من ترجمة "الفارماكون" إلى الترجمة باعتبارها "فارماكون"


فئة :  مقالات

من ترجمة "الفارماكون" إلى الترجمة باعتبارها "فارماكون"

نستند في وجهة النظر هذه إلى واقعة لغوية تتمثل في تضمن اللغات الطبيعية للألفاظ المشتركة، واللفظ المشترك هو ما يولّد في علاقته بالمعنى نوعًا من التباين يصل إلى حد التضاد(1)، ولا يخلو لسان العرب من هذه الظاهرة، ففي الآية القرآنية 228 من سورة البقرة يقول تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" ويستلزم لفظ "القرء" تباينًا على مستوى الدلالة، إذ يجمع بين الطهر والحيض. وإذا كان هذا الاشتراك الدلالي يستتبع عدة إشكاليات تداولية في اللغة الأصلية، فيما يتعلق باستنباط الحكم الفقهي خاصة، فإن نقل المفهوم إلى لغات أخرى سيصطدم بعوائق على مستوى الترجمة.

وليست ترجمة اللفظ المشترك باليسيرة، فهي لا تطرح الصعوبات اللغوية فحسب بل تولد مشكلات وجودية وفلسفية، ويعد لفظ "الفارماكون" Pharmakon في اليونانية، لغته الأصلية، شاهدًا على سلامة هذه الفرضية. فما هي الصعوبات التي تطرحها ترجمة "الفارماكون"؟ وكيف يمكن نعت الترجمة ذاتها بكونها "فارماكون"؟

سيدور حول هذه التساؤلات هذا القول الذي نفصّل بعض مقتضياته على النحو الآتي:

1- ترجمة "الفارماكون":

على الرغم من البساطة الظاهرة التي وظّف بها أفلاطون لفظ "الفارماكون" في مؤلفه "فيدر"(2)، فإن المفهوم يضمر قضايا فلسفية عميقة، فهو يطرح مشكلة التفاضل بين الكتابة والكلام، لذلك كان من الصعب ترجمة "الفارماكون"، بل إن المفهوم يطرح عدة صعوبات تداولية داخل سياقه الأصلي. وللاقتراب من هذه الصعوبات نشير إلى أن أفلاطون استحضر على لسان سقراط أسطورة مصرية قديمة هذا نصها:

"سقراط: حسنًا! سمعت من يروي أنه عاشت قرب نوقراطيس، في مصر، إحدى الآلهة القديمة للبلاد، هذه التي شعارها هو الطائر المقدس المدعو، كما تعرف، بابي منجل، وإن اسم الإله نفسه كان تووت. وعليه، فهو أول من اكتشف علم الأعداد والحساب والهندسة والفلك وكذلك القمار والنرد، وأخيرًا، اعلم هذا، حروف الكتابة. ومن ناحية أخرى، إنه كان يحكم مصر بأسرها في ذلك العهد طاموس... جاء تووت لمقابلته، وعرض عليه صناعته: قال له..."هي ذي يا جلالة الملك معرفة سيكون مفعولها جعل المصريين أكثر علمًا وأكثر قدرة على التذكر: إن الذاكرة والتعلم قد وجدا علاجهما معًا." فأجاب الملك: "أيها المعلم الذي لا يضاهى للفنون، يا تووت، إن ثمة فارقًا بين من يقدر على استحداث فن، وبين من يستطيع تقدير ما ينطوي عليه هذا الفن من ضرر أو فائدة لمستخدميه. وها أنت، في هذه الساعة، وبصفتك أبًا لحروف الكتابة، قد عزوت لها، بمحاباة، ضد مفعولاتها الحقيقية تمامًا! ذلك أن نتيجة هذه المعرفة ستكون، لدى من ينالونها، أن تطبع أرواحهم بالنسيان، لأنهم سيكفون عن استعمال ذاكرتهم، بوضعهم ثقتهم في المكتوب، سيتذكرون الأشياء من خارج، وبفضل علامات غريبة، وليس من داخل، بالاعتماد على أنفسهم. وإذن، فأنت ما اكتشفت علاجًا للذاكرة وإنما للاستذكار، أما عن التعلم فإنما تمنح لتلاميذك مظهره لا حقيقته. فإذ يمتلئون بمساعدتك بالمعارف، من دون أن يتلقوا أي تعليم، سيبدون قادرين على الحكم على آلاف الأشياء في حين هم في أغلب الأحيان مجردون من كل حكم، بل أكثر من هذا، سيكونون غير قابلين للاحتمال. إذ سيسمون أشباه متعلمين، بدلاً من أن يكونوا رجالاً متعلمين."

وقد حظي لفظ "الفارماكون" بالدرس من طرف جاك دريدا في مؤلفه "صيدلية أفلاطون"(3) فجعل منه المستند النظري لتناول مسألة الاختلاف والمغايرة، وقد تضمن تناوله إشكالات ولّدها المفهوم على مستوى ترجمته، تتمثل في ما يلي:

- صعوبة الترجيح في اختيار المكافئ الدلالي للمفهوم، فهو يفيد معنى العلاج، من جهة، كما يتضمن، في الوقت نفسه، معنى السم، وهذا ما يظهر من خلال الأسطورة، إذ إن الإله "تووت" يقصد باستخدامه للفارماكون معنى العلاج، في حين أن ملك الآلهة "طاموس" يحيل المفهوم إلى معنى السم، ولذا فان اختيار أحد المكافئين الدلاليين ليس صحيحًا ولا خاطئًا، بل إن محاولة الترجمة تجعلنا نتوه في دهاليز المعنى.

- إن اختيار العلاج أو السم مقابلاً للفارماكون يستلزم اتخاذ موقف داخل إحدى ثنائيات الداخل أو الخارج، لأن هذا الاختيار يقتضي إلغاء الآخر والقضاء على التعدد والاختلاف والمغايرة.

- "الفارماكون" هي واحدة من المفاهيم التي يمكن اعتمادها للخروج من الازدواج الميتافيزيقي الذي تتضمنه المفردات المتقابلة كالخير والشر(4).

- اعتبار الكتابة فارماكون معناه الإقرار الضمني بكونها ضارةً، بل سمًا، وهذا ما منح أفلاطون مشروعية إقصائها لصالح الكلام، لكن لماذا اعتبرت الكتابة ضارة في نظر أفلاطون؟

- ترجمة الفارماكون إلى علاج أو سم والتفريق بينهما هو إرث ميتافيزيقي يدمر المفهوم باختزاله في إحدى عناصره البسيطة، إنه يقضي على الاختلاف المتضمن في المفهوم.

- الفارماكون علاجًا لا يمكن أن يكون نافعًا ببساطة، فلا دواء دون ضرر.

- جوهر الفارماكون يكمن في كونه أليمًا حتى في الحالات التي يكون فيها ممتعًا.

- العلاج ضار لأنه اصطناعي ومعاكس للحياة الطبيعية.

يظهر إذن أن الكتابة هي الفارماكون الذي يضاعف النسيان في الوقت الذي يدعي أنه يقوي الذاكرة، وهذا ما يظهر من خلال جواب الملك طاموس: "وإذن، فأنت ما اكتشفت علاجًا للذاكرة وإنما للاستذكار، أما عن التعلم فإنما تمنح لتلاميذك مظهره لا حقيقته، فإذ يمتلئون بمساعدتك بالمعارف، من دون أن يتلقوا أي تعليم، سيبدون قادرين على الحكم على آلاف الأشياء، في حين هم في أغلب الأحيان مجردون من كل حكم، بل أكثر من هذا، سيكونون غير قابلين للاحتمال. إذ سيسمون أشباه متعلمين، بدلاً من أن يكونوا رجالاً متعلمين." لهذا، إذا سلمنا بأن الكتابة فارماكون، أي سمًا وعلاجًا، وإذا كانت الترجمة لتعلقها بالكتابة تعتبر هي نفسها كتابة من درجة ثانية، فإنه من الممكن اعتبار الترجمة نفسها فارماكون طبقًا لقاعدة "ما يجري على الأصل يجري على الفرع"، فكيف يمكن للترجمة، بوصفها كتابةً من الدرجة الثانية، أن تكون فارماكون؟ هذا ما يظهر في ما هو موالٍ:

2- الترجمة باعتبارها فارماكون:

لا خلاف في أن الترجمة تعد علاجًا شافيًا للأفراد والجماعات من حيث كونها معبرًا للذات نحو الآخر، وضامنًا للتفاعل والتثاقف والاختلاف، إذ تمكن من الخروج من العزلة نحو الغيرية. وإذا كانت التجارب شاهدة على منافع الترجمة في مداواة الانغلاق الحضاري، فإن ما لا يتم تداوله هو الوجه الآخر للترجمة باعتبارها سمًا، فكيف يمكن للترجمة أن تتحول من العلاج إلى السم؟

تشير جينالوجيا الترجمة إلى أن أصل ظهورها هو كونها نتيجة سمّ إلهي، إنها وليدة العقاب الإلهي لشعب بابل كما ورد في الإنجيل: "وقال الرب هو ذا شعب واحد ولسان واحد... هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض، فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة."(5) لكن هذا السم كان في الوقت نفسه ترياقًا، حيث استلزم التعدد في الألسن وسبب من ثم ظهور الترجمة. لكن إذا كانت الترجمة في هذا المستوى نتيجةً، فيمكن أن تكون سببًا في تسميم صحة الأفراد والمجتمعات كذلك، وهذا التسميم يمكن التدليل عليه في مستويات عدة:

* المستوى الثقافي: لما كانت الترجمة تحمل إرثًا ثقافيًا، فإنها تساهم في تسهيل الغزو الثقافي والهيمنة الحضارية والسياسية للغير الأقوى، وهذا ما نلاحظه في الإعلام والسينما التي تنفث عبر أفلامها المدبلجة والمعربة سمومًا داخل بيوتنا على مدار الساعة، فتخلق بذلك ثقافة هجينة، والحال أن التهجين هو أشد الأمراض الثقافية التي لا يرجى شفاؤها.

* مستوى اللغة المنقول إليها: يتبين أن بعض الترجمات لا تحترم الشروط الدنيا في عملية النقل، فنجد مفهومًا واحدًا يترجم بعدة مقابلات متباعدة في المعنى متعارضة فيه، وهذا ما يجعل ترجمات كهذه سمًا قاتلاً للنص الأصلي ومسببًا لمرض المعنى المترجم ومهلكًا لقارئه. وإذا كنا نتأسف لشيوع هذه الترجمة السم في اللغة العربية، فإننا نسوق أحد الأمثلة المتعلقة بفلسفة نتشه، فنتشه يجسد المغايرة والاختلاف، إنه الفيلسوف الذي يجمع بين المتضادات، فهو "المنحط وضده"، وهو الذي حقق الوحدة بين العقل والغريزة، وبين الصحة والمرض، بل إن المرض عنده هو الذي يجعلنا نقبل على الحياة بكثافة، فليس المرض هو نفي الصحة، بل هما متلازمان: "الصحة والمرض ليسا في جوهرهما مختلفين، كما كان يعتقده أطباء الأمس، وأيضًا بعض الممارسين اليوم. يجب ألّا نجعل منهما مبدأين أو عنصرين يتصارعان في الكائن الحي، إن مثل هذا القول لا قيمة له. وفي الواقع، ليس بين هذين الصنفين من الوجود إلا اختلاف في الدرجة." والمثال الذي نسوقه لمعرفة الترجمة السم في العربية فهو: "Unzeitgemäße" ينعت نتشه مجموعة "اعتباراته الأربعة"(6) التي كتبت في مرحلة الشباب بـ "Unzeitgemäße"، وإذا كان هذا المفهوم قد وجد في ترجمته الفرنسية مقابلين متقاربين في الدلالة هما: " "intempestif و""inactuel، فإن نقل المفهوم إلى اللسان العربي يستتبع إشكاليات حول اختيار المكافئ الدلالي العربي. وبالفعل، فنحن نجد أن عشرات المحاولات التي عملت على ترجمة "Unzeitgemäße" إلى اللغة العربية غلب عليها التباعد في اختيار المقابل العربي، مما استلزم، على مستوى تداوله، قلقًا في المعنى واضطرابًا في الفهم، ورغم غياب الترجمة الكاملة لأي جزء من المكونات الأربعة، فإن نقل العنوان وحده أنتج التباين في اختيار المقابل العربي.

وإذا ترجم مفهوم Betrachtungen""، أو بالفرنسية "considérations"، إلى العربية بتأملات أو خواطر أو اعتبارات، فان مفهوم "Unzeitgemäße" أو مقابله الفرنسي "intempestif" ولّد مراتب متباينة في اختيار المقابل الموافق حتى عند المتخصصين في ترجمة المتن النتشوي. وهكذا نجد له من المقابلات العربية ما يلي:

1- ضد الزمان أو اللازمان أو ضد الراهن، وهذه المقابلات هي التي يعتمدها عبد السلام بن عبد العالي في ترجمته لبعض الشذرات النتشوية أو ما يتعلق بها كـ "قلب الأفلاطونية".

2- "غير ملائمة" أو"غير مناسبة"، وهما الاختياران اللذان وظفهما عبد الله العروي في مؤلفه "مفهوم التاريخ"(7).

3- "في غير الأوان"، وهي الترجمة التي اعتمدها عبد الرحمن بدوي في كتابه "نتشه".

4- "غير الحالية" أو"اللاحالية" وهي المقابلات المستخدمة من قبل أسامة الحاج في ترجمته لكتاب دولوز "نتشه والفلسفة"(8).

5- "غير موافقة للعصر"، وهي العبارة التي استعملها علي مصباح في ترجمته لأحد مكونات "غسق الأوثان"(9)، متخليًا عن العبارة "سابق لأوانها" التي وظفها في ترجمة "ecce homo".

إن ملاحظة هذا التنوع والتباين في اختيار المقابل العربي لمفهوم "Unzeitgemäße" يولّد لدى المتداول العربي لفلسفة نتشه عدة تساؤلات منها:

- كيف يمكن تفسير هذا التضارب في الترجمة؟

- ما سبب التباين في اختيار المكافئ الدلالي عند المترجم نفسه أحيانًا داخل المؤلّف نفسه؟

- ما المعنى الذي يفيده "Unzeitgemäße" في اللسان العربي؟

خلافًا لمن يدعي أن الترجمة غير ذات أهمية، تشير إلى أن ترجمة Uzeitgemäße الى المجال التداولي العربي يتطلب كثيرًا من الصبر والأناة، فهو مشوب بكثير من الغموض. لذا فإن تأصيل المفهوم في التداول العربي يقتضي بحثًا مزدوجًا، يستدعي الحفر في لسان العرب لإيجاد المقابل الذي يمكن أن يقرب المعنى، ثم النبش في المتن النتشوي عما يقصد بـ ""Unzeitgemäße، على مستوى الفكر والعمل.

أما على مستوى اللسان العربي فنسجل الملاحظات التالية:

- لا وجود لتطابق المعنى بين لفظ "الراهن" و"الزمان"، فالراهن هو الذي يكون له عند الغير رهن، وليس الراهن هو actuel، لأن الأول له علاقة بالدين، والمرهون من المال مثلاً. هذا ما استحضره الجابري(10) مستعيرًا دلالة المفهوم من لسان العرب لابن منظور، وبما أن الراهن ليس هو الزمان، فلا يصح القول باللاراهن.

- لا يفيد لفظ "الزمان" ولا "العصر" في ترجمة "actuel"، لأن الزمان يتضمن الأبعاد الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل. فيقال الزمن الحاضر، وما تقدم من الزمان، وسالف العصر، ويقال مجازًا الوقت الراهن. فـ ""Unzeitgemäße لا تعني "اللازمان " ولا تفيد "ضد الزمان" ولا تتوافق مع" اللاوقتية".

- إن نفي الملاءمة والمناسبة عن "actuel" بترجمة مفهوم ""Unzeitgemäße بغير مناسبة أو غير وقتية، لا يفيد في تقريب المعنى. فالتلاؤم والتناسب يحيل إلى التطابق بمعناه المنطقي، وهو مالا يعنيه نتشه في صياغته للمفهوم داخل مجال المعرفة التاريخية.

- لا يصح اعتماد لفظ "الحالية" أو "اللاحالية" لترجمة المفهوم, فكل ما ليس بالحالي، فهو غير واقعي.

وإذا كانت هذه الترجمات لا تفي بالغرض، فإن اعتماد مفهوم "الأوان" يصلح لترجمة "actuel"، وليصبح "inactuel" هو في "غير الأوان". وهذا الاختيار يجد سنده في "لسان العرب"، فيقال: الأوان والإوان: الحين والزمان، فنقول: جاء أوان البرد. ويقال آن الشي آينًا، أي حان. وبما أن "الأوان" مفهوم أصيل، وبما أن المفهوم مازال يستعمل اليوم في الفلسفة كما في التاريخ، فإن ترجمة ""Unzeitgemäße هي: "في غير الأوان". فهل يعني هذا أن الترجمة ينبغي أن تحافظ على الأصل وتتجنب خيانة المعنى؟ هذا السؤال يدفعنا إلى التفكير في إمكانية تجاوز الازدواج اللغوي للفارماكون، ولهذا سنعتبر الترجمة بمثابة الدواء الجنيس. كيف ذلك؟

3- الترجمة دواءً جنيس:

تحضرني، بمجرد التفكير في إقامة علاقة المشابهة بين الترجمة والدواء الجنيس، العبارة التي تقول: "إن الدواء الجنيس له نفس الفعالية التي تكون للدواء الأصلي". ونظرًا لعدم تخصصي في الطب والصيدلة، فإنني لم استوعب المقصود بهذا الوافد الجديد، لكن حرقة السؤال دفعتني بكل سذاجة إلى البحث عن معنى المفهوم وعن صواب ترجمته. فتبين لي ما يلي:

- لا وجود للفظ "الجنيس" في اللغة العربية، وفي لسان العرب نجد المجانس بمعنى المماثل الذي يمتلك الصفات نفسها، ويمكن أن يصل في تشابهه مع الأصل إلى حد المطابقة.

- إن المسكوكة الفرنسية "médicament générique" التي نقل منها الدواء الجنيس في العربية هي ترجمة للصيغة الإنجليزية generic drug"".

- إن نحت المسكوكة في اللغة الفرنسية ولّد، إضافة للمفاوضات السياسة والطبية، نقاشات على مستوى الترجمة مع البحث عن مستنداتها اللغوية من الناحية العلمية.

- إن إدخال الصيغة اللغوية "الدواء الجنيس" إلى العربية لا يستند إلى أي أساس علمي في الترجمة، وحتى أن الشروحات المصاحبة لهذه البضاعة تقدم الدواء الجنيس كما لو كان هو الدواء الأصلي, والحال أن الأمر خلاف ذلك.

إذا تجاوزنا الاستخدام الصيدلاني للدواء الجنيس لأمكننا أن نعتبر الترجمة دواءَ الجنيس، وذلك استنادًا إلى الاعتبارات التالية:

* لا تصل الترجمة إلى المعنى الأصلي بل تقترب منه، "فكثير من الترجمة لا يأتي بحقيقة المعنى التي في تلك اللغة المترجم عنها بل بما يقاربه، لأن تلك المعاني قد لا تكون لها في اللغة الأخرى ألفاظًا تطابقها على الحقيقة، وينطبق هذا القول على لغة العرب التي هي في الغالب لغة تقريب وليست لغة تطابق."(11)

* الترجمان لا يؤدي أبدًا "ما قاله الحكيم على خصائص معانيه، وحقائق مذاهبه، ودقائق اختصاراته، وخفيات حدوده، ولا يقدر أن يوفيها حقوقها، ويؤدي الأمانة فيها، ويقوم بما يلزم الوكيل."(12)

* الثمن المادي للنص المترجم أقل من ثمن النص الأصلي، وهذا ما يطرح تساؤلات حول جودة هذا الأخير.

* لن يصل النص المترجم في فعاليته قيمة النص الأصلي بالكيفية التي يبقى فيها الدواء الجنيس أقل فعالية من الدواء الأصلي رغم توفرهما على الصيغة الكيميائية نفسها.

الحاصل أن الترجمة إما أن تكون فارماكون أو أن تكون دواءً جنيسًا، وهذا حال الترجمات العربية مع فارق بسيط، فالدواء الجنيس يخضع للمراقبة والمعاقبة، لكن كثيرًا من الترجمات العربية لا تخضع لهذه الآلية، مما يجعلها تتحول من دورها العلاجي لتصبح، في كثير من الحالات، سّمًا لغويًا ثقافيًا وحضاريًا.


1- المالكي، أبي عبد الله بن أحمد، مفتاح الأصول في علم الأصول، الدار البيضاء، منشورات مكتبة الوحدة، د. ت، د.ط، ص 60

2- Platon, Phédre, Traduction Emile chamby, Garnier flamarion, 1964, P 164

3- دريدا جاك، صيدلية أفلاطون، ترجمة: كاظم جهاد، تونس، دار الجنوب للنشر، 1998

4- المرجع نفسه، ص 49

5- السفر السابع من الإنجيل، 6-7-8-9

6 -Netzsche, F, seconde considération inactuelle, traduction Henri Albert, 1874

7- عبد الله العروي، مفهوم التاريخ، ص 163

8- جيل دولوز، نتشه والفلسفة، ترجمة: أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1993، ص 120

9- المرجع ذاته،ص121 و120

10- محمد عابد الجابري، راهن الفكر الفلسفي، مجلة فكر ونقد، ص 5، عدد 18، أبريل 1999

11- ابن تيمية، تقي الدين، كتاب الرد على المنطقيين، ص 48

12- الجاحظ، أبو عثمان، كتاب الحيوان، ص 52