العمل السياسيّ عند المعتزلة وخروجه عن السائد


فئة :  أبحاث محكمة

العمل السياسيّ عند المعتزلة وخروجه عن السائد

العمل السياسيّ عند المعتزلة وخروجه عن السائد([1])


ملخص:

من الشائع عن المعتزلة أنّهم فرقة كلاميّة تعتني بالمسائل النظريّة والتجريديّة أكثر من اعتنائها بالقضايا الاجتماعيّة والسياسيّة. ومن الشائع، أيضاً، أنّهم نادراً ما يتدخّلون في السياسة وقضاياها المباشرة، وعندما تدخّلوا في بعض الحالات «الاستثنائيّة»، أفسدوا الأمر على أنفسهم، وشوّهوا الصورةَ التي تناسب توجّههم النقديّ، صورةَ المدافع عن الحريّة في الفكر والممارسة. ووصل الأمر، في بعض الدراسات الحديثة المخصّصة لهم، إلى حدّ اتّهامهم بالاستبداد، والسعي إلى إجبار مخالفيهم على تبنّي آرائهم.

ربّما يعود هذا الاضطراب، في تقييم سلوكهم السياسيّ، إلى قلّة المعلومات المتوافرة، وإلى التوجيه الدلاليّ القسريّ، الذي مارسته عليها قراءات مذهبيّة معادية لهم في الغالب. وهذا ما لم يكن ليساعد على رفع الالتباس المفهوميّ، الذي ظلّ ملازماً لكيفيّة تفاعلهم مع الواقع السياسيّ، وكيفيّة عملهم على تغييره، بما يقتضيه مبدآ «الحسن» و«القبح» العقليّان. غير أنّ هذه القلّة في المعلومات تُفهَم في ضوء جملة من الخصوصيّات، التي حفّت بالوجود التاريخيّ للمعتزلة: أوّلها أنّهم الفرقة الوحيدة -من بين الفرق الإسلاميّة- التي لم تُقم دولة؛ بل لم تمارس السلطة، على الرغم من كلّ ما قيل عن بعض تجاربها، سواء في العهد الأمويّ أم في العهد العبّاسيّ، ولذلك لم تنشئ -ولم تخلّف- أدبيّاتٍ تاريخيّة رسميّة تؤرّخ لها، وتعبّر عن مواقفها، على غرار ما فعلت دول أهل السنّة، والشيعة، والخوارج.

ثاني المعطيات أنّهم لم يمارسوا العمل السياسي وفق المعايير المذهبيّة المتعارفة عصرئذٍ، فقد خرجوا عن المألوف، وكسروا الحواجز المذهبيّة، في سبيل تكريس سياسة مدنيّة عقليّة توفّر الأساسيَّ في السلطة، وتكون الجامعَ بين الجميع: وهي العدل السياسيّ. فكان أن أشكلت ممارساتهم السياسيّة على الدارسين، لا لغموضها، أو تناقضها فيما بينها، أو تحوّلها غير المبرّر، بل لنشازها عن قوالب التحليل الجاهزة.

وثالث هذه المعطيات أنّ كثافة إنتاجاتهم الفكريّة، في مجال علم الكلام، صرفت اهتمام الدارسين، منذ القديم إلى اليوم، عن محاولة الكشف عمّا يميّزهم حقيقةً وراء هذا الطابع الكلامي، وهو طرافة الحضور التاريخيّ.

وعلى هذا الأساس، ولفهم هذا الجانب من الظاهرة الاعتزاليّة، وجبت مراجعة الأحكام المتناقضة التي أطلقت على المعتزلة، حتّى نوجد حدّاً أدنى من الانسجام تقتضيه الحقائق الفكريّة والتاريخيّة، وذلك انطلاقاً من تجميع شتات المقاطع النصّيّة، التي تحدّثت عنهم في واقعهم السياسيّ، ومن محاولة ترميم صورتهم السياسيّة، التي لم تكن، بأيّة حال، باهتة لا تستحقّ الالتفات إليها، ولا مباينة للمبادئ العقليّة التي أعلوْها؛ ولذلك فإنّ بحثنا هذا يهدف إلى الكشف عن خصوصيّة العمل السياسيّ عندهم، وعمّا قاموا به منذ وقت مبكّر من «عقلنة» لمفهوم الدولة في اتّجاه البحث عن الأصلح والأنجع في واقع العمران البشريّ.

ولبحث هذه القضايا، نعتزم تقسيم البحث إلى قسمين، مع توطئة، وخاتمة تأليفيّة. نعرض في التوطئة أهمّ الدراسات الخاصّة بالمعتزلة وبعملهم السياسيّ، ونحلّل مصطلح الاعتزال، في علاقته بالمسألة السياسيّة خاصّة. وفي القسم الأوّل، نبحث مقوّمات النظريّة السياسيّة عند المعتزلة، أوّلاً من حيث مواقفهم ممّا جدّ من خلافات في الفترة التأسيسيّة (فترة الخلافة الراشدة)؛ لأنّ الموقف منها تحوّل إلى مؤشّر واضح على الانتماء المذهبيّ، والتصوّر السياسيّ المقدَّم، وثانياً من حيث علاقة هذا التصوّر بالأصول الخمسة عندهم، وتحديداً أصل «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وهو أكثر الأصول اتّصالاً بالواقع.

وفي القسم الثاني من هذا العمل، ندرس التحرّكات السياسيّة، التي قام بها المعتزلة في علاقتهم بأطراف مذهبيّة مختلفة: أوّلاً مع الشيعة الزيديّة، ثمّ مع الخوارج الإباضيّة، ثمّ مع أهل السنّة.

وفي الخاتمة، سنبيّن معالم المفهوم الجديد للعمل السياسيّ عند المعتزلة، مع محاولة الربط بينه وبين المفهوم المدني الحديث للسلطة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا


[1]- نشر هذا البحث ضمن كتاب "الفكر النقدي في الإسلام المعتزلة أنموذجاً (1) قضايا كلامية وسياسية في الفكر الاعتزالي"، إشراف حمادي ذويب، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.