ماكس فيبر: الموسيقى بوصفها "اكتمال" للعقلنة الأوروبية


فئة :  مقالات

ماكس فيبر: الموسيقى بوصفها "اكتمال" للعقلنة الأوروبية

مدخل تأطيري:

يهدف هذا المقال إلى الوقوف عند أحد مظاهر العقلانية الأوروبية التي لم تأخذ حقها في البحث والدراسة في المشروع الفيبري، بل نجد أنها مغيبة - ربما بشكل مطلق - داخل الدراسات العربية، خاصة، حينما يتم تناول مفهوم العقلنة أو الترشيد العقلاني عند ماكس فيبر.

إن الحديث، هنا، عن الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، التي شكلت مظهرا من مظاهر الانتقال الأوروبي من مرحلة الميتوس (البراديغم اللاهوتي والميتافيزيقي) إلى مرحلة اللوغوس (براديغم التفكير العلمي العقلاني)، أو بصيغة أخرى الانتقال من الموسيقى الشفهية؛ موسيقى المعبد والكنيسة إلى الموسيقى المكتوبة؛ موسيقى النوطة والتناسب الرياضي (العقلنة).

سأحاول أن أقارب انطلاقا من كتاب فيبر "الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى"· العقلنة الأوروبية وتجليات اكتمالها كسيرورة وصيرورة تاريخية في مجال الموسيقى، وكيف شكل ظهور النوطة والإيقاع الهارموني واختراع البيانو، منعطفا إبستميا ساهم في إشاعة ثقافته، تحديدا، المجتمع البورجوازي.

1) المنطلقات النظرية للعقلنة عند ماكس فيبر:

إن ماكس فيبر عالم اجتماع موسوعي، وموسوعيته هي ما جعلت منه عالم اجتماع متميزا ومتفردا نظريا ومنهجيا. فالناظر إلى المشروع الفيبري، سيجد نفسه أمام تعدد المعارف التي ينهل منها؛ من فلسفة، وسياسة، وتاريخ، واقتصاد، وقانون، ولاهوت، وعلوم عامة، وموسيقى هذه الأخيرة التي "لم يدرسها كاختصاص، غير أنه مارسها بوصفها هواية العمر"[1] وهذا ما نجد له أثرا واضحا في تناوله الواسع والدقيق لكل ما يتعلق نظريا وتقنيا وتطبيقيا بمجال الموسيقى.

يقول "تيودور كروير"· في آخر ملحقه التحريري الذي وضعه لكتاب فيبر - "الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى" - بعد سنة من وفاته أي في 1921: "إنه كل متكامل وعلينا أن نقبله كما هو شاكرين، ذلك أن رجلا واسع الخبرة، ثاقب النظرة مثل ماكس فيبر أدخل الموسيقى ضمن دائرة تفكيره، وهذا وحده ينبغي أن يكون ذا أهمية كبرى بالنسبة إلينا لقد اكتسبت الوحدة الأخوية للعلوم فيه قوة جديدة"[2].

وما يزكي قولنا في موسوعية ماكس فيبر هي الشهادة التي قدمها عالم الاجتماع الإنجليزي المعاصر توني غدنز في كتابه العمدة "علم الاجتماع" بالقول: "إن ماكس فيبر (1864-1920)، شأنه شأن ماركس، هو من النوع الذي لا يمكن وصفه أنه عالم اجتماع فحسب، لأن اهتماماته شملت طائفة واسعة من الموضوعات...كان موسوعي المعرفة، وشملت كتاباته ميادين الاقتصاد، والحقوق والفلسفة والتاريخ المقارن، بالإضافة إلى علم الاجتماع"[3].

صفة الموسوعية هذه، مكنت ماكس فيبر من اقتحام مجالات مهمة داخل علم الاجتماع، بل كان له الفضل الكبير في الانفراد في تأسيس بعضها كسوسيولوجيا السيطرة أو التنظيمات أو الدين، أو ما يسمى عامة بسوسيولوجيا الفهم بالإضافة إلى الىسوسيولوجيا الفن - التي نحن بصدد الاشتغال على جزء منها -. و"عمله الأساس الاقتصاد والمجتمع أراد فيبر أن يؤسس فيه لسوسيولوجيا شاملة تضم شتى مظاهر النشاط الاجتماعي في سيرورته نحو العقلانية وفي بحثه عن المعنى"[4] مقدما في ذلك ما يسمى بسوسيولوجيا الفهم كتأويل للسلوك الإنساني عامة.

غاية المشروع الفيبري متمثلة، عموماً، في الشعار الذي رفعه بأشكال مختلفة، وهو إزالة السحر عن العالم

أ- الحداثة العلمية كمنطلق للعقلنة:

إن غاية المشروع الفيبري متمثلة، عموما، في الشعار الذي رفعه بأشكال مختلفة، وهو "إزالة السحر عن العالم"[5]. رفع هذا السحر وإزالته يشكل دعوة إلى الانتقال من المرحلة السحرية واللاهوتية إلى المرحلة الوضعية العلمية - كما أسس لذلك أوغست كونت[6]· - وفي هذا يعرف ماكس فيبر العقلنة على أنها "السيطرة على كل الأشياء من خلال التكهن بها (...) ولا يتحقق هذا التكهن إلا بالوسائل التقنية. وهذا هو تحديدا المعنى الأساسي للعقلنة بوصفها كذلك"[7].

إن المسارات التي اتخذها العلم في تقدمه كانت دائما ما تقبل بالمقاومة والعدائية، وذلك راجع إلى تلك الاعتقادات الراسخة والوثوقيات الإيمانية التي لا مجال فيها للنقد وإعمال العقل. وفي العلوم الإنسانية تكون المقاومة أكثر عنفا، وذلك رجع إلى أن الباحث يجد نفسه دارسا ومدروسا في نفس الوقت، ذاتا وموضوعا·.

في محاضرته الموسومة بـ"العلم بوصفه حرفة"· حاول فيبر أن يقدم انطلاقا من مقاربته التاريخية انعطافات أساسية في تشكل العقلنة الغربية، بدءا من الحضارة الإغريقية التي كان الفيلسوف فيها حامل مشعل الحقيقة الساطعة كما مثل لها ذلك أفلاطون في كتابه الجمهورية انطلاقا من أمثولة الكهف·.

تم يأتي عصر النهضة، فيضاف إلى ما اكتشفه الإغريق - من إعمال للعقل النظري خاصة - أداة عملية شكلت "بنت عصر النهضة: إنه التجريب[8]· العقلاني الذي أصبح أداة يمكن الاعتماد عليها في كل تجربة خاضعة للمراقبة، ومن دونه ما كان للعلم التجريبي الحديث أن يرى الوجود"[9]. إن العقلنة حسب تصور فيبر تكمن في عبارة جامعة ومانعة أن يحيا الإنسان "حياة العقل باستمرار"[10].

لم تتأسس حياة العقل هذه إلا ضمن شروط تاريخية ساهمت في ذلك؛ عن مرحلة علمية أو حقبة فلسفية دون استحضار الشرط التاريخي لهذه الأخيرة، فإذا كانت فلسفة العصور الوسطى طبعت بصبغة الصراع الديني والسياسي الناتج عن سيطرة الكنيسة ومحاكم التفتيش وإحراق العلماء وإعدامهم بمجرد مخالفة الكنيسة في تصورها لنظام الكون (مركزية الشمس ودوران الأرض)، فإن فلسفة العصر الحديث ستثور على هذا العصر جاعلة العقل أساس التفكير، وجاعلة الإنسان موَّقِعًا للحقيقة والمعرفة.

إن الإعلان عن مبادئ كالحرية والاستقلالية الفردية وإعمال العقل ساهمت في ظهورها مجموعة من الشروط انعكست أثارها على مستويات مختلفة نذكر أبرزها ظهور ما يسمى بالحركة الإنسية؛ كحركة فكرية وعلمية وفنية مجدت الإنسان لكونه يمتلك عقلا، حيث جعلت الإنسان محور التفكير والدراسة.

الحداثة السياسية كمنطلق للعقلنة:

للحداثة السياسية مسار تاريخي بدءا من "المدينة-الدولة"، باعتبارها تجمعا أخلاقيا للعيش المشترك وفق قواعد الخير ومن أجل الخير عند اليونان خاصة مع سقراط وأفلاطون وأرسطو. إلا أن هذا التحديد لم يستمر؛ ففي لحظة العصور الوسطى كانت تلعب نظرية التفويض الإلهي - من خلال دعاة الدين - على تضليل الناس بأن الله قد فوض إليهم أمر تسيير شؤون العامة، فأدخل الدين في السياسة لغرض أن يجد الحاكم تبريرات لحكمه واستغلاله للسلطة بادعائه أن تصرفاته تنسب إلى الله الذي فوض له تسيير شؤون الأفراد كما يشاء. لكن مع عصر النهضة، سيتم الثوران على تقاليد الكنيسة، وذلك بظهور الحركة الإنسية والإعلاء من قيمة الإنسان. فعلى غرار ما قام به غاليليو غاليلي في مجال العلم بتفنيد ما كانت تدعيه الكنيسة، نجد "نيكولا مكيافللي" أحد رواد الفلسفة السياسية الحديثة الذين عملوا على فصل الأخلاق عن السياسة، فهذه الأخيرة مجال مصالح تحقق بوسائل مشروعة وغير مشروعة، لتثمن نظرية العقد الاجتماعي هذا الطرح بالدفاع عن الدولة المدنية، والتأكيد أن أساس الاجتماع البشري تعاقدي اتفاقي انتقل من خلاله الأفراد من حالة الطبيعة إلى حالة المدنية. فيما ستعمل النظرية الماركسية بريادة كل من كارل ماركس وفريردريك إنجلز على استقراء تاريخ المجتمعات البشرية، فاستنتجا أن الصراع الطبقي هو الذي حرك هذا المسار.

استفاد ماكس فيبر كثيرا من هذا التراكم والزخم المعرفي في تشكيل تصور جديد للسلطة متجاوزا ومنتقدا في ذلك التصورات السابقة خاصة النظرية الماركسية في تفسير ظهور الرأسمالية. مما جعله يخصص كتابا في هذا الباب وسمه بـ"الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية"·.

"تبين الدراسات التاريخية أن التطور، منذ العهد الوسيط وبخاصة بعد النهضة، كان يتجه نحو برقرطة الوظيفة."[11] ويستحضر، هنا، عبد الله العروي في كتابه مفهوم الدولة ماكس فيبر، هذا الأخير، الذي يؤكد بصريح العبارة أن الدولة أينما وجدت تحمل قدرا من العقلانية، لكنه يجعل الدولة الأوروبية الحديثة وحدها من تحمل قيمة هذه العقلانية. فرغم أن التنظيمات السياسية القديمة، حتى ولو كانت موجودة فيها هذه العقلنة جزئيا كما نجد مثلا في الصين، مصر الفرعونية، روما، السلطنة الإسلامية، فإنها لا ترقى أن تكون تنظيمات بيروقراطية كما هي متجسدة في الدولة الحديثة في أوروبا[12].

إذن القيمة المؤسسة للغرب الحديث هي العقلانية؛ أي عملية تطبيق العقل المجرد الرياضي على مظاهر الحياة بهدف توفير الجهد ورفع الإنتاج المادي والذهني. البيروقراطية هي إحدى نتائجه العملية والدولة الحديثة بصفة عامة هي مجموع أدوات العقلنة في كل دروب الحياة.[13]

الموسيقى بوصفها اكتمال للعقلنة الأوروبية:

في مفهوم الاكتمال يقول فيبر: "إن من يحيا في التقدم سيعتقد باستمرار في إمكانية أن يجد تقدما آخر بانتظاره، فلا يموت أحد إلا سيجد نفسه وقد بلغ قمة التقدم، إذ إن موقعه هو في اللانهاية... إن العقلنة هي أن يحيا الإنسان حياة العقل باستمرار"[14]. وهذا ما جعل من "يورغن هابرماس" يعتبر أن الحداثة مشروع لم يكتمل بعد.

إن القول بعقلنة الموسيقى الأوروبية هو قول صريح بأن أوروبا هي الوحيدة التي كان لها الفضل في كونية الموسيقى وهرمونيتها، ولم تتأت هذه العقلنة، حسبه، إلا بظهور النوطة كإحدى العلامات الفارقة في تاريخ الموسيقى عامة. يقول فيبر: "إن من يريد أن يدل إنسانا غريبا تماما على الأشياء التي تحدد ثقافتنا الموسيقية في أوضح صورة، عليه أن يذكر هذه الأشياء الثلاثة: الهارمونية، كتابة النوطة الموسيقية والبيانو"[15].

إن تركيز فيبر على كتابة النوطة كمنعطف موسيقي تميز به الغرب الحديث على باقي الشعوب الأخرى خاصة الشرقية منها له دلالة عميقة تتمثل في أن أصل النوطة هو العدد كإحالة على الخطاب المكتوب والعقل الرياضي (الحساب الموسيقي الفيثاغوري) بدل الخطاب الشفهي والتفكير الأسطوري؛ أي إن هذا المرجع الرياضي في الحساب التناسبي للموسيقى مكن أوروبا من الانتقال من موسيقى المعبد الكنسي إلى الموسيقى كفن ذي أبعاد جمالية بالأساس؛ أي كغاية في ذاتها وليس مجرد وسيلة للكهنوت.

في هذا الكتاب - الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى - صال وجال فيبر في تاريخ موسيقى الشعوب المختلفة مدافعا عن فكرة جوهرية أن تطور الموسيقى وبلوغ شكلها الحالي (عصر فيبر) لم يكن ممكنا إلا فيما شهدته أوروبا من تحولات وتطورات - كما بينا في النقط السابقة - في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية عامة من نهضة علمية وفكرية وسياسية وفنية.

1) الموسيقى في الشعوب القديمة: الموسيقى كوسيلة للسّحر والتعبد والبحث عن الخلاص

يؤكد فيبر أن الموسيقى "البدائية"[16] عامة كانت لها أهداف تعبدية بالأساس، ولعل نشيد أبولون الإغريقي أبرزها في هذا المجال، وهذا لا يعني أن شعوب ما قبل الإغريق لم تعرف الموسيقى، بل إن النصوص التي بقيت محفوظة - في مصادر مختلفة - هي التي أتتنا من أثينا. وهذا ما يؤكده فيبر بالقول إن "من الآثار الموسيقية البارزة القديمة يأتي نشيد أبولو الأول في دلفي، وهو النشيد الأقدم والممكن تأريخه بالتأكيد"[17].

يقول نتشه في هذا الصدد (ويعد ماكس فيبر من المولعين بهذا الأخير): "إن سبب ميلاد التراجيديا هي الجوقة التراجيدية، ولم تكن في الأصل سوى تلك الجوقة لا غير، لذا يتوجب علينا النظر في تلك الجوقة التي هي أصل المسرح"[18]. وكما نعلم أن كتاب "ميلاد التراجيديا" لنتشه كان إهداء لأحد العباقرة الألمان في الموسيقى ريتشارد فاغنر الذي يرجع إليه فيبر في كتابه المذكور سابقا للاستدلال على ما شكله بالإضافة إلى كارل ماريا فون فيبر وباخ وموزارت وبتهوفن من انعطاف وعقلنة للموسيقى الغربية خاصة في معزوفته البارسيفال.

يلتقي كل من نتشه وفيبر في أن نشأة الموسيقى الإغريقية كانت مرتبطة بالأعياد الدينية لكل من دينوزوس وأبولون، كما أرخت لذلك مسرحيات أسخيلوس، والإلياذة والأوديسة لهوميروس التي تصور صراع الإنسان مع القدر، "وبؤس الناس هو بالضبط الموضوع الذي كانت الآلهة تحب سماعه في التراتيل"[19].

مثلت الموسيقى التراجيدية في العصر الإغريقي حسب أرسطو في كتابه فن الشعر نوعا من التطهير، التطهير الروحي لما يطال الإنسان من آثام ومعاناة وألام، حيث تصور أرسطو الشعر، باعتباره محاكاة التي تتأسس على وسائل ثلاث: "الإيقاع والانسجام واللغة... فالعزف بالناي مثلا والضرب بالقيثارة وما أشبه هذا من الفنون مثل الصفر تحاكي باللجوء إلى الإيقاع والانسجام وحدهما، بينما الرقص يحاكي بالإيقاع دون الانسجام، وذلك لأن الراقصين يستعينون بالإيقاعات التي تعبر عنها أشكال الرقص في محاكاة الأخلاق والوجدانيات والأفعال".[20]

ربما هذا العزاء التراجيدي للموسيقى الإغريقية، نجد له شهادات كثيرة تؤكده كما نلحظ ذلك في كتابات غوته، كيركغارد أو ماركس الذي اعتبر أن الموسيقى عزاء للطبقة البروليتارية.

رجوعا إلى نشيد أبولون، نجد تأكيدا من ماكس فيبر مفاده أن الموسيقى كانت ترافق الأشعار الملحمية عند الإغريق التي كانت ذات أصل ديني محض، يختصره ذلك الصراع التراجيدي بين أبولون وديونوزوس. ونجد كذلك هذا الطابع الديني والأسطوري للموسيقى عند كل من قدماء الصين واليابانيين والهنود، فرغم أن هناك تفاوتا في درجة ممارسة هذا الطابع الديني الموسيقي، إلا أنهم يشتركون عامة في أن الموسيقى ليست ذات نظرة جمالية وفنية، بل تجسيد للطقس الديني والكهنوتي بالأساس. فمثلا "حساب السروتي في ما يخص فن الموسيقى الهندي"[21] الذي كانت فيه الترانيم الدينية تجمع بين الغناء والموسيقى والرقص كمظهر من مظاهر العبادة، ولعل أبرزها الموسيقى الصوفية التي تشكل لونا من ألوان التراجيدية الهندية التي يتم توظيفها في احتفالات الرب.

بينما نجد في الصين السلم الخماسي، "والذي لا يزال حتى الآن نسق الصين الرسمي إلا أنه يمثل سلما بدائيا"[22] حسب فيبر. ويتجلى البعد الأسطوري للموسيقى الصينية - كما موجود الآن - في رقصة التنين التي تجتمع فيها الموسيقى بالرقص لتمجيد الأبطال، وكذلك كتعبير عن الولاء للإمبراطور والعائلات الملكية.

"إن الموسيقى البدائية في قسم كبير منها وفي مرحلة مبكرة من تطورها أدارت ظهرها للمتعة الجمالية، ووضعت نفسها في خدمة الأهداف العملية، وكانت أهداف السحر في المقدمة، ثم جاءت الأهداف التعبدية، ومن ثم العلاجية مثل استدعاء الشياطين أو طردها"[23].

لقد عرفت الثقافة العربية كغيرها من الثقافات الأخرى، منذ العصر الجاهلي، وقبله بالتأكيد ضمن الحلقة المفقودة تاريخيا، شكلا من أشكال الموسيقى بالاعتماد على الآلات البسيطة المتوفرة آنذاك، كالناي والطبول بأنواعها. ولكنها لم تكن ظاهرة عامة ولا مستمرة، وإنما كانت في المناسبات كالحروب والأفراح، وارتبطت بالأهازيج والترانيم والشعر.

سيتوقف ماكس فيبر عند اللحظة العربية - خاصة مع الزرياب - وذلك واضح في حديثه عن ذلك الانعطاف الثوري في آلة العود التي لم يعرفها العرب القدماء "فالآلات الموسيقية القديمة عند العرب كانت تتجلى في المزمار الذي تختص به كل الجماعات البدوية"[24].

لكن مع ظهور الإسلام وانتقال العرب من نظام القبيلة إلى نظام الخلافة - كتنظيم يرتبط بشروط تاريخية وسياسية ودينية واجتماعية معينة - ظهرت موسيقى البلاط، بلاط الخليفة على وجه التحديد، ولعل هارون الرشيد في العصر العباسي ساهم بشكل كبير في احتضان الموسيقى والموسيقيين الذي كان أبرزهم زرياب الذي ما إن استقر بقرطبة حتى أسس مدرسة موسيقية كان لها موقعا رياديا في تعليم موسيقى العود تحديدا؛ هذه الآلة كانت "حاملة التطور الأفقي للسلم، والتي أصبحت في العصر الوسيط آلة العرب الحاسمة في تثبيت الأبعاد"[25].

يلتقي كل من نتشه وفيبر في أن نشأة الموسيقى الإغريقية كانت مرتبطة بالأعياد الدينية لكل من دينوزوس وأبولون

لقد لعبت الموسيقى عند العرب دورا مهما في أسرار العرافين والسحرة والأنبياء العرب مثلهم في ذلك مثل جميع السامين. ومن الواضح، أنهم كانوا يستدعون الجنّ بالموسيقى، ومن بقايا هذه المعتقدات تمسكهم فيما بعد بأن الجن يوحون بالأشعار للشعراء، وبالألحان للموسيقيين. ويعطينا القرآن بعض المعتقدات المهمة المتعلقة بالموسيقى والسحر.[26]

لكن الانتقال الجوهري في الموسيقى العربية كان مرتبطا عموما بالعصر الذهبي للخلافة الإسلامية خاصة العصر العباسي، حيث عمل هارون الرشيد على تشجيع جميع الفنون والصناعات من شعر، وبلاغة، وفقه، وعلوم. وكذلك الموسيقى ولعل ذلك واضح أن في حقبته ازدهر عدد المهتمين بالموسيقى، ولعل أبرزهم إبراهيم الموصلي وتلميذه زرياب الذي يقول في حقه ماكس فيبر إن "العود كان حسب ما هو متوارث مؤلفا من أربعة أوتار ثم أضيف إليه وثرا خامسا...وبهذا كان للعرب كل الأبعاد العقلانية واللاعقلانية لنسق الصوت على آلة العود"[27].

في خضم حديثه عن نسق الموسيقى العربية، يستحضر فيبر بين الفينة والأخرى أقوالا للفارابي الذي يعتبر عمله الأساس في هذا الباب "كتاب الموسيقى الكبير". وكان استشهاد فيبر به قصد التمييز من حيث الآلات الموسيقية بين عصر إسلامي وما قبل إسلامي، ولإثبات كذلك علاقة التأثر والتأثير بين العرب والشعوب الأخرى خاصة الفرس. يقول (فيبر) فلو أخذنا "الطنبور المؤلف من وترين، وكان آلة معروفة في بغداد نظر إليه الفارابي على أنه آلة وثنية؛ أي قبل إسلامية، نجد أنه بالتأكيد آلة مقسمة بصورة بدائية".[28]

يشيد فيبر بمساهمة العرب في تطوير الموسيقى، خاصة، في تجديد الأنساق الصوتية من خلال تجديد في الآلة الموسيقية وكذا التجديد في اللحن كمجموعة من الأنغام المرتبة ترتيبا منظما. لكن رغم ذلك، فإنها لم تصل إلى مستوى العقلنة، وذلك لارتباطها، كما قال الفارابي، بالانفعالات وليس بالتعقل، ولارتباطها من جهة ثانية بموسيقى البلاط، بلاط الخليفة على وجه التحديد؛ أي إنها لم تشع كثقافة اجتماعية.

على الرغم من هذه الأهمية التي أولاها فيبر لموسيقى الشعوب القديمة عامة، والعرب والفرس خاصة، إلا أن تركيزه كان منصبا بشكل كبير على تفسير وفهم الموسيقى الكنسية التي اعتبر أن أقدمها يوجد "بصورة خاصة في السيترسيان التي حرصت تبعا لقاعدة نظام الرهبنة على استبعاد البيورتاني لكل بهاء جمالي على هذا الصعيد، حيث بدت أنها كانت خماسية"[29]. وتعتبر هذه السلالم الأخيرة (الخماسية) - حسب فيبر - أكثر السلالم بدائية ولاعقلانية، لأنها تعكس التراتيل الدينية الخاصة بترانيم العبادة والصلاة.

إن الموسيقى الكنسية لم تكن لها غاية جمالية أو فنية يمكن أن تجعلها معقلنة، بل إن هدفها كان تعبديا بامتياز "فحينما تدور المسألة حول أعمال الفن التشكيلي أو حول وسائل إيمانية أو ترتيبية أو أوركسترية أو غنائية، فإنها تكون خدمة للتأثير على الآلهة والشياطين"[30]. وكل تجديد في هذا الباب، يصبح تجديفا في حق الطقوس الدينية التي ستجلب قوى غضبة غيبية ومتعالية فوق الحسي، ليصبح إذن الحفاظ على الموسيقى التعبدية "مسألة حياة"[31]، حيث يصبح الغناء خطيئة إذا ما لم يخدم الرب، وإذا لم يكن وسيلة للتقرب والتعبد الروحاني.

2) الموسيقى في الغرب الحديث: الموسيقى كغاية في ذاتها كفن وكمتعة جمالية:

مع تطور الموسيقى إلى فن دائم، سواء كان كهنوتيا أم دنيويا، يبدأ لانطلاقه فوق الاستخدام الهادف عمليا صرفا لمعادلات صوت تقليدية؛ أي لإيقاظ حاجات جمالية صرفة، بشكل نظامي له عقلنته الخاصة به[32]، بمعنى آخر، تم الانتقال من موسيقى الشعوب القديمة كوسيلة للسحر والتعبد والبحث عن الخلاص إلى الموسيقى في الغرب الحديث كغاية في ذاتها؛ أي كفن وكمتعة جمالية.

تماشيا مع الطموح الغربي في الانتقال من العصر الوسيط، عصر هيمنة الكنيسة ورجال الدين إلى العصر الحديث، عصر العقلنة الشاملة، هذا العصر "ترسخت فيه حاجة التعبير المتصاعدة تلك، وجد نفسه متناقضا مع العصر الكلاسيكي في تملك موسيقى متعددة الأصوات، وقد صب في مسارها لهذا السبب تطور مادة الصوت الجديدة. وهذا يصبح دونما شك وبمدى واسع، والآن وجدت وتوجد تعددية أصوات فقط في الموسيقى الغربية، وهنا يجب أن يلح علينا السؤال عن شروط تطورها النوعي"[33].

هذه الشروط التي ساهمت في هذا التطور النوعي حددها فيبر في عامل أساسي، وهو ظهور التنويط كنوع من التدوين الموسيقي، وكذلك من بين هذه الشروط كذلك "تحسين آلة البيانو في القرن 18 كان جمال الوقع للاكوردات المعزوفة تتابعا والمعتادة من آلة العود واحدة من المشاعر التي يبحث عنها الإنسان ويمجدها"[34].

وكما ساهمت البروتستانتية خاصة في نسختها اللوثرية والكالفينية بظهور الرأسمالية، فإن هذه الأخيرة بدورها ساهمت في عقلنة الموسيقى وشيوعها كثقافة اجتماعية، فأصبح البيانو "آلة بيت بورجوازية"[35]. سيتساءل فيبر عن هذه الشروط، ولماذا تظهر تعددية الأصوات (الهارمونية) في بضعة مواقع من الأرض وتفتقد في بعضها الآخر؟ ولماذا تتطور في نقطة ما من الأرض (أي أوروبا وخاصة ألمانيا)؟

يجيب فيبر بقوله: "إن الجواب يرتبط بأشياء كثيرة أهمها اختراع النوطة الحديثة لدينا"[36]. هذا التصريح "بالنحن" الغربي (مركزية العقل الأوروبي) يجعل فيبر من العقلنة الموسيقية خاصية أوروبية محضة، وجعل من هذا الاختراع للتدوين الموسيقى يوازي ذلك الإبداع الموجود في اختراع الكتابة، فلولا هذه الأخيرة ما كان هناك إبداع نثري كما نجد عند غوستاف فلوبير أو أوسكار وايلد.

إن اختراع التنويط والكتابة الموسيقية، وإشاعة ثقافتها شبيه بشروط نشأة الفلسفة اليونانية[37] خاصة الشرط الثقافي، حيث تم الانتقال من الثقافة الشفهية إلى الثقافة المكتوبة، مما ساهم في ظهور خطاب فلسفي يقوم على الحجة والبرهان في مقابل الخطاب الأسطوري القائم على الحكاية والسرد الخيالي. وكذلك شكلت ساحة الإغورا بمدينة أثينا مركزا للتداول العلني للمعرفة وإشاعة الثقافة.

ومن الأسباب التي أدت إلى تخلف الموسيقى العربية عن الركب النهضوي، حسب فيبر، هو ضياع التدوين الموسيقي، وفي ذلك يقول: "إن الموسيقى العربية الحديثة مثلا، على الرغم من أنها موضوع معالجة نظرية، إنما هي في المرحلة الطويلة منذ الاجتياح المغولي خسرت تدريجيا نسقها التدويني القديم، حتى أصبحت فاقدة للتدوين تماما"[38].

بالإضافة إلى التنويط الموسيقي هناك عامل آخر ساهم في عقلنة الموسيقى الغربية وجعلها كونية، هو عنصر الهارمونية والانسجام الإيقاعي، والذي لازال مستمرا إلى اليوم في المعزوفات والسمفونيات الخالدة، وهذا لم يكن ممكنا إلا بإدخال الحساب الرياضي في الموسيقى، وجعلها محايدة بعيدة عن المقولة الدينية حرام حلال. "لندرس موسيقى الغرب، يقول فيبر، ولنقارنها بموسيقى الشرق نرى أنها مبنية على التناسب العددي؛ أي على العقل الرياضي، والأمر واضح في الهندسة المعمارية والرسم"[39].

من الأسباب التي أدت إلى تخلف الموسيقى العربية عن الركب النهضوي، حسب فيبر، هو ضياع التدوين الموسيقي

ومع الإصلاح الديني الذي شاب أوروبا، ساهمت الكنيسة في حلتها الإصلاحية الجديدة في الانتقال من موسيقى الخدمة الإلهية إلى موسيقى كفن ومتعة جمالية، وهذا التغيير طرأ كذلك على الآلات الموسيقية، حيث تم الانتقال من "آلة الأورغن التي كانت ترافق دخول وخروج المصلين والفعل الطويل في الاحتفال بالعشاء الرباني"[40] إلى آلة البيانو المرتبط بالمجتمع البورجوازي المثقف.

سيركز، ماكس فيبر، في الصفحات الأخيرة من كتابه "الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى" على أن التكوين الثقافي للمجتمع البورجوازي الألماني "الناطق باللغة الألمانية، ألمانية بالكامل"[41]. ساهم في إشاعة الثقافة الموسيقية، وذلك بتشجيع السوق الاستهلاكية للآلات الموسيقية والدليل كما، يقول فيبر، هو أن البيانو أصبح قطعة أثاث داخل البيت البورجوازي، مما شجع كذلك الموسيقى الأوركسترالية والأوبرا، وكذلك "زيادة الحفلات الموسيقية والحديث الاجتماعي القيم، والذي يصب أيضا في الجدال مع الصحافة الموسيقية، التي ازدادت أهميتها بشكل كبير نحو العام 1900"[42].

لعل هذا الاستهلاك اليومي في الثقافة الغربية، وخاصة الألمانية منها، جعلت العقلنة الموسيقية ممكنة داخل نطاق العرض والطلب في المجتمع الرأسمالي البورجوازي، كمجتمع مثقف، يملك الوسائل، ويملك الثقافة، وهذا ما جعل الموسيقى غير مرتبطة "بطلب طبقة محدودة من الموسيقيين والهواة الذواقين، وإنما لإرضاء شروط السوق في إنتاج الآلات، الذي أصبح رأسماليا"[43].

من هنا يصبح الرأسمالي هو الحامل للواء الثقافة الموسيقية في الغرب، وفي سياق مقارنته بين إيطاليا وألمانيا، يشير فيبر أن "افتقاد ثقافة المواطن البورجوازي"[44] في إيطاليا أخرت ظهور البيانو، ومن ثمة أخرت إشاعة الموسيقى الهارمونية كثقافة اجتماعية. ويعزو فيبر هذا التقدم كذلك، الذي شهدته ألمانيا، على وجه الخصوص، إلى التنظيم البيروقراطي للمؤسسات المدنية؛ فانتشار البيانو مثلا وتسويقه لم يكن ممكنا إلا داخل "البلاد المنظمة بصورة أفضل"[45]. هذا التنظيم البيروقراطي للدولة الحديثة في أوروبا ساهم في عقلنة الموسيقى، انطلاقا من رأسمالية التسويق "فصراع التنافس المحموم للمصانع والمسوقين المهرة مع استخدام الوسائل الحديثة نوعيا للصحافة والمعارض في النهاية، هو شبيه بتقنيات تسويق البيرة (الجعة)، وذلك عن طريق إيجاد قاعات للحفلات الموسيقية"[46].

على سبيل الختم:

تشكل الموسيقى الرافضة للواقع المعيش، في عصرنا الراهن، ظاهرة احتجاجية جمعية، إذ صار هذا النوع الموسيقي الثوري إن صح التعبير أو الرافض لطريقة تدبير الشأن العام، يلعب دورا مهما في توجيه الرأي العام وتسليط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية كالقهر والفقر والحرمان والاستلاب واللاعدالة الاجتماعية، التي يعيشها الإنسان المعاصر، وأداة لتهييج الجماهير ضد سلطة الواقع، لنأخذ مثلا الظاهرة "الغيوانية" و"المشاهب" في المغرب كنوع موسيقي راقي ونوعي، كان في بدايته رافضا للوضع السياسي ومنخرطا في هموم الناس، ويتجلى ذلك في الكم الهائل من الأغاني ذات الحس النقدي، المصبوغ بشكل فني، التي تناهض الوضع القائم بخطاب سياسي لكن بلون فني شاعري يجعل المتلقي ينخرط وجدانيا وسلوكيا، وتخلق لدى الجمهور لحمة تجعله يمضي في طريق تغيير الوضع الاجتماعي الذي يحياه.

 

لائحة المصادر والمراجع:

-       ماكس فيبر، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ترجمة محمود علي مقلد، مركز الإنماء القومي، لبنان.

-       ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، ترجمة حسن صقر ومراجعة فضل الله العميري، المنظمة العربية للترجمة الطبعة الأولى 2013.توني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى 2005

-       ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ترجمة جورج كتورة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى 2011

-       أرسطو، فن الشعر، ترجمه وشرحه وحقق نصوصه عبد الرحمان بدوي، دار الثقافة، بيروت-لبنان.

-       أوجست كونت، دروس في الفلسفة الوضعية، نقلا عن ما هي الابستيمولوجيا؟ لمحمد وقيدي.

-       جمهورية أفلاطون، ترجمة ودراسة: فؤاد زكريا، دار الوفاء لدنيا الطباعة، الطبعة الأولى 2004

-       جون بيير فيرنان، أصول الفكر اليوناني، ترجمة سليم حداد، المؤسسة الجامعية للدراسات والشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1987

-       فيليب كابان – جان فرانسوا دورتيه، علم الاجتماع من النظريات الكبرى إلى الشؤون اليومية، ترجمة إياس حسن، دار الفرقد، الطبعة الأولى 2010

-       كرمين فتيحة ورباني الحاج، البروتستانتية وعلاقتها بنشأة النظام الرأسمالي - قراءة في فكر ماكس فيبر، مجلة آفاق فكرية..

-       محاورة ايون لأفلاطون ترجمة عادل مصطفى فهم الفهم، نظرية التأويل من أفلاطون إلى غادامير، طبعة 2007 القاهرة.

-       محمد وقيدي، العلوم الإنسانية والإيديولوجيا، منشورات عكاظ، المحمدية - المغرب، طبعة 1988

-       الموسوعة الموسيقية الشاملة، القسم النظري الأول، دار الفكر اللبناني، الطبعة الأولى 1994

-       نتشه، إنسان مفرط في إنسانيته، ترجمة محمد الناجي، إفريقيا الشرق، الجزء 1

-       هنري جورج فامر، تاريخ الموسيقى العربية، ترجمة حسين نصار ومراجعة عبد العزيز الاهواني، المركز القومي للترجمة، طبعة 2010

-       نيتشه، ميلاد التراجيديا، ترجمة محمد الناجي، إفريقيا الشرق

-       عبد الرحمان الحجي، تاريخ الموسيقى الأندلسيةـ ط 1ـ دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1969

-       محمود أحمد الحفني "زرياب موسيقار الأندلس" أعلام العرب، عدد 54

-      jean Piaget. Epistémologie des sciences de l’homme, Gallimard, Edition 1970

-      Emil Durkheim, les regèles de la méthode sociologique, éd. Flammarion, 1988

-      Max weber, essais sur la théorie de la science, traduite par Julien Freund. Paris: Librairie Plon.

  • لم يخرج هذا الكتاب إلى حيز الوجود إلا بعد سنة من وفاة ماكس فيبر؛ أي في سنة 1921، وحتى العنوان ليس من وضع فيبر، بل كان الفضل في تحريره في تعاون كل من زوجته ماريان فيبر وأستاذ تاريخ الموسيقى - المقرب من فيبر في هذا المجال - تيودور كروير لفك كثير من رموز الكتاب وشفراته. وقد ثمة ترجمته من الألمانية للعربية من طرف حسن صقر سنة 2013 وراجعه فضل الله العميري، ونشر عن المنظمة العربية للترجمة.


 

[1] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، ترجمة حسن صقر ومراجعة فضل الله العميري، المنظمة العربية للترجمة الطبعة الأولى 2013، الصفحة 8

  • أستاذ تاريخ الموسيقى بألمانيا كان يحضر لمحاضرات فيبر، وكان على علم بجهوده في الموسيقى، وهو الذي تكلف بتحقيق كتابه "الأسس العقلانية السوسيولوجية للموسيقى" سنة 1921

[2] ماكس فيبر، الأسس العقلانية السوسيولوجية للموسيقى، مصدر سابق، الصفحة 275

[3] توني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى 2005، الصفحة 70

[4] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، مصدر سابق، ص 18.

[5] ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ترجمة جورج كتورة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى 2011، الصفحة 172.

· كما هو معلوم أن كونت كان يعتقد أن الإنسانية أو العقل البشري مر من ثلاث مراحل "الطريقة اللاهوتية أولا، والطريقة الميتافيزيقية بعد ذلك ثم الطريقة الوضعية أخيرا. ومن هنا أنواع ثلاثة من الفلسفات أو الأنساق العامة للمفاهيم المتعلقة بمجموع الظواهر، أنواع ثلاثة تتنافى فيما بينها، النوع الأول هو نقطة الانطلاق الضرورية للعمل الإنساني، والثالث هو حالته الثابتة والنهائية، وأما النوع الثاني فهو مهيأ لأن يكون مرحلة انتقالية فقط...ألا يتذكر كل واحد منا حين يتأمل تاريخه الخاص أنه كان على التوالي، فيما يخص أهم مفاهيمه، لاهوتيا في طفولته ميتافيزيقيا في شبابه فيزيائيا في رجولته؟" من كتاب: أوجست كونت، دروس في الفلسفة الوضعية، نقلا عن ما هي الإبستمولوجيا؟ لمحمد وقيدي، الصفحات 158-159 بتصرف.

[7] ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفها حرفة، مصدر سابق، الصفحة 172

  • voir: jean Piaget. Epistémologie des sciences de l’homme, Gallimard, Edition 1970

ينتقد بياجي التصور الوضعي، لأنه يدرس الظاهرة الإنسانية كأشياء، وهذا ما يفقد الإنسان مقوماته الذاتية كالحرية والكرامة، بالإضافة إلى أنه يستحيل دراسة الظاهرة الإنسانية كموضوع طبيعي، لأنها تتميز بخصوصيات من أبرزها الوعي الذي لا يمكن إخضاعه لتكميم والتحديد الدقيق، وهذا ما يحول إلى فشل دراسة الموضوعات الإنسانية كأشياء. يقول بياجي: "الوضعية الإبستمولوجية المركزية في علوم الإنسان، تكمن في كون أن الإنسان في هذه العلوم ذات وموضوع، بل ذات واعية ومتكلمة وقادرة على أنواع من الترميز مما يجعل الموضوعية وشروطها الأولية المتمثلة أساسا في إزاحة تمركز الذات حول ذاتها تعترضها صعوبات. فالعالم لا يكون أبدا عالما معزولا، بل هو ملتزم بشكل ما بموقف فلسفي أو إيديولوجي..."وفي ذلك يقول كذلك الفيلسوف وأركيولوجي المعرفة الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه الكلمات والأشياء في الفصل العاشر". إن العلوم الإنسانية تتجه إلى الإنسان من حيت هو يحيا ويتكلم وينتج، ولما كان الإنسان حيا فإنه ينمو، ولديه وظائف وحاجات. ويرى أمامه مجالا ينفتح له في نفسه إحداثيات متحركة".

  • جاءت هذه المحاضرة في سياق السلسلة التي كان يقدم فيبر لعصبة الطلاب الأحرار سنة 1917، ضمن سلسة من المحاضرات التي وسمت بـ"العمل الدهني بوصفه حرفة". راجع كتاب فيبر، العلم والسياسة بوصفها حرفة، مصدر السابق.
  • راجع كتاب أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا ومراجعة محمد سليم سالم، الكتاب السابع من الصفحة 246 إلى الصفحة 248

· المنهج التجريبي الكلاسيكي: تتمثل بوادره الأولى في المرجعية الفلسفية التي أرساها الفيلسوف التجريبي الإنجليزي فرنسيس بيكون من خلال كتابه "الأرغانون الجديد"، والذي من خلاله أعطى للتجربة دورا مهما في بناء المعارف، وكذلك نجد مساهمة كل من غاليلي ونيوتن...لكن التأسيس الفعلي لهذا المنهج بصيغته العلمية، سيكون من طرف الطبيب الفرنسي "كلود برنارد" الذي حدد في كتابه "المدخل لدراسة الطب التجريبي" أربع خطوات أساسية للمنهج التجريبي يلخصها في القول التالي: "الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى تجربة والتجربة تختبر الفكرة".

[9] ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفها حرفة، مصدر سابق، الصفحة 176

[10] المصدر نفسه، الصفحة 173

  • انظر مقال: كرمين فتيحة ورباني الحاج، البروتستانتية وعلاقتها بنشأة النظام الرأسمالي - قراءة في فكر ماكس فيبر - مجلة آفاق فكرية، ص 191-201

[11]عبد الله العروي، مفهوم الدولة، المركز الثقافي العربي، الطـبعة العاشرة، الدار البيضاء2010، الصفحة 92

[12] ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفها حرفة، مصدر سابق، من الصفحة 101 إلى الصفحة 103

[13]عبد الله العروي، مفهوم الدولة، مصدر سابق، الصفحة 99

[14] ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، مصدر سابق، الصفحة 173

[15] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسيوسيولوجية للموسيقى، مصدر سابق، الصفحة 398

[16] يجب أخد الحيطة والحذر، ونحن نتناول هذه الموسيقى، يقول فيبر: "على المرء أن يحترز من أن يعتقد أن الموسيقى البدائية ليست أكثر من شواش وفوضى، وأنها اعتباط خال من القواعد" المصدر أعلاه، الصفحة 325

[17] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، مصدر سابق، الصفحة 329

[18] نتشه، ميلاد التراجيديا، ترجمة محمد الناجي، إفريقيا الشرق، الصفحة 35

[19] نتشه، إنسان مفرط في إنسانيته، ترجمة محمد الناجي، إفريقيا الشرق، الجزء 1، الصفحة 18

[20] أرسطو، فن الشعر، ترجمه وشرحه وحقق نصوصه عبد الرحمان بدوي، دار الثقافة، بيروت - لبنان، الصفحة 5

[21] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، مصدر سابق، الصفحة 319

[22] أنظر المصدر أعلاه، من الصفحة 295 إلى الصفحة 302

[23] المصدر نفسه، ص ص 335-336

[24] المصدر نفسه، الصفحة 315

[25] المصدر نفسه، الصفحة 316

[26] انظر كتاب المستشرق الاسكتلندي: هنري جورج فامر، تاريخ الموسيقى العربية، ترجمة حسين نصار ومراجعة عبد العزيز الأهواني، المركز القومي للترجمة، طبعة 2010، الصفحة 16

[27] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، مصدر سابق، الصفحة من 316 إلى 339 (بتصرف).

[28] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، مصدر سابق، الصفحة 414

[29] المصدر نفسه، ص ص 296-297

[30] المصدر نفسه، الصفحة 336

[31] المصدر نفسه، الصفحة 336

[32] المصدر نفسه، الصفحة 337-338

[33] المصدر نفسه، الصفحة 370

[34] المصدر نفسه، الصفحة 372

[35] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، مصدر سابق، الصفحة 463

[36] المصدر نفسه، الصفحة 398

[37] انظر الفصل الرابع المعنون العالم الروحي والمدينة من كتاب، جون بيير فيرنان، أصول الفكر اليوناني، ترجمة سليم حداد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1987

[38] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى، مصر سابق، الصفحة 399

[39] عبد الله العروي، مفهوم الدولة، مصدر سابق، الصفحة 99

[40] ماكس فيبر، الأسس العقلانية والسوسيولوجية، مصر سابق، الصفحة 449

[41] المصدر نفسه، الصفحة 43

[42] المصدر نفسه، الصفحة 44

[43] المصدر نفسه، الصفحة 452

[44] المصدر نفسه، الصفحة 456

[45] المصدر نفسه، الصفحة 456

[46] المصدر نفسه، الصفحة 460