الدين والجنس والسلطة: الفرنسيون في المغرب ما بين 1900و1914م Religion, Sexuality, Power: The French in Morocco 1900-1914


فئة :  ترجمات

الدين والجنس والسلطة:  الفرنسيون في المغرب ما بين 1900و1914م Religion, Sexuality, Power: The French in Morocco 1900-1914

الدين والجنس والسلطة: الفرنسيون في المغرب ما بين 1900و1914م

Religion, Sexuality, Power: The French in Morocco 1900-1914

 الملخص

تعالج هذه الدراسة إشكالية كبرى طبعت العلاقة المغربية الفرنسية بداية القرن العشرين، حيث تتحدث الدراسة كما هو مبين في العنوان من ثلاثة مفاهيم رئيسة، تعد طابوها أو في خانة "المسكوت عنه" في تاريخ المغرب، حيث عالجت الدراسة إشكالية الدين والجنس والسلطة بالمغرب؛ إذ اعتبرت الدراسة أن المغرب بشكل خاص ودول شمال إفريقيا بشكل عام، لا زالت تعاني من التخلف في هذا الثالوث، وأن الصراع الذي شهدته فرنسا سنة 1905 ما بين الكنيسة والدولة، يجب أن ينعكس بشكل إيجابي على مستوى الهوية الدينية والحياة الجنسية للمغاربة، وعلى وضعية المرأة المزرية، بينما في حقيقة الأمر كان الهدف من ذلك هو إعطاء الصبغة القانونية لتبرير الحماية الفرنسية، وبدعوى إخراج الشعب المغربي من هذه الوضعية المتخلفة "دينيا" واجتماعيا.

مقدمة

تقول الأستاذة المتخصصة في تاريخ فرنسا سارة مازا (Sarah Maza)[1]: "إن هويتنا ككائنات اجتماعية تتشكل من خلال الرسائل المستمرة التي نتلقاها حول من نرغب فيه ومن نكرهه"[2]. وهذا الكلام ينطبق بشكل كبير على علاقات فرنسا الاستعمارية مع المغرب، حيث شكلت التفاعلات بين القوة الاستعمارية والشعوب المستعمرة، وعكست هوية دينية فرنسية حضرية متقلبة خلال العقود الأولى المضطربة من القرن العشرين. من خلال دراسة كيفية تشكيل الصحافة الفرنسية والشخصيات العامة والمؤلفين الأدبيين لما تعنيه كلمة "مرغوب فيه" أو "ضار" للمجتمع الفرنسي، توضح هذه الدراسة أن الرغبة كانت مفهومًا مرنًا يعتمد بشكل كبير على العرق والانتماء العرقي وخاصة الهوية الدينية.

أصدرت الجمهورية الفرنسية الثالثة قانون الفصل بين الكنيسة والدولة في دجنبر 1905. وحل هذا القانون العلاقة المعقدة التي كانت قائمة بين الدولة الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية، وأنهى الدور العام للدين، حيث أعلن مؤيدو القانون أن الكنيسة الكاثوليكية تمثل "تهديدًا دائمًا للمستقبل، وبذرة لصراعات جديدة لا حصر لها"[3]، وأن الإدماج القسري للدين سيكون بالتأكيد "أداة سلام" قوية في جميع أنحاء البلاد[4]. في حين بدت المعتقدات الدينية - وخاصة الكاثوليكية - في تراجع بالعاصمة الفرنسية، وهذا الخطاب العام بشأن الوجود الفرنسي في المغرب كان يشير باستمرار إلى الفرنسيين على أنهم "مسيحيون"، في حين تمت الإشارة إلى المغاربة بشكل جماعي باسم "المسلمين المتوحشين"[5] ومن المثير للاهتمام أن الإشارة إلى "فرنسا المسيحية" كانت مصحوبة في كثير من الأحيان بإدانة أخلاق وممارسات المغاربة، وخاصة الممارسات المتعلقة بأدوار الجنسين. وعلى الرغم من أن العلاقة المتنافرة بين المسيحية والإسلام، والتي كانت راسخة في الأساطير الفرنسية خلال العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث، إلا أن استمرار الصحافة الفرنسية في استخدامها بعد عام 1905 يستحق المزيد من البحث والتحري.

في حين تم نشر العديد من الأعمال حول المواضيع الجنسية والإمبريالية، وهذه الدراسة تغني هذه الأعمال السالفة الذكر من خلال رؤية جنسية من زاوية دينية صريحة في السياق الفرنسي المغربي. ومن خلال ذلك، فإنه يدرس كيفية استخدام شكل جديد من "المسيحية" الفرنسية لتبرير سلطة فرنسا على المغاربة أخلاقيا. إن اكتشاف الخطاب الأخلاقي الأساسي المشترك بين الكاثوليك والعلمانيين في فرنسا بعد انفصال عام 1905 يوضح سبب استخدام فكرة "فرنسا المسيحية"، وعلى الرغم من أن الحكومة الفرنسية فقدت مصداقيتها رسميًا، في الخطاب العام. وشددت التسمية "المسيحية" على التفوق المفترض للحضارة الفرنسية، وخاصة تفوقها الجنسي، مقارنة بالمسلمين المغاربة الأدنى أخلاقيا. وعلى الرغم من أن الثنائية المتخيلة بين المسيحية والإسلام لم تكن جديدة على المعاصرين، إلا أن استمرار استخدامها بعد عام 1905 يشير إلى أن "المسيحية الفرنسية" بدأت تأخذ معنى أكثر علمانية بحلول أوائل القرن العشرين. وبعبارة أخرى، تم استخدام صفة "مسيحي" في الخطاب المتعلق بالمغرب للتأكيد على تفوق فرنسا الحضاري والأخلاقي على أدنى مستوى ديني، بدلا من الإشارة ضمنا إلى أي نوع من الالتزام الديني الجماعي والوطني.

في تاريخ الإمبريالية الأوروبية بشكل عام، فالثابت أن مسائل الحياة الجنسية والأسرة والحميمية شكلت بشكل عميق الحياة الحضرية للمعمرين. وتؤكد آن لورا ستولر Laura) (Ann Stoler أن "المراقبين الاستعماريين... يبدو أنهم كان لديهم اهتمام غير محدود في العلاقات الجنسية في إطار المواجهة الاستعمارية". في الواقع، "لم تتم مناقشة أي موضوع أكثر من الجنس في الأدب الاستعماري... فالأوصاف المفعمة بالحيوية للانحراف الجنسي ميزت الآخر، المستعمَر، من خلال الاستهلاك"[6] وتتناول جوليا كلانسي سميث Julia) Clancy-Smith (موضوعات مماثلة فيما يتعلق بالجزائر في أواخر القرن التاسع عشر، بحجة أن "الكتاب الاستعماريين الذكور [...] اعتقدوا أن الرجال العرب "يبالغون في ممارسة الجنس"؛ الشيء الذي أدى إلى عواقب اجتماعية نتيجة المبالغة في النشاط الجنسي للذكور، والتي من مظاهرها تعدد الزوجات وكثرة الحريم، حيث كانا حاسمين بالنسبة إلى الحضارة الإسلامية في شمال إفريقيا"[7]. إن التباينات الملحوظة في الممارسات الجنسية والأدوار المخصصة للرجال والنساء أضفت الشرعية والمبررة للهيمنة الأوروبية على السكان المستعمرين "المنحطين أخلاقيا". وقد استخدمت وسائل الإعلام الفرنسية والشخصيات الفرنسية هذه المبررات القائمة على الجنس، إلى جانب الخطاب الديني، للتعريف الفرنسيين (بشكل جماعي "كونهم مرغوب فيهم") والمغاربة ("غير مرغوب فيهم"). وقد أتاحت لهم هذه الكتابات تبرير السلطة التي مارستها فرنسا على المغاربة في بداية القرن العشرين.من الضروري أولاً دراسة المفاهيم الفرنسية للأخلاق والجنس والدين خلال عصر الأنوار. وعلى الرغم من وجود انقسام واضح بين مؤيدي فرنسا العلمانية والمدافعين عن فرنسا الكاثوليكية، إلا أن الطرفين لا يستبعد أحدهما الآخر كما تشير الدراسات الحالية. إن الروابط الخطابية والمثل المشتركة - وخاصة فيما يتعلق بالأخلاق الجنسية - تربط بين هاتين المجموعتين، مما يسمح لهما بالتجمع تحت راية "المسيحية" الموحدة ظاهريًا كلما تعلق الأمر بالمغرب.

على الرغم من أن مفاهيم السلوك الجنسي "السليم" لم تكن مرتبطة بالضرورة بالدين في أوائل القرن العشرين في فرنسا، إلا أن اللغة المناهضة لرجال الدين فيما يتعلق بالجنس تشير مع ذلك إلى وجود صلة فطرية بالقيم الكاثوليكية. وبعبارة أخرى، وعلى الرغم من أن العلمانيين حاولوا فصل أفكارهم الخاصة حول فوائد الأخلاق الجنسية عن الكاثوليكية الفرنسية، إلا أن المجموعتين تشتركان في وجهات نظر مماثلة حول دور الأخلاق في الحضارة الفرنسية. تتجلى العلاقة بين الأعراف العلمانية والكاثوليكية في اللغة المماثلة المستخدمة في الأدب العلماني والديني في تلك الفترة، حيث أنتجت كلا المجموعتين أعمالًا تؤكد على الفوائد المجتمعية لضبط النفس الجنسي.

على سبيل المثال، يعترف كتاب التربية الجنسية، للدكتور. (ستيريان(E. Stérian، بأن البشر كائنات جسدية تحتاج إلى الجنس. ومع ذلك، أكد الدكتور ستيريان أن الشباب الذين أجبروا على إشباع رغباتهم "الإنجابية" في ظروف غير مواتية تصرفوا حتمًا "بشكل مخالف للأخلاق، ومارسوا العادة السرية والمثلية الجنسية"[8] على الرغم من أن هذا العمل لا يدين الشباب بممارسة - أو حتى إشباع - جنسيًا. يعد هذا (موقف أكثر انفتاحًا من الأخلاق الكاثوليكية التقليدية)، فهو يعني ضمنًا وجود قانون أخلاقي معترف به وشامل فيما يتعلق بالجنس في الخطابات الأوسع في فرنسا في أوائل القرن العشرين. هذه "الأخلاق" التي تشمل الزواج الأحادي والزواج من جنسين مختلفين، استبعدت الممارسات الجنسية المثلية التي، وفقًا للعمل، كانت "خطيرة جدًا على مجتمعات العالم المتحضر"[9] ثم يقدم البحث أساليب علمية مختلفة تسمح بالقضاء على الممارسات الجنسية المثلية في فرنسا.

علاوة على ذلك، يربط الدكتور ستيريان بين الأمراض التناسلية والتدهور الجسدي والمعنوي. ويؤكد "أنه من المهم مكافحة الأمراض التناسلية، وبالتالي المساهمة في أعمال التجديد الأخلاقي" في فرنسا[10]. من خلال ربط تراجع الأمراض التناسلية - وهو مرض مرتبط بالبغاء والاختلاط الجنسي - بفكرة التجديد الأخلاقي، يقترح ستيريان أن المجتمع الصحي والنابض بالحياة هو المجتمع الذي تظل فيه الحياة الجنسية ضمن حدود "الأخلاق"، وهذا يعني الزواج من جنسين مختلفين.

وعلى نحو مماثل، كان الكاثوليك الفرنسيون يعتقدون أن ضبط النفس الجنسي ــ في هيئة الزواج الأحادي بين الجنسين ــ كان المفتاح إلى مجتمع فرنسي منتج وفعال. وتؤكد Les Annales Catholiques، وهي مجلة دينية أسبوعية تغطي القضايا السياسية التي تهم الكنيسة الفرنسية، تؤكد أن الأخلاق الجنسية هي "الطريق إلى نقاء وخصوبة فرنسا". ومع ذلك، تنص المادة على أنه "لا يمكن للإنسان أن يقمع أهوائه أو غرائزه إلا بالخضوع لله؛ أي السلطة الأخلاقية".[11]

وعلى الرغم من أن هذا الكلام يستدعي مساعدة الله بدلاً من مساعدة العلم لمكافحة السلوك غير الأخلاقي الجنسي (وبالتالي الانحلال)، إلا أن الشعور بأن الحياة الجنسية يجب أن تبقى ضمن إطار أخلاقي من أجل "خصوبة" فرنسا هو شعور واضح. على الرغم من أن العلمانيين والكاثوليك اختلفوا في مفاهيمهم الخاصة عن الأخلاق الجنسية، إلا أن هناك فهمًا معاصرًا مفاده أن الممارسات الاجتماعية مثل الزواج من جنسين مختلفين والزواج الأحادي كانت مؤشرًا على حضارة غزيرة الإنتاج ومتفوقة. وقد اعترفت الأعمال الأدبية المتعلقة بالجنس، والتي أنتجها المسيحيون والعلمانيون على حد سواء، بقانون أخلاقي متأصل ومشابه، مرتبط بالخطاب الذي يمجد الدولة الفرنسية المنتجة.

تدعم جوديث سوركيس [1](Judith Surkis) فكرة الشكل المثالي للحياة الجنسية المتحضرة في عملها "جنس المواطن: الأخلاق والذكورة في فرنسا 1870-1920". تجادل سوركيس بأن العديد من المفكرين الجمهوريين "تصوروا العلاقة الجنسية بين الجنسين كقوة دافعة ومظهر من مظاهر التقدم الحضاري والأخلاقي"[12]. ويتابع سوركيس أن "التكامل الزوجي أصبح" مُولِّدًا للاشتراكية نفسها.. لقد ربط المثل العليا بين الجنسين... إلى حساب اجتماعي وأخلاقي محدد للحياة الجنسية".

فكيف أصبحت هذه الرؤية الجمهورية للجنس مرتبطة بشكل علني بالمسيحية في السياق المغربي؟ وبينما كان دور الدين هو نقطة الخلاف الأساسية بين الكاثوليك والعلمانيين، فإن لغتهم المماثلة تكشف أنهم ينظرون إلى هدف الأخلاق الجنسية على أنه متشابه للغاية. إن الحضارة المتفوقة التي أظهرتها الفضيلة الجنسية المفترضة للفرنسيين لاقت صدى لدى الكاثوليك والعلمانيين بعد عام 1905. وهكذا، تم توظيف الهوية الفرنسية "المسيحية" - التي استخدمت بالتزامن مع الخطاب حول الحياة الجنسية الإسلامية - لتوحيد العامة ولتبرير الغزو الفرنسي “الحضاري” بالمغرب.

بينما كانت فرنسا تكافح من أجل فرض الحماية على المغرب في أوائل القرن العشرين، كان للتفاعلات الخطابية بين السكان الفرنسيين والمغاربة التأثير المباشر الأكبر على السياسة والثقافة الفرنسية. ومع ذلك، انتشرت أيضًا الأعمال الأدبية التي أظهرت تفوق فرنسا الحضاري و"المسيحي" على سكان جميع المستعمرات الإسلامية. وتؤكد الدراسة ذات اللهجة الدينية، "الله والعلم"، بقلم جاك براك دي لا بيريير (Jacques Brac de La Perrière)، فيما يتعلق بالحضارات الإسلامية: "برفض دين المسيح، أضعف أتباع محمد (ص) ... كما نجد النساء في الذل والعبودية"[13] وبحسب هذا العمل، فإن الشعوب الإسلامية تحط من شأن نسائها وتفتقد الصفات الحضارية؛ لأنها رفضت المسيحية. هذا يؤكد أن الأخلاق المسيحية، في أذهان المعاصرين، مارست قوة حضارية داخل المجتمع. وعلى نحو مماثل، يقارن كتاب "الأخلاق العربية"، وهو عمل علماني من تأليف فيتولد ليمانسكي (Witold Lemanski)، بين "العقائد المسيحية" التي تستمد منها الأخلاق الفرنسية والإسلام. يذكر المؤلف أن "الزواج الأحادي... وتعدد الزوجات... يثبتان أنهما متضادان"[14]. ويواصل ليمانسكي التأكيد أنه إذا كان "الزواج الأحادي وقواعده هو أسس الحضارة"، فإن تعدد الزوجات هو "علامة على الحضارة البدائية". كما يدين عملها، ووضع المرأة في الدول الإسلامية، "إن التقليد الديني الإسلامي هو الذي يشكل روح وحياة المرأة المسلمة ... الإسلام سوف يضعف بتحرير المرأة".وعلى الرغم من أن ليمانسكي يخاطب الجمهور العام، إلا أن استحضاره للتراث "المسيحي" الفرنسي يشير إلى فكرة مفادها أن الأخلاق الجنسية "المسيحية" أدت إلى ظهور حضارة أكثر خصوبة من حضارة الإسلام. وانطلاقًا من هذه الخطابات، وجد المراقبون الكاثوليك والعلمانيون أرضية مشتركة في إدانة النشاط الجنسي الإسلامي. ومن خلال ربط تراث فرنسا "المسيحي" بتقاليدها المتحضرة وأخلاقها المتفوقة، أنشأ الكاثوليك والمؤلفون المناهضون للإكليروس ثنائية أقوى لإضفاء الشرعية على السلطة وعلى الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم أقل شأناً دينياً.

ورددت الصحف الفرنسية منذ بداية القرن العشرين صدى هذه الخطابات، جاء في مقال نشرته صحيفة Le Temps على أن المسلمين الجزائريين: "لن يخضعوا أبدًا لممارساتنا...لأنهم حتى لو توقفوا عن كونهم مسلمين، فلن يصبحوا مسيحيين أبدًا"، ويتابع: "إذا سمحنا للمسلمين أن يتحدوا معنا، ألن تغزو حياتهم العائلية أخلاقنا تدريجيًا؟ لأن المبدأين الأساسيين لحياتهم المنزلية الحميمة، تعدد الزوجات وحبس النساء، وهما من علامات الوحشية"[15].

لا يربط هذا المقال أخلاقيات فرنسا العلمانية بالمسيحية، ولكنه يكشف أيضًا عن الخوف من أن تؤدي الممارسات الإسلامية "الوحشية" إلى إفساد أخلاق الشعب الفرنسي تدريجيًا.

وفي حالة المغرب، فإن الدراسات والصحف الفرنسية مليئة بالإشارات إلى الممارسات الفاسدة للسكان المسلمين. غالبًا ما تكون هذه التأكيدات مصحوبة بلغة تستحضر الهوية المسيحية لفرنسا. في دراسة السحر في المغرب، يقدم المؤلف، الدكتور إميل موشامب (Emile Mauchamp)، أعماله ليس لمصلحة الدين، ولكن "لصالح العلم والحضارة... للتعليم المفيد والتقدم العلمي" في المغرب[16] وفقا لـموشامب، "فسكان المغرب يخشون المسيحيين ويحتقرونهم"، ويذكر أنه "في عالم المغرب المغلق هذا، الموجود على أطراف أوروبا المشعة، يعاني الناس، حبيسين ببؤسهم وانعدام ثقتهم، ويرفضون المساعدة من جيرانهم المسيحيين، مثل السجناء العنيدين في زنازينهم الذين يرفضون الحرية والصحة، والنور والراحة"[17].

وتعليقًا على الممارسة الإسلامية للذكور المتمثلة في إبقاء العديد من النساء في الحريم، يشير موشامب إلى أن "الحب بين نساء المغرب يتجاوز العلاقات الأخلاقية والطبيعية... فالنساء، المحصورات في الحريم، هن، من دون استثناء تقريبًا، مثليات. وتنشأ المشاعر بين الحريم"، مما يسبب الغيرة بين النساء والشذوذ الجنسي." ويتحدث أيضًا عن "الفسوق" و"الفجور" الذي ينشأ حتمًا بين هؤلاء النساء المحبوسات، ويخلص إلى أن "دور المرأة في المغرب يقتصر على الاهتمام بالمواشي"[18].

وتشير هذه الدراسة أيضا إلى أن الفرنسيين كانوا يعتقدون أن النساء المغربيات لهن حقوق. وكانت ستستفيد الكثير من حضارة فرنسا "المسيحية". ومن الواضح أنه على الرغم من الوضع العلماني لفرنسا، فإن الأخلاق الجنسية "المسيحية" تسمح للفرنسيين بتعريف أنفسهم بشكل جماعي ضد المسلمين المغاربة. من خلال الإشادة بالحضارة "المسيحية" على حساب الحضارة المغربية الإسلامية، ولم يؤكد الكتاب والشخصيات الفرنسية فقط أن السكان المغاربة كانوا فاسدين تماما (وبالتالي يحتاجون إلى مساعدة حضارية من فرنسا)، ولكنهم جعلوا المغاربة أيضا أقل شأنا بشكل أساسي، مما يبرر غزو فرنسا. وفي مسألة التدخل الاستعماري في المغرب، يؤكد بول شاتينير (Paul Chatinières) في دراسته "في الأطلس المغربي الكبير" حول المجتمع المغربي على أن "الدين الإسلامي يحدد الطابع الفريد لحضارة شمال إفريقيا تمامًا كما خلقت المسيحية الحضارة الأوروبية"[19].

وبينما ساهمت الأخلاق المسيحية في حضارة فرنسية منتجة وديناميكية، فإن قبول تعدد الزوجات وتحقير المرأة في المجتمع الإسلامي المغربي، بحسب شاتينيير، أوصلا المجتمع المغربي إلى الانحطاط. كما تضع نشرة الجمعية الفرنسية للوقاية الصحية والمعنوية الممارسات الجنسية "المسيحية" فوق الممارسات الإسلامية. بعد تشجيع الرجال والنساء "القاطنين في البلدان المسيحية" على ممارسة "الزواج الأحادي" و"الزواج المبكر بين رجل وامرأة" لتجنب "الانحطاط الأخلاقي" و"الشهوة الجسدية"، يركز العمل على التعرض المفرط للرجال المسلمين، وهو أصل الفسق في المغرب[20].

وتضاف إلى هذه الخطابات منشورات تهدف إلى تحسين الأخلاق المغربية، ويخلص إلى أن "قمع الفجور وتعدد الزوجات في المغرب أمر مرغوب فيه"؛ لأن هذه الممارسات تسبب الأمراض التناسلية وما يسمى بالانحلال الخلقي عند المسلمين[21].

وهكذا، على الرغم من العلمنة والتدخل القانوني للدين في فرنسا عام 1905، فقد استمرت الهوية الفرنسية "المسيحية" في الخطاب العام فيما يتعلق بالممارسات الجنسية للشعوب المستعمرة. كان للتسمية "مسيحي" أيضًا أهمية بالغة داخل المدينة. ومن خلال القبول المستمر لفكرة الدونية الدينية للمسلمين المغاربة، يمكن القول إن الجمهور الفرنسي بدأ في تطوير هوية "مسيحية" متغيرة فيما يتعلق بالسكان المغاربة. بعبارة أخرى، على الرغم من أن العديد من الصحف والكتابات الفرنسية في تلك الفترة كانت تمجد العلمانية الفرنسية الراسخة حديثاً، فإنها استندت في الوقت نفسه إلى الصراع المستمر منذ قرون بين "المسيحيين الفرنسيين" و"المسلمين المنحطين" (وتضعهم أخلاقياً فوقهم). يشير الاستخدام المستمر لهذه الثنائية بعد قانون الانفصال إلى أن مفهوم "فرنسا المسيحية" بدأ يتشبع بمعنى أكثر علمانية في الخطاب العام. لقد تم استخدام عنوان "الفرنسية المسيحية" في الخطاب المتعلق بالمغرب للتأكيد على التفوق الفطري للحضارة الفرنسية وتفوقها الأخلاقي ووحدتها المفترضة، بدلا من الإشارة إلى أي تجديد للالتزام الديني الوطني.

خاتمة

هكذا يتضح أن مثل هذا التنافس الأيديولوجي الملفق بين المسيحيين والمسلمين، استمر في التمتع بالشرعية بين الجمهور الفرنسي لعدة عقود؛ فبينما كانت وسائل الإعلام والكتاب الآخرون يستجيبون لهذا الواقع الأيديولوجي الراسخ، فقد تلاعبوا حتماً بالرأي العام من خلال التأكيد المستمر على تفوق "المسيحية" الفرنسية على شعوب العالم الإسلامي. وبهذه الطريقة، اندمجت وسائل الإعلام المكتوبة والرأي العام، وغيرت المفاهيم الفرنسية حول معنى اعتناق المسيحية في السرديات الكبرى للهوية الوطنية الفرنسية في أوائل القرن العشرين.

 

المصادر والمراجع المعتمدة

  1. Sarah Maza, The Myth of the French Bourgeoisie: An Essay on the Social Imaginary 1750-1850 (Cambridge: Harvard University Press, 2003), 204
  2. Aristide Briand, La Séparation: Discussion de la loi 1904-1905 (Paris: E. Fasquelle, 1908), 21
  3. Des Houx, Henri, “Le Bilan De La Separation,” Le Matin, December 9, 1905
  4. Paul Richard, “Les Incidents de Fez,” L’Aurore, April 19, 1912
  5. Laura Ann Stoler, Carnal Knowledge and Imperial Power: Race and the Intimate in Colonial Rule, (Berkeley: University of California Press, 2010), 43
  6. Julia Clancy-Smith, “Islam, Gender and Identities in the Making of French Algeria 1830-1962”in Domesticating the Empire: Race, Gender, and Family Life in French and Dutch Colonialism, ed. Julia Clancy-Smith and Frances Gouda (Charlottesville: University of Virginia Press, 1998), 162
  7. Dr. E. Stérian, L’Education sexuelle (Paris: J.-B. Baillière et fils, 1910), 26
  8. Joseph Chantrel, “Revue politique de la France et de l'Église,” Annales catholiques. Revue religieuse hebdomadaire de la France et de l'Église, 7 November 1903, 441
  9. Judith Surkis, Sexing the Citizen: Morality and Masculinity in France 1870-1920 (Ithaca: Cornell University Press, 2006), 1-3
  10. Jacques Brac de La Perrière, Dieu et science (Lyon: E. Vitte, 1909), 254.
  11. Witold Lemanski, Mœurs arabes (Paris: A. Michel, 1908), 24
  12. Adrian Hebrard, “Le problème indigène en algérie,” Le Temps, April 15, 1903
  13. Emile Mauchamp, Sorcellerie au Maroc (Paris: Dorbone-Ainé, 1919), 3.

16      Paul Chatinières, Dans le grand atlas Marocain, extraits du carnet de route d'un médecin d'assistance médicale indigène, 1912-1916 (Paris: Plon Nourrit, 1919), 277

17      Société française de prophylaxie sanitaire et morale (Paris, J. Rueff, 1912), 54

[1]سارة مازا(Sarah Maza)، أستاذة في الآداب والعلوم بجامعةPrinceton Université، متخصصة في تاريخ فرنسا من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين، خاصة في التاريخ الاجتماعي والثقافي والفكري. ركزت في أعمالها على "الخيال الاجتماعي"، أي كيف فهم الناس الماضي الهويات الاجتماعية، وعاشوها، وتمثلوها، وخاصة الهويات الطبقية.

[2] Sarah Maza, The Myth of the French Bourgeoisie: An Essay on the Social Imaginary 1750-1850 (Cambridge: Harvard University Press, 2003), 204

[3] Aristide Briand, La Séparation: Discussion de la loi 1904-1905 (Paris: E. Fasquelle, 1908), 21

[4] Des Houx, Henri, “Le Bilan De La Séparation,” Le Matin, Décembre 9, 1905

[5] Paul Richard, “Les Incidents de Fez,” L’Aurore, April 19, 1912

[6] Laura Ann Stoler, Carnal Knowledge and Imperial Power: Race and the Intimate in Colonial Rule, (Berkeley: University of California Press, 2010), 43

[7] Julia Clancy-Smith, “Islam, Gender and Identities in the Making of French Algeria 1830-1962”in Domesticating the Empire: Race, Gender, and Family Life in French and Dutch Colonialism, ed. Julia Clancy-Smith and Frances Gouda (Charlottesville: University of Virginia Press, 1998), 162

[8] Dr. E. Stérian, L’Education sexuelle (Paris: J.-B. Baillière et fils, 1910), 26

[9] Ibid.

[10] Ibid.

[11] Joseph Chantrel, “Revue politique de la France et de l'Église,” Annales catholiques. Revue religieuse hebdomadaire de la France et de l'Église, 7 November 1903, 441

[12] Judith Surkis, Sexing the Citizen: Morality and Masculinity in France 1870-1920 (Ithaca: Cornell University Press, 2006), 1-3

[13] Jacques Brac de La Perrière, Dieu et science (Lyon: E. Vitte, 1909), 254

[14] Witold Lemanski, Mœurs arabes (Paris: A. Michel, 1908), 24

[15] Adrian Hebrard, “Le problème indigène en algérie,” Le Temps, April 15, 1903

[16] Emile Mauchamp, Sorcellerie au Maroc (Paris: Dorbone-Ainé, 1919), 3

[17] Ibid, 3

[18] Ibid, 3

[19] Paul Chatinières, Dans le grand atlas Marocain, extraits du carnet de route d'un médecin d'assistance médicale indigène, 1912-1916 (Paris: Plon Nourrit, 1919), 277

[20] Société française de prophylaxie sanitaire et morale (Paris, J. Rueff, 1912), 54

[21] Société française de prophylaxie sanitaire et morale (Paris, J. Rueff, 1912), 10