متى يصبح مفهوم "الإسلامية" جاذبا للحداثة؟


فئة :  قراءات في كتب

متى يصبح مفهوم "الإسلامية" جاذبا للحداثة؟

متى يصبح مفهوم "الإسلامية" جاذبا للحداثة؟

قراءة في كتاب "مفهوم الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة" لمحمد جبرون


باحث مغربي شاب، يشق طريقه باقتدار على طريق مواجهة الأسئلة الحارقة التي تطرحها علينا جميعا اللحظة التاريخية، في زمننا العربي الراهن، الذي يحلو للبعض أن يصفه بزمن "الفوضى الخلاقة"! هو الدكتور محمد جبرون، الذي صدر له كتاب جديد، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، خلال شهر أيلول/ شتنبر من السنة 2014 ميلادية، تحت عنوان "مفهوم الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة"، مع زيادة عبارة ملحقة بالعنوان في الصفحة الأولى، وهي "محاولة في تأصيل الحداثة السياسية".

يتكون الكتاب من 392 صفحة، تتوزعها أربعة فصول، وهي على التوالي: "الإسلام وأصول الحكم" (ص ص 47-117)، و"دولة الراشدين وأرخنة الأصول" (ص ص 119-183)، و"دولة العصبية: الإسلام السياسي التاريخي" (ص ص 185-266)، وأخيرا الفصل الموسوم بـ "الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة" (ص ص 267-364).

هذا بالإضافة إلى موجز للدراسة، نجده في بداية الكتاب (ص ص 11-30)، تليه مباشرة مقدمة عنونها الكاتب بـ "إشكالية الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر" (ص ص 31-46)، وخاتمة في نهاية الكتاب مرفقة بعنوان جزئي هو "مفهوم الدولة الإسلامية".

ولعل ما يثير انتباه القارئ هو عودة جبرون في نهاية سفره إلى الحديث عن مفهوم الدولة الإسلامية، وهي عودة مقصودة، لأنها تمثل المقصد الأساسي من الكتاب، وهو إعادة بناء "مفهوم الدولة الإسلامية" بما يجعله جاذبا للحداثة السياسية.

ومن دون الخوض في مدى إمكانية تحقيق هذا الحلم الفكري أو استحالة تحقيقها، فإنه من المفيد مرافقة الكاتب في رحلته لتحقيق مقصده/ حلمه هذا، الذي يجد تفسيره في تطلعات جبرون النهضوية (=الإيديولوجية)، وليس، فقط، في مجهوداته العلمية (=الأكاديمية).

ذلك فإن عين القارئ المتمعن في مختلف فقرات ونصوص الكتاب، الذي نحن بصدده، لا يمكن أن تخطئ ملاحظة أن السيد جبرون يفكر في مفهوم الدولة الإسلامية وعينه على مآلات الصحوة الإسلامية، بحثا عن أسرار إخفاقاتها المتتالية، سواء على الصعيد الفكري أو على الصعيد السياسي، وتنقيبا عن طرق تجاوز كبواتها وإخفاقاتها، على شكل صحوة عربية جديدة، لا هي بـ "الأصولية" ولا هي بـ "العلمانية"!

وفي رحلته الفكرية هذه، وظف الكاتب مفهومين اثنين مركزيين، هما: العقل والتاريخ، كمفتاحين لحل كل مآزق الإسلام السياسي المعاصرة، في مجال الدولة والسلطة والسياسة وعلاقة كل ذلك بالنصوص المؤسسة للشريعة الإسلامية.

فقد سعى الكاتب، قدر المستطاع، إلى زرع العقلانية في البيئة الحركية الإسلامية، المعروفة بنزعاتها النصية والسلفية، ذات الحساسية الشديدة من كل ما هو تفكير عقلاني، وغير قادرة على الذهاب بعيدا في مسايرة ما يطرحه من أسئلة محرجة لنسقها التقليدي والمحافظ.

ووعيا من الكاتب بقوة الممانعة، التي قد تجابها محاولته هذه الرامية إلى بث العقلانية في تربة تهيمن عليها النزعات اللاعقلانية، عاد الكاتب إلى التراث للبحث عن سند "سلفي" لنزعته، ممثلا في "مدرسة الرأي" التي كان لها، حسب جبرون، أثر رسالي في حفظ علاقة النص بالواقع بتوسط الرأي والعقل، من دون أن يفوته التشديد، على أن تحيزه هذا لا علاقة له بأي اختيار اعتزالي أو باطني[1]؛ وكأني به يعلن بكيفية غير مباشرة أنه يتبنى عقلانية على الطريقة الأشعرية كما فعل سلفه ابن خلدون (!؟).

فعلا يقتفي جبرون خطوات ابن خلدون في الجمع بين العقل والتاريخ، حيث يسجل أن أكبر مشكلة يواجهها الإسلاميون هي استغراقهم في وحل "السياق"، الذي حال الضغط الذي يمارسه عليهم، بينهم وبين الفهم السليم لرسالة الإسلام الأخلاقية في الميدان السياسي[2].

لا بديل إذن، من العودة للتاريخ والإنصات إلى حكمه ومحاولة فقهه، حتى يتحرر الإسلامي المعاصر من ضغط ضيق "السياق" والانطلاق في رحابة هذا التاريخ، وتلك هي المهمة التي ألف كاتبنا مؤلفه من أجل القيام بها فما هي أهم نتائجها؟

من أولى هذه النتائج هي تقرير محمد جبرون أن مشكلة الدولة الإسلامية لم تكن في يوم من الأيام، كما يعتقد الإسلاميون خطأ، مشكلة شرعية دينية، وإنما هي مشكلة حديثة تمثلت في العطب التاريخي الذي أصاب، خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دولة الإسلام التاريخي التي يصفها بـ "دولة العصبية"[3].

إن هذا "العطب الإصلاحي – التاريخي" ما يزال مستمرا حتى اليوم، ولا يمكن حل أزمة "الإسلامية" إلا بفقهه التاريخي والمسارعة إلى إصلاحه، من خلال ربط الجسور بـ "روح الحركة الإصلاحية ومنهجها، مع مراعاة التطورات التاريخية التي جرت على امتداد قرن من الزمان تقريبا"[4].

يتعلق الأمر بالحركة الإصلاحية عند رواد النهضة العربية الحديثة وفي مقدمتهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وشكيب أرسلان.. إلخ، الذين تجمع جبرون بهم علاقة إعجاب خاصة، فهو معجب بمنهجهم وبتفاعلهم مع التراث الليبرالي الغربي وتكييفه بشكل سلس ومرن مع مبادئهم الدينية الإسلامية، من دون أي مركب نقص أو شعور بالحرج أو بالتناقض.

لقد قاد الفقه التاريخي صاحبنا إلى إعادة بناء مفهوم الدولة الإسلامية، بما يجعل الدولة معبرة عن ضرورة تاريخية أملتها التطورات الموضوعية لأحوال الجماعة المسلمة في المدينة؛ بمعنى آخر، أن الدولة في تاريخ الإسلام لم تقم استجابة لأمر ديني "يوجد في أصل الدين"[5].

إن الدين الإسلامي لم يكن، في نظر الكاتب، في حاجة إلى قيام دولة تحرسه وتحميه، كما يقول أصحاب القراءة الفقهية، وإنما هذه الدولة، وكل دولة للمسلمين، هي التي في أمس الحاجة إلى الدين، الذي يمنحها الشرعية الأخلاقية.

حاجة الدولة إلى الدين هي حاجة إلى إضفاء الشرعية الأخلاقية على سلطتها حتى تحقق الانسجام مع عقيدة الإسلام. هكذا يكون دور الدين بالنسبة للدولة لا يعدو أن يكون دورا تخليقيا.

لكن ألا يمكن تخليق الدولة من خارج الدين، وبالاستناد إلى مرجعية أخلاقية عقلية، وبالتالي يمكن للدولة أن تستغني عن الدين كما يستغني الدين عن الدولة؟

لاشك أن المرجعيات الفلسفية الحديثة، خاصة مع فلاسفة الأنوار تجيبنا بالإيجاب، باعتبار الدين ليس شرطا أوحدا ووحيدا لتخليق سياسة الدولة، دولة العقل المتمثلة لقيمه ومثله؛ وهم بذلك ينتصرون للمبدأ الشبيه لما قال به أهل العدل والتوحيد في الإسلام، المعروفين باسم المعتزلة. لكن السيد جبرون تبرأ منذ الصفحات الأولى لكتابه من "شبهة" وسمه بـ "عقلانية الاعتزال"، كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا.

مهما يكن، فإن جبرون يرى أنه قد نحث مفهوما جديدا يمنح الصفة الإسلامية للدولة أو يجردها منها، يختلف عما هو متداول وسائد في الأدبيات السياسية الإسلامية القديمة والحديثة، وذلك من خلال اعتماده منهجية "الاستقراء الكلي" لنصوص القرآن وسيرة الرسول السياسية.

هذا المفهوم يقوم على ثلاثية مفاهيمية أخرى، وهي: "البيعة" و"العدل" و"المعروف"، يحيل كل واحد منها إلى مبدأ من المبادئ، التي يعتبرها جبرون، مجسدة عمليا لثورة الإسلام الأخلاقية والسياسية. يقول: "انتهينا بعد تأمل عميق ورصين في الاجتماع السياسي الإسلامي الأول، في ضوء حقائق القرآن، وتجربة الرسول السياسية، وسننها المنهجية إلى أصول ثلاثة: البيعة والعدل والمعروف، وهي التي يتعلق بها حكم "الإسلامية" وجودا وعدما"[6].

واضح إذن، أن السيد جبرون يضع معيارا يقيس به مدى إسلامية هذه الدولة أو تلك في تاريخ المسلمين، حيث قرأ هذا التاريخ من خلال تقسيمه إلى ثلاثة أنماط من الدول هي: "دولة الراشدين" و"دولة العصبية" و"الدولة- الأمة".

يمثل النموذجان الأول والثاني مرحلتين فعليتين من تاريخ الدول المتعاقبة على حكم المسلمين، في حين يمثل النموذج الثالث مطلبا معاصرا لدخول الدولة الإسلامية عصر الحداثة السياسية.

هكذا نجد جبرون يرفض ذلك التصور "الكمالي" (نسبة للكمال)، الذي أضفاه المتأخرون على دولة الراشدين، والذي يعكس ميلا واضحا نحو أسطرتها وتقديسها، وهو التصور الذي تكذبه الوقائع والحوادث التاريخية التي استغرقتها العقود الثلاثة للخلافة الراشدة[7].

فقد واجهت هذه الدولة مشاكل وتحديات حقيقية جعلتها أبعد ما تكون عن الكمال، نترك الكاتب يعبر عنها بنفسه في النص التالي: "يرجع معظم الحوادث/ المشكلات التي عرفتها الخلافة الراشدة – وخصوصا تلك المتعلقة بالردة والبيعة (شرعية الخليفة) والطاعة وعدالة الخليفة... إلخ. – إلى سبيين رئيسين: الأول مقاومة الثقافة السياسية القبلية، وإصرارها على العودة بعد أن غيبتها النبوة؛ والثاني الغياب شبه الكلي للسلطة القهرية على مستوى بنية الدولة وعمرانها السياسي، حيث اكتفى الخلفاء بالسلطة الأخلاقية في تدبير الشأن الداخلي، أسوة بالرسول، ومن ثم يرجع جانب كبير من معاناة دولة الراشدين وتأخر نضجها السياسي والمؤسساتي إلى تغليب القبيلة على الدولة، وغياب السلطة القهرية، ولا أدل على ذلك من النهاية المأساوية لثلاثة من الخلفاء الراشدين الذين قضوا غيلة"[8].

عيب دولة الخلافة البنيوي إذن، هو، اعتمادها على السلطة الأخلاقية وتهميشها للسلطة القهرية، وجبرون، بهذه القراءة، يكون أقرب إلى ابن طباطبا، المعروف بابن الطقطقي، الذي اعتبر في كتابه "الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية" أن العنصر الأساسي لمشروعية أية دولة، هو امتلاكها لشرط القوة والغلبة، معتبرا حكم الخلافة الراشدة حكم ميثالي أخروي لا يصلح للتدبير الدنيوي[9].

لم تمثل دولة الراشدين إلا مرحلة البحث عن النموذج السياسي لدولة الإسلام، ولا علاقة لها بما يضفيه عليها البعض من تصورات ميثالية وطوباوية، ولا يستطيع أحد، أكان من المتقدمين أم من المتأخرين، إثبات الأصالة الدينية المطلقة للاختيارات التي سلكتها دولة الراشدين، أو إثبات أصالة الأوضاع التي استقرت عليها؛ فجل تلك الاختيارات والأوضاع تقريبا – منذ المداولة الشهيرة في سقيفة بني ساعدة، وحتى الانشقاق المزمن الذي شهدته الجماعة الإسلامية بعد اغتيال عثمان – كانت اجتهادات محضة، جسدت مشاق بناء النموذج السياسي التاريخي، القادر على استيعاب النشاط الحضاري للجماعة الإسلامية الحديثة التكوين"[10]. (ص 187)

بناء على ذلك تعتبر دولة العصبية، هي النموذج التاريخي لدولة الإسلام الساسي، والتي كانت بدايته الفعلية على يد معاوية بن ابي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، التي لا تقل مشروعية وإسلامية، في نظر جبرون عن دولة الخلافة، وقد اهتدى لهذا النموذج "لفيف (..) من كبار الصحابة (..) وقد تمكن هؤلاء بعد معاناة شديدة، أخلاقية وتاريخية، من إقرار الشكل التاريخي للدولة الإسلامية، القادر على مواجهة التحديات وتحمل الضغوط السياسية المختلفة"[11].

وإذا كان محمد جبرون قد اعتبر دولة الراشدين غير مكتملة الأوصاف، فإنه، على خلاف ذلك يعتبر دولة العصبية "تامة الشرعية وكاملة الأوصاف، من الناحية الإسلامية، خلافا للحكم الشائع بين كثير من الناس"[12]، الذين ينظرون إلى الدولة الأموية والعباسية وغيرها من دول الحكم الوراثي، انحرافا عن المنهجية الشرعية التي أقرها الصحابة في سقيفة بني ساعدة.

إنه نموذج دولة العصبية الذي أخرج الأمة المسلمة من أزمة الشرعية الحادة، التي مثلت الفتنة الكبرى أوجها، وذلك بـ "إدماجها في التاريخ، وإعادة صوغ مفاهيم الشرعية السياسية ومبادئها (البيعة، والعدل والمعروف) صوغا تاريخيا يراعي طبائع العمران وحقيقة الأحوال"[13].

إنها نزعة خلدونية أشعرية ترفض النظر إلى الدولة التي شيد معاوية بن ابي سفيان من جهة اعتبارها انحرافا دينيا، بل بالعكس تنظر إليها من زاوية كونها حلا تاريخيا، أو قل قدرا تاريخيا لم يكن للأمة أي مفر منه. إنها نزعة اقرب إلى المدرسة الجبرية منها إلى أي مدرسة تؤمن بقدرة الأمة على صناعة قدرها بنفسها.

لقد حتمت الظروف التاريخية التي عاشها المسلمون خلال الفتنة الكبرى "كل المسوغات السياسية والنظرية لانتقال الجماعة الإسلامية من الأمة إلى العصبية (من الكل إلى البعض) على مستوى الشرعية السياسية؛ فأمام عجز الأمة الموضوعي عن ممارسة سيادتها، بسبب افتراقها جغرافيا وغياب آليات تعبير سياسي تحظى بالشرعية، لم يجد المسلمون بدا من العصبية التي اكسبتها الأوضاع الجديدة وجاهتها وصوابها التاريخي، كآلية سياسية فعالة في المجال السياسي الإسلامي، حيث حلت محل الأمة، واضطلعت بأدوارها السياسية، ومن ثم أنقذت الدولة من انهيار محقق"[14].

حاصل القول في هذا السياق هو أن جبرون يرفض تجريد أية دولة، من الدول التي تعاقبت على حكم العالم الإسلامي، من صفة "الإسلامية"، وهو بذلك ينقل مفهوم "الممكن الفقهي"، الذي استمده من شيخه، أحمد الريسوني، إلى مفهوم الممكن التاريخي، حتى يتمكن من التماس الشرعية لكل الدول التي حكمت العالم الإسلامي، وفي مقدمتها طبعا، الدول التي تعاقبت على السلطة في المغرب الأقصى، بدءا من الدولة الإدريسية إلى الدولة العلوية التي يستمر حكمها حتى اليوم.

صحيح أن الشرع قد حدد أصولا ومبادئ لـ "إسلامية" الدولة، لكن التاريخ لم يتح لهذه المبادئ التحقق بشكل تام ومطلق، فدولة الخلفاء حققت سيادة اﻷمة أكثر من غيرها لكن لم يتح لها الوقت ﻹرساء العدالة وإنجاز المعروف، في حين نجحت دولة العصبية في تشييد قواعد عدالة إسلامية وتوسيع دائرة المعروف، لكنها عجزت عن إشراك اﻷمة في القرار السياسي.

لقد واجهت دولة العصبية متاعب كثيرة خلال العصر الحديث، أصابتها بأعطاب عميقة، أدخلتها في "طور أزمة الأسس التي لم تترك لها مجالا للتهرب من استحقاقات الحداثة السياسية"[15]، وقد وقف محمد جبرون وقفة طويلة، عند مثال الدولة المغربية، خاصة الدولة العلوية، كأبرز نموذج للعطب التاريخي الذي أصاب أسس الدولة الإسلامية وحتم حاجتها للحداثة السياسية[16].

إن تحديث الدولة الإسلامية يعني بالنسبة لجبرون مغادرة نموذج دولة العصبية، الذي لم يعد قادرا على مسايرة روح العصر، إلى نموذج الدولة-الأمة، التي تتوافق مع روح عصرنا، وتتيح ظروفها المعاصرة لكل أصول الإسلامية الظهور والتحقق بدرجة عالية.

إن دور الإسلامية لا يعدو أن يكون مشروعا تخليقيا للدولة الديمقراطية الحديثة، بما يعيد للدين دوره الاعتباري في المجتمع الإسلامي، وليس محاولة لإحياء الخلافة الراشدة، أو دعوة لنموذج الحاكمية، أو سعيا لتطبيق أحكام الشريعة الجزئية.

لقد سعت الحركة الإصلاحية العربية الحديثة إلى بناء نموذج دولة حديثة، لكن الاستعمار من جهة وقوى المحافظة والتقليد من جهة ثانية وقوى التبعية والتغريب من جهة ثالثة، حالوا، كل بكيفية خاصة، في إجهاض هذه المحاولة الرائدة.

من أجل ذلك، يرى محمد جبرون، بضرورة مد الجسور مع هذه الحركة الإصلاحية، واستئناف مسيرتنا الإصلاحية من النقطة التي انتهت إليها، وذلك يقتضي من "الإسلاميين" أن يتصالحوا مع التاريخ، بالتخلي عن نزعتهم "الأصولية" و"الماضوية"، كما يتعين على "العلمانيين" الاعتراف بالدور السياسي للإسلام، ولا يتم ذلك إلا بنبذ كل النزوعات "التغريبية" وراء ظهورهم.

إن أصول الإسلامية، كما حددها جبرون، قادرة بفضل ما تتضمنه من رسالة أخلاقية وإنسانية، على تجنيب نموذج الدولة-الأمة من كثير من الآفات التي تشوب تطبيقاته الغربية، من أبرزها آفات المال والنفوذ والقوة.


[1]- أكد محمد جبرون على هذا المقصد في موضع مختلفة من كتابه، انظر على سبيل المثال لا الحصر: محمد جبرون، مفهوم الدولة الإسلامية

أزمة اﻷسس وحتمية الحداثة-، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2014، ص13 و15

[2]- نفسه، ص58

[3]- نفسه، ص36

[4]- نفسه، ص42

[5]- نفسه، ص43

[6]- نفسه، ص90

[7]- ص117

[8]- نفسه، ص123

[9]- نفسه، ص125

[10]- ابن الطقطقي، الفخري في اﻵداب اﻹسلامية والدول اﻹسلامية، القاهرة، بدون تاريخ.

[11]- جبرون، مفهوم الدولة اﻹسلامية، مرجع سابق، ص187

[12]- نفسه، ص187

[13]- نفسه، ص188

[14]- نفسه، ص189

[15]- نفسه، ص199

[16]- نفسه، ص270