عبد الله جنّوف: حالة التشيّع في تونس


فئة :  حوارات

عبد الله جنّوف: حالة التشيّع في تونس

شهدت البلاد التونسية في السنوات الخمس الأخيرة (منذ سنة 2011) تحوّلات اجتماعية وثقافية متعدّدة الجوانب ومختلفة المظاهر، ولعلّ من بينها ظهور العديد من التّعبيرات العقائدية والطّقوسية التي، كانت ثاوية قبل ذلك التّاريخ فلم تظهر إلى العلن، أو أنّها وجدت المناخ الثقافي والسّياسي والاجتماعي المناسب لكي تنشأ بعد ذلك. ومن بين تلك التّعبيرات نهتم اليوم بالحالة الشّيعية في تونس وما أثارته من جدل بالنّظر إلى الوحدة المذهبية الغالبة على التّونسيين، فالمعروف أنّ التّونسيين سنّة مالكية، والمعروف، أيضًا، أنّه على الرغم من حضور الشّيعة (الإسماعيلية) قديمًا في تونس منذ الدّولة الفاطمية (296هـ/ 909م)، فإنّ حضورهم الفعلي قد انتهى منذ زمن ولم يكد يتواصل إلا من خلال بعض العادات والتّقاليد الاجتماعية التي لا تحمل أي صفة عقائدية أو مذهبيّة بالضّرورة. ولعلّ ذلك ما يطرح العديد من التّساؤلات حول انتشار التّشيّع في تونس: نشأته، وظروفه، واتجاهاته، وتياراته... إلى غير ذلك من التّساؤلات التي اخترنا طرحها على د. عبد الله جنّوف، أستاذ الحضارة بالجامعة التّونسية والمتخصّص في دراسة المسألة الشّيعية من خلال مجموعة أبحاثه، ومن أهمّها أطروحته للدكتوراه التي نُشرت في كتاب سنة 2014، تحت عنوان: "عقائد الشيعة الاثني عشريّة وأثر الجدل في نشأتها وتطوّرها حتّى القرن السابع من الهجرة".

فيصل شلّوف: هل التشيّع الذي يقال إنّه ينتشر في تونس اليوم امتداد للتشيّع في الدولة الفاطميّة؟

عبد الله جنّوف: عرفت تونس التشيّع الإسماعيليّ في الدولة الفاطميّة في القرنين الثالث والرابع من الهجرة. وقد تركت التجربة الإسماعليّة في التونسيّين آثارًا تبدو في احتفالاتهم واعتقاداتهم الشعبيّة، ومنها الاحتفال بعاشوراء (عَاشُورَه)، وفي أسمائهم، وفي تعظيمهم عليّ بن أبي طالب وزوجته فاطمة. إلاّ أنّ هذه الآثار أصبحت اليوم غائرة في الثقافة الشعبيّة، وقد محتها الحياة المعاصرة أو كادت. ولم يبق من التجربة الفاطميّة شيء يبرّر القولَ إنّ للتشيّع الاثني عشريّ المعاصر في تونس صلة بالتشيّع الإسماعيليّ. فلا يمكن إذن تأصيله فيه ولا تأسيسه عليه ولا تبريره به كما يحبّ الشيعة في تونس أن يفعلوا.

فيصل شلّوف: كيف نشأ التشيّع الاثنا عشريّ في تونس؟

عبد الله جنّوف: يميّز الناس في تونس بين "التشيّع السياسيّ" و"التشيّع المذهبيّ"، وقد نشأ الأوّل في سياقين هما الثورة الإيرانيّة ونشاط الاتّجاه الإسلاميّ في الجامعة.

فأمّا الثورة الإيرانيّة فقد أيّدها التيّار الإسلاميّ في تونس، ودافع عنها، واعتبرها ثورةً إسلاميّةً، وتأثّر بالجانب الإيديولوجيّ منها، أي بقراءتها الإيديولوجيّة التي كانت تؤوّل الإسلام تأويلاً سياسيًّا، يضخّم البعد الاجتماعيّ فيه، ويوظّفه في مواجهة الخصوم السياسيّين. ويبدو هذا الأمر في أهداف الثورة كما لخّصها الغنّوشي يومئذ وهي "محاربة الاستبداد"، و"محاربة الفوارق الطبقيّة"، و"محاربة التبعيّة السياسيّة للامبرياليّة العالميّة"، و"تحرير المجتمع الإيرانيّ من الثقافة الاستعماريّة المائعة". وليس في هذه الأهداف إلاّ هدف واحد يخصّ المجتمع الإيرانيّ، وقد اقترن "بالثقافة الاستعماريّة المائعة" التي يرى الإسلاميّون أنّها غزت بلادهم وأنّهم مكلّفون بمواجهتها. وأمّا الأهداف الأخرى فيمكن تطبيقها في المجتمعات الإسلاميّة كلّها. وهذا يعني أنّ الثورة الإيرانيّة كانت عند الإسلاميّين مثالاً يمكن القياس عليه، وأنّها نبّهتهم على قدرة الإسلام على قيادة الثورات لإسقاط الاستبداد، وبعثت فيهم أملاً قويًّا في نجاح "الصحوة الإسلاميّة" في قيادة "المشروع الحضاريّ" الذي كانوا يتحدّثون عنه، وولّدت في نفوسهم إعجابًا بالقيادة الدينيّة والصبر الشعبيّ.

وأمّا نشاط الاتّجاه الإسلاميّ في الجامعة فالمقصود به ما جرى في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، وقد كانت الجامعة التونسيّة يومئذ ميدانًا لصراع إيديولوجيّ بين اليساريّين والقوميّين والإسلاميّين. وكان الطلبة اليساريّون يستفيدون من الدراسات الفلسفيّة العربيّة والغربيّة في مجادلتهم للإسلاميّين الذين كانت كتب الإخوان والكتب الدينيّة "السنيّة" عامّة مصدر ثقافتهم. ولم يكن فيها جواب على كلّ سؤال. ووُجد الجواب في كتب مؤلّفين من الشيعة أشهرهم علي شريعتي ومحمّد باقر الصدر وجلال الدين الفارسيّ. ثمّ تداول الطلبة والتلاميذ كتب مرتضى مطهّري، ومحمّد حسين فضل الله، وهادي المدرّسي، ومحمّد تقيّ المدرّسي، ومحمّد حسين الطباطبائيّ. وقد نشأ في إطار عمل الاتّجاه الإسلاميّ تيّار إسلاميّ متشيّع سُمِّي "طلبة خطّ الإمام" -واسمهم اقتباس لاسم الطلبة الإيرانيّين (دانشجویان مسلمان پیرو خط امام)- الذين اقتحموا السفارة الأمريكيّة في إيران في نوفمبر 1979. وفي هذين السياقين تشكّل ما يُعرف في تونس بالتشيّع السياسيّ، وهو موقفٌ سياسيٌّ مؤيّدٌ لإيران، غيرُ مؤسَّس في نشأته على اعتقاد دينيّ شيعيّ.

فيصل شلّوف: كيف أثّرت الكتب الشيعيّة في قرّائها الإسلاميّين يومئذ؟

عبد الله جنّوف: كلّ ما كان يُقرأ من كتب الشيعة استُعمِل في غاية واحدة هي محاولة صياغة تصوّر إسلاميّ في قضايا الجدل يومئذ، ومنها الاستبداد والديمقراطيّة والمرأة والتوحيد وتجديد الإسلام... ولم يهتمّ قرّاؤها بمذهب مؤلّفيها. وقد مكّنتهم هذه الكتب من "عُدّة الجدل" التي واجهوا بها اليساريّين والقوميّين، ولم يجدوا صعوبة في فهمها وقبولها واعتناق آرائها، ولا شعروا بأنّها غريبة عن عقائدهم ومذهبهم، فقد كانت مسايرة للاتّجاه العامّ في "الإسلام السياسيّ". وساهم كلّ هذا في صرف القارئ "السنّيّ" عن تتبّع مسائل الخلاف بين أهل السنّة والاثني عشريّة، ووجّهه إلى غاية محدّدة هي توظيف الخطاب الفكريّ الإسلاميّ في مواجهة الاستبداد السياسيّ والخصم الفكريّ والتديّن التقليديّ. فكان الإسلاميّ "السنّيّ" التونسيّ يشعر أنّ آراء المفكّرين الشيعة أقرب إليه وأكثر إقناعًا من الآراء السنّيّة التقليديّة.

فيصل شلّوف: ذكرت اتّجاهين شيعيّين أحدهما التشيّع السياسيّ، فكيف تكوّن التشيّع المذهبيّ؟

عبد الله جنّوف: نشأ "التشيّع المذهبيّ" في أواخر الستّينات، ولم يتكوّن في الجامعات والمعاهد الثانويّة بل انتشر بالعلاقات الخاصّة في أقارب المتشيّعين وأصدقائهم. ومن أشهر ممثّليه في تونس محمّد التيجانيّ السماويّ الذي تشيّع في أواخر الستّينات بالمصادفة، وزار الحوزة الدينيّة في العراق واتّصل بالخوئي وبمحمّد باقر الصدر. واحتفل وجماعته بعيد الغدير أوّل مرّة سنة 1978. وبدأ هذا الاتّجاه في ترويج كتبه في الجامعة والمعاهد بعد منتصف الثمانينات، وأشهر كتاب استعملوه لاستدراج الناس للتشيّع هو كتاب "المراجعات" لعبدالحسين شرف الدين الموسويّ، ثمّ روّجوا في آخر الثمانينات كتاب التيجاني السماويّ "ثمّ اهتديت".

وهذا الاتّجاه ليس موقفًا سياسيًّا غير قائم على اعتقاد، بل هو عقيدة دينيّة محورها الاعتقادُ أنّ الحقّ كلّه في عقائد الاثني عشريّة، فلذلك يسمَّى المتشيّع "مُسْتَبْصِرًا"، ويهتمّ المتشيّعون كثيرًا بالاستدلال على صحّة عقائد الاثني عشريّة وفساد العقائد السنّيّة. وأكبر فرق بينهم وبين "التشيّع السياسيّ" أنّ هذا الاتّجاه نشأ في سياق الصراع الإيديولوجيّ والتفكّر في قضايا الحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان والاستبداد والمرأة... وأنّ محورَ مشاغل "التشيّع المذهبيّ" الدعوةُ الدينيّة والدفاعُ عن العقائد الشيعيّة والردُّ على أهل السنّة. وقد سبق ظهورُه الثورةَ الإيرانيّة إلاّ أنّه لم ينتشر إلاّ بعد اتّصال رموزه بالحوزات في العراق وإيران واستعانتهم بالنظام الإيرانيّ على نشر المذهب وجمع الأتباع.

وهذا الاتّجاه هو الموجود اليوم. وأمّا اتّجاه "طلبة خطّ الإمام" فقد انحلّ، فشغلت صوارفُ الحياة بعض المنتمين إليه؛ ومنهم من بقي على تشيّعه ودخل في التشيّع المذهبيّ؛ ومنهم من يؤيّد اليوم إيران تأييدًا فرديّاً. وهذا الموقف الأخير تعبّر عنه أحزاب علمانيّة أيضًا.

فيصل شلّوف: كم عدد الشيعة في تونس اليوم؟

عبد الله جنّوف: لا يُعرف عدد دقيق، ولا يوجد إحصاء معلن، فالشيعة ما زالوا يعملون بالتقيّة. ويقول التيجاني السماويّ إنّهم مائة ألف أو يزيدون. وأحسب أنّ هذا العدد غير صحيح، وأنّه من مبالغاته. ويقول مبارك بعداش -وهو من شيوخ الشيعة- إنّهم عشرون ألفًا. ومن رموزهم من يقدّرهم بنحو اثني عشر ألفًا. وجاء في موقع "مركز اسناد انقلاب اسلامى" (مركز وثائق الثورة الإسلاميّة) أنّ "مجمع جهانى أهل بيت" (المجمع العالمي لأهل البيت) قدّر عددهم سنة 2008 بـ 196 ألف. وقدّر مركز "بيو" (Pew Research Center) الأمريكي عددَهم سنة 2009 بـ 102 ألف. وأظنّ أنّهم لا يقلّون عن عشرين ألفًا. وهذا تقدير مبنيّ على انتشارهم في الولايات كلّها، وأعدادُهم فيها ليست متساوية، فإذا قدّرنا معدَّل الانتشار بنحو ثمان مائة شخص في كلّ ولاية -وفي تونس 24 ولاية- وصل العدد إلى نحو عشرين ألفًا. ولعلّهم أكثر عدداً.

فيصل شلّوف: هل الشيعة في تونس تيّار واحد؟ وهل هم متّفقون في كلّ شيء؟

عبد الله جنّوف: أهمّ أسباب الحديث عن الشيعة باعتبارهم تيّاراً واحدًا قلّةُ المعلومات. فشدّة عملهم بالتقيّة والكتمان تمنع الباحثين من معرفة اتّجاهاتهم وعددهم وانتشارهم وانتماءاتهم الطبقيّة والجهويّة، فيكون الحديث عنهم حديثًا عامًّا. ويُستفاد من المعلومات القليلة أنّهم ليسوا اتّجاهًا واحدًا. فلهم أربع مرجعيّات. منهم من يقلّد الخامنئي، وهم أكثريّة؛ ومنهم من يقلّد السيستاني؛ وبعضهم من مقلّدي محمّد حسين فضل الله المتوفّى سنة 2010؛ ومنهم من يقلّد الشيرازي. والخلاف بين الشيرازيّين والنظام الإيرانيّ عميق، وفي مواقع الأنترنت ما يدلّ على انتقال آثاره إلى الشيرازيّين في تونس. وليس الشيعة في تونس طبقة واحدة ولا اتّجاهًا واحدًا، بل هم طبقات واتّجاهات تختلف في الاعتدال والتطرّف والصلة بإيران والنِّظرة إلى المخالف السنّيّ. وهذا أمر ليس خاصًّا بهم، ففي سائر الحركات الدينيّة والأحزاب السياسيّة أصوات متعدّدة.

فيصل شلّوف: يُتَّهم الشيعة في تونس بأنّهم موالون لإيران ويصل بعض الناس إلى وصفهم بأنّهم مواطنون إيرانيّون في تونس، أليس في هذا الكلام مبالغة؟

عبد الله جنّوف: أمّا علاقتهم بإيران فأمر تدلّ عليه الوثائق ويؤكّده الواقع، فلا فائدة في إنكاره. وأمّا اتّهامهم بأنّهم مواطنون إيرانيّون في تونس فمبالغة تخفي موقفًا إيديولوجيّاً منهم. وأظنّ أنّ رفع هذه التهمة عمل لا يستطيع إنجازه إلاّ الشيعة أنفسهم. ويستفادُ من آراء الناس فيهم في مواقع الأنترنت أنّهم ينتظرون منهم أمرين. أوّلهما إعلان هويّتهم وانتمائهم، فهم يمارسون النشاط السياسيّ والحقوقيّ ولهم أحزاب وجمعيّات كثيرة. ولكنّهم يحرصون على إخفاء انتمائهم الدينيّ، ويبالغ كثير من زعمائهم في إنكار تشيّعهم. وهذا الإخفاء يثير الريبة، ويُشعر الناسَ بأنّهم يخفون غايات غير التي يُظهرون، وبأنّهم يعملون بأوامر خارجيّة. ومن الصعب إقناع الناس بما يُقال في تبرير ممارسة التقيّة بعد انفتاح مجال العمل السياسيّ ونشاط الجمعيّات.

والأمر الثاني أن يشاركوا في صناعة المواطنة، فهذا المفهوم مازال غامضًا في نشاطهم على شدّة تمسّكهم به في خطابهم. فللمواطنة ثلاثة جوانب: حقوقيّ وسياسيّ واجتماعيّ. والجانب الحقوقيّ هو اعتبارها علاقةً حقوقيّةً بين المواطن والسلطة وبين المواطن والمواطن، إلاّ أنّ هذا الجانب لا يكتمل إلاّ بالمشاركة السياسيّة العلنيّة والعلاقات الاجتماعيّة المنفتحة النامية. وكلّ هذا لا يمكن تحقّقه متى بقي النشاط السياسيّ والاجتماعيّ محكومًا بعقيدة التقيّة أو مرهونًا بعلاقات خارجيّة.

فيصل شلّوف: نقرأ في كثير من المواقع تخويفًا من انتشار التشيّع وتأكيداً على ضرره على المجتمع التونسيّ، فما رأيك في هذا الأمر؟

عبد الله جنّوف: نعم، يردَّد هذا الخطاب كثيراً في مواقع الأنترنت، إلاّ أنّه لا يمكن تصنيف العقائد علميّاً إلى اعتقادات نافعة وأخرى ضارّة. وأظنّ أنّه يجب التمييز بين الموقف السياسيّ والاعتقاد الدينيّ. فالموقف السياسيّ المؤيّد لإيران في سياستها الخارجيّة مثلاً قد يشترك فيه الشيعيّ والسنيّ والعلمانيّ، وهو موقف متغيّر بتغيّر مواقع أصحابه ومصالحهم. فلا ينبغي المسارعة إلى اتّهام كلّ مؤيّد لإيران بالتشيّع، والمبالغة في التخويف منه. وأمّا الاعتقاد الدينيّ فهو في نفسه محفوظ بالدستور، ومن حقّ كلّ إنسان أن يختار اعتقاده. وأظنّ أنّ الضرر الاجتماعيّ ليس في عقائد الشيعة فقط، بل في كلّ اعتقاد يكون انشقاقاً عن المجتمع، فيخرّب العلاقات الاجتماعيّة بالتكفير واللعن والسبّ. وإذا قصرنا نظرنا على موضوع الحديث وهو الشيعة في تونس فيمكن أن نقول إنّ "التشيّع المذهبيّ" كان منذ نشأته انشقاقًا عن المجتمع، فهو تديّن فِرَقِيّ يرى أنّ الشيعة الإثني عشريّة هي الفرقة الناجية وكلّ ما خالفها ضلال، ويعيد إنتاج العقائد الكلاميّة القديمة ومنها عقيدة الرجعة التي سينتصف فيها الشيعة من مخالفيهم، ويؤجّج بعض أتباعه العداوة المذهبيّة باللعن والسبّ، ولا يفصل بين الدين والسياسة، ويعمل بقول الخميني "ديننا عينُ سياستنا". والضرر معناه أنّ "التشيّع المذهبيّ" خروجٌ من سياق الحداثة التي أسِّست عليها الدولة التونسيّة، وانشقاقٌ عن المجتمع، واستنباتٌ للطائفيّة التي خرّبت المجتمعات في المشرق العربيّ. فلهذا أرى أنّ أكبر عمل يُنتظر من الشيعة في تونس إنجازه هو أن يتركوا العمل بالتقيّة، وأن يكون تشيّعهم تونسيًّا يقطع كلّ العلاقات السياسيّة والمرجعيّة بالحوزت الدينيّة والأنظمة السياسيّة في العراق وإيران. فالخلل والضرر إذن ليسا في اعتناق العقيدة الدينيّة الخاصّة، بل في اعتناق عقيدةٍ تردّد المقالاتِ الفِرَقِيّة المفرِّقة، وتُؤسَّس على الهويّة الطائفيّة، وتقتحم الشأن العامَّ، وتنشأُ استجابةً لدواع خارجيّة لا حاجات وطنيّة، فتكُون انشقاقًا يخرّب المجتمع. وهذا أمر يستوي فيه الطائفيّون جميعاً من الشيعة ومن غيرهم. ونرجو أن تتطوّر التجربة الديمقراطيّة في تونس، فتجمع التونسيّين على الهويّة المدنيّة، وتتجاوز انقسام الهويّات الجزئيّة كلّها.