجماعات بالعار؛

- الدِّين واشتغال الجماعات: أي تحليل الاشتغال الفكريِّ للجماعات، وعرض الأثر الحاسم للمواربات المعرفيَّة في الفكر الدِّينيِّ والسِّحريِّ، وتقديم التَّجذيرات الإيديولوجيَّة وفعلها داخل الاشتغالات الفكريَّة للجماعات، وصلاتها ببعض الآليَّات من الصِّنف الطَّائفيِّ، وأخيراً استحضار مخاطر بعض الاعتقادات الدِّينيَّة؛

- الدِّين والصِّحَّة والمحيط: ويجمع موضوعات راهنة حول مسائل الصِّحَّة والمحيط. فعن مسائل الصِّحَّة، تطرح الصِّلة بين الاعتقادات الدِّينيَّة والصِّحّة، خصوصاً في مرحلة الشَّيخوخة، ثمَّ بين التَّديُّن وبعض المخاطر الصِّحِّيَّة، خصوصاً الجنسيَّة، وبالأخصّ مرض فقدان المناعة المكتسَب.[20]

إنَّ التَّحديدات السَّابقة أمثلة عن تعريف هذا الفرع العلميِّ الجديد من علم النَّفس؛ أي: علم النَّفس الدِّينيِّ أو علم نفس الدِّين، مع اختلاف دلالة التَّسميتَين؛ لأنَّ الأولى صفة تُعطَى لهذا العِلم، بينما الثَّانية تحديد لموضوع هذا العِلم، وهو الأقرب إلى الصَّواب، وهي تحديدات -كما رأينا- تصطبغ بصبغة كلِّ مجال تخصُّصيٍّ؛ فمعالجة الدِّين في علم النَّفس الفرديِّ وعلم نفس الشَّخصيَّة ليست كمعالجته في التَّحليل النَّفسيِّ - مع تباينات وتنوُّعات هذا الأخير-، وليست كمعالجته في علم النَّفس الاجتماعيِّ، وحتَّى هذا الأخير يتباين في نوع المعالجة بين الانتماء إلى هذه الدَّولة أو تلك. فعن فرنسا، قدَّمنا مثل روسيو، ولكن هناك أبحاث جديدة قد لا يتَّسع المجال لتفصيلها؛ كتلك الَّتي أُنجزت في الولايات المتَّحدة[21].

غير أنَّ ما يمكن الاحتفاظ به هنا هو أنَّ المفاهيم الأساسيَّة في علم النَّفس الاجتماعيِّ الأمريكيِّ -الَّتي ترجمت إلى عدَّة لغات، وتكيَّفت مع عدَّة ثقافات- هي نفسها الَّتي عولج بها الدِّين، وخاصَّة التَّنشئة والهويَّة والتَّعصُّب والطَّائفيَّة والتَّمثُّلات والإشاعة والدِّعاية والصِّحَّة النَّفسيَّة ومفهوم الذَّات والاندماج الاجتماعيِّ. وكذلك سجَّل مفهوم آخَر حضوره بقوَّة، هو العوامل المعرفيَّة Cognition، وإن كان حاضراً بشكل كلاسيكيٍّ في التَّمثُّل والإدراك؛ أي ما ينتمي إلى ما يصطلح عليه «المعرفة الاجتماعيَّة»، الَّتي لها دور واضح وتأثير مباشر في ما يصطلح عليه «التَّفاعل الاجتماعيِّ».

ثانيا- سيكولوجيَّة الدِّين: الطَّريقة والأسس

إنَّ الوثيقة -المصدر- المتوفِّرة بين أيدينا، بصفتنا باحثين في سيكولوجيَّة الدِّين، الَّتي تُحدِّد منهج ومبادئ هذا الفرع الجديد (سيكولوجيَّة الدِّين) من هذا العِلم النَّاشئ (أي: علم النَّفس العلميِّ)، هي تلك الَّتي أنجزها وليم جيمس في مؤلَّفه «أصناف التَّجربة الدِّينيَّة» عام 1902؛ والمقالة الَّتي دبَّجَها جيمس هنري لوبا J.H.Leuba بـ «مجلَّة السِّيكولوجيا الدِّينيَّة» عام 1904، والَّتي تحمل نفس العنوان «السِّيكولوجيا الدِّينيَّة»، والَّتي اعتمد فيها على محاضرة لأستاذ سويسريٍّ من جامعة جنيف هو ثيودور فلورنوا Th.Flournoy، عنوانُها «مبادئ السِّيكولوجية الدِّينيَّة»[22]، ومن هذه الأخيرة سنستمدُّ المعطيات الَّتي سنوردها هنا، ما دمنا سنعود إلى العمل الرَّائد لوليم جيمس «أصناف التَّجربة الدِّينيَّة»، بتفصيل، في مقام آخَر.

يرى فلورنوا أنَّ الهدف الَّذي يسعى علماء النَّفس الدِّينيِّ إلى تحقيقه، يمكن حصره في ثلاثة عناصر منهجيَّة هي:

1- العمل على تجاوز الوقائع الخام والفرديَّة الخالصة إلى رؤية المجموع ككلٍّ؛ وذلك بعدم الاقتصار على وثيقة من الوثائق، والاعتماد على البحوث الاستقصائيَّة والمقارنات والإحصاءات؛

2- عدم الاكتفاء بالوقوف عند دراسة المنتوجات الخارجيَّة والاجتماعيَّة للدِّين، ولكن دراسة الحياة الدِّينيَّة في ذاتها؛ أي كما تتمظهر من الدَّاخل وكما تجري فعلاً داخل الوعي الشِّخصيِّ للذَّات؛

3- أنَّ همَّ العلماء الأساس هو الحقيقة العلميَّة الخالصة، وليس تأسيساً للتَّقوى أو الدِّفاع عن أطروحة لاهوتيَّة مُحدَّدة أو فلسفيَّة مُعيَّنة[23].

إنَّ سيكولوجيَّة الدِّين، وإن كانت تعتمد على دراسة الحياة الدِّينيَّة كما تجري وتتمُّ في الوعي الشَّخصيِّ للأفراد، إلَّا أنَّها لا تبقى محصورة في الفرد كوحدة مستقلَّة، بل تدرس هذه الخبرات الفرديَّة في مجموعها، أو كعيِّنات كلِّيَّة قابلة للمقارنة والقياس، وبالتَّالي للخضوع إلى العلميَّة الاستقصائيَّة والعلميَّة الإحصائيَّة أو القياسيَّة، على غرار ما كان يقوم به فوندت في ألمانيا، ووليم جيمس في الولايات المتَّحدة... إنَّها بحث لا يهتمُّ بجعل النَّاس أكثر إيماناً وتقوى - كما سبق أن أشرنا-، ولا بالدِّفاع عن صواب عقيدة دينيَّة بذاتها أو مذهب فلسفيٍّ بعينه، وإنَّما همُّها هو معرفة كيف تعاش التَّجربة الدِّينيَّة لدى النَّاس، والمقارنة بينها، والخروج ببيانات رقميَّة (إحصائيَّة) عنها، وتقديمها في صيغ موضوعيَّة مثلما يقدِّم الفيزيائيُّ موضوعاته، والكيميائيُّ دراساته، والجيولوجيُّ أبحاثه.

أمَّا عن المبادئ العامَّة، الَّتي استنتجها ثيودور فلورنوا من الدِّراسات الَّتي بدت له مكوِّنة للقواعد الأولى لعلم نفسٍ دينيٍّ حقيقيٍّ، على الرَّغم من قِلَّتها، فيمكن وصفها كالآتي:

1- استبعاد التَّعالي: فالتَّعالي مبدأ سلبيٌّ يستخدم للدِّفاع؛ ولذلك فالسِّيكولوجيا تمتنع عن إصدار أيِّ حكم عن الحمولة الموضوعيَّة لمثل هذه الموضوعات، مثلما تنحِّي عنها كلَّ المناقشات الخاصَّة بالوجود الممكن لعالم غير مرئيٍّ (العالم الآخَر).

2- التَّأويل البيولوجيُّ للظَّواهر الدِّينيَّة: وهو مبدأ وضعيٌّ وكشفيٌّ heuristique، تستبصر بفضله السِّيكولوجيا الظَّواهر الدِّينيَّة كتجلٍّ لسيرورة حيويَّة، وتعمل السِّيكولوجيا جاهدة على تحديد نوع طبيعتها السِّيكو فيزيولوجيَّة، وقوانين زيادتها ونموِّها، والتَّحوُّلات العاديَّة والمرَضيَّة فيها وديناميَّتها الواعية واللَّاواعية، وبشكل عامٍّ، علاقاتها مع الوظائف الأُخرى، ودورها في الحياة الكلِّيَّة للفرد ثمَّ للنّوع[24].

يحيل المبدأ الأوَّل (استبعاد المتعالي) على قضيَّة تدافع عنها الدِّيانات المؤمنة بالغيب، وتهاجمها المذاهب والفلسفات والإيديولوجيَّات الَّتي لا تؤمن بالغيب. ونستطيع القول إنَّها من أكبر المسائل الخلافيَّة بين الدِّيانات والعقائد والمذاهب والفلسفات. ولهذا ينحِّيها العلم عامَّةً، وعلم النَّفس الدِّينيُّ خاصَّة، من مجال بحثه؛ لأنَّها غير ملموسة، ولا يمكن الاستدلال على صحَّتها في المختبر، مع ملاحظة أنَّ وليم جيمس يدافع عن هذا المبدإ في مؤلَّفه «أصناف التَّجربة الدِّينيَّة»!

ويحيل المبدأ الثَّاني (التَّأويل البيولوجيُّ للظَّواهر الدِّينيَّة) على نمط من المعقوليَّة والفهم، يستمدُّ من تفسير الظَّواهر الدِّينيَّة بنفس ما تُفسَّر به الظَّواهر النَّفسيَّة والاجتماعيَّة الأُخرى؛ أي التَّفسير التَّطوريِّ (على الطَّريقة البيولوجيَّة). فظواهر الدِّين هي تمظهرات لتطوُّرات حيويَّة لدى الفرد الإنسانيِّ، ولدى النَّوع الإنسانيِّ. ويكون على سيكولوجيَّة الدِّين أن تكشف عن قوانين نموِّها، ونوعيَّة تحوُّلاتها، وتحديد طبيعة تلك التَّحوُّلات بين الصِّحَّة والمرض، ونوعيَّة ديناميَّتها الدَّاخليَّة: هل تتمُّ بوعي وقصد أم تتمُّ بلا وعي وبلا قصد؟ ثمَّ أخيراً علاقات الظَّواهر الدِّينيَّة مع مجمل الوظائف الأُخرى للفرد والنَّوع والدَّور الَّذي تلعبه في حياتهما.

إنَّنا نعتبر هذين المبدأين أساسَيْن إبستمولوجيَّيْن لسيكولوجيَّة الدِّين. وفي كلمة واحدة، ينبغي التَّعامل مع الظَّواهر الدِّينيَّة في هذا العِلم الفرعيِّ الجديد (سيكولوجيَّة الدِّين) مثلما يتعامل السِّيكولوجيُّ مع كلِّ الظَّواهر الفيزيولوجيَّة الأخرى؛ كالإحساس والسَّمع والبصر والإدراك والحُكم وغيرها، دون إدخال أيِّ اعتبار ميتافيزيقيٍّ أو ميتافيزيولوجيٍّ؛ كالإعجاز والعناية؛ وذلك مثلما يتعامل السُّوسيولوجيُّ أو الاقتصاديُّ مع الظَّواهر المدروسة، دون إقحام للذَّات أو للغيب في دراسته.

ثالثا- في التَّأريخ لسيكولوجيَّة الدِّين:

إنَّ تاريخ علم النَّفس القصير والغضَّ، الَّذي لا يتجاوز مئة وخمساً وثلاثين سنة، منذ أن أنشأ فلهلم فونت مختبرَه بلايبزغ سنة 1879، ثريٌّ بأحداثه واكتشافاته ورجالاته إلى درجة التَّداخل؛ مما يُصعِّب مهمَّة الَّذي يؤرِّخ له[25]. وتزداد هذه الصُّعوبة كلَّما تعلَّق الأمر بفرع علميٍّ انبثق من هذا العِلم النَّاشئ، والَّذي لم يكن في الأصل من العلوم الأساسيَّة -خلافاً للطِّبِّ والفيزيولوجيا- الَّتي سارت جنباً إلى جنب مع السِّيكولوجيا في نشأتها، وخاصَّةً لدى العلماء الألمان؛ كمولر وهلمهولتز وفيبر وفخنر وفوندت.

فلقد كان الدِّين موضوع اهتمام سيكولوجيٍّ، مساوقاً للدِّراسات الأنثروبولوجيَّة والسُّوسيولوجيَّة، بل وحتَّى للدِّراسات التَّربويَّة؛ على نحو ما هو موجود عند ستانلي هول S.Hall، وهو أمر لا يخلو من غرابة، ناهيك عن كونه يأتي متزامناً مع آخِر المراحل من عُمر العلماء؛ كما سنجد لدى وليم جيمس وستانلي هول وغيرهما.

لنُقدِّم، في هذا الصَّدد، شهادتين قديمتين - نسبيَّاً في الزَّمان- عن حضور سيكولوجيَّة الدِّين ضمن اهتمامات علماء النَّفس العلميِّ الأوائل؛ إحداهما عامَّة، والأُخرى خاصَّة ومُتخصِّصة.

1- شهادة كارل فلوجل:

جاء ذِكر «سيكولوجيَّة العقيدة الدِّينيَّة» و«سيكولوجيَّة الدِّين» في مؤلَّف فلوجل C.Flugel -الَّذي سبقت الإشارة إليه- مباشرة لَمَّا أنهى الحديث عن تأثير النَّزعة التَّطوُّريَّة في علم نفس الطِّفل وعلم النَّفس الاجتماعيِّ، الَّتي ميَّزت تسعينيَّات القرن التَّاسع عشر؛ إذ قال: «شهد العقد التَّاسع أيضاً بداية سيكولوجيَّة العقيدة الدِّينيَّة. ويمكن -بشكل ما- أن نُرْجِع هذه البداية إلى دراسات ستانلي هول للطُّفولة، الَّتي اشتملت على استفسارات عن مفهومات الطِّفل عن الله، وأفكاره عن الخطأ والصَّواب، وعن أيِّ انقلابات مفاجئة أو تغيُّرات في اتِّجاهاته الخلقيَّة، على أنَّ أهمَّ حدث في هذا المجال كان ظهور كتاب ستاربك «سيكولوجيَّة الدِّين» في 1899. وقد قام هذا الكتاب أساساً على مجموعة من الوثائق الشَّخصيَّة، يصف فيها الكُتَّاب خبراتهم الدِّينيَّة الخاصَّة، الَّتي غالباً ما كانت مدهشة. وقد وُصِفت هذه المجموعات من المخطوطات بحقٍّ أنَّها أوَّل معالجة استقرائيَّة عظيمة لهذه النَّاحية الفريدة من الحياة الإنسانيَّة. وقد استخدم ستاربك Starbuk نفسُه هذه المادَّة بغرض دراسة التَّحوُّل إلى الدِّين، وبيَّن أنَّ هذا التَّحوُّل أشبه ما يكون بقرار مفاجئ لصراع بين عناصر معادية لبعضها البعض داخل الشَّخصيَّة، وهو قرار تكتسب بموجبه بعض المفهومات فجأةً قيمة جديدة. ومن خلال الرِّضَا الشَّديد الَّذي توفِّره، يتمكَّن الفرد من الاستقرار في اتِّزانٍ لم يعهده من قبل»[26].

إنَّ ما نستفيده من هذا النَّصِّ أمور أربعة، هي:

- القِرَانُ بين سيكولوجيَّة الطِّفل وسيكولوجيَّة الدِّين؛ لأنّ من أبعاد النُّموِّ في سيكولوجيَّة الطِّفل البُعد الدِّينيَّ. وقد سبق أن انتبه إلى هذا فلاسفةٌ اهتمُّوا بالتَّربية، وبتنشئة الأطفال إلى ما بعد المراهقة البلوغيَّة (أي: إلى المراهقة الشَّبابيَّة)، وخاصَّة روسو في كتابه (إميل)، وكانط في كتابه (مقالة في البيداغوجيا)[27]. ولقد أدرك هول حقَّاً أهمِّية هذا القِران؛ فالطِّفل يبدأ في طرح السُّؤال عن مصدر الأشياء؛ بدءاً بنفسه، ثمَّ والديه، ثمَّ أجداده، ليصل إلى العلَّة الأولى. وإذا ما قيل له إنَّ مصدر الخلق هو الله، فإنه يطرح السُّؤال من جديد عن مصدر الله، ثمَّ عن مكانه ومستقرَّه، ثمَّ عن طبيعته ونوعه... وهي أسئلة ميتافيزيقيَّة تُكوِّن عمق الدِّين، بل نواته الصُّلبة. ولا غرابة أن يتساءَل الطِّفل كذلك عن وجهة الموتى ومقصدهم، وعن طبيعة الرُّوح، وعن المعاد، وعن منطق الحياة، وعدالة الوجود، وعدم تدخُّل الله في إيقاف الظُّلم، والانتقام من الأشرار في هذا العالم قبل يوم البعث والحساب... إنَّ هذه الموضوعات (الله - الموت - الرُّوح - الخلق - البعث - الحساب... إلخ) هي موضوعات ملازمة لنموِّ الطِّفل، وتدخُّل الرَّاشد عند تقديمه لأجوبة يُشكِّل ركناً من أركان التَّنشئة الاجتماعيَّة للطِّفل، ناهيك عن طقوس التَّعميد وطقوس الاحتفال بالزَّواج الدِّيني والطُّقوس الجنائزيَّة والأعياد الدِّينيَّة، مما يندرج مباشرةً تحت نوع فرعيٍّ من التَّنشئة الاجتماعيَّة، هو التَّنشئة الدِّينيَّة، الَّتي تختلف من جماعة دينيَّة إلى أُخرى بحسب نوع معتقدها. وجُلُّ المجتمعات تُلقِّن التَّربية الدِّينيَّة للصِّغار في مدارسها، لا لتجيب عن تساؤلاتهم، وإنَّما لطَبْعِهِم بثقافتها.

- على الرّغم مِن أهمِّيَّة تلامذة فوندت الأمريكيِّين في الدَّفع بعِلم النَّفس في القارَّة الجديدة، وإنشاء مختبرات ومجلَّات في الجامعات الأمريكيَّة، ونخصُّ منهم بالذِّكر هول Hall وجيمس James، إلَّا أنَّ اهتمامَهم بسيكولوجيَّة الدِّين كان عظيماً. والَّذين لم يتعمَّقوا في قراءة السِّيَر الخاصَّة بهؤلاء العلماء، لن يفهموا سِرَّ اهتمامِهم بهذه السِّيكولوجيا؛ فبقدر «ما تُكوِّن البيوغرافيا أحدَ المصادر الَّتي يُفضِّل الإثنولوجيُّون استعمالها، تساهم كذلك في المعرفة السُّوسيولوجيَّة والتَّاريخيَّة؛ ما جعل تواريخ الحياة تنتمي إلى التَّقليد السُّوسيولوجيِّ»[28]. ويقوم فرع من السِّيكولوجيا بِرُمَّته على دراسة تاريخ الحالة. وجُلُّ المؤلَّفات الَّتي تتعرَّض لفكر المفكِّرين تبدأ عادةً بتقديم حياتهم قصدَ تأطير فكرهم أو حقبة من فكرهم في مسارات البيوغرافيا الخاصَّة بهم. إنَّ ستانلي هول أحد أوائل الطَّلَبة مِمَّن حضر إلى لايبزيغ ليتعلَّم على فوندت عامَ افتتاحه مختبره، وسيعود منها إلى الولايات المتَّحدة عامَ 1881 أستاذاً مُحاضراً، ثمَّ أستاذ كرسيٍّ في جامعة جون هوبكنز، الَّتي كانت قد أنشِئت حديثاً، وسيؤسِّس فيها أوَّل مُختبَر أمريكيٍّ لعِلم النَّفس عام 1883، وسيحيط به عدداً من الباحثين ذوي القدرة مِمَّن سيكون لهم شأن في علم النَّفس بالولايات المتَّحدة؛ كجون ديوي وكاتل وسانفورد ودونالدسون، كما أنشأ «المجلَّة الأمريكيَّة لعِلم النَّفس»، وهي ثاني مجلَّة دوريَّة متخصِّصة في علم النَّفس في العالم بعد مجلَّة فوندت. وبعد أن انتقلَ هول عام 1888 من جامعة هوبكنز إلى جامعة كلارك الجديدة في ماساشوستس كرئيس لها، أسَّسَ عام 1891 مجلَّة أُخرى متخصِّصة في علم النَّفس التربويِّ، سمَّاها «المدرسة التَّربويَّة»، ثمَّ أكَبَّ على الجوانب السِّيكولوجيَّة للنُّموِّ والتَّطوُّر، وأخرج كتابه المهمّ والضَّخم «المراهقة» عام 1904[29].

إلَّا أنَّ هذه المحطَّات العلميَّة، وأخرى غيرها، كانت -في الحقيقة- مسبوقة وملحَقة بمحطَّات دينيَّة، هي الَّتي من شأنها أن تُفسِّر لنا تأسيس هول «للمجلَّة الأمريكيَّة لعلم النَّفس الدِّينيِّ والتَّربية»، لنشر مقالات ودراسات في سيكولوجيَّة الدِّين، ومساهمته هو أيضاً بمقالات في الموضوع.

إنَّ هول، الَّذي ولد عامَ 1844 في ماساشوستس، كان قد أُعِدَّ لدراسة الزِّراعة، ولكنَّه «لم يكن يميل إلى الزِّراعة؛ فأرسل لدراسة الدِّين (...). وعندما جاء الوقت ليُلقي عظتَه الاختباريَّة، وجد مسؤول كلِّيَّة اللَّاهوت، الَّذي كان من واجبه أن ينقد أسلوب الوعظ، أنَّ التَّعليق على ما جاء بها لن يفيد شيئاً، ولجأ إلى إقامة الصَّلاة باعتبارها المواجهة الوحيدة اللَّائقة للموقف الَّذي خلقَته العِظة. ورغم ذلك، فبعد زيارة لأوروبا، نال هول الشَّابُّ درجتَه في اللَّاهوت»[30].

إنَّ التَّكوين الأساس، والتَّخصُّص الأوَّل، لستانلي هول هو الدِّين، على الرّغم من أنَّ الرَّجل درس مع وليم جيمس علم النَّفس بجامعة هارفارد ونال منها أوَّل دكتوراه تُمنح في أمريكا في علم النَّفس، ليرحل -بعد ذلك- إلى ألمانيا؛ فيدرس على يد فوندت، ثمَّ عاد إلى بلده، واشتغل بعلم النَّفس التَّجريبيِّ والطِّفل والمراهق، وانفتح على التَّحليل النَّفسيِّ والفعل المنعكس الشَّرطيِّ واستبار جالتون، إلَّا أنَّه، «في أيَّامه الأخيرة، اهتمَّ بالدِّين، وكتب كتاباً عن 'المسيح في ضوء علم النَّفس' عام 1917»[31].

في هذه البيوغرافيا بالذَّات، من الأهمِّيَّة بمكان الإشارة إلى أنَّ العلماء الأمريكيِّين الأوائل والجهابذة؛ أمثال هول وجيمس - وألبورت وروجرز بعد ذلك- كلُّهم كان الدِّين حاضراً في تربيتهم الأولى وتكوينهم الأصليِّ، وفي خاتمة حياتهم وإبداعهم النِّهائيِّ، على الرّغم من أنَّ الطِّبَّ وعِلم الزِّراعة وعلم النَّفس توسَّط مسار تربيتهم وتكوينهم. وإنَّها لَظاهرة ذات قدرة كشفيَّة تيسِّر فهم هذا الاهتمام بسيكولوجيَّة الدِّين، الَّذي لم يُتناول بالكيفيَّة المطلوبة من قِبل أحدٍ يومئذ، باستثناء جيمس في مؤلَّفه «منوَّعات في الخبرة الدِّينيَّة» (الَّذي نُفضِّلُ أن نترجمه بــ «أصناف التَّجربة الدِّينيَّة»). وفي حدود علمنا، يُعدُّ فلوجل من المؤرِّخين القلائل[32] الَّذين ذكروا (ستاربك)، وكتابه «سيكولوجيَّة الدِّين» الَّذي ظهر عام 1899، فلقد اعتبره أهمَّ حدث في هذا المجال. وهو، وإن كان قد اعتمد المنهج الوثائقيَّ الَّذي انصبَّ على دراسة مجموعة من الوثائق الشَّخصيَّة لمؤلِّفين وصَفوا فيها تجاربهم الدِّينيَّة، إلَّا أنَّه حاول أن يستقرئ من هذه المادَّة الوثائقيَّة بعض المفاهيم القيمة الجديدة بعد معاناة من جراء الصِّراع داخل شخصيَّته بين عناصر معادية لبعضها بعضاً، وهو قرار يتيحُ الرِّضا النَّفسيَّ الشَّديد، والاستقرار في توازن جديد؛ أي إنَّ التَّحوُّل إلى الدِّين مكَّنه من تحقيق الصِّحَّة النَّفسيَّة.

ولا تأتي أهمِّيَّة ستاربك من كون كتابه ذاك في «سيكولوجيَّة الدِّين» يمثِّل أهمَّ حدث في المجال فحسب، وإنَّما من كونه عاصر سيغموند فرويد، وكان يواجه ظواهر الصِّراع العقليِّ والنَّفسيِّ في ذات الوقت الَّذي كان فرويد يدْرُسها في بدايات التَّحليل النَّفسيِّ، لكن شهرة فرويد طبقت الآفاق، بينما ظلَّ ستاربك مجهولاً. والأهمُّ من ذلك، كما لاحظ فلوجل بحقٍّ، «لقد وضح، منذ البداية، أنَّ علم النَّفس الدِّينيَّ، مثله مثل علم النَّفس الاجتماعيِّ، عليه أن يتعلَّم الكثير من علم النَّفس المرضيِّ. ولو توفَّر لأيِّ باحث حينذاك القدر الكافي من الجرأة، لأمكن القول عندئذ إنَّ هناك مجالاً لعِلم نفس مقارن ذي مفهوم واسع، يشمل الكثير من جوانب السُّلوك والخبرة الإنسانيَّة، الَّتي تبدو متمايزة للوهلة الأولى»[33].

وهكذا، تتَّضح أهمِّيَّة الرُّؤية التَّركيبيَّة في معالجة العلوم، نظراً لطابع التَّعقيد والتَّداخل في كلِّ علم، لذلك لو تعاونت فروع علم النَّفس النَّاشئ تعاوناً يقوم على التَّبادل، لتَمَّ إرساء علم نفس مقارَن يكون بمستطاعه أن يضمَّ سلوكيات وخبرات إنسانيَّة عديدة، ويرفع عنها التَّناقض الظَّاهريَّ.

إنَّ انفتاح علم النَّفس الدِّينيِّ على علم النَّفس المرَضيِّ وعلم النَّفس الاجتماعيِّ من شأنه أن يُحيلنا على الأنثروبولوجيا الحضاريَّة؛ كما افتتحها أ. ب. تايلور في كتابه «الحضارة البدائيَّة»، وعلى معالجته للإحيائيَّة (كلُّ الأشياء تملك أرواحاً)، وظنّه أنَّ العقيدة الدِّينيَّة ما هي إلَّا تطوُّر للإحيائيَّة. ويحيلنا أيضاً على الإسهامات اللَّاحقة للكبار الَّذين زاوجوا بين علم النَّفس والأنثروبولوجيا؛ كفِلهلم فوندت في مجلَّداته العشرة في «علم نفس الشُّعوب»، [وخصَّص منها ثلاثة مجلدات للدِّين والأسطورة]. وجيمس فرايزر في كتابه «الأدب الشَّعبيِّ في العهد القديم»، الَّذي «قَرَّبَ فيه مؤسَّسات ومعتقدات اليهود من مؤسَّسات ومعتقدات الشُّعوب البدائيَّة»[34]، وكتابه «الاعتقاد في الخلود»، و«الطَّوطميَّة»، وبالأخصِّ موسوعته الشَّهيرة «الغصن الذهبيّ» في اثني عشر مجلَّداً، عالج فيها المحرَّم (الطَّابو)، والسِّحر، والإله الَّذي يموت، وكبش الفداء... إلخ. وكان «أكثر تطبيقات علم النَّفس على الأنثروبولوجيا إثارةً هو مؤلَّف فرويد 'الطَّوطم والمحرَّم' Totem et Tabou»[35]. وكما هو واضح، فإنَّ تتبُّع سيكولوجيَّة الدِّين؛ من خلال تطبيق علم النَّفس على الظَّواهر الأنثروبولوجيَّة، سيفتح أعيننا على فضاء فكريٍّ وإبستمولوجيٍّ آخَر، غير الَّذي ننشده لسيكولوجيَّة الدِّين في هذه الرُّؤية الأولى.

2- رؤية جيمس هنري لوبا:

ينطلق لوبا من الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بوصفها الموطن/المصدر للدِّراسات في سيكولوجيَّة الدِّين، ولقد تمَّ تكريس هذا الفرع الجديد من علم النَّفس بتأسيس «المجلَّة الأمريكيَّة لسيكولوجيَّة الدِّين والتَّربية»، الَّتي أصدرها الأستاذ ستانلي هول؛ رئيس جامعة كلارك -كما سلفت الإشارة-، بمساهمة من جون دو باي Jean de Buy، وجورج كول George A.Col، وثيودور فلورنوا Theodor.Flournoy، وجيمس هنري لوبا J.H.Leuba، وإدوين د. ستاربك Edwin D. Starbuk، ور.م. منلي .R.M.Menly

لقد كان لدعم هذا المجدِّد الكبير، وأحد أركان علم النَّفس بالولايات المتَّحدة، والمحرِّك القويِّ لعلم النَّفس التَّربويِّ -نقصد هول- لهذا الفرع الجديد من علم النَّفس - نقصد سيكولوجيَّة الدِّين-، الأثر الكبير؛ وذلك بتخصيص مجلَّة لدراساته، وإحلال عدده الأوَّل منزلة شَرَفيَّة؛ بإعلان الافتتاحيَّة عن الحقل الَّذي ستتولَّى المجلة اكتشافه، وإصدار ثلاث مقالات متخصِّصة، وتخصيص ثلاثين صفحة أُخرى لملخَّصات ومراجعات نقديَّة، ثمَّ -بكيفيَّة خاصَّة- إصدار مقالات كلٍّ من موريزيي Murisier وفلورنوا ولوبا[36].

إنَّ المفيد حقَّاً في عمل لوبا، والمنسجم مع رؤيته، هو عرضه للمقالات المتخصِّصة الثَّلاث، وهي للكبار المؤسِّسين حقَّاً لهذا الفرع الجديد من علم النَّفس، وهي تباعاً لجون دوباي، وللمؤسِّس ستانلي هول، ولجيمس هنري لوبا (أي مساهمته هو ذاته)، وذلك حتَّى يضعنا في صلب حقل هذا العلم، ويضعنا وجهاً لوجهٍ أمام المسائل والإشكالات الَّتي يدرسها، عوض الحديث عنها بصيغة الغائب.

ويبدو لنا أنَّ من الأهمِّيَّة بمكان أن ننهج نفس نهج هذا العالِم، فنعرض لتلك المقالات المتخصِّصة للكبار - ولغيرهم فيما بعْدُ - حتَّى نتعرَّف قواعد هذا الفرع العلميِّ النَّاشئ في بواكيره، ونتبيَّن طرق تفكير الأوائل فيه، وندرك التَّحوُّلات الَّتي طرأت عليه مع الزَّمان، وفي البلدان كافَّة.

*- دراسة جون دوباي: مراحل النُّموِّ الدِّينيِّ[37]

كان الغرض المتحكِّم في الدِّراسة هو المقصد البيداغوجيَّ وليس العلميَّ، أي إنَّه نشد الخلوص إلى قواعد يستخدمها المبشِّرون والمشتغلون بالتَّربية الدِّينيَّة، وتوصَّل إلى البرهنة على الأفكار والمبادئ الأساسيَّة لديانات محمَّد[38] كونفوشيوس ويسوع وبوذا وغوتاما Goutama وفودانتا Vedânta، الَّتي تُطابق، في تواليها، الأفكار والمبادئ الموافقة لمراحل الطُّفولة الأولى، والطُّفولة الثَّانية، والمراهقة، والنُّضج، والشَّيخوخة.

يتوجَّب إذن - حسب هذا المؤلِّف- أن يكون التَّعليم الدِّينيُّ الموجَّه إلى الطُّفولة الأولى مُشرَّباً بالأفكار الأساسيَّة للإسلام، والتَّعليم الدِّينيُّ الموجَّه إلى الطُّفولة الثَّانية مُشرَّباً بالأفكار الأساسيَّة لبوذا، بينما في المراهقة ينبغي استلهام الرُّوح المسيحيِّ، وفي مرحلة النُّضج والشَّيخوخة ينبغي استلهام تعاليم البوذيَّة الأولى والفودانتاليَّة. وإذا ما ظلَّت الشَّيخوخة خصبة، فإنَّ ديانة الشَّباب -أي: المسيحيَّة- هي الملائمة لها.

إنَّ مذهب المراحل المتتالية للدِّين، الَّتي ينبغي للفرد أن يمرَّ بها، يجد مُسَوِّغه في كون تلك المراحل هي ذاتها الَّتي طبعت تطوُّر الجنس البشريِّ. ولا يعني هذا، عند دوباي، أنَّه من الضَّروريِّ أوَّلاً تحويل المعتقِدين بالفودانتاليَّة إلى المذهب المحمَّديِّ، والمذهب الكونفوشيوسيّ، والمذهب المسيحيِّ، ثمَّ المذهب البوذيِّ، قبل الوصول إلى ديانة الانحطاط والتَّدهور مع أرذل العمر، وإنَّما يعني تدبير الأمور بالكيفيَّة الَّتي تُمكِّن من طبع الأفكار الأساسيَّة للديانات المذكورة في الزَّمن المناسب.

ومن الجدير بالذِّكر أنَّ ما يُعطي قيمة لعمل دوباي هو انطلاقه من الأفكار الرَّئيسة لهذه الدِّيانات، الَّتي نُقدِّم هنا موجزاً لِمَا لخَّصه منها:

- ديانة محمَّد: وتقوم على الإيمان بإله واحد، هو المالك لكلِّ شيء، وعلى وجود نعيم فيه ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين، وعلى واجب الطَّاعة والخضوع لأوامر الله وخليفتِه ووليِّ أمرِه.

- ديانة كونفوشيوس: وتقوم على ثبات النِّظام الطَّبيعيِّ، وعلى ضرورة التَّقدُّم الأخلاقيِّ الفرديِّ، وعلى الصِّدق والشَّجاعة والرِّفق، وعلى احترام الرُّؤساء وبرِّ الأبناء بالوالدين والرُّوح الوطنيَّة.

- ديانة يسوع: وتقوم على الاعتقاد في أبٍ سماويٍّ وحياة أخرويَّة روحيَّة، وعلى حُبِّ الله وحُبِّ القريب والغير، وعلى المثاليَّات[39].

بعد عرضِنا لهذه الدِّراسة الأولى كما قدَّمَها لوبا، لا يهمُّنا التَّعليق الَّذي ذيَّلَها به هذا الأخير، بقدر ما يهمُّنا أن نُسجِّل ملاحظتين سريعتين، دون تعمُّق فيهما الآن:

- الأولى: أنَّ الدِّراسات المصدريَّة والأصليَّة في سيكولوجيَّة الدِّين أخذت الإسلام بعين الاعتبار، ووضعَته في الصَّفِّ الأوَّل من الاهتمام، وهو الأمر الَّذي لم ينتبه إليه الباحثون المسلمون؛ فيستثمروا فيه منذ بداية القرن الماضي، بل ظلُّوا يحومون حول إشكاليَّات مُكرَّرة؛ كالتُّراث والتَّحديث، والأصالة والمعاصرة... إلخ، في الوقت الَّذي أدمج فيه الغرب تراثه وتراث الآخَرين في علومه العصريَّة، وفروع العلوم الإنسانيَّة النَّاشئة، وأهمُّها هنا علم النَّفس الدِّينيِّ. كما أنَّه من أمارات التَّخلُّف عن ركب العصر ألَّا يحذو العالم الإسلاميُّ حذوَ الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في تأسيس هذا العِلم، وتخصيص كَراسٍ علميَّة له ومجلَّات علميَّة.

- الأخرى: أنَّ المبادئ والأفكار الَّتي قدَّمها الدكتور جون دوباي عن الإسلام وتعاليمه وسُنَّة الرَّسول صحيحة، ولكنَّها غير كاملة. ومن جديد يظهر تأخُّر الجامعات في العالم الإسلاميِّ، الَّتي لم تُقرِّر هذا العِلم «سيكولوجيَّة الدِّين» بأقسام متخصِّصة في علم النَّفس، يدرس فيها مَن جمَع بين العِلمَين: النَّفس والدِّين، حتَّى يكمل ما نقص في ما يكتبه الأجانب عن تعاليم الدِّين الإسلاميِّ، ويُحقِّق هذا الانصهار بين تعاليم الإسلام وفروع علم النَّفس، مثلما حقَّق باحثون غربيُّون الانصهار بين تعاليم التَّلمود والتَّوراة والفلسفة الغربيَّة في مختلف مناحيها؛ مثل مارتن بوبر M.Buber، وإيمانويل ليفيناس E.Lévinas، ويورغن هابرماس J.Habermas، وغيرهم، مع الفينومينولوجيا والسُّوسيولوجيا والتَّواصل. 4-2-2- دراسة جورج ستانلي هول: يسوع التَّاريخ ويسوع الآلام مقابل يسوع البعث:[40]

هي دراسة سيكولوجيَّة دقيقة، ومحاولة تفسيريَّة للتَّأثير الكبير الَّذي مارسه صلبُ يسوع، وبعثه، في العالم المسيحيِّ.

في القسم الأوَّل من الدِّراسة، لم يهتمِّ الكاتب بالحقيقة التَّاريخيَّة ليسوع، وإنَّما بالحقيقة السِّيكولوجيَّة الَّتي كان يبحث عنها، لأنَّها -في نهاية المطاف- هي الأهمّ. وبخصوص البعث، فقد آمن الأتباع المباشِرون بيسوع، ثمَّ وصَّوا به. وعلى أساس هذا الإيمان، قامت الدِّيانة المسيحيَّة. والبعث هو نهاية فاجعة عظمى أَلْهَبَت القلوب بآمال لم يطفئها أمل الموت نفسه. وقد صوَّر هول هذه الفاجعة في ثلاثة مشاهد، وبيَّن كيف استطاعت أن تُحرِّك أتباع يسوع، الَّذين تقبَّلوا نبأها:

المشهد الأوَّل: في أنَّ يسوع يمثِّل الوعي الأوحد للعلاقة بالله، ويُجسِّد دعوة الرَّبِّ؛

المشهد الثَّاني: الموت المخزي على صليب؛

المشهد الثَّالث: البعث الأمجد، حقيقيَّاً كان أو مُفترَضاً[41].

تتميَّز هذه الفاجعة بقوَّة وحِدَّة لا مثيل لهما في الواقع، ولا في طيّات الخيال. ولقد عمل هول على إثراء تأمُّلاته في عَظَمة الانفعالات المستثارة بالحوادث الفجائيَّة والمأساويَّة لحياة المسيح (انفعالات الصَّداقة والرَّحمة والرُّعب والتثبيط والثِّقة السَّعيدة... إلخ) بوثائق استقاها من دراساته عن الطُّفولة[42].

في القسم الثَّاني عمل هول على عرض النَّظريَّات الَّتي تمَّ تفسير البعث بها، ووجد أنَّها أربع:

- هناك البعث للجسد الميِّت (وهذا رأي لا يمكن لمعارفنا الفيزيولوجيَّة والكيميائيَّة أن تقبله)؛

- إنَّ الموت لم يَكن إلَّا ظاهريَّاً؛

- هناك بعث لجسد روحيٍّ، وليس للجسد الميِّت؛

- هناك رؤية vision، ولاشيء غيرها.

مع ملاحظة هول الجهود الَّتي تبذلها جمعيَّة الأبحاث النَّفسيَّة في اتِّجاه ردِّ الاعتبار للفرضيَّة الثَّالثة؛ أي: بعث جسد روحيٍّ[43].

أمَّا تعليقنا على ما ورد -إضافة إلى الهامش-، فهو أنَّ حياة الرُّسل والأنبياء كانت -في مجملها- عبارة عن دراما، عاشها كلُّ واحد بطريقته؛ ولذلك وضع الإسلام معايير للتَّفضيل بينهم، على أساس المحن والمآسي الَّتي عاشوها، إلى درجة أنَّه اعتبر الصَّفوة منهم هم أولو العزم. كما نفهم وصف برجسون للرُّسل بأنَّهم أبطال الإنسانيَّة[44]؛ لأنَّهم ابتُلوا وامتُحِنُوا.

ونلاحظ أنَّ العلماء الغربيِّين يقفون من الظَّواهر الدِّينيَّة موقف العلماء الَّذين يضعون الفرضيَّات، ويُجرِّبون، ويتحقَّقون من أجل الوصول إلى قوانين علميَّة. بينما تظهر في العالم الإسلاميِّ نزعات «لأسلَمَة المعرفة» تارةً، و«لعلمَنَتِها» تارة أُخرى؛ لتأصيلها حيناً، ولأمبرَقَتِها (أي: إخضاعها للخِبْرِيَّة) حيناً آخَر؛ فيضيع الزَّمن من أجل بلوغ هذا التَّركيب.

*- دراسة جيمس هنري لوبا: الإيمان:[45]

اِنطلقَت هذه الدِّراسة من قاعدة هي الوثائق الَّتي تعرَّضت للإيمان في السِّيَر الذَّاتيَّة لأصحابها، سواء كانت هذه الوثائق مطبوعة أو منسوخة، سلَّمها أصحابها إلى الكاتب يداً بيد، -وهو نفس المنهج الَّذي سيسير عليه وليم جيمس في مؤلَّفه «أصناف التَّجربة الدِّينيَّة».

وحين تفحَّص لوبا تلك الوثائق، وجد أنَّه من الضَّروريِّ التَّمييز بين نوعين من موضوعات الإيمان:

- حالة الإيمان l'état de foi: وهي حالة انفعاليَّة؛

- الاعتقاد في الإيمان La croyance de foi، وهو نتيجة لصدى الانفعال في الحياة الفكريَّة.

وبعد هذا التَّمييز، انتقل الكاتب إلى بيان مجال انتماء الإيمان، وتفاعل الإيمان مع المكوِّنات النَّفسيَّة الدَّاخليَّة للفرد، ثمَّ علاقة الإيمان بموضوعات أخرى شبيهة ولصيقة به؛ كالحُبِّ الأفلاطونيِّ، وحب الوطن، وحب الفنِّ.

يرى لوبا أنَّ الإيمان ينتمي إلى فئة الانفعالات والعواطف القويَّة.كما أنَّه يقود نحو تمركُز النَّشاط النَّفسيِّ - الفيزيولوجيِّ؛ أي تضييق حقل الوعي، وفي نفس الوقت الزِّيادة في الطَّاقة الواعية، وفي الحركة داخل هذا الحقل المحدود. وهذا يستتبع أنَّ الإيمان مَثَله مَثَل الحبِّ اللَّاجنسيِّ، وكلّ الانفعالات الأخرى القويَّة، يتعارض مع حضور الأفكار والعواطف الَّتي لا تساعد على حضورها داخل الوعي. إنَّ الإيمان إذاً لاعقلانيٌّ.

أمَّا عن العلاقة الَّتي يقيمها بين الحُبِّ الأفلاطونيِّ بالمعنى الحقيقيِّ للكلمة، وبين الإيمان، فتبدو له من الأهمِّيَّة بمكان عندما تتموقَع في وجهة نظر نموِّ الجنس البشريِّ؛ إذ لم يكن أيُّ واحد من هذين الانفعالين (الحبُّ والإيمان) موجودين لدى البشر من غير المتحضِّرين.

ولهذا، يمكن أن ننظر إلى هذين الانفعالين كاستجابة من العضويَّة السِّيكو فيزيولوجيَّة لحاجات جديدة؛ أي كوسيلة اخترعها دماغ الإنسان للوصول إلى غاياته.. إنَّها من صنف تلك الحالات الَّتي سمَّاها الكاتب بعبارة «توافق داخليّ».

علاوة على الإيمان، الَّذي يتناول موضوعاً دينيَّاً، هناك حالات أخرى من الإيمان تتناول موضوعات أخرى؛ كالوطن الَّذي يمكن أن يصير موضوعاً لحالة من الإيمان، يُعبَّر عنها عامَّةً بالوطنيَّة..[46]، وكالفنَّان الَّذي يرتفع أحياناً بعاطفة أشبه بالإيمان الدِّينيِّ[47].

[1] - البحث مقتطف من كتاب سيكولوجية الدين، الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع.

[2] - James Henry Leuba, La psychologie religieuse, Revue de psychologie religieuse, In: L'année psychologique, 1904, vol 11, pp.482-493 (consulté in www, presse. Fr / doc/psy 0003-5033 - 1904, pp.11 - 1 - 3686) document génère, le 17 / 10 / 2015.

[3] - فلوجل، ج. ك.، علم النَّفس في مئة عام، ترجمة لطفي فطيم، دار الطَّليعة، بيروت، ط3، 1979، ص101

[4] - فرويد، سيغموند، مستقبل وهم، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطَّليعة، بيروت، ط4، 1998

[5] - Carl.G.Jung, la vie symbolique: psychologie et vie religieuse, Albin Michel, Paris, 1989; - Carl G.Jung, Psychologie et religion, Buchel Chastel, Paris, 1994 (conférences de Yale); - Carl G.Jung, Henri Corbin et Roland Cohen, Réponse à Job, Paris, Buchel Chastel, 1994.

[6] - فروم، إريك، الدِّين والتَّحليل النَّفسيُّ، ترجمة فؤاد كامل، مكتبة غريب، الفجالة، (د.ت).

[7] - Antoine Vergote, Religion et psychanalyse, www.EncyclopaediaUniversalis, consulté 13/12/2015 - Antoine Vergote, Psychologie et religion (Interview), La Nouvelle Cité, juin 1993, N° 357, p.6-10.

[8]- Nicolas Roussiau (dir), Psychologie sociale de la religion, Presses Universitaires de Rennes, 2009 (on peut le consulter en www.pur-éditions.fr)

[9] - بيرت، سيرل، علم النَّفس الدِّينيِّ، ترجمة سمير عبده، من منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1985، ص9 وما بعدها.

[10] - يرى أوليفر ليمان Oliver Leaman أنَّ بعض الإشكالات الَّتي تطرح في فلسفة الدِّين لا تختلف كثيراً عن تلك الَّتي تطرح في سيكولوجيَّة الدِّين. انظر: أوليفر ليمان، فلسفة الدِّين، ضمن: أوليفر ليمان (تحرير)، مستقبل الفلسفة في القرن الواحد والعشرين، ترجمة مصطفى محمود، المجلس الوطنيُّ للثَّقافة والفنون والآداب، الكويت، 2004، ص ص203-222.

[11] - انظر المقدِّمة الَّتي كتبها سمير عبده مترجم كتاب سيرل بيرت «علم النَّفس الدِّينيُّ»، وخاصَّة ص6؛ وكذلك كارل فلوجل، علم النَّفس في مئة عام، ص ص238-239

[12] - Antoine Vergote, (Interview avec Michael Vandeleene), Psychologie et religion, Nouvelle Cité, N° 357 juin 1993, pp 7-10.

[13] - Antoine Vergote, Ibid, mêmes pages. الجدير بالملاحظة أنَّ ما يقوله فرغوت عن السِّيكولوجيا سبق أن قاله موران بأسلوب بديع عن السُّوسيولوجيا: «تحتاج كلُّ منظومة معرفيَّة إلى الإحالة على منظومة عُليا تمكِّنها في ضمِّها لها، وتجاوزها من تقييم ذاتها وشرعنتها وتفسيرها؛ وهكذا ينبغي لكلِّ منظومة معرفيَّة سوسيولوجيَّة أن تعود إلى منظومة معرفيَّة عُليا (هي معرفة المعرفة).. عندئذ يندرج جهدنا في تشكيل سوسيولوجيا المعرفة بشكل وثيق في إنشاء منظومة معرفيَّة عُليا هي معرفة المعرفة (...). مرَّة أُخرى نرى أنَّ التَّخاطب في حلقة يستدعي فيها كلُّ عنصر عنصراً آخَر، ويُغذِّيه، هو الَّذي يمكِّن من التَّمحيص الذَّاتيِّ التَّجاوزيِّ التَّعقيديِّ لكلِّ عنصر». انظر: موران، إدغار، المنهج، الجزء الرَّابع (الأفكار: مقامها، حياتها، عاداتها وتنظيمها)، ترجمة جمال شحيِّد، المنظَّمة العربيَّة للتَّرجمة، بيروت، 2012، ص143-145.كما أنَّ ما قاله فرغوت عن اللُّغة هو ما سيقوله الباحث فتحي بن سلامة عنها في مؤلَّفه «الإسلام والتَّحليل النَّفسيُّ»؛ كما سنرى ذلك في حينه.

[14] - Antoine Vergote, Ibid, mêmes données.

[15] - Ibid.

[16] - دييل، بول، الألوهيَّة، باريس، 1971، ص32، نقلاً عن الدّكتور عادل العوا، مقدِّمة كتاب: المستشرق جيب، علم الأديان وبنية الفكر الإسلاميّ، بيروت/باريس، 1977، ص36

[17] - Nicolas Roussiau (dir), Psychologie sociale de la religion, Presses Universitaires de Rennes, 2009, p.12 (peut être consulté en www.pur-éditions.fr).

[18] - Argyle et Beit-Hallahmi, la psychologie des comportements religieux, croyances et expériences, 2004, p.36, cité in:N.Roussiau, Ibid, p.12.

[19] - Nicolas Roussiau, Ibid, p.13

[20] - Nicolas Roussiau, p.14

[21]- Vassilis Saroglou (sous dir), Psychologie de la religion (de la théorie au laboratoire), traduction de Rob Kelen, De Boeck Supérieur, S.a, Louvain la Neuve, 2015

[22]- Th.Flournoy, les principes de la psychologie religieuse, Archives de Psychologie, n° 5, t.II, pp.33-57

[23] - James Henry Leuba, la psychologie religieuse, Revue de psychologie religieuse. In: l'année psychologique. 1904.vol 11, pp.482-493

[24] - James Henry Leuba, la psychologie religieuse,Ibid., mêmes données.

[25] - يكفي الرُّجوع إلى لائحة الأحداث والوقائع الَّتي عرفها تاريخ علم النَّفس من بداية القرن التَّاسع عشر (1807) إلى ستِّينيات القرن العشرين (1962)، والَّتي سطَّرها المؤرِّخ البريطانيُّ كارل فلوجل سنة بسنة تقريباً للوقوف على ثراء هذا العلم. انظر: فلوجل، ج. ك.، علم النَّفس في مئة عام، ترجمة لطفي فطيم، دار الطَّليعة، بيروت، ط3، 1979، ص313-318.

[26] - فلوجل، ج. ك.، علم النَّفس في مئة عام، م. س، ص101

[27] - Emmanuel Kant, Traité de pédagogie (1803), Traduction de Jules Barni (Document numérique consulté au site philosophie (académie de Grenoble), p.54 et p.64, et suivant.

[28] - Raymond Boudon et al, Dictionnaire de sociologie, éd, Larousse et France loisirs, Paris, 2010, p.18 (matière: biographie).

[29] - فلوجل، كارل، علم النَّفس في مئة عام، م. س، ص142

[30] - المرجع نفسه، ص ص142-143

[31] - فلوجل، كارل، علم النَّفس في مئة عام، م. س، ص143

[32] - حتَّى فاسيليس ساروغلو، الَّذي أشرف على كتاب «سيكولوجيَّة الدِّين»، ووقَّع مقالة بنفس العنوان في الموسوعة العالميَّة لم يذكره، وإنَّما اكتفى بذكر الَّذين سبق لجيمس هنري لوبا أن ذكرهم: cf:Vassilis SAROGLOU «Psychologie de la religion», Encyclopedia Universalis; consulté le 31 Aout 2016.URL:http://www.universalis.fr./Encyclopedie. أمَّا وليم جيمس، في مؤلَّفه «أصناف التَّجربة الدِّينيَّة»، فقد ذكره بصفته مساهماً في سيكولوجيَّة الدِّين، وعرض أفكاره في إطار بناء نظريَّته كسيكولوجيٍّ عن التَّجارب الدِّينيَّة لدى الأفراد الممتازين بفكرهم؛ وليس كمؤرِّخ.

[33] - فلوجل، كارل، علم النَّفس في مئة عام، م.س، ص101

[34] - Raymond Boudon et al, Dictionnaire de sociologie, pp.102-103 (matière Frazer).

[35] - فلوجل، ج. ك.، علم النَّفس في مئة عام، م.س، ص233

[36] - James Henry Leuba, la psychologie religieuse, op.cit, p.483

[37]-D.Jean du Buy, Stages of religious development, American Journal of Religious Psychology and Education, quoted in¤ James Henry Leuba, la psychologie religieuse, pp483-484

[38] - سنلاحظ أنّ الأمريكيّين المختصّين في سيكولوجيَّة الدِّين سيُفردون فصولاً في دراساتهم للدِّين، ومراحل النموّ لدى الإنسان. انظر: Robert W.Grapps; An Introduction to Psychology of religion, Mercer University Press, Macon, Georgia (Reprint 1995); American Bible Society, 1966, p6.religion and the human Development (childhood, youth, Adulthood).

[39]-James Henry Leuba, op.cit., pp,483-484

[40] - G. Stanley Hall, The Jesus of History and of the Passion versus the Jesus of the Resurrection, in: James Henry Leuba, op.cit., pp.483-484

[41]-G. Stanley Hall, The Jesus of History and of the Passion versus the Jesus of the Resurrection, in: James Henry Leuba, op.cit., pp.484-485

[42] - من هنا نفهم العلاقة بين علم نفس الطِّفل وعلم النَّفس الدِّينيِّ؛ أي العواطف والانفعالات المستثارة داخل نفسيَّة الطِّفل وما يماثلها داخل نفسيَّة المتديِّن. كما نفهم سرَّ تخصيص هُول لمجلَّة تعنى بعلم النَّفس الدِّينيِّ والتَّربية كما مرَّ بنا، والدِّراسات الَّتي كتبت عن تطوُّر الشُّعور الدِّينيِّ عند الطِّفل؛ كما فعل حلمي المليجي.

[43] - الحقيقة أنَّ هذه النَّظريَّات تغري بدراسات مقارنة بين التَّصوُّر المسيحيِّ للبعث والتَّصوُّر الإسلاميِّ له، وتأثير ذلك في نفسيَّات المعتقدين بكلِّ دين. وينبغي التَّذكير أنَّ التَّصوُّر الإسلاميَّ نفسه ينقسم إلى تصوُّر قرآنيٍّ يؤكِّد بعث الأجساد، وتصوُّر كلاميٍّ وفلسفيٍّ يرى البعث للأرواح دون الأجساد.

[44] - هنري برجسون، منبعا الأخلاق والدِّين، ترجمة سامي الدروبي وعبد الله عبد الدَّائم، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1984، ص9 وص31 في التَّصدير وفي صفحات عديدة في المتن.

[45] - James Henry Leuba, Faith. in: James Henry Leuba, la psychologie religieuse, pp.483-484

[46] - إنَّ الإيمان بالوطن يمكن أن يؤدِّي بالفرد إلى حالة مرضيَّة نفسيَّة؛ كالاكتئاب والسَّوداويَّة، مثلما حصل للجنود السُّويسريِّين الَّذين كانوا في إيطاليا إبَّان الحرب العالميَّة، وسمعوا أصوات الأجراس المعلَّقة على أعناق أبقار بحقل، فتذكَّروا بلدهم (le mal du pays). انظر: Erik H.Erikson, Adolescence et crise-la quête de l'identité, traduit de l'américain par Joseph Nass et Claude Louis-Combet, Paris, Flammarion, 1972.

[47]-James Henry Leuba, James Henry Leuba, Faith. in: James Henry Leuba, la psychologie religieuse, pp.485-486