معاني العدل عند الغزالي


فئة :  مقالات

معاني العدل عند الغزالي

معاني العدل عند الغزالي[1]

محمد المصباحي* 

«المُلك يبقى مع الكفر، ولا يبقى مع الظلم»

حديث نبوي

«ظهور العدل من كمال العقل، وكمال العقل أن ترى الأشياء على ما هي ...، ومن لم يكن عاقلاً لم يكن عادلاً»

أبو حامد الغزالي، التبر المسبوك في نصيحة الملوك.

«حدّ العدالة هو الإسلام من غير ظهور فسق»

الغزالي، المستصفى في أصول الفقه، ج1، ص 186

العدالة «هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه»

 المستصفى في أصول الفقه، ج1، ص 186

«ما من حكم شرعي إلا وهو قابل للنسخ، خلافاً للمعتزلة فإنّهم قالوا من الأفعال ما لها صفات نفسية تقتضي حسنها وقبحها، فلا يمكن نسخها، مثل معرفة الله تعالى والعدل وشكر المنعم، فلا يجوز نسخ وجوبه، ومثل الكفر والظلم والكذب فلا يجوز نسخ تحريمه، وبنوا هذا على تحسين العقل وتقبيحه»

الغزالي، المستصفى في أصول الفقه، ج1، ص 144

مقدّمة:

لم ينتج الفلاسفة المسلمون شيئاً ذا بال في موضوع العدل والعدالة الذي يلتقي فيه الأخلاقي والسياسي والديني، في حين كتب الفقهاء كثيراً في العدل الفقهي، وعلماء الكلام في العدل الإلهي. ولأنّ الغزالي مفكر مخضرم تتقاطع فيه صفات الفقيه والأصولي والمتكلم والمتصوّف وربما الفيلسوف، فمن حقنا أن نتساءل هل ما يوجد لديه من مادة معرفية متناثرة تخصّ العدالة قابلاً لأن يرقى إلى مستوى النظرية؟

بنى أبو حامد رؤيته أو رؤاه للعدالة على أساس مرجعيات متعددة، بل ومتضاربة، تتكون أولاً من القرآن والحديث والأخبار المستقاة من التوراة والإنجيل والتراث الإيراني؛ وثانياً من نظريات ومفاهيم ورؤى تنتمي إلى مجال الفلسفة اليونانية وامتداداتها في الفلسفة العربية الإسلامية، والتأثيرات الفقهية والأصولية والكلامية والصوفية. وهذا الغنى في موارده المعرفية وفي أعماله الكثيرة والمتنوعة في مشاربها ومراميها، يجعل من الصعب استخلاص نظرية، أو حتى فكرة واضحة متماسكة عن العدالة من متون الغزالي، لاسيّما أنّه كان يُكثر من إيراد الأخبار والأقوال في كتاباته عن الموضوع، فتختلط آراؤه وخلاصاته وإشاراته وشروحه بالنصوص التي يوردها، فلا ندري كيف نفرز موقفه الخاص من الخليط العجيب من مواقف الآخرين. ومع ذلك سنعمل على استعراض سريع لمفهوم العدل لديه عبر أربعة محاور تتصل بعلاقات العدل بالعقل والحق والأخلاق والسياسة والشريعة والاقتصاد.

وقبل أن نخوض في هذا المضمار، لا بدّ من الإشارة إلى تنويهه بقيمة ومكانة العدالة سواء في الإسلام أو في الثقافتين الإيرانية واليونانية. فمثلاً يورد هذا القول: «قال موسى ـ ع. س ـ إنّ الله تعالى لم يخلق شيئاً في الأرض أفضل من العدل، والعدل ميزان الله في أرضه، من تعلق به أوصله الجنة...، وقال قتادة في تفسير هذه الآية ﴿ألاّ تطغوا في الميزان﴾ قال أراد به العدل، فقال: يا ابن آدم اعدل كما تحبّ أن يعدل فيك»[2].

1, العدل والعقل:

أول أمر اشتغل عليه الغزالي بصدد العدل هو ربطه بالعقل ربطاً ذاتياً. إذ بالرغم من اختلاف فضيلة العقل، وهي الحكمة أو العلم[3]، عن فضيلة العدل وهي الإنصاف، فإنّ العقل حاضر في تشكيل مفهوم العدل باعتباره معياراً له، إذ به يتمّ وزن الأفعال، ومقايسة الآراء والممارسات، وبه يتمّ ردع النفس حتى لا تتجاوز أفعالها وآراؤها حدودها فتصير تعسّفاً وظلماً. ولأنّ المعيار بطبيعته متعالٍ عن الأشياء المعارة، فسيكون العقل ضامناً للحياد والنزاهة للعدل. فإذا سلّمنا بأنّه لا عدل بدون عقل، فإنّه في المقابل لا عقل بغير إنصاف وعدل. ولذلك، متى غاب العقل حضر الظلم، ومتى حضر العقل كان العدل. وهذا ما أشار إليه ابن منظور صاحب لسان العرب قائلاً: «وكذلك الظالم لا حجّة له، وقد سُمّي ظالماً»، ممّا يعني بالنسبة إلينا أنّ للعدل حجّته، أي معقوليته الصادرة عن العقل، في حين أنّ الظلم يفتقر إلى الحجّة لأنّه لا عقل له. كما نقرأ في لسان العرب أيضاً «سمَّى ظلمه هنا حجّة، لأنّ المحتجّ به سمّاه حجّة، وحُجَّتُه داحضة عند الله، قال الله تعالى: ﴿حُجَّتهم داحضة عند ربهم﴾؛ فقد سُمّيت حجّة، إلا أنّها حجّة مُبْطِل، فليست بحجّة موجبة حقًّاً».

والتلازم «الذاتي» بين العقل والعدل يطرح مشكلة من النوع المعتزلي. فأصحاب هذا المذهب يرون أنّ بعض صفات الأفعال، كالحسن والقبح والعدل هي صفات ذاتية، أو نفسية بلغتهم، أي أنّها تتسم بالضرورة التي تجعلها غير قابلة للانفصال، «فلا يمكن نسخها، مثل معرفة الله تعالى والعدل وشكر المنعم، فلا يجوز نسخ وجوبه، ومثل الكفر والظلم والكذب فلا يجوز نسخ تحريمه»[4]. أمّا الغزالي فلا يقبل بتقييد الإرادة الإلهية، كما لا يقبل العلاقة الضرورية والذاتية للأفعال بصفاتها، ممّا يعني أنّ ربطه للعقل بالعدل له حدود، وأنّ الشريعة هي التي تضفي على الأفعال صفات الحق والعدل والحسن والقبح والصدق والكذب.

ودخول العقل في ماهية العدالة والاعتدال يُحدِث وظيفة أخرى هي التوسط؛ فالفضائل، كالعفة والشجاعة، هي فضائل بسبب دخول العدالة في حدها، فيتحدد معناها بالتوسط بين الإفراط والتفريط، أي بين رذيلتين متقابلتين لها؛ كالشجاعة وسط بين التهور والجبن، والكرم وسط بين التبذير والتقتير، والعفة بين الشبقية وفتور الشهوة، ... إلخ. في مقابل العدل، الذي له مقابل واحد هو الظلم[5].

ولعل دخول العقل في رسم ماهية العدل هو الذي حمل الغزالي على الإقرار بدور كوسمولوجي له بناءً على أقوال مأثورة في الموضوع، كالقول الذي يثبت «وبمثل هذا العدل قامت السموات والأرض»[6]، وكالحكمة التي نقلها عن سقراط «العالم مركب من العدل، فإذا جاء الجوْر لا يثبت ولا يستقر»[7]، وكأنّه بفضل هذا العدل الكوسمولوجي يحصل الانسجام الذي يضمن الاستقرار بين العوالم المختلفة. أكثر من ذلك، يذهب الغزالي إلى أنّ العالم صادر من عدل الله: «وأنّه سبحانه وتعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمّها وأعدلها»[8].

باختصار «... ظهور العدل من كمال العقل، وكمال العقل أن ترى الأشياء على ما هي، وتدرك حقائق باطنها ولا تغتر بظاهرها...، والعاقل من نظر أرواح الأشياء وحقائقها ولا يغترّ بصورها. وحقيقة هذه الأعمال ما ذكرناه وأوضحناه، فكلّ من لم يتيقن ذلك فليس بعاقل، ومن لم يكن عاقلاً لم يكن عادلاً، ومن لم يكن عادلاً مأواه جهنم. فلهذا السبب كان رأس مال السعادات كلها العقل»[9]. ويورد حديثاً نبويّاً يربط فيه بين حق أو إنصاف المظلوم وزكاة العقل، أي صفوته: «وقال ـ عليه ص. س ـ «نَصَفة المظلوم زكاة العقل»»[10].

2. العدل والحق، أو العدالة الحقوقية:

من جهة أخرى، يُعتبر الحق من معاني أو مرادفات العدل. وعندما يدخل الحق في ماهية العدل يتخذ هذا الأخير معنى الاقتصاد في المخالفة والموافقة، والتوسط في المعارف والاعتقادات والسياسات. وبهذا المعنى يكون العدل هو عدم مجاوزة الحد، في مقابل الظلم الذي هو تجاوز الحدود، و«كلّ ما جاوز حدّه انعكس على ضدّه». ومع ذلك، وبناءً على معيار الحق، لم يَدْر أبو حامد أنّه تجاوز حدّ الاقتصاد في المخالفة إلى أبعد الحدود حينما أجحف في حقّ المرأة قائلاً: «فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة، وتتبع الحق في جميع ذلك لتسلَم من شرّهن فإنّ ﴿كيدهن عظيم﴾، وشرّهنّ فاشٍ، والغالب عليهنّ سوء الخُلُق، وركاكة العقل، ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة»[11]. ولعل القناعة تدخل في باب عدم تجاوز الحدود، حيث ينصح قائلاً: «أن لا تعوّدْ نفسك الاشتغال بالشهوات من لبس الثياب الفاخرة وأكل الأطعمة الطيبة، لكن تستعمل القناعة في جميع الأشياء، فلا عدل بلا قناعة»[12].

ويستدعي الحق الشرعي الالتزام بمبدأ المساواة، وذلك حينما يتخذ العدل شكل العقاب. فمعاقبة المجرم يجب أن تكون على قدر إجرامه، مساوية للفعل الذي اقترفه[13]. وتعظم فكرة المساواة لتصل إلى أن تكون أساساً «للعدل التام»، عندما يتعلق الأمر بمحاكمة رجلين: أحدهما معروف وصاحب جاه، والثاني نكرة ومجهول المكانة. في هذه الحالة على الحاكم أن ينظر إليهما بعين واحدة، وأن لا يفضّل أحدَهما على الآخر، بسبب غنى الأول وفقر الثاني، أو شهرة الأول وغربة الثاني.[14]

وفي هذا السياق، سياق المساواة، يثير الغزالي مسألة شائكة، وهي شهادة الفاسق بالحق. فالغزالي يجيز أحياناً خبر الفاسق إن عُلِم «من قرينة حاله أنّه لا يكذب حيث لا غرض له فيه». ومن أجل هذا يميز بين الفسق، الذي هو «بينه وبين الله تعالى»، وبين الثقة: «وقد يحصل من الثقة بقول الفاسق ما لا يحصل بقول عدل في بعض الأحوال. وليس كلّ من فسَق يكذب، ولا كلّ من تُرى العدالة في ظاهره يصدق، وإنّما نيطت الشهادة بالعدالة الظاهرة لضرورة الحكم، فإنّ البواطن لا يطلع عليها»[15]. ويجيز الغزالي أن يدخل الغلط والكذب على العدول لغرض خفي[16]. لكنّ القاعدة العامة بالنسبة إلى أبي حامد أنّ «الفاسق مردود الشهادة والرواية بنصّ القرآن ...، فصار الفسق مانعاً من الرواية، كالصبا والكفر والرق، في الشهادة»[17].

3. العدل الأخلاقي:

يضفي الغزالي على النوع الأخلاقي من العدل أهمية خاصة. فهو تحت تأثير النظرة الأفلاطونية يعتبره فضيلة النفس ككل، بينما الفضائل الثلاث الأخرى تختصّ بها قوى بعينها: فالحكمة أو العلم فضيلة العقل، والشجاعة فضيلة النفس الغضبية، والعفة فضيلة النفس الشهوية. وتعود أهمية العدل الأخلاقي إلى كونه علامة على كمال الفرد ككل، وليس لأنّ له وظيفة اجتماعية.

ولا يقف الغزالي عند حدود الفضائل الأربع، بل يرى أنّ لها أربعة كمالات: «العقل وكماله العلم، والعفة وكمالها الورع، والشجاعة وكمالها المجاهدة، والعدالة وكمالها الإنصاف، وهي على التحقيق أصول الدين»[18]. تستوقفنا في هذه العلاقات الطريفة بين الفضائل والكمالات أربعة أمور: أولها جعله العقل فضيلة، أي نسبته إلى مجال العمل والأخلاق؛ ثانيها جعله المجاهدة كمالاً للشجاعة؛ وثالثها جعله الإنصاف كمالاً للعدالة، وأخيراً جعله هذه المبادئ الفلسفية «أصولاً للدين على التحقيق».

لحضور العقل في العدالة وجه آخر استلهمه الغزالي من فلسفة أفلاطون النفسية والأخلاقية والسياسية، وهو الخضوع والانقياد؛ إذ لا تتحقق العدالة في النفس إلا بخضوع وانقياد القوتين الشهوانية والغضبية للقوة الفكرية العقلية: «ومهما أصلحت القوى الثلاث وضبطت على الوجه الذي ينبغي، وإلى الحد الذي ينبغي، وجُعلت القوتان (الشهوانية والغضبية) منقادتين للثالثة، التي هي الفكرية العقلية، فقد حَصلت العدالة»[19]. والغاية من انقياد القوى اللاعقلية للعقل هي تحقيق الانسجام بينها وبين فضائلها. ومعنى الانسجام أن يكون ترتيب الفضائل ترتيباً ضرورياً؛ أي خاضعاً لإمرة العقل: «الفضائل وإن كانت كثيرة فتجمعها أربع تشمل شُعَبها وأنواعها، وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة. فالحكمة فضيلة القوة العقلية، والشجاعة فضيلة القوة الغضبية، والعفة فضيلة القوة الشهوانية، والعدالة عبارة عن وقوع هذه القوى على الترتيب الواجب، فبها تتمّ جميع الأمور. ولذلك قيل بالعدل قامت السموات والأرض»[20]. بيد أنّه لا ينبغي أن نفهم أنّ فضيلة العدالة هي ثمرة ترتيب الفضائل الثلاث، بل العكس هو الصحيح، العدالة هي علة الترتيب بين الفضائل، خصوصاً إذا علمنا أنّ العدالة هي علة الفضائل في نهاية الأمر.

غير أنّ الغزالي في سياق غير أفلاطوني يشير إلى أنّ العدالة هي جماع ثلاثة أجناس للممارسة: الشريعة والنفس والأخلاق، أي أنّها «جماع مكارم الشريعة، وطهارة النفس، وحسن الخُلق المحمود»[21].

وتعود أهمية العدل الأخلاقي، من جهة أخرى، إلى كونه ثمرة انسجام بين قوى النفس وفضائلها، ممّا يؤهله للقيام بوظيفة إعداد الفرد لسعادة عليا، هي سعادة الآخرة. في مقابل الظلم، الذي هو إخلال بالانسجام والتوازن والتوسط، لأنّ ارتكاب الذنوب الذي هو ظلم، سواء إزاء النفس أو إزاء الغير، هو إخلال بالتوازن الذي يفضي إلى انعدام الفضيلة.

وتندرج العدالة النفسية أو الأخلاقية تحت أقسام «العلم العملي» الثلاثة: علم النفس، والعلم بسياسة الأهل والولد والخدم، وعلم سياسة أهل البلد. غير أنّه يعتبر أنّ «أهمّ هذه الثلاثة تهذيب النفس وسياسة البدن ورعاية العدل من هذه الصفات، حتى إذا اعتدلت تعدّت عدالتها إلى الرعية البعيدة من الأهل والولد، ثم إلى أهل البلد»[22]. وفي سياق الإعلاء من شأن علاقة العدل بالإنصاف والإحسان يورد هذه الأقوال الجميلة: «سئل ذو القرنين فقيل له: أي شيء أنت به أكثر سروراً؟ فقال شيئان: أحدهما العدل والإنصاف، والثاني أن أكافئ من أحسن إليّ بأكثر من إحسانه»[23].

ويقوم الغزالي بإخراج العلاقة بين العقل والقوتين الشهوية والغضبية إخراجاً دينياً قائلاً: «ويجب أن يُعلم أنّ العقل من جوهر الملائكة ومن جند البارئ، جلّت قدرته، وأنّ الشهوة والغضب من جند الشيطان، فمن يجعل جند الله وملائكته أسرى جند الشيطان كيف يعدل في غيرهم؟ وأوّل ما تظهر شمس العدل في الصدر، ثم ينشر نورها في أهل البيت وخواص الملك، فيصل شعاعها إلى الرعية، ومن طلب الشعاع في غير الشمس فقد طلب المحال، وطمع فيما لا ينال»[24].

4. العدالة السياسية:

بجانب العدل الأخلاقي، يشير الغزالي بين الفينة والأخرى إلى العدل السياسي؛ وللتعبير عن تقديره الفائق للعدل السياسي يورد جملة من الأحاديث النبوية من بينها: «عدل السلطان يوماً واحداً أحبُّ إلى الله من عبادة سبعين سنة»، و«أحبُّ الناس إلى الله تعالى وأقربهم إليه السلطان العادل، وأبغضهم إليه وأبعدهم منه السلطان الجائر» [25]. وكما كان الترتيب والانسجام أحد المقومات الذاتية للعدل الأخلاقي، كذلك سيكون النظام مقوماً ذاتياً للعدل السياسي، خصوصاً إذا علمنا أنّ العدل السياسي هو عبارة عن تنظيم أجزاء المدينة على غرار التنظيم الذي تخضع له قوى النفس الأربع. وكما مرّ بنا ليس العدل السياسي وسطاً بين رذيلتين، لأنّ له رذيلة واحدة مضادة له هي الظلم، شأنه في ذلك شأن النظام الذي تقابله رذيلة واحدة هي الفوضى.

والعدالة السياسية، وإن كانت تقتضي التوفيق والانسجام بين الفضائل الأخرى، فإنّها إن كانت كاملة فقد لا تحتاج إلى الفضائل الأخرى كالشجاعة. وهنا يستند الغزالي في إثبات هذه الفكرة على قول مأثور يقول: «سأل الإسكندر أرسطاطاليس: أيّهما أفضل للملوك الشجاعة أم العدل؟ فقال أرسطاطاليس: إذا عدل السلطان لم يحتج إلى شجاعة»[26]. ومع ذلك، كثيراً ما كان الغزالي يربط العدل السياسي بالأمن، والسلطان بخلافة الله في الأرض: «أوَ ما سمعتَ أنّ أَجلّ النِّعم، بعد نعمة الإسلام، الصحة والأمن؟ والأمن إنّما يكون من سياسة السلطان، فيجب على السلطان أن يعمل بالسياسة، وأن يكون مع السياسة عادلاً، لأنّ السلطان خليفة الله...، وفي الأمثال: جَوْر السلطان مائة عام، ولا جوْر الرعية بعضهم على بعض سنة واحدة»[27]. كما ينقل حديثاً نبوياً يجعل العدل، ومرادفه الإنصاف، هو الكلمة التي بين الإنسان والإنسان: «إنّ الله تعالى لمّا أهبط آدم إلى الأرض أوحى إليه أربع كلمات، وقال: يا آدم علمك وعلم جميع ذريتك على هذه الكلمات الأربع، وهي: كلمة لي، وكلمة لك، وكلمة بيني وبينك، وكلمة بينك وبين الناس؛ أمّا الكلمة التي لي فهي أن تعبدني لا تشرك بي شيئاً؛ وأمّا التي هي لك فأنا أجازيك بعملك؛ وأمّا الكلمة التي هي بيني وبينك، فمنك الدعاء ومني الإجابة، وأمّا الكلمة التي بينك وبين الناس فهي أن تعدل فيهم وتنصف بينهم»[28]. وبالإضافة إلى آثارها الاجتماعية الحميدة، تجلب العدالة السياسية لصاحبها الذكر الجميل[29].

وعن محاربة الدين للظلم السياسي ينقل لنا الغزالي أحاديث نبوية منها: «من حكم بين اثنين بظلم فلعنة الله على الظالمين»، وقال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم: سلطان جائر كاذب، وشيخ زان، وفقير متكبّر»[30]؛ وقال: «رجلان من أمّتي يُحرمان شفاعتي: ملك ظالم، ومبتدع غالٍ في الدين يتعدى الحدود»، وقال: «خمسة قد غضب الله عليهم... أمير قوم يطيعونه يأخذ حقه منهم ولا ينصفهم من نفسه ولا يرفع الظلم عنهم، ورئيس قوم يطيعونه ولا يساوي بين القوي والضعيف ويحكم بالميل والمحاباة... »[31].

5. العدالة الدينية:

ينطلق الغزالي في تصوره للسلطان السياسي من القول المأثور إنّ «الدين والسلطان توأمان، وقيل الدين أُسّ، والسلطان حارس. وما لا أسّ له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع»[32]. وبناء على ذلك، كان الغزالي يعتبر العدل السياسي فرعاً من فروع الإيمان: «والأعمال التي هي فروع الإيمان هي تجنب المحارم وأداء الفرائض، وهما قسمان: أحدهما بينك وبين الله تعالى، مثل الصوم والصلاة والحج والزكاة واجتناب شرب الشراب والعفة عن الحرام. والأخرى بينك وبين الخلق، وهي العدل في الرعية والكفّ عن الظلم». والمسؤولية عن الظلم لا تقتصر على ذات الملك، بل تتسع لتشمل كلّ من يدخل تحت إمرته: «يجب ألّا تقنع برفع يدك عن الظلم، لكن تُهذّب غلمانك وأصحابك وعمّالك ونوابك، فلا ترضى لهم بالظلم، فإنك تُسأل عن ظلمهم كما تُسأل عن ظلم نفسك»[33]. ويضيف: «وفي التوراة: كلّ ظلم عَلِمه السلطان من عمّاله فسكت عنه، كان ذلك الظلم منسوباً إليه، وأُخذ به وعوقب عليه»[34]. في مقابل ذلك «إذا عدل [السلطان] فيهم كان الكلّ شفعاءه، ومن شفع فيه من هؤلاء الخلائق من المؤمنين كان آمناً يوم القيامة من العذاب؛ وإن ظلمهم كان الكلّ خصماءه»[35].

وهذا ما يسوّغ ربطه بين العدل الدنيوي وبين عدل يوم القيامة، الذي لا يسلم من خطره «أحد من الملوك، إلا مَلِك عمَل بالعدل والإنصاف، ليعلم كيف يطلب العدل والإنصاف يوم القيامة »[36]. ويربط العدل الأخروي بالميزان قائلاً: «الأصل الرابع الميزان، وهو حق، قال الله تعالى: ﴿ونضع الموازين القسط ليوم القيامة﴾، وقال تعالى: ﴿فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، الآية﴾. ووجهُها أنّ الله تعالى يحدث في صحائف الأعمال وزناً بحسب درجات الأعمال عند الله تعالى، فتصير مقادير أعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل في العقاب أو الفضل في العفو وتضعيف الثواب»[37]. ويعتبر العدل فرعاً من الإيمان: «إنّ كلّ ما كان في قلب الإنسان من معرفة واعتقاد فذلك أصل الإيمان، وما كان جارياً على أعضائه السبعة من الطاعة والعدل فذلك فرع الإيمان»[38].

وقد أوْلى الغزالي أهمية خاصة لأحد الموضوعات المتصلة بالعدل السياسي، وهو عمارة الدنيا وخرابها، فالعمارة لا تكون ولا تدوم إلا بالعدل، ولا تخرب ولا تنقرض إلا بالظلم: «والسلطان العادل من عدل بين العباد، وحذر من الجَوْر والفساد؛ والسلطان الظالم شؤم لا يَبقى ملكه ولا يدوم، لأنّ النبي يقول «المُلك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم». وفي التواريخ أنّ المجوس ملكوا أمر العالم أربعة آلاف سنة، وكانت المملكة فيهم، وإنّما دامت المملكة بِعَدلهم في الرعية، وحفظهم الأمور بالسويّة، وأنّهم ما كانوا يرون الظلم والجور في دينهم وملّتهم جائزاً، وعمَروا بعدلهم البلاد، وأنصفوا العباد»[39]. ويحمّل الملوك مسؤولية عمارة الدنيا وخرابها: «فينبغي أن تعلم أنّ عمارة الدنيا وخرابَها من الملوك؛ فإذا كان السلطان عادلاً عمَرت الدنيا وأمنت الرعايا، كما كانت عليه في عهد أزدشير وأفريدون...، وإذا كان السلطان جائراً خَرِبت الدنيا»[40]. ويضيف سبباً آخر للخراب غير الظلم، وهو عجز الملك: «وخراب الأرض من شيئين: أحدهما عجز الملك، والثاني جوْره»[41]. ومعنى ذلك أنّ العدل وما يترتب عليه من عمران ليس من الرعية، وإنّما من الملك: «... أمَا ترى أنّه إذا وصف بعض البلاد بالعمارة، وأنّ أهله في أمان وراحة ودعة وغبطة، فإنّ ذلك دليل على عدل الملك وعقله وسداده وحسن نيته في رعيته ومع أهل ولايته، وأن ليس ذلك من الرعية؟ فقد صحّ ما قالته الحكماء: الناس بملوكهم أشبه منهم بزمانهم».[42]

وعندما يقارن بين العدل الإلهي والعدل البشري لا يجد وجهاً للشبه، فالله «حكيم في أفعاله عادل في أقضيته لا يقاس عدله بعدل العباد؛ إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في مُلك غيره، ولا يتصور الظلم من الله تعالى، فإنّه لا يصادف لغيره مُلكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً، فكلّ ما سواه من إنس وجن ومَلَك وشيطان وسماء وأرض وحيوان ونبات وجماد وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعاً وأنشأه إنشاءً بعد أن لم يكن شيئاً»[43]. بل إنّه يذهب أبعد من ذلك إلى القول إنّ ابتلاءه العباد بضروب الآلام يُعدّ عدلاً: «فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان، إذ كان قادراً على أن يصبّ على عباده أنواع العذاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب، ولو فعل ذلك لكان منه عدلاً ولم يكن منه قبيحاً ولا ظلماً»[44].

وكعادته، لا ينظر إلى العدل القضائي الدنيوي في حدّ ذاته، بل يربطه بالعدل في الآخرة، حيث ينقل هذا الخبر عن علي بن أبي طالب: «ويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماء حين يلقاه، إلا من عَدَل وقضى بالحق ولم يحكم بالهوى، ولم يَمِل مع أقاربه، ولم يُبدّل حكماً لخوف أو طمع، لكن يجعل كتاب الله مرآتَه ونصب عينيه ويحكم بما فيه»[45].

6. شرط العدالة في الشهادة والرواية:

تطرح فكرة العدالة في «علم أصول الفقه» أسئلة وإشكالات نوعية تتصل بمجالات الرواية والشهادة والفتوى...، ممّا يضفي عليها معاني جديدة. وأوّل مسألة تواجهنا في هذا المجال هي تعريفها، حيث صارت العدالة تعني عدالة النفس، أي صدقها وتقواها ومروءتها وتجنبها للمعاصي القادحة فيها. وبهذا تصبح العدالة الأخلاقية شرطاً في قبول الرواية (رواية الحديث) والشهادة، وفي قبول الفتوى، لكن لا في قبول الاجتهاد[46].

من هنا جاءت التعاريف الأصولية الثلاثة للعدالة: فهي أولاً «عبارة عن استقامة السيرة والدين»[47]، وهي ثانياً «هيئة راسخة في النفس تَحمِل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه، فلا ثقة بقول مَن لا يخاف الله تعالى خوفاً وازعاً عن الكذب»[48]، و«حدّ العدالة ـ ثالثاً ـ هو الإسلام من غير ظهور فسق»[49]. وبالرغم من أنّ صورة العدالة في هذه التعريفات تحيل على هيئة أخلاقية راسخة في النفس، وكأنّها غريزة فطرية في نفس المؤمنين، فإنّها مع ذلك ليست مفطورة لدى الجميع على السواء، إذ «المشاهدة والتجربة دلت على أنّ عدد فسّاق المؤمنين أكثر من عدد عدولهم»[50]. بعبارة أخرى، بالرغم من تنصيص التعريف الثاني على أنّ العدالة هيئة راسخة، فإنّها لا ترقى إلى مرتبة الطبيعة الجوهرية لجميع الناس، وإنّما تظلّ في مستوى الصفة العرَضية، أو قلْ إنّ أفعالها وصفاتها ذات طبيعة علائقية، ولا تُفهم إلا في تقابلها الضدّي مع الكذب والفسق والكفر، وفي تلازمها الذاتي مع الصدق والحق والاستقامة والتقوى والمروءة والدين.

وبالفعل، العدالة هي: أولاً إحجام عن الكذب، غير أنّ هذا الإحجام ليس صادراً عن وازع عقلي (كانط)، وإنّما عن وازع الخوف من الله، ممّا يضفي على العدالة طابعاً دينياً، لكن بالمعنى الأخلاقي للدين، وليس بالمعنى العقدي. فركاكة المرء في دينه تستدرجه إلى أن «يستجرئ على الكذب وعلى عدم التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة»[51]، وبالتالي مَن أبدى جرأة على الكذب رُدّت شهادته، ولا يُؤخذ بروايته[52]. ومع ذلك فإنّ ربط الغزالي العدالة بالدين، باعتباره إسلاماً، لم يمنعه من القول إنّ الوحي ليس معياراً وحيداً للحكم على المرء «مجهول الحال» بالعدل، لأنّه يمكن الحكم على الأعرابي غير المعروف بناءً على الخبرة، أو انطلاقاً من «تزكية مَن عرف حالَه»[53].

وكما مرّ بنا، لا ينفرد الكذب وحده بالتضاد مع العدالة، ولكن يتقاسم معه ذلك أيضاً كلّ من الفسق والكفر، لأنّه متى حضرا غابت عدالة النفس وبطل الاستئناس بشهادتها والإقرار بروايتها. فبعد أن يميز الغزالي بين الكافر والمعاند والمتأوّل، يقضي بعدم قبول رواية الكافر سواء كان متأوّلاً أم لا، «لأنّ كلّ كافر متأوّل، فإنّ اليهودي أيضاً لا يعلم كونه كافراً. أمّا الذي ليس بمتأوّل، وهو المعاند بلسانه بعد معرفة الحق بقلبه، فذلك ممّا يندر. وتورّع المتأوّل عن الكذب كتورّع النصراني فلا ينظر إليه، بل هذا المنصب لا يستفاد إلا بالإسلام»[54]. ومع ذلك لا يكفي الإسلام للحكم على «مجهول الحال» بالعدل «وعندنا ـ يقول الغزالي - لا تعرف عدالته إلا بخبرة باطنة، والبحث عن سيرته وسريرته»[55].

والحكم نفسه أصدره في حقّ الفاسق، فهو «مردود الشهادة والرواية بنَصّ القرآن ...، لو قبلت روايته لقبل بدليل الإجماع، أو بالقياس على العدل المُجمع عليه، ولا إجماع في الفاسق، ولا هو في معنى العدل في حصول الثقة بقوله. فصار الفسق مانعاً من الرواية، كالصبا والكفر، وكالرق في الشهادة، و«مجهول الحال» في هذه الخصال لا يقبل قوله، فكذلك «مجهول الحال» في الفسق، لأنّه إن كان فاسقاً فهو مردود الرواية، وإن كان عدلاً فغير مقبول أيضاً للجهل به ..»[56].

وإذا حقّ لنا أن نتكلم عن إيبستيمولوجية العدالة في هذا المجال، فإنّ الغزالي يرى أنّ «العدالة لا تُعلَم إلا بالظن»[57] لا باليقين، «لكنّ الحكم بالصدق واجب، وهو معلوم بالنص، وقول العدل صدق معلوم بالظن وأَمارات العدالة»[58]، لأنّ «العدالة إنّما تُعرَف بالخبرة والمشاهدة، أو بتواتر الخبر»[59]، لا بالقياس والبرهان.

خاتمة:

في تقصّيه لحقيقة العدل، كان الغزالي عادلاً حيناً في جمعه بين النظرية الفلسفية والنظرية الدينية، أي بين البناء العقلي والبناء الشرعي، وحيناً آخر كان أكثر ميلاً للأمر الشرعي. لكن مهما يكن، فإنّ الغزالي - الفقيه والأصولي والمتصوف المعروف بعدائه للفلسفة- بانفتاحه على الفلسفة لتطعيم رؤيته الإسلامية للعدالة، يكون قد برهن على أنّه لا مناص للإسلام من الفلسفة، أي من التعاطي العقلي مع القضايا النظرية والعلمية، وأنّها شكلت جزءاً حيوياً من فعاليته المعرفية والتاريخية. وهذا ما يفسّر أنّ العدل لم يكن لدى حجة الإسلام ينفصل عن العقل والحق والإنسان، إذ أنّه كان يشتق موقفه من العدل من هذه الأقانيم الثلاثة، عِلماً بأنّه لم يكن ينظر إلى الإنسان كغاية في ذاته، أو كذات مستقلة في فكرها وإرادتها، وإنّما كوسيلة لعبادة الله، والشهادة بأنّه موجود وواحد.

ومع ذلك، استطاع الغزالي أن يتصور العدل مبدأ كونياً، أي قيمة كونية تقيم الموازين بين السموات والأرض وبين الأنظمة السياسية والحقوقية والأخلاقية بسبب ربطه إيّاه بالعقل. من هنا كان العدل قرين العمارة، والظلم قرين الخراب.

ولئن كانت أفكار الغزالي متحيّرة حول طبيعة العدالة بأنواعها المختلفة، وتوابعها المختلفة، فلكونها تعكس تجربته الذاتية والتاريخية الغنية المطبوعة حيناً بالحظوة والنجاح، وأخرى بالفشل والقلق والحيرة.

[1] - مجلة يتفكرون العدد 10

[2] ـ الغزالي، أبو حامد محمد، التبر المسبوك في نصيحة الملوك، عرّبه عن الفارسية أحد تلامذته، ضبطه وصحّحه أحمد شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988، ص 49

[3] ـ عن فضيلة الحكمة، باعتبارها ثمرة تهذيب قوة الفكر: «ولنذكر جمل العلم الأخص من هذه العلوم السياسية فإنّه المقصود بالبيان، ومجامع القوى التي لا بدّ من تهذيبها ثلاث: قوة التفكر وقوة الشهوة وقوة الغضب. ومهما هذبت قوة الفكر وأصلحت كما ينبغي، حصلت بها الحكمة، التي أخبر الله عنها حيث قال: ﴿ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً﴾، وثمرتها أن يتيسر له الفرق بين الحق والباطل في الاعتقادات وبين الصدق والكذب في المقال، وبين الجميل والقبيح في الأفعال، ولا يلتبس عليه شيء من ذلك، مع أنّه الأمر الملتبس على أكثر الخلق»، ميزان العمل، القاهرة، مكتبة الجندي، ب. ت، ص 53-54

[4] ـ عن الارتباط الذاتي للعدل والظلم بالأفعال، وليس بعدم جواز نسخه كما يدّعي المعتزلة يقول: «ما من حكم شرعي إلا وهو قابل للنسخ، خلافاً للمعتزلة فإنّهم قالوا من الأفعال مالها صفات نفسية تقتضي حسنها وقبحها، فلا يمكن نسخها، مثل معرفة الله تعالى والعدل وشكر المنعم، فلا يجوز نسخ وجوبه، ومثل الكفر والظلم والكذب فلا يجوز نسخ تحريمه، وبنوا هذا على تحسين العقل وتقبيحه وعلى وجوب الأصلح على الله تعالى، وحجروا بسببه على الله تعالى في الأمر والنهي»، الغزالي، المستصفى في أصول الفقه، بيروت، دار صادر، ط2، 2010، ج1، ص 144

[5] ـ عن أنواع الظلم يقول: «الظلم نوعان: أحدهما ظلم السلطان لرعيته، وجور القوي على الضعيف، والغني على الفقير؛ والثاني ظلمك لنفسك، وذلك من شؤم معصيتك، فلا تظلم ليُرفع عنك الظلم»، التبر المسبوك، ص 47؛ يورد تقسيماً ثلاثياً للظلم: ظلم الناس لنفسها، الظلم في المعاملات، والظلم في الاعتقادات، وظلم إزاء النفس: المعاصي «وقال قتادة: الظلم ثلاثة أضرب: ظلم لا يغفر لصاحبه، وظلم لا يدوم، وظلم يغفر لصاحبه. فأمّا الذي لا يغفر لصاحبه فهو الشرك بالله تعالى. قال الله تعالى ﴿إنّ الشرك لظلم عظيم﴾ [لقمان 13]؛ وأمّا الظلم الذي لا يدوم فهو ظلم العباد بعضهم لبعض؛ وأمّا الظلم الذي يغفر لصاحبه فهو ظلم العبد نفسه، بارتكاب الذنوب ثم يرجع إلى ربه ويتوب، فإنّ الله يغفر له برحمته، ويدخله الجنة بفضله»، نفسه، ص ص 49-50

[6] ـ نفسه، ص 54؛ عن الاعتدال في الفضائل والأخلاقية انظر ميزان العمل، م. م.، ص 72-75

[7] ـ الغزالي، أبو حامد، التبر المسبوك، ص 61

[8] ـ الغزالي، أبو حامد محمد، إحياء علوم الدين، كتاب قواعد العقائد، عني به الشيخ محمد الدالي بلطة، بيروت، المكتبة العصرية، 2009، الجزء1، ص 128

[9] ـ نفسه، ص 23

[10] ـ نفسه، ص 59

[11] ـ إحياء علوم الدين، كتاب آداب النكاح، ج2، ص 65؛ عن العدالة الكوسمولوجية يذكر: «حكمة: قال سقراط: العالم مركب من العدل، فإذا جاء الجور لا يثبت ولا يستقر»، التبر المسبوك، ص 61

[12] ـ التبر المسبوك في نصيحة الملوك، م.م.، ص 27

[13] ـ عن أخلاق العدل ينقل هذا القول المأثور: «سأل عمر بن عبد العزيز محمداً بن كعب القرظي فقال: صف لي العدل، فقال: كل مسلم أكبر منك سناً فكن له ولداً، ومن كان أصغر منك فكن له أباً، ومن كان مثلك فكن له أخاً، وعاقب كلّ مجرم على قدر جرمه، وإياك أن تضرب مسلماً سوطاً واحداً على حقد منك فإنّ ذلك يصيرك إلى النار»، نفسه، ص 20

[14] ـ عن ضرورة التعامل بالتساوي مع كلّ الناس يقول: «والعدل التام هو أن تساوي بين المجهول الذي لا يعرف، وبين المحتشم صاحب الجاه المعروف في مقام واحد في الدعاوى، وتنظر أيضاً بعين واحدة، ولا تفضل أحدهما على الآخر لأجل أن أحدهما فقير والآخر غني، فإنّ الجوهر والخزف في الآخرة بسعر واحد. ولا يحرق عاقل نفسه بالنار، لحشمة الأغيار»، نفسه، ص 57

[15] ـ عن تقديره للفاسق في بعض الحيثيات يقول: «وكذلك يسأل عبده وخادمه ليعرف طريق اكتسابه فهاهنا يفيد السؤال، فإذا كان صاحب المال متهماً فليسأل من غيره، فإذا أخبره عدل واحد قبِله. وإن أخبره فاسق يعلم من قرينة حاله أنّ لا يكذب حيث لا غرض له فيه، جاز قبوله، لأنّ هذا أمر بينه وبين الله تعالى، والمطلوب ثقة النفس. وقد يحصل من الثقة بقول الفاسق ما لا يحصل بقول عدل في بعض الأحوال. وليس كلّ من فسق يكذب، ولا كلّ من ترى العدالة في ظاهره يصدق، وإنّما نيطت الشهادة بالعدالة الظاهرة لضرورة الحكم، فإنّ البواطن لا يطلع عليها»، إحياء علوم الدين، ، كتاب الحلال والحرام، ج 2، ص 172؛ لكنّه في مكان آخر يقول: «ولا يجوز قبول قول الفاسق وربما كان صادقاً، بل نعني بالمقبول ما يجب العمل به، وبالمردود ما لا تكليف علينا في العمل به»، الغزالي، المستصفى في أصول الفقه، بيروت، دار صادر، ط2، 2010، ج1، ص 183

[16] ـ عن تسرّب الكذب والوهم إلى أقوال العدول يقول: «فإنّ النقلة وإن كانوا عدولاً فالغلط جائز عليهم، والكذب لغرض خفي جائز عليهم، لأنّ العدل أيضاً قد يكذب، والوهم جائز عليه، فإنّه قد يسبق إلى سمعهم خلاف ما يقوله القائل وكذا إلى فهمهم. فهذا ورع لم ينقل مثله عن الصحابة فيما كانوا يسمعونه من عدل تسكن نفوسهم إليه»، إحياء علوم الدين، كتاب الحلال والحرام، ج 2، ص 161

[17] ـ المستصفى في أصول الفقه، ج 1، ص 186؛ أمّا رواية الكافر «فلا خلاف في أنّ رواية الكافر لا تقبل لأنّه متهم في الدين، وإن كانت تقبل شهادة بعضهم على بعض عند أبي حنيفة...، وهو أولى من قولنا الفاسق مردود الشهادة، والكفر أعظم أنواع الفسق»، نفسه، ج1، ص 185؛ وهو في أكثر من مناسبة يعرّف العدالة بالإسلام «قلنا إذا كان حدّ العدالة هو الإسلام من غير ظهور فسق فقد تحقق ذلك فلم يجب التتبع حتى يظهر الفسق»، المستصفى في أصول الفقه، ج1، ص 186

[18] ـ ميزان العمل، م. م.، ص 97

[19] ـ ميزان العمل، ص 54

[20] ـ ميزان العمل، م. م.، ص 76

[21] ـ نفسه، ص 54

[22] ـ نفسه، ص 53

[23] ـ التبر المسبوك، م. م.، ص 49

[24] ـ نفسه، ص 22-23

[25] ـ نفسه، ص 15

[26] ـ نفسه، ص61؛ ويقول: «حكمة: سئل أرسطاطاليس: هل يجوز أن يُدعى أحد ملكاً غير الله تعالى؟ فقال: من وجدت فيه هذه الخصال، وإن كانت عارية: العلم والعدل والسخاء والحلم والرقة وما ناسبها، لأنّ الملوك إنما كانوا ملوكاً بالظلّ الإلهي، وضياء الحس، وطهارة النفس، وتزايد العقل والعلم، وقدم الدولة، وشرف الأصل...»، نفسه، ص 60

[27] ـ نفسه، ص 62

[28] ـ التبر المسبوك في نصيحة الملوك، ص 49

[29] ـ عن أهميّة العدل في الذكر الحسن يقول: «فإن شئت أن تعلم أنّ عدل السلطان وتقيته سبب لجميل ذكره ونبل فخره، فانظر في أخبار عمر بن عبد العزيز فإنّه لم يكن لأحد من بني أمية وبني مروان مثل مدحه ومحمدته، ولا يدعي إلا له، ولا يثنى إلا عليه، لأنّه كان عادلاً تقياً كريماً، حسن السيرة تقي السريرة»، نفسه 56؛ «وكذلك قال علي رضي الله عنه: ليس شيء أحبّ إلى الله تعالى من عدل إمام ورفقه، ولا شيء أبغض إليه من جوره وخرقه»، إحياء علوم الدين، ، كتاب الحلال والحرام، ج 2، ص 71.

[30] ـ التبر المسبوك في نصيحة الملوك، ص 15

[31] ـ نفسه، ص 16

[32] ـ ميزان العمل، م. م.، ص ص 98-99

[33] ـ نفسه، ص 14

[34] ـ نفسه، ص 22

[35] ـ نفسه، ص 42، عن الربط بين العدل السياسي-الدنيوي والعدل الأخروي يقول: «دخل شبيب بن شيبة يوماً على المهدي فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الله قد أعطاك الدنيا فأعط رعيتك قسطاً من طيب عيشك، فقال المهدي: وما الذي ينبغي أن تُعطَى الرعية؟ فقال العدل، فإنّه إذا نامت الرعية في أمن منك، نمت آمناً في قبرك...، واعدل ما استطعت فإنك تجازى بالعدل عدلاً، وبالجور جوراً، وزيّن نفسك بالتقوى»، التبر المسبوك، ص 59

[36] ـ «واعلم أنّ ما كان بينك وبين الخالق ـ سبحانه ـ فإنّ عفْوَه قريب، وأمّا ما يتعلق بمظالم الناس فإنّه لا يتجاوز به عنك على كلّ حال يوم القيامة، وخطره عظيم، ولا يسلم من هذا الخطر أحد من الملوك إلا ملك عمل بالعدل والإنصاف، ليعلم كيف يطلب العدل والإنصاف يوم القيامة»، نفسه، ص 14

[37] ـ إحياء علوم الدين، كتاب قواعد العقائد، ج 1، ص161؛ عن الربط بين العدل الإلهي ورمزية الميزان يورد: «ولهما من حديث أبي هريرة وعائشة استعاذته من عذاب القبر، وأنّه حق وحكمة عدل على الجسم والروح على ما يشاء وأن يؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان وصفته في العظم أنّه مثل طبقات السموات والأرض توزن الأعمال بقدرة الله تعالى، والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل تحقيقاً لتمام العدل، وتوضح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله بفضل الله، وتطرح صحائف السيئات في صورة قبيحة في كفة الظلمة فيخفّ بها الميزان بعدل الله»، إحياء علوم الدين، كتاب قواعد العقائد، م.م.، ص 129

[38] ـ التبر المسبوك في نصيحة الملوك، ص 14. عن ربطه الحق بالقلب: «... أمّا الذي ليس بمتأول، وهو المعاند بلسانه بعد معرفة الحق بقلبه، فذلك... »، المستصفى، ص 85

[39] ـ نفسه، ص 44

[40] ـ نفسه، ص 44؛ ويقول: «روي أنّه كلما كانت الولاية أعمر، كانت الرعية أوفى وأشكر. وكانوا يعلمون أنّ الذي قالته العلماء ونطقت به الحكماء صحيح لا ريب فيه، وهو قولهم: إنّ الدين بالملك، والملك بالجند، والجند بالمال، والمال بعمارة البلاد، وعمارة البلاد بالعدل في العباد. فما كانوا يوافقون أحداً على الجور والظلم، ولا يرضون لحشمهم بالخرق والغشم، علماً منهم أنّ الرعية لا تثبت على الجور، وأنّ الأماكن تخرب إذا استولى عليها الظالمون»، نفسه، ص 46

[41] ـ نفسه، ص 52

[42] ـ نفسه، ص ص 51-52

[43] ـ إحياء علوم الدين، قواعد العقائد، ج 1، ص 128

[44] ـ نفسه، ج 1، ص 128؛ ويقول عن استحالة الظلم على الله: «ولا يمكن الظلم في أفعاله، لأنّ الظالم هو الذي يتصرف في ملك غيره، والخالق تعالى لا يتصرف إلا في ملكه، وليس معه مالك سواه، وكلّ ما يكون وهو كائن فهو ملك له، وهو المالك بلا شبيه ولا شريك. وليس لأحد عليه اعتراض بلِمَ وكيف، لكن له الحكم والأمر في كلّ أفعاله، وما لأحد غير التسليم والنظر إلى صنعه والرضا بقضائه»، التبر المسبوك في نصيحة الملوك، م. م.، ص 12

[45] ـ نفسه، م.م.، ص 16

[46] ـ عن العدالة بوصفها شرطاً في الشهادة والرواية يقول: «قال الله تعالى: ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا﴾ (الحجرات: 6) وهذا زجر عن اعتماد قول الفاسق، ودليل على شرط العدالة في الرواية والشهادة»، المستصفى في أصول الفقه، ج1، ص 186؛ عن كون العدالة شرطاً في قبول الفتوى يقول: «والشرط الثاني أن يكون عدلاً مجتنباً للمعاصي القادحة في العدالة. وهذا يشترط لجواز الاعتماد على فتواه، فمن ليس عدلاً فلا تقبل فتواه. أمّا هو في نفسه فلا. فكأنّ العدالة شرط القبول للفتوى، لا شرط صحة الاجتهاد»، نفسه، ج2، 199-200

[47] ـ نفسه، ج1، ص 186

[48] ـ نفسه، ج1، ص 186

[49] ـ نفسه، ج1، ص 186

[50] ـ نفسه، ج1، ص 187

[51] ـ «وبالجملة كلّ ما يدلّ على ركاكة دينه إلى حد يستجرئ على الكذب بالأعراض الدنيوية، كيف وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة»، نفسه، ج1، ص 186

[52] ـ «فإنّ الضابط في ذلك فيما جاوز محلّ الإجماع أن يرد إلى اجتهاد الحاكم، فما دلّ عنده على جراءته على الكذب ردّ الشهادة به»، نفسه، ج1، ص 186

[53] ـ نفسه، ج1، ص 187

[54] ـ نفسه، ج 1، ص 185

[55] ـ نفسه، ج 1، ص 186

[56] ـ نفسه، ج 1، ص 186؛ «والمجهول لا تسكن النفس إليه، بل سكون النفس إلى قول فاسق جرب باجتناب الكذب أغلب منه إلى قول المجهول ...، أمّا ردّ خبر الفاسق والمجهول فقريب من القطع»، نفسه، ج 1، ص 188

[57] ـ نفسه، ج2، ص 108، ويضيف في المعنى نفسه: «ولا يحكم إلا بقول عدل، وتعرف عدالته بالظن، وكذلك الاجتهاد في الوقت والقبلة»، نفسه، ج2، ص 108

[58] ـ نفسه، ج2، ص 108

[59] ـ نفسه، ج2، ص 202