من التَّعَصُّبِ الديني إلى حرية الاعتقاد واحترام الحق في الاختلاف


فئة :  أبحاث عامة

من التَّعَصُّبِ الديني إلى حرية الاعتقاد واحترام الحق  في الاختلاف

ملخص:

نتناول هذا الموضوع ظاهرة "العنف / التطرف الديني" داخل المجتمعات الإسلامية في المشرق والمغرب الإسلاميين، وما يَهُمُّنا هي الأسباب التي تؤججها وتغذيها من جهة، والآليات والطرق التي تعتمدها السلطات السياسية في هذه الدول لمواجهتها والحد منها من جهة أخرى. في هذا السياق ننطلق من مصادرة أساسية مؤداها أن السلوك "المتطرف / العنيف" ليس إلا نتيجة طبيعية تَلْزَمُ عن التفكير المتطرف، وهذا بالذات ما يكشف محدودية "المقاربة الأمنية" التي تنهجُهَا أنظمة الحكم في العالم الإسلامي (مشرقًا ومغربًا) كَحَل للحدِّ من الظاهرة، أو على الأقل التحكم فيها، ونعتقد أنه كلَّما تَعَلَّق الأمر بنمط التفكير إلا وكفَّ العنف بكل ما فيه من قسوة (سجن، تعذيب، تصفية جسدية...) عن أن يكون حلًّا نهائيًّا للظاهرة؛ لأنَّ الفكرة لا تموت بتعذيب حاملها أو حتى قتله، بل تقتضي مواجهتها وجود فكرة أخرى مضادة تفوقها حجة وصلابة، ولذلك ندعو إلى تبني طريقة أخرى في مقاربة الظاهرة، أساسها:

- التمييز بين "التطرف" كظاهرة من جهة، والـ"متطرفين" كأشخاص من جهة أخرى؛ لأن اختزال الظاهرة في الأشخاص يدفع أنظمة الحكم السياسي إلى الإفراط في ممارسة المزيد من العنف والقمع ضد المتطرفين، بموازاة مع إغفال الشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية التي تحتضن التطرف وتغذيه وتهيئُ أسبابه ومبرراته. تلْكُمُ الشروط التي يُعَشِّشُ فيها التطرف إلى حدٍّ يمكن القول معه أن القضاء على التطرف رهين بتغيير هذه الشروط التي لا يمكن أن تتغير ما لَمْ تتولَّ المدرسة مسؤولية التربية والتعليم.

- ترسيخ قيم التفكير العقلاني الذي يرتكز على احترام "الرأي الآخر" والحق في الاختلاف، والاقتناع بعدم امتلاك الذات للحقيقة المطلقة؛ لأنَّ ادعاء شخصٍ ما امتلاك الحقيقة يدفعه إلى الاعتقاد بأفضليته وتفوقه على من يختلفون معه في الرأي والمعتقد، مِمَّا يدفعه إلى ممارسة العنف ضدَّهم واتِّهامهم بالكفر والضَّلال، ومن ثمة إباحة دمائهم وشَرْعنةَ (من المشروعية) الإساءة لهم واعتبارُ ذلك العنفِ أمرًا مُسْتَحَبّاً يتم ارتكابه باسم الدفاع عن الدين الحق ضد الضلال والغي.

- التمييز بين مجالي الاعتقاد الديني والممارسة السياسية؛ فالأول اقتناع فردي يهُمُّ علاقة الفرد بالخالق، ولا تترتب عنه أية نتيجة تمسُّ بحال من الأحوال الحياة المدنية لذلك الشخص، كما أن المشاركة في الفعل السياسي ليست مشروطة باعتناق دين معين. يضمن هذا الفصل حياد السلطة السياسية وعدم تبرير الظلم والاستبداد السياسي بمبررات الانتماء الديني أو المذهبي أو الطائفي، يقتضي هذا الفصل إقرار مواطنة شرطها الأساسي معاملة جميع الناس بصفتهم مواطنين متساوين أمام القانون بغض النظر عن أعراقهم ولغاتهم وأديانهم وجنسياتهم.

- إعطاء الأولوية في محاربة "التطرف" بكل أنواعه للمدرسة التي تتولى مسؤولية التربية والتعليم وترسيخ القيم التربوية والأخلاقية، وبناء المواطن الكوني/العالمي الذي يتحرر من خصوصياته الثقافية والاجتماعية والعرقية في أفق الانفتاح على أفق أكثر اتساعًا ورحابة هو "الإنسانية" فالفعل التربوي/التعليمي وحده من يضمن بناء مُتعلمٍ/مواطنٍ يؤمن باحترام الاختلاف العَقَدي والتنوع المذهبي والطائفي والعرقي واللغوي.

- وفي سياق محاولتنا معالجة ظاهرة "التطرف الديني" وأسباب نشأتها وسبل مواجهتها، وما تقتضيه تلك المواجهة من تربية المواطنين على قيم الحوار والتسامح، واحترام الحق في الاختلاف، وحرية الاعتقاد، تبين لنا بأن نقل هذه المفاهيم الفلسفية من مجالها النظري لتجد طريقها إلى السلوك الفعلي، يستلزم فهم دلالتها وإدراك الشروط النظرية والثقافية التي ظهرت فيها؛ لذلك فقد توقفنا بالدرس والتعليق عند واحد من أهم النصوص الفلسفية التي اهتمت بدراسة الموضوع، يتعلق الأمر بكتاب "رسالة في التسامح" للفيلسوف الإنجليزي "جون لوك" الذي يقدم فيه الرجل تصوره لمواجهة ظاهرة "العنف الديني" التي عاشت أوروبا ضراوتها واكْتَوَتْ بِنارها لعقودٍ طويلة بلغت أوجها خلال القرن السادس عشر؛ في هذا الكتاب يضع الفيلسوف لوك مبادئ التسامح وآليات تثبيته التي يمَكِّنُ الالتزام بها من الوقاية من عودة التطرف والعنف، تلكم المبادئ التي ترسخ تلقائيًّا ثقافة الحوار واحترام الحق في الاعتقاد والاختلاف، وهذا بالذات ما دفعنا إلى الاسترشاد بأفكاره والاستعانة بمفاهيمه في هذه المقاربة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا