Next Page  276 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 276 / 362 Previous Page
Page Background

276

2016 )9(

العدد

بالتّعليمات والتّوصيات. وكلّما كانت هذه المبادئ والأفكار غريبة

وعجيبة، وكلّما كانت الأقوال خارقة ومفارقة وغامضة بعيدة عن

كلّ معقوليّة ومنال، كانت أكثر إقناعاً وقبولاً لدى الأتباع وتأثيراً

.

20

فيهم

يحتوي المنتظَر وهو التمثّل الثّالث من تمثّلات الفكر الماسيحاني

شيئاً من الأمومة والأبوّة، وهي صفات تجلب السّعادة والهدوء

والتّعويض، وبذلك تكون رباعيّة المنتظر والشّعب والمملكة

والزّمن تنويعة أخرى لمملكة العائلة والطّفل والبيت، أو العودة

إلى الباطن الطّفولي السّاحر المفعم بالبراءة، حيث يفقد الزّمن بعده

الفيزيائي، ويتوقّف مؤقّتاً ليفسح المجال للمستقبل كي يغذّي

الحاضر، ويمنح البطل المنقذ وجهاً ساحراً هو وجه المسيح أو

الحسين أو بوذا، حيث تتلألأ منه هالات النّور والوقار، وتفيض

منه قدرات فائقة وشخصيّة خارقة، تمثّل الحلقة الأعظم في ثلاثيّة

.

21

وحدة البطل المنقذ والمكان المدهش والزّمان المشرق

يمنح البطل الشخصيّات التّابعة له بالمتعة والانتشاء

والإعجاب، ويغذّي فيها خيالات الطّفولة في الاحتماء بأبٍ حامٍ

ومدافعٍ وصدر حنون.

  - قام المختار بن أبي عبيد بثورة عبثيّة للاستحواذ على السّلطة في الكوفة،

20

تحت ذريعة الانتقام من قتلة الحسين، وقد وقع الشّاعر ُاقة بن مرداس

البارقيّ ضمن أسرى المختار، فقال خوفاً من القتل: إنّه رأى الملائكة تقاتل مع

جيش المختار على خيول بلق، وقال لهم: «ما أسرني إّ قوم على دوابّ بلق،

عليهم ثياب بيض. فقال المختار: أولئك الملائكة، اصعد المنبر، فأعلم النّاس بذلك،

فصعد وأخبرهم بذلك، ثمّ نزل فخلا به المختار وقال: إّ علمت أنّك لم ترَ

الملائكة، وإ ّا أردتَ أّ أقتلكَ، فاذهب عنّي حيث أحببت، لا تفسد عليّ أصحابي.

فخّ عنه، فلّ ذهب قال: «ألا أبلغ أبا إسحاق أّ رأيت الخيل بلقاً مصمتات،

أُرِي عَينيّ ما لم تَرَيَاه كلانا عالمٌ بالتُـــرّهات». وأبو إسحاق هو المختار. انظر:

هـ) تجارب الأمم وتعاقب الهمم، تحقيق: أبو القاسم

421 :

ابن مسكويه (ت

م.

2000 ،

إمامي، طبعة سروش، الطبعة الثانية، طهران

  - استغلّت صناعة الأبطال والنّجوم في الفنّ والسّينما والإعلام والمسلسلات

21

هذه الممالك المدهشة، فصنعت بها جمهوراً مبهوراً، رأى فيها النّجوم أنصاف

آلهة أو أكثر. حدث في تونس أنّ فتاة لمست مايكل جاكسون في حفلته الشّهيرة

قبل وفاته، فتدخّلت ال ّطة لإنقاذها من زميلاتها بسبب غيرتهنّ وغضبهنّ، لأنّها

استطاعت أن تلمس ذلك المغنّي.

ويبدو أنّ الأديب الوحيد الذي لم يستثمر فلسفة الانتظار،

) ففي مسحيّته

1989

-

1909

هو الإيرلندي صمويل بيكيت (

الشّهيرة: «فيانتظارغودو»، ورغم أنّا تدورحولفلسفة الانتظار،

إلا أنّ بيكيتحطّم الانتظار، وملأ الجوّ حزناً ومأساوية، ولم يفتح

أيّة بارقة أمل أمام بطل الرّواية. دارت أحداث المسحيّة حول

شخصيّات مهمّشة ومنعزلة، ظلّت تنتظر شخصاً غائباً يُدعى

«غودو» ليغّ حياتهم نحو مستقبل أفضل، ولكن بعد فصلين

من اللّغو والحوار المتقطّع لا يأتي غودو أبداً، وظلّ المشهد حزيناً

وقاتماً، ربّما تعبيراً عن الخواء الكبير الذي شهدته الحضارة الغربيّة

بعد الحربين الكونيتين العالميّتين.

رفضبيكيتأنيجعلمن الانتظار إلغاءً للفعل الإنسانيالإيجابي

القادر على الإصلاح والتغيير، أو نفياً للزّمن وتجسيداً للرّغبات

المكبوتة والشّاردة. ولم يشأ أن يجعل من المكان أو المملكة التي

تحلم بها الماسيحانيّة فضاء لا تعكّر صفوه القلاقل ولا الأحزان،

ولم يهتمّ مطلقاً بجعل المكان زاهياً مبهجاً فيه المعنى والسّكون

والدّفء، بل طوّح بمبادئ اليقين والأمل الدائم والخادع، فلم

يعد هذا الانتظار يغذّي الوجود الإنساني ويمنحه الدّفق اللازم

للحياة، بل تحوّل إلى جحيم لا يطاق. كما دمّر المقوّم المرابط والمقيم

في صلب فلسفة الماسيحانيّة والانتظار وهو الأمل، المرادف لكلّ

مشروع يجعل من الأرضجنّة بدون طبقات وبدون ظلم، تتحقّق

فيها كلّ الرغبات وتزول الصّعوبات، ويصبح المسيح أو المنقذ أو

المهدي هو المحرّض والدّافع إلى التّنفيذ والسّير إلى الأمام، ولو

كان بدون زعيم أو بدون مسيح، كما نظّر لذلك درّيدا، الذي رأى

أنّ الهدف إجرائيّ بحت، فالمهمّ أن توجد ثورة دائمة منعكسة

على الحاضر بآمال المستقبل في هيئة إسكاتولوجيا متجدّدة. يقول

في هذا الصّدد: «تبدو الماسيحانيتيّة بعيدة عن اليوتوبيا وعن

النّزعة الشبحيّة، فهي تبرز واقعيّة وآنيّة، تقول بالانتظار الواقعي

والأرضي، ولكنّ هذه المسيحانيتيّة لا تستند على الحنين إلى الماضي

.

22

ولا تقوم عليه، ولا تتذرّع بمخاطر المستقبل»

هذا الحرص على نفي الشبحيّة والوهم أوقع درّيدا في الشبحيّة

نفسها التي هرب منها. وحرصه على التّنزيه المجرّد عن كلّ شبهة

22- Daniel Bensaïd,œuvres,Jacques Derrida et le messianisme sans

Messie,page:5

محمّد حسن بدر الدين

أدب وفنون: نقد