مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية: مدخل إلى الفلسفة الاجتماعية


فئة :  أبحاث محكمة

مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية: مدخل إلى الفلسفة الاجتماعية

مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية: مدخل إلى الفلسفة الاجتماعية

ملخص

يرمي هذا البحث إلى تشريح مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية كمفهوم جوهري، حظي بوظيفة نقدية وتحليلية في الفلسفة الاجتماعية، كما برزت سماتها وموضوعاتها مع مدرسة فرانكفورت. فضلا عن إبراز جملة من الدلالات التي تضمنها مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية باختلاف النظريات النقدية؛ وذلك وفقًا لمعايير الحياة الاجتماعية الجيدة التي يصوغها كل فيلسوف اجتماعي بحسب مفهومه للعقلانية الفعالة اجتماعيًا، مع التركيز بصورة أكبر على تصور أكسيل هونيث.

تحاول هذه الدراسة بدايةً التعريف بالفلسفة الاجتماعية، من خلال مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية نفسه، بوصفها إيتيقا التطور الاجتماعي: إيتيقا تنطلق من تصور نقدي تحليلي للأنطولوجيا الاجتماعية، يروم النظر في مختلف النظم والمثل المؤثرة في عملية تشكيل الكينونة وتفاعلاتها البيعلائقية في العالم الاجتماعي. على أن أي انحراف عن المثل العقلانية والمعايير الإيتيقية المعنية، يقود المجتمع كله إلى حالة من الاضطراب والاختلال، وهذه الحالة هي ما يطلق عليها اسم باثولوجية اجتماعية؛ نظرًا للتعطيل الذي تحدثه على صعيد عمليات الانعتاق والتحرر ضد موانع الوعي بالذات الفردية وبشروط تحقيقها، ومن ثم على كل تطور اجتماعي يعيق تحقيق الاعتراف البينذاتي بما هو عدل اجتماعي يقاس عن طريقه مستوى العقلانية الممكنة في المجتمع الواحد.

مقدمة

لعل ما تتميز به النظرية الاجتماعية النقدية لمدرسة فرانكفورت وما عرفت به في الأوساط الفكرية والثقافية، يتعلق أساسًا بنقد الحداثة الغربية وتفكيك أسسها الفلسفية والفكرية، كما لو كانت رؤية المدرسة وروادها سجينة تصور أُيديولوجي واحد أو فكرة ثابتة، لكن نطاق موضوعها في الحقيقة رحب رحابة الأنطولوجيا الاجتماعية؛ يشمل كل ما يشكل موضوعًا للنقد الاجتماعي. وعلى الرغم من اعتقاد البعض، من أهل الاختصاص بالحقل الفلسفي عمومًا، بأفكار تنطوي على اداعاءات من قبيل "مدرسة فرانكفورت قد ولت واضمحلت"، فإنه لا ينبغي بحالٍ الحط من قيمة "الاجتماعي" The social على هذا النحو، كما اعتادت الفلسفة السياسية والأخلاقية؛ لأن السؤال الفلسفي هو في نهاية المطاف سؤال اجتماعي. وما دامت استمرارية النوع البشري تنتعش في سياقات اجتماعية مختلة، تظل ضرورة النقد الاجتماعي بخاصة تستمد فعاليتها، وترتكن دعائمها الإبستيمولوجية والفلسفية في هذا المجال إلى النظرية النقدية نفسها لمدرسة فرانكفورت، لا سيما عندما يتعلق الأمر بسياقات اجتماعية رأسمالية؛ فثمة تدهور كسح صحة النسق الاجتماعي بالكامل، ما أجج النقد بصورة واضحة في جل تصورات المدرسة في شخص روادها، عن طريق تناولهم مهمة تشخيص الباثولوجيات الاجتماعية Social Pathologies من علة النظام الاقتصادي الرأسمالي، من مثل: إنسان البعد الواحد، والتشيؤ، والاستلاب، والاغتراب، والتفكك... ثم العقل الأداتي الذي عرف على إثره الإدراك الإنساني تشوها آل إلى فساد العقل البشري وانحرافه نحو اللاعقل، حيث اجتاح التسلط التقنوي المجتمعات الصناعية الحديثة برمتها.

يكاد مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية هنا أن يكون علامة فارقة ومفهومًا نقديًّا وجوهريًّا ضمن هذا التقليد، باعتباره أكثر ما يميز الفلسفة الاجتماعية النقدية، كما نعرفها عمومًا مع مدرسة فرانكورت، عن مختلف المقاربات السائدة في الفكر الفلسفي. من هذا المنطلق تحديدا، أتت فكرة البحث في مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية. فما مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية وما وظيفته وفروعه بالنظر إلى سماته ودلالاته وكذا علاقته بالفلسفة الاجتماعية بعامة، وفلسفة أكسيل هونيث Axel Honneth 1949 عن الاعتراف بخاصة؟ على أن توظيفه في الفلسفة الاجتماعية، فضلًا عن ضرورتها الراهنية في السياق العربي، يستقي وظيفته النقدية ومشروعيته الفلسفية من المدرسة عينها.

وابتغاء تحقيق هذا المسعى، عملت على تقسيم هذا البحث إلى ثلاث خطوات منهجية؛ أما الأولى فأحددها في عنوان الفلسفة الاجتماعية ومفهوم الباثولوجيا الاجتماعية، والثانية أقف فيها عند مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية: تعريفه وتحديد خصائصه النقدية ودواعي استعماله وتعيين حدوده الوظيفية، لأخلص في العنصر الثالث والأخير عوضًا عن خاتمة، إلى بيان وجه العلاقة بين مفهوم الباثولوجيا الاجتماعية ونظرية الاعتراف عند هونيث.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا