Next Page  67 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 67 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

67

2016 )9(

العدد

الفلسفة والإثنولوجيا المعاصرتان:

تغير الباراديغم الأنواري

يقول هيجل متحدثاً عن إفريقيا ما تحت الصحراء: «لايحتل هذا

(الجزء من) القارة أهمية بالنظر إلى تاريخه الخاص، إنّما تكمن أهميته

في كونه يمنحنا فرصة مشاهدة الإنسان في حالة همجيّة وتوحش

.

11

مازالت تمنعه من الانخراط في الحضارة»

إنّ هذا الموقف تعبير واضح عن قمّة ما وصل إليه الفكر

الأنواري الذي يتأسس على الثنائية المفهومية همجي/متحضر في

نظرته للمجتمعات والثقافات وعموم التاريخ البشري. بل إنّ

عموماً،

12

هذا الموقف مبدئي وأساسيفي فلسفة التاريخ الأنوارية

والهيجيلية على وجه الخصوص. فقد قام تصور تفوق أوروبا في جزء منه على تفسيرات أسطورية، عبارة عن تصورات طبيعية، أضحت

متجاوزة في العلم المعاصر، تنطلق من طبيعة التضاريس والمناخ لتفسير منحى الذهنيات والاستعدادات النفسية (الشجاعة والجبن

. كما أنّ تشكل الهويّة الغربية ارتبط بوعي الانتماء إلى مكان واحد وبالتالي مصير واحد،

13

والضيافة والانفتاح والانغلاق على الذات...)

وبعدها، وهي المعركة التي تمّ فيها ردّ التدخل العربي من طرفسكان شمال جبال البيرينيه الذين

Poitiers

وبالضبط أثناء معركة بواتيي

. والظاهر أنّ الأبحاث الإثنولوجية الأولى كرّستهذا المنحى من النظر، لكن

14

أطلقوا على أنفسهم، منذ ذلك الحين، لقب «الأوروبيين»

ماذا عن الأعمال اللاحقة؟

يمكن أن نوافق على كون الأعمال العلمية الممتدة بين ناية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان لها أثر كبير في تمييز موضوع

السوسيولوجيا (المجتمعات المتقدمة حضارياً) عن موضوع الإثنولوجيا، لكنه تمييز ساهم في تكريس النظرة الدونية للمجتمعات

«الجديدة» بقدر ما قدّم خدمة للسوسيولوجيا، لأنّه كرّس جداراً إبستيمولوجياً فاصلاً بين المجتمعات المتحضرة والمجتمعات البدائية.

ربما شكّل التمييز المعياري متوحش/حضاري الخلفية القيمية للفصل بين السوسيولوجيا والإثنولوجيا، غير أنّ مجهودات العلماء

والفلسفة منذ أواسط القرن العشرين كرّستوضعية إبستيمولوجية جديدة، بحيث أصبح أقصىما يمكن وضعه كمقابل لمفهوم حضارة

هو «حضارات أخرى».

، حيث لم نعثر على تعريف دقيق لمفهوم حضارة، وهو

Marcel Mauss

لقد قادتنا أبحاثنا في هذا الشأن إلى تقليب أعمال مارسيل موس

أمر لا ينمّ عن نقص، وإنّما يكشف الطبيعة التركيبية للموضوع، كما يكشف موقفاً إبستيمولوجياً التزم به هذا الباحث.

يتجاوز مفهوم الحضارة نطاق مفاهيم مثل العشيرة والقبيلة والقومية، لأنّه أعمّ وأشمل، فهو يحيل على وسط أخلاقي يغمر عدداً من

وليس فقط وقائع

solidaires

القوميات، بحيث تعتبر كلّ ثقافة قومية صورة خاصة له. يقول موس: «توجد أنساق مركبة ومتداخلة

سياسيمحدد. من الملائم جداً أن نطلق عليها تسمية خاصة هي: الحضارة. ومن

organisme

معزولة، دون أن تكون محدودة عند تنظيم

11 - Hegel, La raison dans l’histoire, tr. Kostas Papaioannou, 1018/, UGE, 1965, p. 47.

  - انظر مؤلف فولتير: رسالة في التسامح.

12

13 - Claude Liauzu, Race et civilisation, op. cit. pp. 40 - 44.

14 - Ibid, pp. 47 - 48.

الهمجيّة والحضارة: آليّة إصلاح الطبيعة البشريّة في الثقافة الغربيّة الحديثة

في الخط الممتد من مونتيني إلى روسو لا

نصادف إعلاء للحضارة على حساب

الطبيعة، بل هناك اتفاق على أنّ الثقافة تفسد

طبيعة الإنسان ، وبالمثل يفسد المجتمع طبيعة

الفرد، لأنّ دين المجتمع يلقن الفرد كراهية

الديانات الأخرى ، كما تلقنه تقاليد وعادات

مجتمعه النظر باستغراب لتصرفات أفراد

المجتمعات الأخرى