السيكولوجيا: النفس والعقل


فئة :  ترجمات

السيكولوجيا: النفس والعقل

السيكولوجيا: النفس والعقل

ديبورا ل. بلاك*

ترجمة: أشرف منصور

  استوحى أغلب الفلاسفة العرب أفكارهم حول النفس والعقل من الترجمات العربية لكتابَي أرسطو: «كتاب النفس» De Anima و«كتاب الحاس والمحسوس» **Parva Naturalia، ومن الشروحات اليونانية المتأخرة لهذين الكتابين***، رغم أن فلاسفة معدودين مثل الرازي قد تبنَّوا نظرة أكثر ميلاً للأفلاطونية([1]). وبالإضافة إلى استيعاب الفلاسفة العرب للمصادر اليونانية في نظرياتهم في السيكولوجيا الفلسفية؛ فقد كانوا حريصين على مواجهة نظريات المتكلمين المنافسة لهم؛ الذين تبنَّوا ميتافيزيقا ذريَّة نظروا بها إلى كل المخلوقات على أنها تجمُّعات لذرات وأعراض تضمُّها معاً قدرة الله المطلقة. ونتج عن هذه الميتافيزيقا نظرية معقَّدة في الهوية الشخصية لم يكن بها مكان لفكرة النفس اللامادية. وقد أنكر الفلاسفة هذه النظرة للطبيعة البشرية بإصرار، رغم أنها كانت جاذبة للمتكلمين؛ لأنها سمحت لهم بتقديم معالجة للعقيدة الدينية في بعث الأجساد([2]).

طبيعة النفس وعلاقتها بالبدن

على العكس من خصومهم المتكلمين؛ قَبِل كل الفلاسفة العرب تصوُّراً عن النفس مُستقىً من التراث اليوناني. وعند أغلبهم احتلَّ تعريف أرسطو للنفس مكان الصدارة (في النفس، المقالة الثانية، الفصل 1)، وهي أنها «كمال أول» للبدن «له حياة بالقوة». وبهذا التعريف تكون النفس مجرَّد مبدأ لحياة البدن ولوظائفه الحيوية، وبالتالي تكون غير مفارقة للبدن([3]). كما قَبِل أغلب الفلاسفة العرب تقسيم أرسطو لأجزاء وقوى النفس، حيث تكون النفس جنساً متراتباً منقسماً إلى أنواع، مقابلة لتقسيم الكائنات الحية إلى النبات والحيوان والإنسان. فأدنى قوة للنفس هي الغاذية، وهي المشتركة في كل الأحياء؛ نباتاً وحيواناً وإنساناً، وبعدها النفس الحاسَّة؛ المشتركة للحيوان والإنسان؛ وأخيراً النفس الناطقة أو العاقلة، وهي الخاصة بالإنسان.

وفي حين قَبِل أغلب الفلاسفة في التراث العربي تلك المعالجة الأرسطية في النفس، إلا أن الرازي وابن سينا ابتعدا عنها بطريقة ما. رفض الرازي النظرة الأرسطية للنفس وقواها في سبيل معالجة مستقاة جزئياً من محاورة «تيماوس» لأفلاطون([4]). قَبِلَ الرازي تقسيم أفلاطون الثلاثي للنفس إلى النفس الراغبة والروحية والعاقلة، وتمسَّك بتناسخ النفوس؛ الذي كسر الحاجز الفاصل بين البشر والحيوانات. كما تبنَّى الرازي مفهوم محاورة «تيماوس» عن النفس الكليَّة؛ التي سقطت منها كل نفوس الحيوانات والبشر، ذلك السقوط الذي وضعه في صورة أسطورية([5]).

وعلى العكس من الرازي؛ لم يرفض ابن سينا المفهوم الأرسطي عن النفس ابتداءً، لكنه تبنَّى تصوراً عن ثنائية النفس والبدن غريبة عن أرسطو. وفي حين سمح أرسطو وأتباعه من الفلاسفة العرب بإمكان انفصال العقل الإنساني عن البدن؛ فإنهم قبلوا هذا الانفصال طالما حدث عن باقي قوى النفس. أما النفس عند ابن سينا؛ فهي أكثر من مجرَّد كيان فيزيقي ومبدأ مُنظِّم للبدن؛ إذ هي كيان قائم بذاته، وجوهر مستقل عن أي علاقة بالبدن([6]).

تتَّضح هذه النظرة الثنائية للطبيعة البشرية في مواضع كثيرة من نظرية ابن سينا في النفس، لكن الأكثر شهرة هو الموضع الذي يظهر فيه مثال «الإنسان المعلَّق في الهواء»، والذي يستبق الكوجيتو الديكارتي، حيث يعالج ابن سينا وعي الإنسان بذاته على أنه غير حسي([7]). في هذا المثال يدعو ابن سينا قارئه ليتخيَّل نفسه في وضع يخلو تماماً من الإدراكات الحسية. وهذا يعني أنَّ عليه أن يعزل: 1) كل المعارف الحسية السابقة؛ و2) كل الإحساسات الحالية. والعزل الأول يتمُّ بتخيل المرء نفسه على أنه خُلِقَ من جديد، لكن باعتباره شخصاً ناضجاً يمتلك كل القدرات العقلية. ويتم العزل الثاني بتخيل المرء أنه مُعلَّق في فراغ؛ بحيث لا تلامس أطرافه بعضها، وبالتَّالي؛ لا يتمكَّن من الإحساس بالموضوعات الخارجية وببدنه معاً. ويقول ابن سينا إنه حتى في هذه الحالة؛ فإن المرء يستطيع الوعي بوجوده. ولا يعتمد هذا الوعي على البدن؛ لأنه قد تجرَّدَ من كل ما له علاقة بالبدن([8]).

وعلى الرغم من نزعة ابن سينا الثنائية، إلا أنه اعترف بوجود صلات وثيقة بين النفس والبدن؛ فالبدن عنده آلة للنفس، وهو شرط ضروري لوجود النفس وتفريدها individuation*. ورغم أن هذه الفكرة تبدو مناقضة لقول ابن سينا بجوهرية النفس وقوامها بذاتها، إلا أنه كان عليه التَّمسُّك بها على أسس ميتافيزيقية. فعلى العكس من العقول المفارقة أو الملائكة التي يُشكِّل كل واحد منها نوعاً قائماً بذاته؛ فإن «الإنسانية» نوع مفرد مشترك لكل الأفراد، أمَّا تعدُّد النفوس داخل هذا النوع الواحد؛ فيأتي من تعدُّد الأبدان. ويضع ابن سينا خلق النفوس الإنسانية في إطار نظريَّته الصدورية. فكلَّما كانت الشروط المادية مناسبة في العالم الأرضي (أي: كلما تشكَّل جنين إنساني)؛ يخلق العقل الفعَّال نفساً إنسانية لتدخل في هذا الجنين. ووفقاً لهذه الصورة؛ فالعقل الفعال نفسه هو المسؤول عن وجود النفس الإنسانية الفردية، والأبوان هما مجرَّد الشرط المادي لتوفير البدن المادي (الجنين) المستعد لاستقبال تلك النفس. وهكذا يكون النفس والبدن مخلوقَين لبعضهما البعض، وللنفس انجذاب خاص لبدنها الذي يساعدها في أداء الكثير من الوظائف. ويحاجج ابن سينا بأن هذه النظرية تُفنِّد النظريات الأخرى المدافعة عن الوجود المسبق لنفس كليَّة مفردة وعن تناسخ النفوس، مثل التي يتبنَّاها الرازي.

وعلى الرغم من اعتماد النفس على البدن في خلقها ابتداءً؛ إلا أن ابن سينا ينكر اعتماد النفس على البدن في استمرارها في الوجود. فعند موت البدن؛ تحتفظ النفس بفرديَّتها بفضل جوهريتها الخاصة، وبفضل دوام خصائصها الفردية التي تحصَّلت عليها في حياتها في البدن. فميلاد النفس في بدن فردي وحصولها على خبرات فردية في هذا البدن؛ تؤثِّر في النفس ذاتها. وبذلك تُحقِّق النفوس مستويات مختلفة من الكمال من خلال استخداماتها المختلفة لأبدانها الفردية، وتظل هذه الاختلافات تلازمها بعد موت البدن([9]). وهكذا فإن ابن سينا وحده من بين الفلاسفة يتمسَّك بالخلود الشخصي للنفوس الفردية*.

النفس بوصفها مبدأ للتعقل

إن إحدى أهم وظائف النفس [عند ابن سينا والمشائين] هي أن تكون مبدأ التَّعقُّل الحسي والنظري معاً. كان التمييز بين الحواس والعقل مُسلَّمة أساسية في التراث الفلسفي العربي، وكان إسهام الحواس في المعرفة يندرج دوماً تحت دور العقل، من حيث إن الحواس هي بالجزئيات، ولا تعمل إلا من خلال أعضاء البدن، في حين أن المعرفة الحقَّة هي بالكلِّي [الذي لا يُدْرَك إلا بالعقل]. ورغم تبخيس الفلسفة العربية مِن قدر الحواس؛ إلا أنها قدَّمت إسهامات مهمة في تفسير طبيعة وآليات الإدراك الحسي.

وعلاوة على ذلك، ورغم الهوَّة السحيقة الفاصلة بين الحس والعقل من جهة أدوارهما المعرفية، إلا أن الفلاسفة العرب قدَّموا نظرية عامة في طبيعة التَّعقُّل، شملت الحس والعقل معاً. وكان الأساس العام لنظريتهم هو وصف أرسطو للتَّعقُّل على أنه استقبال الصورة المعقولة لموضوع الإدراك الحسي دون مادَّته([10]). وكانت نتيجة شرحهم وتفسيرهم لهذا الجزء [من كتاب النفس لأرسطو] هي النظرية القائلة: إن القصدية intentionality هي ما يميز عملية التَّعقُّل.

لا يزال مفهوم «القصدية» يؤثِّر في فلسفة العقل المعاصرة، والذي يشير إلى قصد الحالات الذهنية نحو الموضوعات، وهو نفس معناه في الاستخدام الأصلي في الفلسفة العربية. إن «المعنى» في الاستخدام الاصطلاحي لدى الفلاسفة العرب هو الصورة أو الماهيَّة التي تعقلها الملكة العاقلة وتمثِّل موضوعاً لها. وبالتالي يكون أمامنا أنماط مختلفة من المعاني [أو القصديَّات] تقابل الملكات المعرفية المختلفة - فاللون والصوت معانٍ مقصودة للحس؛ والصور الخيالية هي قصديَّات ملكة المخيلة، والتصورات الكليَّة هي قصديات عقلية. وليست أصول مفهوم القصدية عند الفلاسفة العرب واضحة، ولم يقدِّم أحد [حتى الآن] تفسيراً مُرْضياً لها. لكن تأتي سابقة [في استخدام المصطلح] من المتكلمين؛ إذ كان «المعنى» عندهم هو أحد الكلمات الاصطلاحية للأعراض([11]). أما المصطلح الإنجليزي intention، فقد اسْتَخْدِم كمقابل للمفهوم العربي من خلال كلمة intentio، وهي الترجمة اللاتينية الوسيطة لكلمة «معنى». ورغم أنها ليست ترجمة حرفية للكلمة العربية؛ إلا أنها عكست أحد أوضح تعريفات ابن سينا للقصدية في كتابه «العبارة». ووفق هذا التعريف؛ فإن «المعاني» هي «مقاصد للنفس»؛ أي: إنها هي الأشياء التي تدل عليها الاستخدامات اللغوية([12]). وبذلك ينظر ابن سينا إلى القصدية على أنها الوجود الذهني للصورة أو الماهية التي تعقلها النفس العارفة، وهي مرتبطة على نحو وثيق بتمييزه الميتافيزيقي بين الماهية والوجود([13]). ورغم رفض ابن رشد الأساس الميتافيزيقي لفهم ابن سينا للقصديات؛ إلا أنه تمسك بالأطروحة القائلة: إن صور الموضوعات باعتبارها قصديَّات [معانٍ] محسوسة أو متخيَّلة أو معقولة؛ يمكن اعتبارها كائنة بطريقة ما في نفوسنا، حيث يكون للصور المعقولة لنا قوامان للوجود. القوام الأول: هو الصدق، وهو الموضوع خارج الذهن، والذي يشير إليه فعل التَّعقُّل، والذي يتحدَّد به الصدق أو الكذب. والقوام الآخر هو قوام الوجود، وهو الملكة المعرفية التي تقوم بها الصور المعقولة على أنها قصديَّات [معانٍ قائمة بالنفس]؛ سواء كانت هذه الملكة هي الحس أو المخيِّلة أو العقل([14]).

إن القول بأن التعقل ينطوي على استقبال الصورة المعقولة مجردة عن المادة، وبالإضافة إلى كونه الأساس لنظرية القصدية عند الفلاسفة العرب؛ أدى بهم كذلك إلى معالجة الإدراك الحسي على أنه نوع من التجريد، وبذلك نظروا إلى كل المعرفة على أنها درجات من التجريد، تبدأ بالحس وتصل لذروتها في العقل. وقد عبَّر ابن سينا عن هذه الدرجات بمعالجته للإدراك الحسي على أنه «أخذ» لصورة الشيء بطريقة ما، مضيفاً أن «أصناف التجريد مختلفة ومراتبها متفاوتة»([15]). ويضع ابن سينا أربع مراتب للتجريدات، أدناها الحس، وأعلاها التعقل، وبينهما ما سُمِّيَ في التراث العربي بالحواس الباطنة([16]).

كانت نظرية الحواس الباطنة محاولة لتوسيع وتنسيق معالجة أرسطو للقدرات المعرفية الأولية السابقة على التعقل؛ والتي لا يمكن تفسيرها بردِّها إلى الحواس الخمس: البصر والسمع والشم والذوق واللمس. ومن بين هذه القدرات؛ هناك الحس المشترك common sense (koinȇ aisthȇsis)، والمخيِّلة phantasia، والذاكرة. كما استقى الفلاسفة العرب نظريتهم في الحواس الباطنة من التَّطوُّرات اليونانية المتأخِّرة لعلم وظائف الأعضاء وبالأخص لدى جالينوس. والحواس الباطنة مثلها مثل الحواس الظاهرة تتطلَّب عضواً بدنياً لأداء وظائفها، ونُظِر إليه في الغالب على أنه الدماغ، تبعاً لجالينوس، أو على أنه القلب تبعاً لأرسطو في أحيان قليلة.

لم تكن نظرية الحواس الباطنة واضحة بعد عند الفارابي في أعماله صحيحة النسب إليه([17])، وبدلاً من ذلك؛ قدَّم الفارابي مخطَّطاً أرسطياً عاماً يشمل قوة الحس المشترك، والتي تجمع وتدمج بيانات الأعضاء الحسيَّة الخمسة مع المخيِّلة، وهي الموجودة في القلب لا الدماغ. وقبل ذلك كان الفارابي قد ألحق وظيفتين للمخيلة: القدرة على الاحتفاظ بالانطباعات الحسية في غياب الموضوعات المحسوسة، والقدرة على تركيب وتقسيم هذه الانطباعات المحتفَظ بها في مركَّبات، سواء مثَّلت موضوعات حقيقية أم لا، ثم أضاف وظيفة ثالثة للمخيلة، وهي «المحاكاة»؛ التي تقدِّم صورة وهمية عن الموضوع لا صورته الحقيقية. فمحاكاة (س) هي تخيُّل (س) بكيفيات حسية لا تصف مظهرها الحسي الحقيقي. ومن خلال المحاكاة؛ تستطيع المخيِّلة تمثيل الموضوعات المحسوسة، وكذلك الأحوال الانفعالية والأمزجة النفسية، بل والكليَّات المجردة، مثل تمثيل الشر بالظلمات([18]). والقدرة المحاكية للمخيلة عند الفارابي هي أساس تفسيره للقوة النبوية التي للنَّبي واضع الشرائع. فبفضل امتلاك النبي لمخيِّلة قوية؛ يقدر على استقبال «فيض» من المعقولات على مخيِّلته، حيث تتحول إلى رموز محاكية [لتلك المعقولات]. ومن خلال هذه الرموز والصور الخيالية، يمكن للنبي إيصال الحقائق المجردة بمحاكيات عينية يمكن للعامة إدراكها.

أما المعالجة الأكمل لقوى الحواس الباطنة، فنجدها عن ابن سينا الذي وضع خمسة أنواع منها، وحدَّد لكل نوع موضعه من الدماغ. ويُبرِّر ابن سينا هذا التحديد لمواضع كل حاسة باطنة من الدماغ بمجموعة من المبادئ التي يميز بها قوى النفس المختلفة، ومن بينها اثنان أساسيَّان؛ الأول: هو القول إن استقبال المحسوسات والاحتفاظ بها يجب أن يكون وظيفة لقوى خاصة، وهو مبدأ تدعمه الملاحظة التجريبية بأن ما يستقبل انطباعاً بسهولة لا يحتفظ به، مثل الماء. والثاني: هو القول إن اختلاف الموضوعات يؤدي إلى اختلاف القوى [المستقبلة لها]. أما أهمُّ أجزاء نظرية ابن سينا في الحواس الباطنة وأكثرها تأثيراً [على اللاحقين]؛ فهو تأكيده على نوعين من موضوعات الإدراك الحسي؛ الأول: هو صورة محسوسة؛ أي: صورة image إحدى المحسوسات الخمسة مثل اللون أو الصوت أو الذوق أو الرائحة أو الملمس، أو صورة أحد المحسوسات في الحس المشترك، وهي موضوعات تدركها حاسَّتان أو أكثر، مثل الحركة والعِظَم والشكل. والنوع الثاني من الموضوعات: هو ما يسمِّيه ابن سينا «معنى» intention، وهي الكلمة نفسها التي استخدمها الفلاسفة العرب للإشارة إلى الموضوع الذهني لأي قوة معرفية.

في سياق الحواس الباطنة يُعرِّف ابن سينا «المعنى» على أنه خاصيَّة ليست مادية أو حسية، لكنه مصاحبة لصورة حسية بطريقة ما. ويمثل ابن سينا هذا بمثال شعور الشاة الطبيعي بعِداء الذئب لها. إن «العداء» في حد ذاته ليس صورة محسوسة مثل اللون أو الحركة، لكنه يظل موضوعاً للإدراك الحسي بطريقة ما؛ لأن الحيوانات تدرك المعاني التي من هذا النوع. وملاحظتنا لسلوك الحيوانات ولِمَا تملكه من قدرات حسية هو الذي يفرض علينا افتراض فكرة الحواس الباطنة لإدراك المعاني؛ لأن الحيوانات لا تملك العقل. ويطلق ابن سينا على القوة التي تدرك المعاني «الوهم»([19])، إلا أن ابن سينا لا يقصر القوة الواهمة على الحيوانات؛ لأن البشر أيضاً يحوزون عليها. كما لا يقصر ابن سينا المعاني الوهمية على الصفات الانفعالية مثل العداوة والمحبة، ذلك لأنهما في الحيوانات يقومان بوظائف موازية للوظائف العقلية عند الإنسان، حيث توجِّهان النفس الحاسة لديها في حكمها وتقييمها للأشياء، وتسمحان لها بالربط بين الأوصاف الحسية والموضوعات الجزئية، وهي قدرة يسميها أرسطو: الإدراك العارض، مثل إدراكي لشيء أبيض قادم من بعيد أنه ابن فلان([20]).

ومن المبادئ التي فحصناها؛ يستنبط ابن سينا أربع حواس من الحواس الخمس الباطنة: يستقبل الحس المشترك ويميِّز ويجمع الصور الحسية من الحواس الظاهرة، ثم تُحفَظ في ملكة الخيال، التي يسمِّيها في مواضع أخرى «القوة المصوِّرة»؛ وتستقبل القوة الواهمة المعاني اللاحسية، وتُحفَظ في الذاكرة. كما يضع ابن سينا قوة خامسة من الحواس الباطنة، وهي القوة المتخيِّلة، القدرة على التركيب بين الصور والمعاني الحسية لا استقبالها وحسب. ويذهب ابن سينا إلى أن القوة التركيبية للمخيلة تنشغل دائماً بخلق تلقائي لصور جديدة، بلاوعي وفي النوم، وهي المسؤولة عن المنامات. لكن يمكن لفعلها السيطرة عليه وتوجيهه لغايات معيَّنة. وعندما تكون هذه الغايات هي للنفس الحاسَّة أو الحيوانية؛ فإنَّ ما يوجِّهُها هو القوة الواهمة. لكن القوة التركيبية للمخيلة لدى البشر يمكنها أن تكون تحت سيطرة عاقلة، وعندما يحدث ذلك؛ يكون الاسم المناسب لها هو القوة المفكرة. والقوة المفكرة عند ابن سينا هي نتاج التعاون بين العقل والمخيلة، وهي المسؤولة عن جانب كبير مما نطلق عليه «التفكير»، بما يشمله من تحليل وتركيب القضايا المنطقية والاستدلال القياسي([21]).

كان وضعُ ابنِ سينا للقوة الواهمة من بين قوى النفس الناطقة إبداعاً خاصاً به، لكنه كان عرضة لخلافات عديدة من بعده. فقد رفض ابن رشد إلحاق هذه القوة بالحيوانات، قائلاً إنها لا نفع لها؛ لأن القوَّتين الحاسة والمخيلة قادرتان في حدِّ ذاتيهما لدى الحيوانات على إدراك الأشياء من جهة العداوة والصداقة([22]). لكن يتَّفق ابن رشد مع ابن سينا في قوله: إن الحواس تدرك المعاني باعتبارها مختلفة عن الصور الحسية، ويعتقد في أن إدراك المعاني يميز الحس الإنساني وحده، ويلحق هذا الإدراك بالقوة الفكرية والذاكرة. وبذلك يختزل ابن رشد الحواس الباطنة إلى أربع: الحس المشترك والمخيلة والمفكرة والذاكرة، وبذلك يرد القوة الواهمة إلى التفكير في الإنسان، ويرفض التمييز بين المخيلة المركّبة والمخيلة الحافظة. وبذلك لا تعد المعاني عند ابن رشد صفات لاحسية تدركها الحواس، بل المعنى عنده هو الصفة التي تمكننا من إدراك الشيء الفردي باعتباره كذلك، ووظيفته مقصورة على تفسير الإدراك الحسي العارض.

كما قَدَّم ابن سينا وابن رشد معالجات مختلفة لمراتب التجريد لدى الحواس الظاهرة والباطنة؛ فالحواس الباطنة عند ابن سينا تشهد مرتبتَينِ من التجريد، تقابلان المخيلة الحافظة «الخيال» والقوة الواهمة. والمخيلة أكثر تجريداً من الحس (بما فيه الحواس الظاهرة والحس المشترك)؛ لأنَّ قوى الحس لا تعمل إلا بالاتصال بموضوعات حاضرة أمامها، في حين أن المخيلة قادرة على تخيُّل موضوعات في غيابها عن الحس. والواهمة عنده هي القوة الحسية الأكثر تجريداً؛ لأن موضوعاتها، وهي المعاني اللاحسية، هي صفات غير محسوسة. لكن تظل القوة الواهمة في مستوى التجريد الحسي؛ لأن موضوعاتها جزئية على الدوام وتُدْرَك على أنها صور وصفات حسية. فالشاة على سبيل المثال لا تخشى من الذئب العام الكلي المجرد، بل من هذا الذئب الذي تراه أمامها.

ويتوسع ابن رشد في المطلب القائل: إن الحس نوع من التجريد في معالجته للقدرات الإدراكية الحسية لكل من الحواس الظاهرة والباطنة، وهو يقول: إن الصور المحسوسة مثل الألوان توجد بجهة أكثر شرفاً وتجرُّداً من المادة في نفس العارف من جهة وجودها في الموضوعات الخارجية. ودائماً ما كان ابن رشد يصف ذلك النمط من الوجود الحسي المجرد على أنه أكثر «روحانية»، مستعيراً هذا المصطلح من خَلَفِه ابن باجة الذي استخدمه كثيراً. وكتصوير مُفَضَّل لديه لهذه النقطة؛ يلاحظ ابن رشد أن الحواس لا تخضع للقيود المادية مثل عدم القدرة على التأثُّر بالمتضادَّات في وقت واحد. ففي حين لا يمكن لشيء أن يكون أسود وأبيض في الوقت نفسه، ولا أن يدخل جسم كبير في جسم أصغر؛ إلا أن العين يمكنها أن تكون بيضاء وسوداء في وقت واحد، ورغم صغرها فيمكنها أن تلتقط في رؤيتها «نصف كرة الفلك»([23]).

لكن لا يزال ابن رشد يعترف بأن التجريد الحسي يحتفظ بشيء من المادية؛ لأنه يدرك الجزئيات لا الكليَّات، وهذا ما يتطلَّب علاقة من نوع ما مع المادة التي تجعل المعاني الفردية فردية. وهذا ما يفسِّر احتياج الحواس لوسط مثل الهواء لنقل صور الأشياء إليها. ويعمل الوسط كمُوَصِّل يحتفظ بالعلاقة بين القائم بالإدراك والموضوع المادي، رغم بقاء فعل الإدراك نفسه مجرداً، لكن لأن الإحساس نفسه روحاني؛ فيجب أن يحتوي الوسط على شيء من الصفات الروحانية، مثل القدرة على استقبال وإيصال الصفات المتناقضة في وقت واحد. وبالتالي يجب أن يكون الوسط شبه روحي ويُضَم إلى مراتب التجريد، وإن كان في مرتبة أدنى من الحواس ذاتها.

أما الحواس الباطنة؛ فيُلْحِق ابن رشد بكل منها مرتبة خاصة في التجريد، فالقوة المفكِّرة والقوة الذاكرة هما الأكثر روحانية لاتِّصالهما بالمعنى الفردي الذي يُشبِّهه ابن رشد بثمرة أو قلب المحسوس، في مقابل صفاته الخارجية أو «قشوره». وبذلك فإن التجريد الحسي هو القدرة على إدراك وتعريف كلٍّ مفرد، مثل شخص بعينه كزيد أو سقراط، وإدراك الفردي، باعتباره فردياً هو المقابل لإدراك الكلي بوصفه كلياً([24]).

العقل

كان الإطار العام الذي اعتمدته كل نظريات الفلسفة العربية في العقل؛ هو تمييز أرسطو في المقالة الثالثة من كتاب «النفس» بين العقل الفعال والعقل الهيولاني، لكن أضاف الفلاسفة العرب تمييزات لدرجات من العقل، وهو ما ورثوه عن التراث اليوناني المتأخِّر. كتب الكندي والفارابي رسائل عديدة توضح معاني العقل وتميز بين درجاته([25]). ومن بعدهما أدخل ابن سينا وابن رشد نظرياتهما الخاصة في العقل ومراتبه في أعمالهما السيكولوجية([26]). ورغم أن كل فيلسوف فسَّر الإطار الأرسطي بما يخدم أهدافه ونظريته الخاصة في المعرفة؛ فإن الفلاسفة العرب حددوا معانيَ أربعة للعقل:

1)    العقل الفعال (المذكور في الفصل الخامس من المقالة الأولى من كتاب «النفس» لأرسطو). اتَّبع الفلاسفة العرب رأي أرسطو في العقل الفعال أنه لا يموت وأزلي، ونظرة الشُّراح اليونان إليه على أنه جوهر لامادي مفارق، وأنه ليس قوة أو ملكة في كل نفس مفردة. ووظيفته هي أن يكون العلة الفاعلة للفهم البشري، إما بأن يجعل الموضوعات معقولة أو بأن يجعل العقل بالقوة عقلاً بالفعل، أو بجمعٍ ما بينهما.

2)    واتَّبعوا في مفهومهم عن العقل بالقوة، أو العقل المادي، نظرة الإسكندر الأفروديسي. وهذا العقل هو لدى أغلب الفلاسفة العرب قدرة باطنة داخل النفس البشرية على استقبال المعقولات، كما تناولها أرسطو في المقالة الثالثة من كتاب «النفس»، الفصل الرابع. إلا أن ابن رشد ذهب إلى أن هذا العقل، مثله مثل العقل الفعال، يجب أن يكون جوهراً مفارقاً وواحداً لدى كل البشر.

3)    العقل بالـمَلَكَة، أو العقل بالفعل كما يُسمِّيه الفارابي في بعض المواضع. وهذا هو حال العقل البشري الذي بالقوة عندما يتحصَّل على بعض المعقولات ويطور عادة أو مَلَكة أو استعداداً للتفكير كلما أراد. ويقسمه ابن سينا إلى مرحلتين، مستخدماً «العقل بالـمَلَكَة» لوصف التحصُّل على المعقولات الأولى، مثل مبدأ عدم التناقض، ويستخدم عبارة «العقل بالفعل» لوصف العقل بعد التحصُّل على المعقولات الثواني المستنبطة من المعقولات الأولى. ومما يزيد الأمور تعقيداً؛ أن الكندي يستخدم عبارة «العقل المستفاد» لوصف العقل بالملكة.

4)    العقل المستفاد Intellectus adeptus. هذا العقل هو عند أغلب الفلاسفة العرب العقل بالملكة بعد أن يكون قد استكمل نفسه وتحصَّل على كل المعقولات الممكنة. وعند هذه المرحلة يكون بالفعل تماماً ومثيلاً للعقول المفارقة، قادراً على أن يعرف نفسه ويعرف أقرب العقول المفارقة إلينا؛ وهو العقل الفعال. والعقل المستفاد عند ابن سينا هو ببساطة العقل عندما يوظف معرفته التي سبق أن تحصَّل عليها، مثلما يقوم عالم النحو بإعراب جملة ما. أما لدى الكندي، فإن هذا التوظيف للمعرفة المسبقة يسمى «العقل الثاني»([27]).

وأضاف ابن رشد عقلاً رابعاً لهذه العقول الأربعة، عندما كان يطلق على المخيلة أو مَلَكَة التفكير عبارة «العقل المنفعل»، وهو المصطلح الوحيد الذي نجده في كتاب «النفس» لأرسطو([28]) [واصفاً عقلاً غير العقل الفعال]. يرى الباحثون المعاصرون أن العقل المنفعل هو العقل بالقوة، لكن لأن أرسطو يقول عن العقل المنفعل إنه فاسد؛ يأخذ ابن رشد طريقاً مغايراً للشُّراح اليونان، ويقول عنه إنه يجب أن يكون قوة بدنية.

والتفَّت أغلب المسائل التي بحثها الفلاسفة العرب في العقل حول طبيعة العقل الهيولاني وتفسير كيفية حدوث المعرفة العقلية. ورغم وجود شيء من عدم الاتساق في أعمال الفارابي الصغرى في العقل؛ فالواضح أن العقل الهيولاني لديه هو قوة للنفس البشرية الفردية، تنطبع فيها المعقولات من خلال عملية التجريد. ولأنه عرضة للكون والفساد؛ فليس العقل الهيولاني الإنساني خالداً بذاته، ويعتمد في خلوده على المرتبة التي يحقِّقها بتحصُّله على المعقولات المجردة، وهي العملية التي يتخلص من خلالها من المادة. وهذا هو ما يعتقد الفارابي في حدوثه عندما يصل إنسان ما إلى مرتبة العقل المستفاد. في هذه المرتبة؛ يصير العقل الإنساني واحداً بالكامل مع معقولاته المجردة، متحصِّلاً بذلك على مرتبة تماثل العقل الفعال ذاته. وتبعاً لذلك؛ يصير العقل المستفاد قادراً على أن يتَّخذ من العقل الفعال موضوعاً لِتَعَقُّلِه، والاتصال به في نوع من الاتحاد بين العاقل والمعقول. ويفهم الفارابي الاتصال بالعقل الفعال على أنه الغاية الإنسانية القصوى والشرط اللازم للخلود. والنفوس التي لا تصل لمرتبة العقل المستفاد في هذه الحياة؛ لا تستطيع البقاء بعد فناء البدن؛ لأنها تبقى مادية وكائنة فاسدة. لكن لا يبدو أن الخلود في نظر الفارابي شخصي فردي، وفي أواخر حياته اتَّجه للشك في قيمة مثل هذه النظرة المحدودة للخلود. ففي شرحه المفقود على «الأخلاق النيقوماخية» لأرسطو، والذي نعرفه من ابن باجة وابن طفيل وابن رشد، اتجه الفارابي للتخلِّي عن إمكان الاتصال بالعقل الفعال، إذ يتضمن انقلاب طبيعة الكائن الفاسد إلى الطبيعة الأزلية، وهو مُحال([29]).

وعلى العكس من الفارابي؛ فلم يكن الخلود الشخصي يمثِّل إشكالية بالنسبة إلى ابن سينا؛ إذ ذهب إلى أن النفس جوهر قائم بذاته. كما أن ثنائية ابن سينا بين النفس والبدن فصلَته عن باقي المشائين العرب في معالجته للأدوار التي يقوم بها العقل الهيولاني والعقل الفعال في تحصيل المعرفة. فكما أن البدن عنده مجرد سبب أوَّلي مناسب لخلق النفس الفردية؛ فإن قوى الحس هي الأخرى تقوم بدور أولي لإعداد النفس لتلقِّي المعقولات. وتوازي وظيفة العقل الفعال في خلق النفوس الفردية وظيفته في إنتاج المعرفة البشرية: فالصور الحسية هي المناسَبَة التي تأتي عندها النفس لتعقل الصور العاقلة واحدة تلو الأخرى، مثل تلقِّي تصور «الإنسان» في مقابل «هذا الشخص الذي أمامي»، وذلك بنفس طريقة إعداد الزوجين للجنين الذي يستقبل النفس من العقل الفعال مرة تلو أخرى؛ أي: على هيئة إيجاد بشر من بشر وحيوان من حيوان. وليست وظيفة العقل الفعال في المعرفة هي في إنارة الصور الحسية كي يتم تجريد الصور الكلية منها؛ ذلك لأن السبب الأساسي لإنتاج تصور معقول جديد في العقل البشري ليس فعل تجريد أبداً، بل هو بالأحرى نتيجة فعل فيضي من العقل الفعال:

فإن القوة العقلية إذا اطَّلعت على الجزئيات التي في الخيال، وأشرق عليها نور العقل الفعال فينا الذي ذكرناه؛ استحالت مجرَّدة عن المادة وعلائقها، وانطبعت في النفس الناطقة، لا على أنها أنفسها تنتقل من التخيُّل إلى التعقُّل منَّا... بل على معنى أن مطالعتها تعدُّ الأنفس ليفيض عليها المجرد من العقل الفعال([30]).

كان لقول ابن سينا إن المعرفة هي في أساس فيض عدد من النتائج الإبستيمولوجية العامة، منها إنكاره للذاكرة الذهنية. فوِفْقَ المعالجة الفيضية للمعرفة: ليس الفهم العقلي سوى الوجود الفعلي لموضوع المعرفة في الذات العارفة؛ فالتفكير في تصور ما (س) هو ببساطة وجود صورة أو ماهيَّة (س) في عقل العارف. وبما أن العقل ليس بدنيَّاً ولا يوصَف بالامتداد المكاني؛ فليس فيه مكان يمكن أن تُحْفَظ فيه المعقولات في حال عدم التفكير فيها بالفعل. وبذلك فإن المكان الحافظ للمعقولات ليس النفس، بل هو بالأحرى العقل الفعال ذاته؛ الذي في حالة تعقُّل دائم لمعقولاته. وعلاوة على ذلك فإن الاتصال بالعقل الفعال عند ابن سينا ليس حالة خاصة للعقل يكون بها خالداً، بل هو بالأحرى أساس كل تَعَلُّم، الذي ليس سوى «طلب الاستعداد التام للاتصال...»([31]).

وقد تمكَّن ابن سينا بمعالجته لدور العقل الفعال في التعقُّل الإنساني من تقديم نظرية عقلية في النبوة. فالنبي عنده يمتلك هبة الحدس، ويتحصَّل على ما سمَّاه ابن سينا «العقل القدسي». ويقرُّ ابن سينا بحصول بعض البشر من غير الأنبياء على قدرة حسية أقل لاستقبال فيض العقل الفعال دون مساعدة من حواس أو من معلِّم بشري. إلا أن حدس النبي متميز؛ فهو لا يأتيه كبروق متفرقة، بل يستقبل كل المعقولات من العقل الفعال في لحظة واحدة. كما لا يفتقر النبي عنده للفهم العقلي للحقائق المعقولة التي يستقبلها بهذه الطريقة، بما أنها مرَّتَبة منذ البداية على نحو عقلي ومنظَّمة منطقياً طالما تضمَّنت الحدود الوسطى للأقيسة المبرهنة على صدقها. وبذلك، فإن النبي عند ابن سينا ليس متميزاً بمجرد مَلَكَة الـمُخَيِّلة وحدها كما كان الحال عند الفارابي، بل كذلك بفضل الصفات الخاصة لعقله المفارق للمادة([32]).

ومن بين كل الفلاسفة العرب، كانت نظرية ابن رشد في الوضع الأنطولوجي للعقل الهيولاني وصِلته بالفرد هي التي أثارت الكثير من الجدل. كافح ابن رشد كثيراً في سبيل وضع تصوُّر مفهوم عن معالجة أرسطو للعقل الهيولاني في المقالة الثالثة من «كتاب النفس» (الفصل الرابع)، وذلك عبر كل شروحاته الثلاثة على هذا الكتاب، بالإضافة إلى عدد من رسائله في العقل، والتي كتبها في فترات متفرقة من حياته؛ إذ غَيَّر من تفسيره للنص مرات عديدة([33]). وما زاد من مهمة ابن رشد تعقيداً، ما ورثه من تفسيرات متعارضة ومتنافسة لدى الشُّراح اليونان، خاصة مثل الإسكندر الأفروديسي وثامسطيوس، اللذَين يمثِّلان طرفي النقيض حول مسألة الوضع الأنطولوجي للعقل. وما شكَّل مركز اهتمام ابن رشد؛ هو قول أرسطو: إن العقل الهيولاني يجب أن يكون غير مختلط بالمادة كي يتحصَّل على معرفة بالمعقولات الكلية. فما معنى أن يكون هذا العقل غير مختلط بالمادة؟ وكيف يؤثِّر ذلك في علاقة هذا العقل بالكائن الإنساني الفرد المرتبط بالبدن والحاصل على فرديَّته من هذا البدن ذاته؟

كان أول موقف لابن رشد تجاه العقل الهيولاني في «جوامع كتاب النفس»، الذي راجعه لمرتين على الأقل كي يصحِّحَه بناء على مواقفه المتغيرة التالية. كان هذا الموقف أقرب إلى الإسكندر، وهو ما يمكن وصفه بالمادي. ووفق هذا الموقف؛ فإن العقل الهيولاني هو استعداد خاص لاستقبال المعقولات ويكمن في المخيلة، أو بمعنى أدق: «الاستعداد الذي في الصور الخيالية لقبول المعقولات هو العقل الهيولاني الأول». وبما أن المخيلة قوة في النفس، محتوياتها موجودات روحية أو قصدية لا مادية؛ اعتقدَ ابن رشد في هذه الفترة من تطوره الفكري أن هذا الوضع [للمخيلة] يتَّفق مع معيار أرسطو القائل: إن العقل ليس جسماً «وليس هو في نفسه شيئاً من الأشياء»([34]).

ولم يرضَ ابن رشد عن هذا الحل ولم يتمسَّك به طويلاً؛ ففي أعماله المتأخرة، خاصة «الشرح الكبير على كتاب النفس» (الذي وصلنا في ترجمته اللاتينية من العصر الوسيط)؛ اتجه نحو موقف ثامسطيوس، محاولاً البرهنة على أن العقل الهيولاني «ليس جسماً وليس قوة في جسم»*، لكن يضيف ابن رشد إليه خاصيَّة أخرى تفرق معالجته على نحو جذري عن نظريات كل سابقيه، فهو يقول: إن العقل الهيولاني إذ كان مفارقاً للمادة بالمطلق ولا جسميا، فلن يكون قابلاً للتفريد بالبدن كما ذهب ابن سينا، أو كما قال ابن رشد: «لن يكون متعدداً بتعدد أفراد البشر». ونتيجة هذا الاستدلال هي ما اشتهر على أنه نظرية ابن رشد في «وحدة العقل»، أو بطريقة أكثر إخلاصاً لروح الفلسفة الرشدية «مذهب واحدية النفس» monopsychism، والذي يكون فيه العقل الهيولاني، كما العقل الفعال، جوهراً مفارقاً [للأفراد] وواحداً لدى كل البشر([35]).

وفي حين أن هذا الموقف يختلف بحدَّة عن موقفه المبكر [في جوامع كتاب النفس] من الوضع الميتافيزيقي للعقل الهيولاني؛ فالملاحظ أنه يشترك مع الموقف المبكر في القول إن الفكر الإنساني يتفرَّد ويتعدد بالصور الخيالية المصاحبة للأفكار الكليَّة؛ اتِّفاقاً مع قاعدة أرسطو القائلة: إن النفس لا يمكنها التفكير دون صور خيالية. وعلاوة على ذلك؛ فلا نظرة ابن رشد المادية الأصلية ولا نظريته اللاحقة في وحدة العقل تسمح بالخلود الفردي. وهكذا ففي حين يقطع ابن رشد بإمكان الاتصال بالعقل الفعال؛ فقد ظل هذا الإمكان، كما عند الفارابي من قبله، مجرَّد مثال عقلي لا يرتبط بالعقيدة الدينية التقليدية في الخلود الفردي بعد الموت([36]).

النفس بوصفها مبدأً للحركة: القوة النزوعية والعقل العملي

لم يتجاهل الفلاسفة العرب ملاحظة أرسطو أن النفس مبدأ للحركة كما للمعرفة، لكنهم ركَّزوا على القوى المعرفية للنفس. وتعامل الأرسطيون العرب مع القوة النزوعية على أنها أثر لاحق للتعقُّل، ينشأ عندما يُدْرَك شيء ما بالحس أو بالعقل على أنه مرغوب فيه أو مكروه. وطبقوا المبدأ القائل: إن القوة النزوعية تابعة للإدراك الحسي على المجالين الحسي العقلي بنفس درجة الدقة. وربما كانت أهم نتيجة لذلك هي افتقاد الفلاسفة العرب لمفهوم دقيق عن الإرادة، باعتبارها مَلَكَة عقلية مستقلة قادرة على مقاومة إملاءات العقل. وبالأحرى جاءت كلمة «الإرادة» لديهم للتعبير عن كل نزوع للنفس، منطبقة على المفهوم الأرسطي عن «النزوع الإرادي» [أو الذي بذاته]، والذي ينطبق على الحيوان والأطفال والبالغين معاً*. والقوة النَّزوعة المرتبطة بالعقل في الفلسفة العربية ليست هي «الإرادة» بل «الاختيار» (المقابل للكلمة اليونانية prohairȇsis)؛ أي: القدرة على التمييز بين طرق ممكنة للفعل وعلى التعامل العقلي مع اختيارات المرء([37]).

ولم يُبالِ الفلاسفة العرب بما إذا كانت هذه النظرة تؤثِّر على الحرية الإنسانية أو المسؤولية الأخلاقية. فالأخلاق لديهم كانت في الأساس مسألة تخص العلاقة المتبادلة بين العقل العملي والقوى الحسية النزوعية الأدنى. وعند ابن سينا يتعاون العقل العملي مع القوة الواهمة والقوة العاقلة من جهة، ومع العقل النظري من جهة أخرى، في القيام بالسلوك الأخلاقي والاستدلال العملي، وللوصول إلى تعميمات أخلاقية وقواعد للسلوك. وبالتالي؛ تكون الفضيلة والرذيلة نتاج نجاح أو فشل العقل العملي في تدبير البدن. وطالما نجح العقل العلمي في السيطرة على القوى النزوعية الدنيا؛ فالفاعل فاضل، وطالما فشل في السيطرة عليها؛ فالفاعل رذيل([38]). ورغم أن الدور الأخلاقي للعقل العملي أساسي؛ إلا أنه يقع تحت العقل النظري في هذا الشأن في التراث العربي. وليس هناك مثال على ذلك أبرز من «جوامع كتاب النفس» لابن رشد، حيث يلاحظ أن العقل الإنساني في أغلب الحالات لا يتجاوز قدرات العقل النظري: «ونبتدئ أولاً بالقول في القوة العملية... فهذه القوة هي القوة المشتركة لجميع الأناسي التي لا يخلو إنسان منها، وإنما يتفاوتون فيها بالأقل والأكثر. وأما القوة الثانية؛ فيظهر من أمرها أنها إلهية جداً، وأنها إنما توجد في بعض الناس، وهم المقصودون أولاً بالعناية في هذا النوع»([39]).

* Deborah L. Black، أستاذة الفلسفة ودراسات العصر الوسيط بجامعة تورنتو. متخصصة في منطق وميتافيزيقا العصور الوسطى الإسلامية واللاتينية، وأجرت دراسات عديدة في نظريات النفس والعقل الوسيطة. من مؤلفاتها: Logic and Aristotle’s “Rhetoric” and “Poetics” in Medieval Arabic Philosophy. Islamic Theology and Philosophy, vol. 7. Leiden: E. J. Brill, 1990.

** هناك اختلاف بين الباحثين في كتابة عنوان هذا الكتاب، فالبعض يكتبه «الحاس والمحسوس» كما في نشرة عبد الرحمن بدوي «تلخيص الحاس والمحسوس» لابن رشد، ضمن نشرته لكتاب أرسطو «في النفس»، سبق ذكره. أما هاري بلومبرج؛ فقد كتب العنوان: «تلخيص الحس والمحسوس» في نشرته للتلخيص نفسه: Averrois Cordvbensis: compendia Librorvm Aristotelis qvi parva natvralia vocantvr / Aemilia Ledyard Shields; Henrico Blvmberg, The Mediaeval Academy of America; no. 80, Cambridge, Massachusetts, 1972. اعتمد عبد الرحمن بدوي على مخطوط واحد فقط هو مخطوط إسطنبول، واعتمد بلومبرج على ثلاث مخطوطات، إسطنبول وباريس ومودينا.

*** هذا تعميم غير دقيق، لا ينطبق إلا على المعالجات التفصيلية، أما الأثر الأكبر على النظرة العامة لفلاسفة الإسلام حول النفس والعقل فيأتي من كتاب «أثولوجيا أرسطوطاليس» وهو أجزاء من تاسوعات أفلوطين المنسوبة خطأً لأرسطو، ومن كتاب «الإيضاح في الخير المحض» وهو أجزاء من كتاب بروقلس «عناصر الثيولوجيا» المنسوب لأرسطو أيضاً؛ والتوجه الأفلاطوني للرازي ليس استثاءً بل هو القاعدة.

([1]) حول الخلفية اليونانية لنظرياتهم في النفس والعقل، انظر، Davidson [208], 3–43; Peters [61], 40–7.

([2]) للتعرف على النقد الكلامي للفلاسفة، انظر، الغزالي، تهافت الفلاسفة، تحقيق موريس بويج، دار المشرق، بيروت، الطبعة الرابعة، 1990، ص235 وما بعدها.

([3]) Aristotle, De Anima, II.1, 412a27–8; 412b4–6; 413a4–6.[أرسطوطاليس، في النفس، ص29 – 31. (المترجم)]

وضع العرب كلمة «استكمال» للتعبير عن المصطلح اليوناني entelecheia. [لكن إسحق بن حنين مترجم كتاب النفس عربها كما هي: «انطلاشيا». (المترجم)].

([4]) لمعالجة ممتازة لنظرية الرازي في النفس، انظر، Druart [209]..

([5]) إن الكتاب الذي قدَّم فيه الرازي أسطورة السقوط هذه مفقود، ووصلنا من العروض التي قدَّمها نُقَّاده. انظر ترجمة لأحد هذه العروض في Pines [198]68–9، انظر أيضاً L. E. Goodman, “Razi’s Myth of the Fall of the Soul,” in Hourani [25], 25–40.

([6]) Avicenna, Avicenna’s “De Anima”: Being the Psychological Part of Kitab al-shifa ’, ed. F. Rahman (Oxford: 1959), bk. 1, ch. 1, 5–11

[ابن سينا، الشفاء، الطبيعيات، 6) النفس، تحقيق جورج قنواتي وسعيد زايد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975، ص5 – 13. (المترجم)].

([7]) انظر الترجمة الإنجليزية للصيغ الثلاث لهذا المثال في، Marmura [214].

([8]) Avicenna’s “De Anima,” bk. 1, ch. 1, 15–16. [ابن سينا، الشفاء، النفس، ص13. (المترجم)]

* التفريد هو فردنة للنفس؛ أي: تخصيص نفس فردية جزئية لبدن معيَّن.

([9]) ابن سينا، الشفاء، النفس، المقالة الخامسة، الفصلان الثالث والرابع. انظر أيضاً الترجمة الإنجليزية لما يناظر هذا الجزء في كتاب «النجاة»: Avicenna [205], chs. 12–13؛ انظر أيضاً، Druart [89] and Druart [210]. [ابن سينا، النجاة: في الحكمة المنطقية الطبيعية والإلهية، مطبعة السعادة، القاهرة، 1938، ص185 وما بعدها. (المترجم)].

* وبذلك يخطئ من يظن أن ابن سينا يقول بوحدة العقل لدى كل البشر وبالتالي ينكر الخلود الفردي ويقول بالخلود النوعي الجمعي للعقل، وهو الانطباع الذي يأتي من قارئ كتاب إرنست بلوخ، ابن سينا واليسار الأرسطوطاليسي، ترجمة محمَّد التركي، المجمع التونسي للعلوم والآداب الفنون (بيت الحكمة)، تونس، 2012، إذ خلط بلوخ بين ابن سينا وابن رشد في مفاهيمهما عن النفس والعقل والخلود والمادة، ولم يميِّز بدقة بين الأثر السينوي والأثر الرشدي في فلاسفة عصر النهضة اللاتين واليهود وحتى سبينوزا؛ والعبارة الواردة في عنوانه «اليسار الأرسطوطاليسي» لا تنطبق إلا على ابن رشد والرشديات اللاتينية والنهضوية واليهودية.

([10]) De Anima, II.12, 424a17–19; cf. De Anima, III.4, 429a15–18

[أرسطوطاليس، في النفس، ص56 – 60، 72 – 74. (المترجم)].

([11]) R. M. Frank, “Al-Ma‘na´: Some Reflections on the Technical Meanings of the Term in Kalam and its Use in the Physics of Mu‘ammar,” Journal of the American Oriental Society 87 (1967), 248–59

([12]) ابن سينا، الشفاء، العبارة، تحقيق محمود الخضيري وإبراهيم مدكور، القاهرة، 1970، ص ص2 – 3

([13]) استبق الفاربي ابن سينا في البحث في الوجود الذهني، الفارابي، رسالة في العقل، تحقيق موريس بويج، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1938، «فإذا حصلت المعقولات بالفعل صارت حينئذ أحد موجودات العالم، وعُدّت من حيث هي معقولات في جملة الموجودات»، ص ص17 – 18. انظر الترجمة الإنجليزية في Hyman and Walsh [26], 216.

([14]) Averroes, Averrois Cordubensis Commentarium Magnum in Aristotelis “De Anima” Libros, ed. F. S. Crawford (Cambridge: 1953), bk. 3, comment 5, 400–1; English trans. in Hyman and Walsh [26], 327–8

[ابن رشد، الشرح الكبير لكتاب النفس لأرسطو. نقله من العبرية إلى العربية الأستاذ إبراهيم الغربي. المجمع التونسي للعلوم والفنون والآداب (بيت الحكمة)، قرطاج، 1997، ص230 وما بعدها. يخرج ابن رشد في هذا الجزء عن شرح أرسطو، ويقدِّم تحليلات مفصلة لكيفية تعقُّل النفس العاقلة للمعقولات، يصحِّح بها آراء الإسكندر الأفروديسي وثيوفراسطوس وثامسطيوس والفارابي؛ وهو من المواضع النادرة في أعماله والكاشفة عن نظريته الخاصة في العلاقة بين العقل الهيولاني والعقل الفعال. (المترجم)]

([15]) ابن سينا، الشفاء، النفس، المقالة الثانية، الفصل الثاني، ص50. الترجمة الإنجليزية: Avicenna, ch. 7, 38–40.

([16]) انظر دراسة ولفسون Wolfson [217] لمعالجة دقيقة وشاملة للحواس الباطنة.

([17]) نجد أتمَّ معالجة قدَّمها الفارابي للمخيلة في، «آراء أهل المدينة الفاضلة»، تحقيق ألبير نصري نادر، دار المشرق، بيروت، 1968، ص87 – 100

([18]) قَدَّم الفارابي هذا المثال في «تحصيل السعادة»، Alfarabi’s Philosophy of Plato and Aristotle, trans. M. Mahdi (Ithaca, NY: 1962), 45. [تحقيق علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1995، ص90. (المترجم)].

([19]) حول الدور المعرفي للوهم، انظر Black [207], and D. L. Black, “Estimation and Imagination: Western Divergences from an Arabic Paradigm,” Topoi 19 (2000), 59–75.

([20]) De Anima, II.6, 418a20–5. [أرسطوطاليس، في النفس، ص45. (المترجم)]

([21]) نجد معالجة ابن سينا الأساسية للحواس الباطنة في «الشفاء، النفس، المقالة الأولى، الفصل الخامس»، ص43– 45، مع كثير من التطوير والتفصيل في المقالة الرابعة، الفصول 1 – 3؛ انظر الترجمة الإنجليزية، Avicenna [205], 30–1.

([22]) ابن رشد، تهافت التهافت، تحقيق موريس بويج، ص546 – 547. الترجمة الإنجليزية Averroes [140], vol. I, 336.

([23]) ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، تحقيق أحمد فؤاد الأهواني، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1950، ص24؛ [ابن رشد، تلخيص الحاس والمحسوس، منشور في، أرسطوطاليس، في النفس، تحقيق عبد الرحمن بدوي، سبق ذكره، ص191 وما بعدها. (المترجم)]؛ (Epitome of “On Sense and Sense-Objects”), ed. H. Blumberg (Cambridge, MA: 1972), 23–24; Epitome of “Parva Naturalia,” trans. H. Blumberg (Cambridge, MA: 1961), 15–16. For Talkhis kitab al-nafs see also A. Ivry, “Averroes’ Short Commentary on Aristotle’s De Anima,” Documenti e studi sulla tradizione filosofica medievale 8 (1997), 511–52.

([24]) ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، ص29 – 35، 42 – 43؛ Epitome of “Parva Naturalia,” 18–21 and 26–7.

([25]) R. J. McCarthy, “Al-Kindi’s Treatise on Intellect,” Islamic Studies 3 (1964), 119–49; al-Farabi [211].

([26]) ابن سينا، الشفاء، النفس، ص48 – 50؛ Avicenna’s Psychology, ch. 5, 33–5. أما ابن رشد، فتمييزه بين مراتب العقل موزع على كل أعماله، ونذكر بالأخص، تلخيص كتاب النفس، 85 – 86، 89 – 90

([27]) See McCarthy, “Al-Kindi’s Treatise on Intellect,”130–1, 142

حول الصعوبات المرتبطة بمفهوم الكندي عن العقل الثاني، انظر Jolivet [69], 12–13.

([28]) De Anima, III.5, 430a24–5. [أرسطوطاليس، في النفس، ص74 – 75].

([29]) Averroes, Averrois Cordubensis Commentarium Magnum in Aristotelis “De Anima” Libros, book 3, comm. 36; Davidson [208], 70–3. ابن رشد، الشرح الكبير لكتاب النفس، ص291 وما بعدها

انظر أيضاً الفصل الرابع من هذا الكتاب.

([30]) ابن سينا، الشفاء، النفس، ص208؛ لتفسير آخر لقوة التجريد عن ابن سينا، انظر، D. Hasse, “Avicenna on Abstraction,” in Wisnovsky [104], 39–72.

([31]) المرجع السابق، ص218

([32]) المرجع السابق، ص219 – 220. وحول الحدس انظر، Gutas [93], 159–77,، وانظر مناقشة مستفيضة في، “Intuition and Thinking: The Evolving Structure of Avicenna’s Epistemology,” in Wisnovsky [104], 1–38.؛ وحول نظرية ابن سينا في النبوة انظر، M. E. Marmura, “Avicenna’s Psychological Proof of Prophecy,” Journal of Near Eastern Studies 22 (1963), 49–56. See further F. Rahman, Prophecy in Islam (Oxford: 1958; repr. Chicago: 1979).

([33]) حول تطور رؤى ابن رشد في العقل، انظر Davidson [208], 258–314. كما أن هناك خلافاً حول الترتيب الزمني لشروحه على كتاب النفس [إذ يعتقد الباحثون أن ابن رشد راجع «تلخيص كتاب النفس» بعد أن أتم "الشرح الكبير على كتاب النفس]. حول الرؤى المختلفة في هذا الترتيب الزمني انظر: H. A. Davidson, “The Relation betweenAverroes’ Middle and Long Commentaries on the De Anima,” Arabic Sciences and Philosophy 7 (1997), 139–51, and A. Ivry, “Averroes’ Three Commentaries on De Anima,” in Aertsen and Endress [134], 199–216

[وفي العربية، انظر، المصباحي، محمَّد: إشكالية العقل عند ابن رشد. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، 1988].

([34]) ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، تحقيق أحمد فؤاد الأهواني، ص86. [الكتاب هو جوامع كتاب النفس وليس التلخيص، الذي نشره ألفريد عبري ومحسن مهدي: تلخيص كتاب النفس. تحقيق وتعليق ألفريد ل. عبري. مراجعة د. محسن مهدي. تصدير أ.د. إبراهيم مدكور. المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1994. (المترجم)].

* الملاحظ أن هذا هو نفسه تعريف أرسطو للمحرك الأول في المقالة السابعة من كتاب «الطبيعة». العقل الهيولاني إذن يشترك مع المحرك الأول في أنه «ليس جسماً وليس قوة في جسم».

([35]) Averroes [135], bk. 3, Comment 5, 401–9; English trans. in Hyman and Walsh [26], 324–34

[ابن رشد، الشرح الكبير لكتاب النفس، ص230 – 248. (المترجم)]

([36]) حول مفهوم الاتصال بالعقل الفعال عند ابن رشد، انظر، A. Ivry, “Averroes on Intellection and Conjunction,” Journal of the American Oriental Society 86 (1966), 76–85, Black [206], and Averroes [204].

[رسالة ابن رشد في إمكان الاتصال بالعقل الفعال مفقودة في أصلها العربي، ووصلتنا في ترجمة عبرية في شرح موسى الناربوني عليها (1300- 1362)، وترجمها كالمان بلاند إلى الإنجليزية:   Bland, Kalman P., The Epistle on the Possibility of Conjunction by Ibn Rushd (With the Commentary of Moses Narboni). PhD Dissertation, The Faculty of the Graduate School of Arts and Sciences, Brandeis University, 1972). (المترجم)].

* انظر في ذلك، سعيد البوسكلاوي، مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائيّة، بيروت، دار المشرق، 2010

([37]) انظر على سبيل المثال، Walzer [77], ch. 10, 165, 171–3, and ch. 13, 203–11.

([38]) ابن سينا، الشفاء، النفس، المقالة الأولى، الفصل الخامس، ص37 - 39؛ Avicenna [205], ch. 4, 32–3.

([39]) ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، ص69؛ للمزيد انظر، A. Ivry, “The Will of God and Practical Intellect of Man in Averroes’ Philosophy,” Israel Oriental Studies 9 (1979), 377–91.