277
2016 )9(
العدد
من شبهات التأثّر بحنين الماضيووجع الحاضر، جعل ماسيحانيّته
التي يدافع عنها مجرّد وهم بلا أفق، على عكس افتراضاتغاستون
) حول استثمار وحي اللّحظات المتفلّتة في
1962
-
1884
باشلار(
إيقاظ الأحلام الواعدة، واستغلالها في تحرير النّفس وتعاليها،
يقول في كتابه: لهبشمعة: «من بين أحلام اليقظة الحيويّة البسيطة
التي تخفّف عنّا آلامنا، تلك هي أحلام يقظة الأعالي. إنّ الأشياء
المنتصبة تؤشرالسمت. شكل واحد يثبويحملنا معه في عموديته.
إنّ الفوز بذروة حقيقيّة هو انتصار رياضي، والحلم يرتقي عالياً،
الحلم الذي يحملنا إلى ما هو أبعد من العمودية.عديدة هي أحلام
التّحليق التي تولد في المباراة العموديّة، أمّا الكائنات المنتصبة
والعموديّة، قرب الصناديق، قرب الأشجار، يحلم حالم الأعالي
بالسّماء، وتغذّي أحلام يقظة الأعالي غريزتنا المكبوحة بقسوة، من
.
23
قبل متطلّبات الحياة العاديّة، الحياة الأفقيّة حدّ الابتذال»
الانتظار في نظر فرويد وبلوخ:
يرجع الأصل إلى اليهوديّةفي ال ّكيز علىفكرة الانتظار، ونقصد
الفكر اليهودي وليس الدّين نفسه، ثمّ المسيحيّة بشكلمختلف، أمّا
في الميدان السّياسي فليس أحسن من الشيوعيّة في العصر الحديث
كنموذج إيديولوجي متكاملفي الانتظار والأمل، والإيمان المجرّد
بعالم بدون اغتراب. وقد ألّف بلوخ، وهو منظّر شيوعي ويهودي،
كما أسلفنا، موسوعة كاملة بعنوان: مبدأ الأمل، وهو مرادف لا
محالة للانتظار، أو ما س ّه الوعي المسبق.
يقوم مبدأ الانتظار والأمل عند بلوخ على فكرة أنّ الخيال
الإنساني يخفي دوماً انتظارات وقوى غير متحقّقة، تقود الفرد
والجماعة نحو أهداف وغايات في حقول مختلفة دينية وسياسيّة
واجتماعيّة خلافاً للفلسفة الوجوديّة التي تحصر الغايات في أفق
واحد. فالإنسان في نظر بلوخ حركة متواصلة للأمام لتحقيق
الأفضل والأحسن. أمّا فرويد فقد جعل من الانتظار موضوعاً
مركزيّاً مثل بلوخ في مستويين على الأقلّ:
يتعلّق بالصّلة الوثيقة التي تربط الذّات
المستوى الأوّل:
بالباطن، وتتميّز بالوعي، حيث تدرك الذّات أهدافها ومراميها،
- غاستون باشلار، لهب شمعة، ترجمة: مي عبد الكريم محمود، دار أزمنة
23
.65
م، ص
2005،
للنّشر، الطبعة الأولى، الأردن
وماذا تريد وماذا تنتظر من نفسها، وما الذي يصنعه اللاوعي من
عرقلة ومنع أمام هذا الوعي الطّموح للتطلّع والاندفاع.
ُيل إلى اللذّة والإشباع المادي، ورفع الغطاء
والمستوى الثّاني:
عن الذّكريات والصّفحات الطاوية في تلافيف المخّ وأعماق
الباطن، حيث تتطلّع الأنا إلى تحقيق رغبات ظاهرة أو مكبوتة
تريد الانفلات والتخفّف من صرامة العقل والواقع، فتجعل
الفرد في مرحلة انتظار وعدم تحقّق، وهذا التأجيل أو التوقّف إنّما
هو رغبات من أجل الإرضاء والامتلاء والإشباع، لأنّ الأنا في
أصلها موضع تحقّق اللّذائذ والشّهوات والرّغبات.
) الذي يساعد
diurne
ركّز بلوخفي المقابل على الحلم النّهاري (
على تجاوز الحاضر ويتطلّع إلى أفق ََقّق الرّغبات، وهو يعرّف
الإنسان بأنّه موجّه نحو تحقيق ما هو قادم ومنتظر وما هو غير
متحقّق وغير معاصر. ومن هنا كان الدّفع المتواصل نحو المكان
الفاضل والزّمان المثالي، فالإنسان وفق هذا التصوّر منزوع من
حاضره، مقتلع من آنيته. حيث ترسّخ الذّات نفسها في المستقبل،
فهي ذات مستقبليّة وليست استرجاعيّة، فلا وجود لإنسان
استرجاعي في مقرّرات التّحليل النّفسي. ورّبما كان ذلك الرّجوع
إلى الماضي والحنين إليه للتزوّد بما يفيد المستقبل وتجاوز الحاضر.
ولذلك يرى فرويد أنّ الحلم دائماً غير يقظ، أمّا بلوخ فيرى
العكس تماماً، أي أنّ الوعي يوقظ الحلم، ويقود دائماً إلى الأمام،
أي إلى الانتظار والتحوّل العملي والنّافع. ويمكن أن نمثّل لذلك
بالحركة المهديّة، فرغم قيامها على فكرة المهدي المخلّص، ع ّت
عن توجّهات مُوقظة للأحلام الواعدة كما ذكر بلوخ، ومُؤمنة
بالتّغيير والانتظار الإيجابي.
أدب الانتظار والخلاصفي الفكر الحديث ... مقاربة نفسيّة واجتماعيّة
أدب وفنون: نقد




