دون كيشوت وطاحونة الطلاسم


فئة :  مقالات

دون كيشوت وطاحونة الطلاسم

دون كيشوت وطاحونة الطلاسم

ما أن فرغت من قراءة الرواية الساخرة "طاحونة الطلاسم" للروائي الأديب فزيوي حبيب برواية وإمعان، حتى تقمصت شخصية دون كيشوت الفارس المغوار الذي لبس دروعه الحربية، وامتطى جواده ذي القوائم الفولاذية وشهر صارمه البتار لمجابهة الطاحونات الهوائية متوهما جيوشا عظيمة وشياطين ذات أذرع هائلة سيقضي عليها، فأراد صاحب المقال مجابهة رواية "طاحونة الطلاسم"، فليغفر لي أستاذي الروائي حبيب فزيوي، كاتب العديد من الروايات والمؤلفات (من أكواخ القنادسة إلى أبراج نيويورك، حكاية الأنثى التي، حكاية من بطن الأرض الثالثة، ما تحجر في ذاكرة الصحاف، النص المغيب واللغة العالمة العارفة، العشق الإلهي بين فحولة التنزيه وأنوثة التشبيه.) تطاولي عليه نقدا؛ لأن النقد موقف فكري ووجهة نظر مكملة للحياة وعلى قدر قيمتك يكون النقد موجها إليك سيدي الأديب حبيب، وعليه سنوجز جملة من النقاط في نقدنا هذا تتجلى في:

أولا: استهل الروائي فزيوي طاحونته بالكوجيتو الديكارتي (أنا أفكر إذن أنا موجود) فقال الروائي: (أنا أطحن أنا موجود) فالكوجيتو عند رونيه ديكارت (1596 - 1650) الفرنسي يعتريه الشك والنقصان ويفتقر إلى شرطي الثبات واليقين، لهذا قدم باروخ سبنوزا (1632 - 1677) اليهودي الأصل الفكرة الصادقة الوافية بذاتها، التي تفرض نفسها على الإنسان كما يفرض النور وجوده على الظلام كبديل عن كوجيتو ديكارت، في حين الكوجيتو الطاحوني الفزيوي - إن جاز لنا التعبير- يفتقر إلى شرطي الطحن الجيد والغربلة الدقيقة، يقول عبد الله شريط: «نحن نميل بطبعنا إلى التعود على السلبيات أكثر من الإقبال على الإيجابيات. وعندما نريد أن نفكر ننصرف أولا إلى الانتقاد: إلى انتقاد غيرنا طبعا، وتحميله المسؤولية فيما نعانيه، السلبية هي أن لا أفعل شيئا، وإن فعلته فهو تهديم ما بناه غيري. وكادت هذه العادة أن تصبح مرضا مزمنا مع مرور السنين والأجيال والقرون.»[1]

ثانيا: هؤلاء الأدباء الثلاثة (أم السهول المدعو ياسمينة خضراء وملكة مقدم ورابحي الرابح) الذين طحنهم الأديب فزيوي حبيب بأسلوبه الساخر المتهكم مقتفيا أثار الجاحظ في كتابه البخلاء، لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وأحصاها من حياتهم الشخصية، لكن طحنه مزيج بين الخشن السمين والدقيق الرقيق وأهمل غربال ميخائيل نعيمة الناقد الثاقب، الذي يسلط الضوء بشكل موضوعي ونقد غير إيديولوجي لهؤلاء الأدباء الذين سلف ذكرهم، يقول ميخائيل نعيمة في غرباله: «فالناقد مرشد لأنه كثيرا ما يرد كاتبا مغرورا إلى صوابه، أو يهدي شاعرا ضالا إلى سبيله. فكم من روائي عظيم توهم في طور من أطوار حياته أنه خلق للقريض، لكنه نَظَمَ ولم ينظم سوى كلام. إلى أن قيض الله له ناقدا رفع الغشاء عن عينيه فأراه أن الرواية مسرحه وليس البحور الشعرية، وكم من شاعر سخر منه الناس حتى كادوا يقتلون كل موهبة فيه. إلى أن أتاه ناقد أظهر للناس مواهب فيه ثمينة، وودائع نفيسة. فانقلب سخرهم تكريما وتهليلا، مثل هذا الكاتب والشاعر هما هدية الناقد إلى الأمة والبشرية.»[2]

ثالثا: نسأل الأديب حبيب لماذا التركيز على الجوانب السلبية وغير المشرفة في شخصية هؤلاء الأدباء الثلاثة؟

الإجابة المقنعة، الشافية الكافية نتركها للأستاذ فزيوي حبيب صاحب رواية "طاحونة الطلاسم" الذي أبدع في تأسيس أسلوب خاص به يشهد له القريب والبعيد، الداني والقاصي حتى الدكتور أمين الزاوي انبهر بأسلوب الروائي فزيوي في الكتابة الروائية الساخرة، فأكرم به من أديب يشق عباب بحر طلاسم الأدباء، مادام القلم ينادي الإنسان المبدع ويدعوها للوجود، رغم استقامة النقد ومتعة القراءة «فهذا ما ليس يصنعه إلا الفكر؛ ذلك الجوهر الخالد الذي لا مكان له ولا زمان، والذي لا قرابة أقرب منه بين إنسان وإنسان.»[3]

 

قائمة المراجع:

  1. ميخائيل نعيمة: الغربال، الطبعة الخامسة عشرة سنة 1991، مطبعة نوفل، بيروت- لبنان.
  2. عبد الله شريط: معركة المفاهيم، الطبعة الثانية سنة 1981، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر.

 

 

 

 

[1] عبد الله شريط: معركة المفاهيم، ص 19

[2] ميخائيل نعيمة: الغربال، ص 19

[3] ميخائيل نعيمة: الغربال، ص 05