التعليم الرقمي في المغرب وسؤال الكفاءة


فئة :  مقالات

التعليم الرقمي في المغرب وسؤال الكفاءة

التعليم الرقمي في المغرب وسؤال الكفاءة

دة. فاطمة سحام[1]

ملخص

كيف أثرت الأزمة التاجية على نظامنا التعليمي؟

بسبب جائحة كوفيد 19 انقلبت الحياة الطبيعية للتعليم رأسا على عقب، إذ انتقل التعليم الحضوري إلى تعليم عن بعد، فشكل تحدّيا كبيرا للأساتذة والطلبة على السواء، نظرا للإشكالات والإكراهات التي يعاني منها القطاع. ومن أجل تحقيق تعليم رقمي جيد، لا بد من تظافر الجهود والقيام بكل الإجراءات اللازمة من تداريب وتقنيات ضرورية لإنجاحه.

فكيف خطط الجميع للدروس عبر الإنترنت؟

وكيف تم تحقيق التدريس مع وسائل الإعلام الرقمية؟

ما هي التحديات والاكراهات؟ وإلى أي مدى تم تحقيق الكفاءة في الدرس الرقمي؟

مقدمة

يعد النهوض بقطاع التربية والتعليم مفخرة كل أمة وبلد؛ فالمغرب كسائر دول العالم يسعى إلى تحسين هذا القطاع والرفع من جودته من خلال مشاريع وإصلاحات يود من خلالها الرقي بمنظومته التربوية ومسايرتها التقدم العلمي والتكنولوجي، وحل مشاكل سوق الشغل لذوي الشهادات الجامعية، حيث استجمعت لهذا الغرض كل الموارد البشرية والمالية واللوجيستيكية لإنجاح منظومة التعليم، رغم كل عراقيل الجهل والأمية والهدر وضعف الميزانية. فبات من أولوياته - خاصة التعليم العالي- تكوين كفاءات وأطر في جميع الميادين المعرفية والتخصصات، تشجيع البحث العلمي والمشاركة في جل التظاهرات العلمية والتقنية داخل البلاد وخارجها من خلال الانفتاح على ما جد من العلوم والتقنيات عن طريق البحث المستمر والابتكار وصقل المهارات. لهذا، قام المغرب بسلسلة من الإصلاحات آخرها البرنامج الإصلاحي 2015-2030 الذي يعرف تعثرات من قبيل الاكتظاظ ونقص في الموارد والتجهيزات وسوء التخطيط، أسوأها تدني المستوى المعرفي لدى الطلاب خاصة مشكل اللغات الأجنبية، والتي أصبحت مفتاح ولوج سوق الشغل إلى جانب الشواهد المتحصل عليها.

على الرغم من كل هذه المشاكل، تحاول الوزارة الوصية إيجاد حلول لها، لكن جائحة كوفيد 19 شلت جميع الميادين والمجالات، وعانى منها أيضا قطاع التعليم بجميع أسلاكه، حيث إن الانتقال من الدروس الحضورية إلى دروس افتراضية دون سابق إنذار ودون أي استعداد أو تدريب وتكوين سابق، قد أسقط المنظومة التربوية والتعليمية إلى القاع، وجعلها تتخبط تخبطا عشوائيا وتبحث عن حلول ترقيعية من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه بسبب النقص الحاد في التجهيزات الأساسية من معدات وتقنيات في وقت يزخر فيه العالم بزخم تقني ومعلوماتي كان من المفروض ألا نعيش هذا الفقر التقني أو نعاني من الأمية المعلوماتية.

فما هي تداعيات الأزمة على التعليم في بلادنا؟ وكيف تم التخطيط للانتقال من الفصول الحضورية إلى الفصول الافتراضية؟ وكيف تم تطوير الكفاءة المهنية والمهارات من أجل إنجاح التعليم الرقمي؟

مفهوم التعليم الرقمي

ما أن تفشت جائحة كوفيد 19 في البلاد، حتى سارعت الحكومة إلى فرض الحجر الصحي وتعليق الرحلات وإلغاء التجمعات والسماح فقط لذوي الرخص الاستثنائية بالتنقل ومباشرة أعمالهم. وكان من بين الإجراءات المتخذة أيضا تعليق الدراسة الحضورية بجميع مستوياتها وأسلاكها، وتعويضها بالدراسة عن بعد. لكن السؤال المطروح هو كيف حصل ذلك بين عشية وضحاها؟

حقا أن وزارة التربية قد شرعت منذ سنوات في تمكين المتعلمين من الكفايات المعلوماتية من خلال برمجة دروسها، بدءا من التعليم الابتدائي إلى التعليم الجامعي، حتى يتسنى للجميع التمكن من الاشتغال على أجهزة الحاسوب ومعرفة كل ما يمت له بصلة؛ وأيضا من خلال عرض برامج تربوية وتعليمية على قنواتها التلفزية، فغذا التعليم عن بعد مطلبا لما جاءت به المقاربة بالكفايات خاصة الكفاية التكنولوجية. لكن الوضع مختلف الآن؛ فعلى الجميع أن يتابع دروسه عن بعد، لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ وما هو التعليم عن بعد أو التعليم الرقمي؟

التعليم الرقمي هو تعليم يختلف تماما عن الدرس التقليدي الحضوري داخل قسم بمؤسسة تعليمية باختلاف الزمان وتعدد الأمكنة، وربما الظروف والقدرات؛ إذ يتم بواسطة وسائل إلكترونية مثل الحاسوب أو الهواتف الذكية أو الألواح الإلكترونية وما شابهها عبر شبكات الإنترنيت والمؤتمرات الشبكية والأشرطة السمعية البصرية والإذاعة والقنوات التلفزية، يتفاعل عن طريقها شخص بشكل فردي أو مجموعة من الأفراد مع محتوى تعليمي يحدد من طرف الأستاذ أو المشرفين على ذلك، سواء كان درسا أو ندوة أو تكوينا.

اعتمدت الوزارة من أجل ذلك وسائل متعددة منها البوابة الإلكترونية Tilmid TICE، تقوم هذه البوابة بتقديم المواد الدراسية حسب الأسلاك والمستويات التعليمية. كما أن هناك قنوات تلفزية خاصة ببث البرامج المدرسية وتقديم حصص الدعم والمراجعة، وكذا التحضير للامتحانات الإشهادية في مختلف مسالك التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي. إضافة لذلك أطلقت الوزارة الخدمة التشاركية Teams المدمجة في منظومة مسار Taalim.ma من أجل التواصل المباشر بين الأساتذة والتلاميذ عبر أقسام افتراضية لمتابعة الدروس والإجابة عن كل الاستفسارات. أما بالنسبة إلى التعليم الجامعي، فقد خصصت كل جامعة منصة إلكترونية رهن إشارة الأساتذة والطلبة من أجل تحميل الدروس والمحاضرات والتواصل معهم أيضا والإجابة عن تساؤلاتهم بشكل مباشر عن طريق الفيديو أو الكاميرا أو غير مباشر عن طريق البريد الإلكتروني. كما نظمت دورات تكونية عن بعد لفائدة هيئة التدريس من أجل اطلاعهم على كيفية الدخول والتسجيل بالمنصات الإلكترونية وكيفية إنزال الدروس وحفظها وطريقة التعامل مع المنصة من أجل تواصل مرن مع طلابهم.

مميزات وأهداف التعليم الرقمي

من مميزات التعليم الرقمي سد الخصاص في الحصول على المعلومات بأقصى سرعة وأقل جهد متحديا بذلك عائق الزمان والمكان، مع إمكانية الاحتفاظ بها والرجوع إليها في أي وقت، ومشاركتها والتفاعل معها من خلال المناقشة والحوار ضمن الفصول أو الندوات الافتراضية الشيء الذي يشجع المشاركة، ويساعد على التركيز ويدعم أيضا التواصل والتفاعل بين طرفي العملية التعليمية التعلمية. هذا من شأنه أن ينمي قدرات الطلبة والمتعلمين ويكسبهم مهارات ويزيد من كفاءتهم ويحفزهم على الإبداع والابتكار باستخدام تكنولوجيا رقمية حديثة كما يحفزهم على تطوير قدراتهم عن طريق التعلم الذاتي؛ غير أن الوصول إلى تلك الأهداف يتطلب معرفة جيدة وتكوينا مسبقا باستخدام هاته التكنولوجيا عبر الوسائل المعتمدة، مثل الشبكات أو الخدمات التشاركية والحواسب أو الهواتف الذكية والمنصات المدرسية أو الجامعية؛ إذ بدونها وبدون توفير بيئة تعليمية سليمة وظروف ملائمة يستحيل تحقيق أي هدف إيجابي من التعليم الرقمي. وعليه، فإن التعليم الرقمي يعتبر الوسيلة الوحيدة التي تتم من خلالها مواصلة التعلم في ظل هذه الظروف ويبقى دور الأستاذ مهما جدا وأساسيا في مواكبة الطلاب وإرشادهم وتنمية قدراتهم والإشراف عليهم إضافة إلى الإجابة عن تساؤلاتهم وتدخلاتهم.

غير أن هذا النوع من التعليم يتطلب استراتيجيات ومصادر يجب تفعيلها والتركيز عليها، بغية الوصول وتحقيق أهداف التعلم الرقمي في عز أزمة كوفيد 19 ومن بين هذه الاستراتيجيات: استراتيجية الأنشطة الذاتية، حيث يساعد ذلك المتعلم أو الطالب على تطوير قدراته بفضل ما أتاحته التكنولوجيا من أدوات وتطبيقات كما يسهل على مرتديها استعمالها والتواصل عن طريقها مع مختلف البيئات التعليمية، حيث تم تجاوز الكثير من العقبات ولم يعد من الضروري التنقل من أجل التعليم؛ إذ أصبحت أكبر الجامعات تتيح فرصة التعليم عن بعد. يضاف إلى ذلك القنوات التعليمية، سواء التلفزية أو اليوتيوب؛ إذ بإمكان المتعلم تخزينها والرجوع إليها كلما دعت الضرورة لذلك. ويعتبر الفصل الافتراضي أفضلها لما يتيحه من تواصل ثلاثي الأبعاد، حيث يلتقي الأستاذ والطالب والمنهج معا في درس افتراضي يتم فيه التواصل والتفاعل معا من خلال تقديم الأستاذ وشرح ما استعصى فهمه وطرح للأسئلة والإجابة عنها وتقديم التغذية الراجعة، والتي بفضلها يدرك الأستاذ مدى فهم الطلاب واستيعابهم للدرس.

معيقات التعليم الرقمي

على الرغم من المزايا والأهداف التي يطمح التعليم الرقمي إلى تحقيقها، إلا أن هناك بعض التعثرات التي تعيق تحقيقه مثل قلة الحواسيب، وبطء صبيب الإنترنيت أو انقطاعه المتواصل وارتفاع تكلفته بالنسبة إلى الأسر المعوزة ناهيك عن القرى والمناطق النائية التي يعاني معظم سكانها الفقر والهشاشة ويفتقرون إلى أبسط سبل العيش الكريم، فمن أين لهم الحصول على الحواسب أو الهواتف الذكية أو حتى الأنترنيت. كما أن الأشخاص الذين لا يجيدون استعمال الأجهزة الإلكترونية لا يستطيعون مسايرة التعليم الرقمي، وليس كل أستاذ متحمس للانتقال من الدرس التقليدي الحضوري إلى الدرس الرقمي الافتراضي. زد على ذلك تكلفة الربط بالشبكات الإلكترونية وتجهيز قاعات خاصة للتعليم الرقمي والافتراضي ليست متاحة لجميع المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى نقص أو انعدام تكوين المدرسين والأساتذة في هذا المجال. ولأن الدرس الافتراضي يتطلب مزيدا من التحضير والتنظيم والتأطير القبلي، إضافة إلى بعض المواد العلمية التي تعتمد على التجربة والحضور، والتي يستحيل تقديمها افتراضيا. وفيما يخص تدريس اللغات الأجنبية فقد لوحظ نقص في الأداء اللغوي بسبب قلة الممارسة، كما أن حصتي الاستماع والقراءة أصبح من الصعب تحقيقهما في الدرس الافتراضي وباتت على عاتق المتعلم، بالإضافة إلى ضعف حافز تعلم اللغات الأجنبية إلا من طرف من يولون الأمر أهمية قصوى.

لقد نادت الوزارة بمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص لجميع الطلاب، لكن ذلك غير متاح لجميعهم، زد على ذلك غياب التفاعل بين الأساتذة والطلاب، حيث تعود المتعلمون على نمط تعليم تقليدي حضوري، كما أن منهجية تقديم الدروس تختلف على غرار التي تعودوا عليها في الفصول الدراسية الحضورية؛ بالإضافة إلى الأضرار الصحية الناتجة عن الاستعمال المتواصل للوسائل الإلكترونية واختراق بعض الوصلات الإشهارية أو الفيديوهات المخلة بالحياء أثناء استعمال المتعلمين لمواقع التواصل الاجتماعي؛ والأهم من ذلك هو جدية الأمر والظرفية المرضية التي يمر بها العالم بأسره، إذ لم يتم استيعاب التعليم عن بعد واعتباره نمطا من أنماط التعليم التي يجب أن تعطاه أهمية أكثر من ذي قبل من طرف بعض الأشخاص، والدليل على ذلك هو استهتارهم ونشر تعاليقهم على مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا أثناء بث الأساتذة للدروس. كما أن برمجة المواد الدراسية وبثها عبر القنوات التلفزية لم تلق استحسانا خاصة من طرف الأسر المعوزة، إذ يتعذر على أطفالها متابعة دروسهم كل على حدة وفي نفس الوقت، ولاسيما أنهم لا يمتلكون سوى تلفاز واحد.[2]

أثر التعليم الرقمي على سير الحياة والعمل، حيث تغير الوضع بسبب الوباء فكان من تداعياته قلة الحركة والممارسة، حيث إن أوقات الجلوس الطويلة أمام شاشة الحاسوب أو التلفاز أثرت جسديا على صحة المواطنين، كما أن الاضطرابات والضوضاء في مكان العمل أو التعلم من طرف أحد أفراد الأسرة أو زملاء السكن أو الجيران تحول أحيانا دون إتمام العمل أو الدرس في أحسن الظروف، بالإضافة إلى اكتظاظ برنامج التدريس، زد على ذلك قلة أو انعدام تقديم النصائح للطلبة بشأن الخدمات الجامعية أو المدرسية وقلة التركيز بالنسبة إلى البعض والأهم من ذلك هو ضعف الصبيب والأمية الرقمية.

يأمل كل من الأساتذة والطلبة إلى الاتصال والتواصل الشخصي مع زملائهم، والدردشة مع بعضهم البعض خلال فترات الاستراحة، كما يفتقدون الحديث حول مشاكل طلابهم ومناقشة بعض الأمور الإدارية والتعليمية وتحليلها، وبالتالي إيجاد أو اقتراح حلول لها بالإضافة إلى اللقاءات أثناء المهرجانات والاحتفالات داخل المؤسسة.

التعليم الرقمي والكفاءة المهنية

اكتسحت التكنولوجيا جميع الميادين وأحدثت بها قفزة كبيرة، إذ أصبح من المستحيل الاستغناء عنها، وأدمن عليها الجميع الصغير والكبير من خلال اقتناء معداتها من كمبيوترات وألواح إلكترونية وهواتف ذكية؛ لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى سكان المناطق النائية والأسر الفقيرة والمعوزة، إذ ما يعتبر البعض اقتناءه بديهيا هو بالنسبة إلى الآخر بعيد المنال، أو ربما مستحيلا بسبب الظروف والفوارق المادية والاجتماعية والمهارات المعرفية.

من بين شروط إنجاح التعليم الرقمي كما أشرنا سابقا، هو ضرورة استعمال تكنولوجيا حديثة من وسائل ومعدات، ثم تنظيم عملية التدريس والتعليم من خلال الاعداد والتخطيط والتنفيذ وتوفير المادة والمحتوى. هذا التنظيم بصفته تنظيما ذاتيا يتطلب كفاءة تقنية عالية من طرف الأستاذ والطالب على السواء، لما فيه من التزام بالمواعيد وتجانس وتفاعل مع الأشخاص الذين سيتم الاشتغال معهم، كل ذلك من أجل إنجاح العملية التعليمية التعلمية. نحن نسعى إلى تعليم جيد رغم ظروف أزمة كوفيد 19، حيث انتقل التعليم من تلقين مضامين إلى مقاربة بالكفايات خاصة الكفاية التكنولوجية الإلكترونية التي دعا إليها الميثاق الوطني ضمن الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 لما كان الهدف منها هو الانفتاح على عالم التكنولوجيا وتوظيف المعلوميات وإكساب المتعلم أو الطالب مهارات ومعارف تساعده فيما بعد الولوج إلى سوق الشغل. هذا الانفتاح على التكنولوجيا يؤهل كلا من الأستاذ والطالب تطوير كفاياتهما ومواجهة التحديات الرقمية من خلال الاطلاع والتخطيط وتطوير سيناريوهات التعليم الرقمي.

الكفاءة الرقمية

الكفاءة حسب Weinert هي تلك "القدرات المعرفية والمهارات المتاحة التي يمكن للأفراد أو من خلالها أن يتعلموها من أجل حل بعض المشاكل، وبالتالي ما يرتبط بها من استعداد ومهارات تحفيزية وإرادية واجتماعية، لتكون قادرة على حل المشاكل في المواقف المتغيرة" (Weinert 2001, p. 27-28).

"bei Individuen verfügbaren oder durch sie erlernbaren kognitiven Fähigkeiten und Fertigkeiten, um bestimmte Probleme zu lösen, sowie die damit verbundenen motivationalen, volitionalen und sozialen Bereitschaften und Fähigkeiten um die Problemlösungen in variablen Situationen erfolgreich und verantwortungsvoll nutzen zu können". (Weinert, 2001, S. 27f.)

وهي أيضا كل "التصرفات في الأداء المعرفي الخاصة بالسياق التي تشير وظيفيا إلى حالات ومتطلبات في مجالات معينة". (Klieme & Leutner 2006, S. 879):

"Kontextspezifische kognitive Leistungsdispositionen, die sich funktional auf Situationen und Anforderungen in bestimmten Domänen beziehen". (Klieme & Leutner 2006, S. 879).

لا تقل أهمية المهارات الرقمية اليوم عن تعلم القراءة والكتابة والحساب، وينبغي أن تكون مألوفة لدى الجميع، فجميع مجالات الحياة تتطلب الآن الحد الأدنى من وجود هذه المهارات؛ لأنها تضمن للجميع الفرصة، ليكون منتجا وخلاقا بنجاح في عصر العملية الرقمية المستمرة. تختلف المهارات الرقمية اليوم عن المهارات التي كانت لدينا من ذي قبل نتيجة التطور السريع للتكنولوجيا والاتصالات. يمكن للكفاءات أن تتطور في تداخل فيما بينها من أجل تقييم مستوى تعلم الطلاب وتطوير قدراتهم من الناحية التقنية؛ فالكفاءة المنهجية الديداكتيكية فعالة، إذا تم ربطها بالمعرفة التقنية وباحترافية أكثر بشكل مثير للاهتمام. لا ينبغي السماح للمهنية بأن تتلاشى إلى الخلف على حد تعبير الباحث التربوي Andreas Helmke: "بدون مبالغة، فإن الصحة المهنية لا تعني كل شيء، لكن بدونها وبدون الدقة فلا أهمية لأي شيء".

Überspitzt ausgedrückt: Fachliche Korrektheit ist zwar nicht alles, aber ohne fachliche Richtigkeit und Genauigkeit ist alles andere nichts.[3]

إن التحدي الذي يعرفه العالم أجمع هو التساؤل المطروح حول ماهية المعرفة التي أصبحت غاية في حد ذاتها وليست مجرد وسيلة لتسليط الضوء على التحديات والتغيرات الجديدة في دور المعلم والمتعلم، حتى تتمكن العملية التعليمية التعلمية من الاستجابة لهذه التغيرات والاستفادة من العولمة ومطالب المجتمع الرقمي.

ولتحقيق ذلك، يجب على النظام التعليمي مراجعة المناهج الدراسية والدورات التكوينية والموارد البشرية وطرائق التقويم والبنية التحتية كما تنص الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015-2030) على ضرورة المشاركة الفعالة في الاقتصاد القائم على المعرفة والحاجة إليه من خلال أربعة مداخل:[4]

1. تكنولوجيا المعلومات والاتصالات،

2. تنويع لغات التدريس،

3. النهوض بالبحث العلمي والتقني والابتكار،

4. التميز الأكاديمي والتعليمي.

إن إدماج التكنولوجيا والرقمية شرط أساسي لتطوير النظام التعليمي وتعزيزه وتطويره. ومع ذلك، فإن الواقع يبين عددا من العقبات والتحديات التي يتعين التغلب عليها نذكر منها:

أ. المحتوى الرقمي التعليمي الجامعي

لا يزال إنتاج المحتوى الرقمي الوطني متواضعا، ولا يرقى إلى المستوى المطلوب، بالرغم من استيراد معظمه، ويعرض نفسه لمشكلة محتوى الخصوصية الوطنية. صحيح أن هناك بعض المحاولات على هذا المستوى، مثل:[5]

- إنشاء حرم جامعي افتراضي مصمم لمشاركة الشبكات الرقمية، وتزويد الطلاب بكل الخدمات الرقمية ومكتبة للدروس والوثائق.

- اعتمدت بعض الجامعات المغربية أيضا برامج للتعلم عن بعد من خلال بعض التطبيقات، مثل تطبيق MOOC، (Massive Open Online Courses)، وهو درس جماعي مفتوح لجميع الطلبة يستند إلى برامج الكترونية على الإنترنت مع إمكانية تفعيل دورات تدريبية.

- كما أن إنشاء مختبرات تكنولوجيا المعلومات للعديد من الموارد الرقمية، هو أحد التدابير المتخذة لإنشاء آليات من أجل تحسين التعلم.[6]

- وقد تم مؤخرا تدشين أول استوديو لإنتاج مضامين بيداغوجية رقمية بالجامعات العمومية في إطار شراكة موقعة بتاريخ 19 يونيو 2020 بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات ومؤسسة المجمع الشريف للفوسفاط من أجل تشجيع رقمنة التعليم عن بعد، وإنتاج مضامين بيداغوجية رقمية ومركز وطني للرقمنة والتعليم عن بعد.[7]

وعلى الرغم من كل هذه المحاولات لا يزال إنتاج المحتوى الرقمي منخفضا جدا ويفتقر إلى التقييم، وفي الوقت نفسه غير كاف للتوقعات التعليمية. يجب على الوزارة تعزيز إنشاء المحتوى الرقمي الحديث، ودعم الطلاب بمساعدة أساتذتهم لهم وتشجيعهم على العمل بشكل خلاق ومبتكر.

ب- العوائق والتحديات

يواجه دمج وسائل الإعلام الرقمية عددا من العقبات تتجلى في:

1- صعوبة تجهيز جميع الطلاب بأجهزة الكمبيوتر أو الألواح الرقمية.

2- 81٪ من سكان البلدان المتقدمة يستخدمون الإنترنت و15٪ فقط في البلدان الأقل نموا. يظهر تقرير الأمم المتحدة لعام 2017 حالة الأطفال والمراهقين أن 3 من كل 5 أطفال في أفريقيا تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما لا يستفيدون من الإنترنت مقابل 1 من بين كل 25 في أوروبا[8]، كما أن توفير صبيب الإنترنت في المدارس والجامعات مكلف جدا بالنسبة للدول النامية.

3- التطور المستمر والسريع لأجهزة الكمبيوتر حتى أن امتلاك برمجيات جديدة لجميع أنواع الأجهزة غير ممكن، واقتناء أجهزة جديدة مكلف ماديا.

ج- التدريب والتكوين

يشكل تدريب الموارد البشرية أحد العقبات والتحديات التي يعاني منها النظام التعليمي، ولا سيما في النهج المتبع لتدريب المتخصصين المؤهلين في مجال التعليم الرقمي. وفي هذا السياق، على الوزارة أن تقوم بتوفير عدد كاف من المكونين في هذا المجال من أجل تدريب أعضاء هيئة التدريس وجميع العاملين في قطاع التعليم، بمن فيهم الأساتذة ورؤساء المؤسسات التعليمية باستخدام التقنيات الحديثة ودمجها في البرامج التعليمية والتعلمية.

د- مهام الأستاذ

أثرت الثورة الرقمية على عمل الأساتذة، وألزمتهم بمواكبة هذه التغييرات وتغيير أدوارهم ومسؤولياتهم تجاه طلابهم، والتي كانت إلى ذلك الحين منحصرة في الطريقة التقليدية وعلى التلقين فقط. ومن المتوقع أن يتولى الأستاذ أدوارا جديدة تلبي متطلبات العصر الرقمي من قبيل مساعدة الطالب في البحث والتحقيق، الإشراف عليه وتوفير بيئة تربوية تدعم التدريس وتلبية اختيار واحتياجات الطالب. فالأستاذ يلعب الآن دور المرشد في الحصول على المعلومات[9]، ولكي تكتمل مهمته عليه أن يستوفي خمس متطلبات تعليمية:

  • يجب أن يطبق استراتيجيات تحفيزية في الفصول الافتراضية،
  • وينبغي له أن يقيم إنجازاته، وأن يعترف بالأخطاء،
  • وينبغي له أيضا أن ينظم دروسه بشكل جيد من خلال التخطيط الجيد للمناهج الدراسية،
  • وينبغي عليه أن يكون متجانسا في اختياره لأساليب وطرائق مختلفة أثناء الدرس،
  • من المفترض أن يبعد صفه عن كل الاضطرابات وكل تشويش يعرقل سير الدرس.

ذ- كفاءات الطلاب

يتطور التعلم بشكل فردي، ويختلف من متعلم إلى آخر، وكذلك من موضوع إلى آخر حسب الأداء والقدرات والمهارات اللغوية. فلكل متعلم أو طالب مهارات وكفاءات معينة، ينبغي عليه أن يكون قادرا على تعليم نفسه بنفسه، أن يتميز بالمرونة والتكيف مع أي وضع، أن يتعلم بشكل إبداعي ومبتكر، ويتواصل مع الآخرين بشكل جيد، وأن يتحلى بالمسؤولية ويعمل جاهدا من أجل تطوير مهاراته المهنية وكفاءاته من خلال التفكير النقدي والاطلاع الدائم على الإعلام والثقافة الرقمية وحسن استخدامها والعمل بها، كما ينبغي عليه التمكن من تحليل المعلومات المتوصل إليها ومناقشتها مع زملائه وأساتذته الشيء الذي سيساعده على حسن أدائه ويساهم في تكوين شخصيته.

خاتمة وتوصيات

بفضل الثورة الرقمية يشهد العالم باستمرار تغيرات مختلفة في جميع المجالات. وقد أدى هذا التطور إلى ظهور أنماط جديدة من التعليم. لم تعد المدارس والجامعات اليوم كما كانت من ذي قبل، وتغيرت أيضا مناهج الأساتذة في التدريس وطريقة استيعاب الطلاب لها، حيث أبانت العديد من المحاولات فعالية هذا النوع من التعليم. لذا، بات من مهام الدولة أو الوزارة الوصية أن تقوم ب:

  • إصلاح نظام التعليم من خلال فحص جودة الكفاءات التقنية والعمل على إدماجها في جل المرافق التعليمية،
  • توفير الآليات والأجهزة للأساتذة والطلبة على السواء وتقنية استعمالها،
  • تكييف المناهج الدراسية والتدريب المؤهل الذي يحفز اساتذة وطلابا على العمل والبحث من أجل تطوير المحتوى الرقمي والتربوي التقني،
  • تعليم وتدريب مكثف للفرق المتخصصة لخلق محتوى تعليمي جديد وجيد يتكيف مع كل مرحلة جديدة،
  • كما يجب أن ينظر إلى تكافؤ الفرص بين المناطق الريفية والحضرية في إدماج التكنولوجيات الجديدة.

لكن السؤال المطروح هو هل بإمكان التكنولوجيا الحديثة أن توفر تكافؤ فرص التعليم للكل في ظل التحديات التي يعيشها قطاع التربية والتعليم؟

 

لائحة المصادر والمراجع باللغة العربية

بدارنة، عبد الله: دور التعليم الرقمي في مواجهة الأزمات والتحديات الراهنة. في المؤتمر الإلكتروني الدولي: التعليم الافتراضي وجودة الحياة في التنمية المستدامة. من تنظيم الاتحاد الدولي للتنمية المستدامة. 29-30 مايو 2020. سفير برس القاهرة. Safirpress.net 10-06-2020

تقرير منظمة اليونيسيف: حالة أطفال العالم لعام 2017. في:

www.aljazeera.net 13 mars 2018

الدليل البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم 2012 http://www.taalimtice.ma

الرحيوي، عبد الكريم: التربية الرقمية وتأهيل التعليم. مجلة علوم التربية. 2013. العدد 57. المغرب.

الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2030-2015)، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المغرب. في: https://www.csefrs.ma Vision_VF_Ar.pdf

لحويدك، رجاء: التعليم الرقمي بالمدرسة المغربية: واقع وتحديات. في: مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية. جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء. العدد 70. ص. 165

مرجي، إسماعيل: التجربة المغربية في التعليم عن بعد. منار الإسلام. في: https://www.islamanar.com 4 aout 2020

منصة 18 www.men-gov.ma يوليوز 2021.

*-لائحة المصادر والمراجع باللغة الألمانية

Klieme, E., Leutner, D. (2006). Kompetenzmodelle zur Erfassung individueller Lernergebnisse und zur Bilanzierung von Bildungsprozessen. Beschreibung eines neu eingerichteten Schwerpunktprogramms der DFG Zeitschrift für Pädagogik 52 (2006) 6, S. 876-903.

Weinert, F. E. (2001). Concept of Competence: A Conceptual Clarification. In D. S. Rychen, & L. H. Salganik (Eds.), Defining and Selecting Key Competencies (pp. 45-65).

König, J. (2014). Forschung zum Erwerb von pädagogischem Wissen angehender Lehrkräfte in der Lehrerausbildung. In Terhart, E., Bennewitz, H. & Rothland, M. (Hrsg.), Handbuch der Forschung zum Lehrerberuf (S. 615-641, 2. überarb. und erw. Auflage). Münster: Waxmann.

[1] - باحثة مغربية - جامعة القاضي عياض مراكش.

 

[2] إسماعيل مرجي: التجربة المغربية في التعليم عن بعد. منار الإسلام. في: https://www.islamanar.com 4 aout 2020.

[3] Helmke, A. In: Ebel, C. (2010). Welche Einstellungen und Kompetenzen braucht es für individuelle Förderung? Zentrum für digitale Bildung und Schule im Kreis Gütersloh gGmbH. In: https://schule21.blog 2010/05/06.

[4] الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2030-2015)، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المغرب. في: https://www.csefrs.ma Vision_VF_Ar.pdf

[5] رجاء لحويدك: التعليم الرقمي بالمدرسة المغربية: واقع وتحديات. في: مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 70. ص. 165

[6] الدليل البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم 2012. http://www.taalimtice.ma

[7] منصة 18 www.men-gov.ma يوليوز 2021

[8] تقرير منظمة اليونيسيف: حالة أطفال العالم لعام 2017. في: www.aljazeera.net 13 mars 2018 في: رجاء لحويدك: التعليم الرقمي بالمدرسة المغربية: واقع وتحديات. في: مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 70. ص. 165

[9] عبد الكريم الرحيوي 2013: التربية الرقمية وتأهيل التعليم. مجلة علوم التربية. العدد 57. المغرب. ص. 47