التأويل الفلسفي والديني لمفهوم "عدم العصمة"


فئة :  ترجمات

التأويل الفلسفي والديني لمفهوم "عدم العصمة"

 الملخص

هذا مقال في مفهومي "عدم العصمة" و"الشر". إنّ الشرّ بوصفه إشكالية، وعلى الرغم من أنّه يعطي لنفسه صبغة المتعالي والفوقي – المقدس، إلا أنّنا يجب أن نتساءل عن المكان الإنساني الذي ينبثق منه، وانطلاقًا من هذا التساؤل يحاول ريكور تطوير أنثروبولوجية فلسفية تتمركز أساساً حول مفهوم "عدم العصمة"؛ أي التكوين الهش للإنسان الذي يسمح بظهور الشر([1])، لذلك تلتقي هذه الأنثربولوجية الفلسفية مع رمزية الشر، التي ساهمت بشكل كبير في تقريب الخطاب الأسطوري من نظيره الفلسفي.

الإشكال الأساسي الذي يؤطر ويحيط بمفهوم "عدم العصمة" هو الطريقة التي يمكن الانتقال بها من مجال إمكانية الحرية إلى مجال الحرية النهائية، فالحرية الإنسانية، التي تأخذ طابعاً إنسانياً خالصاً، توجد داخل عالم يحمل بصمات الشر، ومقابل مفهوم الحرية يطرح سؤال معرفة الطريقة التي يمكن أن تجعل الإرادة أمرًا واقعيًّا، أي أنّ الإشكال ينصب هنا على كيفية الانتقال من البراءة إلى الخطأ.

إذا أرادت الفلسفة مقاربة الشر مقاربة تأملية فيجب أن تتعامل معه باعتباره واقعة fait وليس ماهية، essence وبعبارة جون غرايش التعامل معه باعتباره أمراً واقعاً «fait accompli» ([2])، يعتبر ريكور أنّ الفيلسوف يجب عليه الاعتراف بأنّ الخطأ يشكل عنصراً خارجيًّا عن تكوين الإنسان. لذلك، فإنّ الانتقال من البراءة إلى الخطأ لا يمكن أن يكون نقطة تأمل فلسفي فقط، بل يحتاج إلى مقاربة أسطورية تجعل من الشر واقعة للملاحظة، إنّها أسطورية واقعية، أي أنّها تنهل من المصادر الأسطورية التي قاربت مفهوم الخطأ الإنساني، لكنّها في الوقت نفسه قريبة من الواقع. يُطرح إشكال آخر يتعلق باختلاف لغة الأسطورة عن لغة الفلسفة، وهنا سيجد الفيلسوف صعوبة في قراءة واقعة الشر ومقاربتها من منظور فلسفي فقط، لهذا السبب يتطلب الأمر مقاربة هرمينوطيقية تخترق مجال اللغة الأسطورية لمقاربة واقعة الشر من منظور أسطوري وفلسفي في الوقت نفسه.

تظهر إمكانية الخطأ وعدم العصمة في الهشاشة العاطفية للإنسان، ومن ثمة يمكننا طرح الإشكال المؤطر لهذه الإمكانية ومضمونه: بأيّ معنى يمكن للهشاشة الإنسانية أن تكون قادرة على الخطأ؟ الجواب على هذا الإشكال يفترض الإحاطة بمفهوم الهشاشة الإنسانية.

تمنح الهشاشة الإنسانية الفرصة للشر للظهور، فيكون الإنسان هو الواقع الذي ينكشف فيه الشر. نحن هنا أمام مفهومين أو مقاربتين: إمكانية ظهور الشر وواقعية الشر، حيث تنعكس هذه المسافة بين الإمكانية والواقع داخل علاقة أنثربولوجيا عدم العصمة والأخلاق، تمنح الأولى إمكانية ظهور الشر، وتعارض الثانية حضور الشر بمفهوم "الخير"([3]).

تؤكد أنثروبولوجيا "عدم العصمة" على الحضور القوي للشر انطلاقًا من لغة الاعتراف، حيث يعترف الإنسان باقترافه للشر بإرادته واختياره الحر، هذا ما يؤكد تلك النقيضة الإنسانية التي تجمع بين الحرية والإرادة بمفهومها الكانطي، وبين إمكانية ارتكاب الشر بحرية وإرادة تامتين. لا يهدف ريكور إلى تأكيد أطروحة "أنّ الإنسان كائن شرير بطبعه"، بل يحاول أن يبين أنّنا مادمنا نستطيع الوعي بمفهوم "الخير" و"الطَّيِّب"، فإنّنا على وعي تام بمفهومي "الشر" و"الخبث"([4]). يتضمن مفهوم "عدم العصمة" إمكانية الشر من منظور إيجابي: يتميز الإنسان بعدم التناسب الذي يجعله قادرًا على ارتكاب الخطأ،، وهنا يظهر مفهوم "عدم العصمة" باعتباره الحافز الذي يجعلنا ننتقل إلى الخطأ والشر، "عدم العصمة هي شرط الشر، والشر هو الذي يكشف لنا عن محدودية الإنسان وعدم عصمته"([5]).

إنّ القول بأنّ الإنسان خطَّاء يعني أنّ المحدودية الخاصة بالكائن غير المتطابق وغير المتناسب مع نفسه هي النقطة الأصلية الضعيفة التي ينبثق منها الشر، فانطلاقًا منها يبرز الشر سلوكًا واعيًا – إراديًّا حرًّا يعبر عن نفسه ويُعترف به من طرف كائن يُقر مسبقاً بأنّه بريء، هذا الانتقال من البراءة إلى الخطأ هو الذي يجعل مفهوم "عدم العصمة" مفهومًا غامضًا([6]).

للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا


[1]- Ibid, p. 27, Aussi, A.Thomasset, Paul Ricœur, une poétique de la morale, aux fondements d’une éthique herméneutique et narrative dans une perspective chrétienne, Leuven university Press, BRUSSEL, 1996, p. 67

[2]- J.Greisch, Paul Ricoeur. L’itinérance du sens, éd, Jérome Million, 2001, Grenoble, p. 53

[3]- Ibid, p. 194

 يرى ريكور بأنّ المقاربة الأخلاقية محدودة في مقاربتها لمفهوم الشر، فهي تعادل بين الشر والخير، وأنّ الإنسان قادر على التمييز، وبالتالي الابتعاد عن الشر والاتجاه نحو الخير، انطلاقًا من تربية الإنسان، هذا هو الخطاب الفلسفي الأخلاقي من بارميندس الذي اصطحب الإنسان في رحلته خارج ثنائية النهار والليل، وهو نفسه الذي أخرجه أفلاطون من الكهف، عالم الظلال إلى عالم الحقيقة ثم هو نفسه الذي انتزعه ديكارت من الأحكام المسبقة والخطأ إلى الشك ثم إلى الحقيقة: إنّها فلسفة تعبر عن الإنسان الضال والضائع الذي نسي أصله.

[4]- Ibid, p. 197

[5]- Ibidem.

[6]- Ibid, p. 199