الحرب في الثقافة العربيّة الإسلاميّة: رحلة المصطلح العسكريّ من اللغة العربيّة وإليها


فئة :  أبحاث عامة

الحرب في الثقافة العربيّة الإسلاميّة:  رحلة المصطلح العسكريّ من اللغة العربيّة وإليها

ملخّص:

يلفت الانتباه عند دراسة المصطلح العسكريّ في اللغة العربيّة تواتر ألفاظ كثيرة تعود إلى أصول غير عربيّة؛ إلاّ أنّ شيوعها منذ فترة طويلة حجب السؤال عن جذورها إلى حدّ جعل الكثيرين يخلطون بين الأصيل والدخيل في مجال الاصطلاح العسكريّ. ومع أنّ مسألة الاستعارة اللغويّة ليست حدثا طارئا في تاريخ اللغة، فإنّ حدوث هذا التواصل الاصطلاحيّ، ولا سيّما في الحقل الحربّي، يُعَدّ أمرا ذا خصوصية لأنّه ينشأ من رحم الصدام المسلّح، حيث تتعطّل كل آليّات التحاور والتواصل بين الشعوب والثقافات.

لقد شهدت الثقافة العربيّة الإسلاميّة انفتاحا واسعا على الثقافات المجاورة والنائية، وهو انفتاح ارتسم في أشكال متنوّعة كالتعامل التجاريّ وتبادل المنافع في شتّى مجالات الحياة، غير أنّ أداته الأولى كانت هي اللغة التي تحمّلت عبء نقل مفردات الحضارة، مثلما اضطلعت بمسؤوليّة نقل مفردات الصراع.

إنّ المصطلح العسكريّ الساعي إلى التأصّل في بيئة جديدة - شأنه شأن المصطلح النباتيّ أو الكيميائيّ أو الطبّيّ أو غيره - ظلّ دائما في حاجة إلى قدر كبير من المرونة تسمح له بالتسلّل إلى ثنايا لغة جديدة والاستقرار فيها، والتحوّل بعد زمن إلى جزء من رصيدها المعجميّ؛ ذلك أنّ اللغة -أيّة لغة- تجنح إلى استجماع عناصر قوّتها كلّما جنحت اللغة المانحة إلى الاحتواء أو الهيمنة، وهو ما يؤدي إلى نشوء صراع خفيّ بين مصطلحات تنشد "الحلول" في أرض جديدة، ولغة تمانع أو تتمنّع حتّى يستجيب الوافد لشروطها الداخليّة.

ولقد كشف اهتمام اللغويّين العرب بقضايا المعرّب والدخيل والمولّد حرصهم على إبقاء الحدود قائمة بين ما هو سليل العربية، وما طرأ على معجمها؛ غير أنّ حرص اللغويّ على تنقية اللغة قابله حرص العالم على ترقية العلم، لأنّ هذا الأخير ينظر إلى اللغة، باعتبار أنّها وسيلة موظّفة لتدقيق المعرفة وضبط حدودها والجنوح بها في اتجاه يُسْر الاستخدام ومنع الالتباس. ومن هذه الزاوية، نشأت علاقة موضوعيّة بين العالم واللغة تنأى بالمصطلحات عن كلّ توظيف دينيّ أو إيديولوجيّ.

إنّ المصطلح العسكريّ الذي نتناوله في هذا العمل هو كلّ ما تعلّق مدلوله بمجال الحرب إعدادا وتخطيطا وتنظيما وتنفيذا، بقطع النظر عما طرأ على المصطلح الوافد إلى اللغة العربيّة من تحوّلات دلالية. ويبدو أنّ ما استعارته اللغة العربيّة من اللغات الأخرى كالفارسيّة والتركيّة واليونانيّة وغيرها يعود إلى ثلاثة عوامل: الأوّل هو وقوف العرب المسلمين على أدوات (منتجات/ آلات) حربيّة لم يكن لهم بها سابق عهد، والثاني هو منع الالتباس الذي قد يحصل بسبب تشابه آلتين/ أداتين (واحدة عربيّة وأخرى غير عربيّة)، والثالث هو استملاح العربيّ لألفاظ جديدة، رغم وجود مرادف عربيّ لها؛ إلا أنّ مجال استخدام المصطلحات المستعارة قد يضيق، وقد يتّسع وفق الحاجة إليها، وهو ما يدفع أحيانا إلى سكون مصطلحات وتحوّل دلالاتِ أخرى.

ولعل ما يلفت انتباه الدارس في علاقة اللغة العربيّة بالمصطلح الحربيّ ليس اتّساع دائرة ما استعارته العربية فقط، وإنّما ضيق مجال ما أقرضته العربيّة للّغات الأخرى قياسا إلى الرصيد المعجميّ الهائل الذي استفادت به هذه اللغات من العربيّة، وهو ما يقف شاهدا على أنّ الثقافة العربيّة بعيدة عمّا تُرمى به من نزوع إلى العنف والمواجهة والإلغاء.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا