"الإسلام السنّي" للباحث التونسي بسّام الجمل


فئة :  قراءات في كتب

"الإسلام السنّي" للباحث التونسي بسّام الجمل

الإسلام السنّي كتاب للباحث التونسي بسّام الجمل[1] صدر عن رابطة العقلانيين العرب ودار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، في طبعة أولى سنة ست وألفين ضمن سلسلة "الإسلام واحدا ومتعددا" بإشراف المفكّر التونسي عبد المجيد الشرفي. ويتألّف الكتاب من مئة وتسعين صفحة توزّعت على مقدّمة وفصول ثلاثة وخاتمة وقائمة للمصادر والمراجع إلى جانب الفهرس العام، وقد قامت محتويات الكتاب على النحو الآتي:

المقدّمة (من ص 5 إلى ص 8)

الفصل الأوّل: تاريخيّة الإسلام السُّنّي (من ص 9 إلى ص 49)

الفصل الثاني: مرتكزات الإسلام السُّنّي (من ص 50 إلى ص 114)

الفصل الثالث: خصائص الإسلام السُنّي (من ص 115 إلى ص 174)

الخاتمة (من ص 175 إلى ص 178)

قائمة المصادر والمراجع (من ص 179 إلى ص 188)

فهرست المحتويات (من ص 179 إلى ص 191)

انطلاقا من عنوان الكتاب، يتضح لنا أنّ الغاية من التأليف هي الوقوف على خصائص "الإسلام السُنّي" ومميّزاته، ذلك أنّ إدراج الكتاب ضمن سلسلة "الإسلام واحدا ومتعددا" ينطوي على إقرار واضح بوجود خصائص للإسلام السُنّي، وقد بيّن الباحث في مقدّمة الكتاب وعيه بالصعوبات التي تعترض سبيله، فإذا هي (الصعوبات) متعلقة باعتقاد راسخ "مفاده أنّ تاريخ الإسلام منذ العصر الوسيط إلى الآن هو تاريخ الفكر السُّنّي واحدا أحدا" ص 5، أوهي متصلة بطبيعة المقاربات التي تناولت الفكر السُّنّي، ذلك أنّ أغلب الدراسات في تقدير الباحث لم تخرج عن دائرة الموقف التمجيدي أو الموقف الاستشراقي الذي لم يستطع أصحابه تقديم قراءة دقيقة للفكر السُّنّي، ففي أغلب الأحيان سوّي بين الإسلام، باعتباره رسالة دينية وبين الإسلام السُّنّي، باعتباره ممارسة بشرية للدين ورؤية من رؤى عديدة (إسلام المتصوّفة، إسلام الخوارج، ....). فالبحث الاستشراقي اهتم بالأساس بإسلام الحواضر؛ أي "المدن الكبرى الذي تجلوه الثقافة العالمة في الفكر الإسلامي" ص 6

وقد عرّج المُؤلّف في مقدّمة الكتاب على محاولات المجدّدين المسلمين أمثال محمّد أركون وعبد المجيد الشرفي ونصر حامد أبو زيد.... مشيرا إلى عمق مقارباتهم وإفادتها من مناهج البحث المعاصرة، وهو بذلك يحدّد المسلك الّذي سيسير عليه، فالرؤية العامة التي تحكم البحث رؤية تجديدية تنخرط في مشروع المجدّدين المسلمين. يضاف إلى ذلك أنّ الباحث قد سعى من خلال المقدّمة إلى بيان المسلك المنهجي الّذي سيتناول في معالجة قضايا "الإسلام السُّنّي"، فإذا به يتجاوز المقاربة التي تروم قراءة الفكر السّني من خلال النظر في مجمل العلوم الدينية السنيّة، ومأتى الإعراض عن هذه المقاربة أنّها تؤدّي إلى "غلبة العرض على البحث الإشكالي" ص 7، وبذلك بان للباحث أنّ تأمّل أهم العلوم الإسلامية يوفّر له قدرة على التأليف بين الظواهر واستخلاص نتائج عامة دقيقة وواضحة، وهو ما تجلّى في الفصول الثلاثة التي قام عليها البحث. ففي الفصل الأول الموسوم بـ "تاريخيّة الإسلام السُّنّي" سعى الأستاذ بسّام الجمل إلى دراسة تاريخيّة الإسلام السّني من خلال النظر في مسألتين متكاملتين، مدار الأولى ماهية مصطلح "أهل السُّنّة والجماعة" ودلالات التسمية ومرجعياتها. أمّا الثانية، فتتمثل في البحث في نشاط أهل السُّنّة تاريخيا استنادا إلى المنعرجات الكبرى التي عرفتها الجماعة وما تنطوي عليه تلك المنعرجات من إشارات إلى أهم التحوّلات الفكرية التي طالت بنية الفكر السُّنّي.

فقد بيّن الباحث في ما يتصل بالمسألة الأولى أنّ تسمية الجماعة بـ"أهل السّنة والجماعة" لم تنشأ دفعة واحدة؛ فالجمع بين العبارتين المكوّنتين للتسمية كان في فترة متأخّرة من الزمن، وقد تمّ استعمال هذه التسمية في سياقات جدالية كان التنافس فيها على أشدّه بين الفرق الإسلامية. فلئن سمّى الشيعة أنفسهم بأهل العصمة والعدالة، فإنّ السّنيين قد وسموا أنفسهم بـ"أهل السّنة والجماعة"، وهي تسمية تنطوي على دلالات مخصوصة منها أنّ التنصيص على صفة "الجماعة" يؤهّل السّنيين لأنْ يكونوا الممثلين الوحيدين للإسلام الحقيقي، بيد أنّ الباحث ما انفكّ يؤكّد أنّ مصطلح الجماعة كان محل نزاع بين الفرق الإسلامية، فكل فرقة (المعتزلة، الشيعة،...) زعمت أنّها الممثل للسنة والجماعة، ولعل ذلك ما دفع إلى البحث في تاريخية حضور المصطلح في كتب الفرق، فإذا بالمصطلح عند الباحث لم يظهر في فترة متأخرة فحسب، وإنّما هو أيضا مصطلح غائب عن مدوّنات الفرق التي استعملت مصطلحات عديدة قبل استعمال مصطلح "أهل السّنة والجماعة" ومن بين المصطلحات التي كانت مستعملة منها "السُّنّة"، وذلك للإشارة إلى أعمال الرسول محمّد ومصطلح "أصحاب الحديث والسّنة" و"جمهور أهل السّنة والجماعة"...

وقد تتبّع الباحث دلالات استعمال مصطلح "السّنّة" في كتب الفرق الإسلامية والاستعمال اللغوي، لينتهي إلى القول إنّ" السنّة في اللغة مرّ بثلاث مراحل متعاقبة متمايزة" ص 17 دارت الأولى على معنى الطريق والصراط (وهو معنى محايد) في حين قام الثاني على الدلالة على اعتبار السُّنّة السيرة حسنا وقبحا (تقابل بين المعنى الإيجابي والمعنى السلبي)، في حين احتوى المعنى الثالث على دلالة إيجابية تمثّلت في اعتبار السّنة دالة على الطريقة المحمودة، وهو تطوّر انعكس على رؤية السّنيين لأنفسهم، ذلك أنّهم سعوا إلى تمييز أنفسهم من غيرهم من خلال وسم أنفسهم بأصحاب الصراط المستقيم.

وفي هذا السياق، يذهب الباحث إلى أنّ التسمية (أهل السّنّة والجماعة) كانت بالأساس نتيجة الجمع بين مصطلحين، وهما "بيان السنة والجماعة" و" أصحاب الحديث وأهل السّنة". وقد لاحظ أنّ استعمال "مصطلح" أهل السنة والماعة" لم تستو دلالاته قبل ظهور الاعتقاد القادري (409 هـ)، ففيه تمّ إرساء علاقة تلازمية بين السنة والجماعة واعتبار أتباعها (السنّة والجماعة) أهل الحقّ الذي ينبغي التمسّك به.

إنّ البحث في تشكّل أهل السنّة تاريخيا تتطلّب من الأستاذ بسّام الجمل النظر في علاقة أهل الحديث بأهل الرأي، وكيف انتصرت النزعة الأرثوذكسية السُّنيّة على أهل الرأي.

وقد تناول الباحث محنة خلق القرآن أنموذجا دالاّ على انتصار النزعة السّنيّة كاشفا عن المسكوت عنه في هذه المحنة، فاعتراضات أهل الحديث على سياسة الخليفة العبّاسي المأمون عائدة بالأساس إلى الخوف من فقدان "مكانتهم لدى أصحاب النفوذ السياسي" ص 31، فالمأمون بتبنّيه القول بخلق القرآن سعى إلى وضع أسس نظام سياسي لا يرتبط فيه الفعل السياسي بالإرادة الإلهية إلى جانب سعيه إلى المساواة بين أهل الحديث وأهل الرأي وتقريبه للشيعة. كل تلك القرارات مثّلت خطرا حقيقيا على نفود أهل الحديث، وهو بذلك يعتبر الموقفَ الذي اتخذوه (أهل الحديث) موقفا سياسيا صرفا، فإذا بالمحنة صراع سياسي لا دخل فيه للدين، وإنْ تمّ إضفاء طابع ديني عليه من قِبَل أهل الحديث.

اشتغل الباحث في الفصل الأول على قضايا التسمية والمرجع وتاريخ نشأة أهل السّنة والجماعة، ليخلص إلى أنّ منتصف القرن الخامس من الهجرة (انسحاب البويهيين الشيعة من بغداد ودخول السلاجقة إليها سنة 447 هـ) يمثّل زمان الانتصار النهائي لأهل السنة والجماعة على خصومهم من الفرق الإسلامية (الشيعة، المعتزلة، ...)، وذلك بفضل الدعم الذي وجدوه من السلاجقة.

ولم يخف الباحث دور السياسة في تشكيل مواقف الجماعة، وقد بان ذلك جليّا أثناء الحفر في الأبعاد التاريخية للمسألة؛ فالنظرة التاريخية ساعدت على وضع البحث في سياقاته الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية التي تشكّل فيها "الإسلام السّني" وتطوّر وانغلق، لينتقل بعد ذلك إلى دراسة مرتكزات الإسلام السّنّي (الحديث، السُّنّة، الإجماع، السُّنّة التأويلية)، وذلك في الفصل الثاني الذي بيّن من خلاله مباحث الدور الذي نهضت به العوامل المعرفية والسياسية في بناء الإسلام السّنّي.

وقد قدّر الباحث أنّ للمسألة عوامل عديدة أهمها الانتقال من حيز التدوين العفوي إلى التدوين المعقلن (النظر في محتوى الإيمان، ...) وتشكّل مفهوم الفرقة، وذلك بعد أحداث الفتنة (35 هـ) إلى جانب حاجة السلطة السياسية إلى مشروعية دينية تبرّر بها ممارساتها، وهي عوامل ساهمت في تأسيس قواعد الفكر السّنّي الّذي تجلّى في مظاهر عديدة منها الاعتماد على الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمّد، وقد بيّن الباحث في ما يتصل بهذه المسألة ما ينطوي عليه الاستناد إلى تلك الأحاديث من مفارقات أهمها "عدم اكتراث علماء الحديث السُّنّيين بأهمية الفارق الزمني بين تلفّظ الرسول بالأقوال المنسوبة إليه - على افتراض أنّه تلفّظ بها فعلا – وتدوينها في آخر القرن الأوّل وبداية القرن الثاني" ص 53، فالفكر السّني أخذ بالأحاديث المنسوبة إلى النبيّ دون أنْ يعي بدور الفاصل الزمني بين التلفظ بها وتدوينها، ودون الوعي بدور التناقل الشفوي لتلك الأحاديث في إعادة صياغتها والإضافة إليها وتغيير بعضها والإبقاء على بعضها الآخر. ولعل الفكر السّني كان على وعي ببعض تلك المفارقات التي عمل على تجاوزها من خلال القول بوجوب "الثقة في رواة الأحاديث وبعدالتهم"، وهو ما أدّى إلى ظهور النزعة التمجيدية للسلف من جهة، ومن جهة أخرى أدّى ذلك إلى اعتبار الأحاديث المنسوبة إلى الرسول سلطة دينية يجب العمل بما فيها من أقوال والعمل بما تضمّنته من أعمال.

إنّ الاستناد إلى الأحاديث النبوية بعد تدوينها في مجاميع جعل من الفكر السّني فكرا منغلقا على مسلماته المتمثّلة أساسا في "وجوب العمل بأقوال الرسول" ص 55 التي شملت جوانب عديدة (الأحكام الفقهية، ....)، وهو أمر قاد في نهاية المطاف إلى بناء "مفهوم الدين المؤسسيّ الذي لا يهتمّ بحرّية الفرد واستقلالية ضميره" (التشديد منّا) ص 113 بقدر ما جعلته (الفرد) مطالبا بالامتثال للمنظومة الفقهية التي قامت على أسس نظرية وعملية غير متجانسة، وهو ما تجلّى في الحمل على الاعتقاد بأنّ المشرّع هو الله لا الفقهاء من جهة، وباختلاق الأحاديث النبويّة وتأويل آي القرآن الكريم بما يوافق رؤية الفقيه من جهة أخرى.

لقد وقف الباحث في ثنايا هذا الفصل على أهم آليات اشتغال الإسلام السُّنّي ومرتكزاته النظرية والعملية التي نسجت له خصائص ميّزته من غيره (الإسلام الشيعي، ...).، وهي خصائص خصّها الباحث بفصل كامل هو الفصل الأخير من الكتاب الذي عنونه بـ" خصائص الإسلام السُّنّي"، وفيه تناول جملة من خصائص الإسلام السُّنّي، وهي:

1: التمثّل والإسقاط

2: المثل الأعلى والتبرير

3: تسييج الاختلاف والتأويل

4: الوثوقية والدوغمائية

ففي ما يتعلق بالأولى، تتبع الأستاذ بسّام الجمل تجليات التمثّل والإسقاط بالنظر في تصوّر السنّة لتقبل الرسول محمّد للوحي وماهية المعجزات التي جرت على يده، فإذا بالفكر السني ينسج صورة لا تاريخية للنبي. أمّا خاصية "المثل الأعلى والتبرير"، فمن أهم مظاهرها أنّ الحديث عن الخلافة في الإسلام السّنّي ظل يراوح بين سلطة المثال وسلطة الواقع التاريخي من جهة، ومن جهة أخرى تطرق الباحث إلى صورة الصحابي المثال في الفكر السّنّي من خلال النظر في الصورة التي نسجها المتخيّل الإسلامي السّني لعمر بن الخطّاب الذي تحوّل في مدوّنات "أهل السّنة والجماعة" إلى مثال أعلى في المستوى السياسي والاجتماعي والأخلاقي والديني والمعرفي، وفي هذه المحاور بيّن الأستاذ بسّام الجمل أنّ الحديث عن المثل الأعلى والتبرير فيه دلالة واضحة على "إلغاء التاريخ تعلّقا بما ينبغي أن يكون وإمّا على تبرير وقائعه" ص 149

وفي المقابل، كان تسييج الاختلاف والتأويل في مستوى الفقه وفي مستوى القراءات وفي مستوى التأويل دالاّ على أنّ الفكر السّنّي قد تأثّر بالواقع التاريخي وظروفه الثقافية والاجتماعية، بما جعل من القرآن نصا غير قائم الدلالة بذاته، في حين تجلّت النزعة الوثوقية في مقالة الإلزام (في المستوى الفقهي وفي مستوى العقائد) وفي مقالة التقليد (نقل المعارف، الأخذ عن السلف، ...)، وهي مظاهر دالة على عجز علماء السّنة عن الإبداع والتحلّي بروح المبادرة، فإذا بالتكفير داخل المنظومة القديمة (السلف) يغدو أساس الإسلام السنّيّ الذي رأى - وما يزال- في كل تجديد أو مخالفة له بدعة وضلالة.


[1] الأستاذ بسّام الجمل هو أستاذ محاضر في اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس (جامعة صفاقس تونس)، وهو رئيس وَحدة البحث في المُتخيّل بالمؤسسة نفسها

متحصّل على شهادات عديدة من الجامعة التونسية:

- التبريز في اللغة العربية وآدابها

- الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها

- التأهيل الجامعي في اللغة العربية وآدابها

ومن أهم أعماله المنشورة نذكر كتاب "ليلة القدر في المتخيّل الإسلامي" وكتاب "من الرمز إلى الرمز الديني" بحث في المعنى والوظائف والمقاربات. و"كتاب أسباب النزول علما من علوم القرآن"