أسماء بنعدادة: النسويّة الإسلاميّة، أو البراديغم الإسلاميّ لمشكلة المرأة


فئة :  حوارات

أسماء بنعدادة: النسويّة الإسلاميّة، أو البراديغم الإسلاميّ لمشكلة المرأة

 حوار مع الباحثة "أسماء بنعدادة"([1])

النسويّة الإسلاميّة، أو البراديغم الإسلاميّ لمشكلة المرأة


الدكتورة أسماء بنعدادة باحثة مغربية، وأستاذة في علم الاجتماع بالجامعة المغربيّة، مختصّة في الدراسات النسائيّة، ومناضلة حركيّة في هذا المجال.

من أعمالها العلميّة في الموضوع كتاب: "المرأة والسياسة: دراسة سوسيولوجيّة للقطاعات النسائيّة الحزبيّة" (2007).

عيسى الجابلي: من الإشكاليّات التي تطرحها عبارة "النسويّة الإسلامية"، بحكم تعدّد أبعادها الوجوديّة والاجتماعية والسياسيّة، إشكاليّة المفهوم، فما "النسويّة الإسلامية" في نظركم؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: النسائيّة الإسلامية تيار نسائي، يقارب قضايا النساء والعلاقة بين الرجل والمرأة من منظور جديد مختلف عن منظور باقي الحركات النسائيّة الغربية وغير الغربية، ويدافع عن حقوق النساء المسلمات في كلّ أنحاء العالم. هو تيّار يعتبر نفسه وسطاً بين التيارات العلمانية التي تعتمد على المرجعية الحقوقية، وبين التيّارات المحافظة التي تأخذ بالمرجعية الدينية، ولا تقبل أي جدل حول مضامينها، كما يؤكّد على ضرورة فصل التقاليد والعادات المحافظة والممارسات التمييزية ضد النساء السائدة في المجتمعات الإسلامية استناداً إلى النصّ القرآنيّ.

ظهرت النسائيّة الإسلامية أوّل مرّة في أواسط الثمانينات من القرن الماضي حين بادرت مجموعة من النساء الإيرانيات ذاوت التوجّه الليبرالي العلماني إلى وضع لبناتها الأولى وطرح الأسئلة والإشكالات المرتبطة بها. وقد بدأ استخدامها كمصطلح عام 1992 في المجلّة النسائية "زنان" التي تعني "المرأة" باللغة الفارسية. ثم سرعان ما اتسعت لتجد لها امتداداً في العديد من البلدان الإسلامية كمصر وتركيا والمغرب ودول المشرق وبعض الدول الآسيوية، وكذلك مع مسلمات المهجر في بعض الدول الأوروبية والأمريكية وجنوب إفريقيا.

تريد المنتميات إلى هذه الحركة إثبات أنّ لهنّ هويّة مختلفة عن هويّة النساء الغربيات، كما يطمحن إلى بناء إطار جديد بأسس ومنطلقات جديدة منسجمة مع المرجعية الدينية الإسلامية والثقافة والتاريخ الإسلاميين.

تعمل الباحثات المنتميات إلى النسائية الإسلامية على توضيح أنّ الإسلام دين يحترم النساء ويقرّ بالمساواة بين الجنسين، ويبرهن على ذلك بالرجوع إلى العديد من الآيات القرآنية. حسب الباحثة الإيرانية ماركوث بدران النسائية الإسلامية هي خطاب وممارسة يتواجدان داخل براديغم إسلامي. النسائية الإسلامية التي تأخذ قوتها وفهمها من القرآن، تبحث عن الحقوق والعدالة للنساء وللرجال في مجمل حياتهم.

عيسى الجابلي: هل ظهرت النسوية الإسلامية تعبيراً عن حاجة المرأة العربية المسلمة ووعيها بذاتها، أم أنّ لتيار النسوية الغربيّ تأثيره في العالم العربي الإسلامي؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: النسوية الإسلامية كتيار فكري نسائي مدافع عن حقوق النساء المسلمات، لا توجد في الدول العربية والمسلمة فقط، بل هي ظاهرة عالمية موجودة في جغرافيات متفرقة عبر العالم، لا يمكن القول إنّها منتوج غربي أو شرقي، لأنّه يخترق هذين العالمين كما يخترق آسيا وجنوب إفريقيا. ظهرت لأول مرّة في إيران ثم تركيا ومع باحثات مسلمات من جنسيات مختلفة مقيمات في بعض الدول الغربية قبل أن تظهر في الدول العربية والإسلامية. وهي كتيار تقول إنّها تتوجّه إلى كلّ النساء المسلمات سواء كنّ في الدول العربية أو في الدول الإسلامية أو المقيمات في الدول الغربية أو دول أخرى. إذن فهي بهذا المعنى حاجة استشعرتها بعض النساء المسلمات، وليس العربيات المسلمات فقط، للدفاع عن حقوقهن من منظور ديني إسلامي. وللإجابة عن الشق الثاني من السؤال، نقف عند موقفين:

الموقف الأول: تعتبر النسائية الإسلامية أنّ الحركة النسائية كما هي موجودة في الغرب منتوج غربي ظهر نتيجة تغيرات وتحولات اجتماعية وسياسية اقتصادية أنتجت ثقافة حقوقية علمانية خاصة بهذه الدول وتستجيب لمتطلبات نسائها. ولهذا فإنّ مبادئها ونظريّاتها وطرق عملها وأهدافها لا تستجيب لكلّ متطلّبات النساء المسلمات اللواتي يحملن ثقافة وقيماً مختلفة. فهي حركة اجتماعية نسائية نبتت في تربة غريبة عن الثقافة الإسلامية، ولأنّها علمانية لا تقيم أيّ اعتبار للنص الديني وتتحامل على الإسلام. فالنسائية الإسلامية ترفض هذا الموقف وتعمل على إظهار أنّ الأشكال التمييزية والممارسات التي تحطّ من كرامة النساء في المجتمعات الإسلامية لا تعود إلى الدين الإسلامي بقدر ما تعود إلى التفسير الخاطئ والفهم المغلوط للنص الديني والسنّة. ومن هذا المنطلق ترى أنّه من الضروري دراسة الإسلام من الداخل وفتح نقاش متعدّد حول نصوصه لإيجاد حلول مناسبة لوضع النساء المسلمات والمسلمات المهاجرات ومنحهنّ هويّة خاصّة بهنّ.

الموقف الثاني: يعتبر أنّ الحركات النسائيّة الغربيّة في جوهرها استعمارية ولم تتحرّر بعد من هذه النظرة في طرق عملها ونظرتها للمهاجرين المسلمين خاصّة النساء. يمثل هذا الموقف بعض الباحثات، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال الباحثة "زهرة علي" صاحبة كتاب "النسائيّات الإسلاميات" التي تعتبر أنّ النسائية الإسلامية هي بشكل من الأشكال ردّة فعل على النسائية الغربية.

عيسى الجابلي: هل من تمايز وخصوصية للنسويّة الإسلاميّة مقارنة بالنسويّة الغربيّة؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: طبعاً هناك تمايزات كثيرة وواضحة بين الحركات النسائية الغربية والنسائية الإسلامية، تتجلى هذه التمايزات في المعطيات التالية:

من الناحية التاريخية، تعود البدايات الأولى للحركات النسائية الغربية إلى نهاية القرن التاسع عشر، بينما تعتبر النسائية الإسلامية ظاهرة فكرية حديثة جداً.

ومن الناحية الفكرية، تعتبر الحركات النسائية الغربية علمانية تقيم خطاً فاصلاً بينها وبين الدين المسيحي (باستثناء الحركة النسائية المسيحية)، هي ذات مرجعية حقوقية وفي بعض الأحيان يمكن أن تنتقد حتى هذه المرجعية، خاصة حينما تعمل حقوق الإنسان على طمس هويّة النساء باسم الدلالة المجردة لمفهوم الإنسان. لهذا ظهر العديد من المواثيق الدولية والاتفاقيات والبرتوكولات الخاصة بحقوق النساء، وعلى رأسها سيداو. أمّا النسائية الإسلامية فمرجعيتها كما يدلّ على ذلك الاسم دينية بالأساس.

فهي إسلامية بمعنيين: أوّلاً لأنّها تتوجّه إلى المسلمات من النساء في كلّ بقاع العالم، ثانياً لأنّها تعتبر أنّ الإسلام كونه ديناً سماويّاً هو مرجعها الأساسي، وأنّ القرآن كتاب مقدّس يدعو إلى احترام النساء ويقرّ بمبدأ المساواة بين الجنسين، أمّا سلطة الرجل على المرأة السائدة في كلّ المجتمعات الإسلامية فلا تعود إلى الإسلام كدين ولا للقرآن ككتاب مقدّس، بل ترجع بالأساس إلى المجتمع الأبوي وإلى الثقافة المحافظة اللذين أوجدا التمييز بين الجنسين، وعملا على الإبقاء عليه. لهذا يجب التصدي إلى هذا الفكر والرجوع إلى النص الأصلي وتفسيره تفسيراً نسائياً يظهر مبدأ المساواة المتضمن فيه.

وعلى أرض الواقع، الحركات النسائية الغربية حركات اجتماعية سياسية احتجاجية، ظهرت في سياق التحولات الكبرى التي شهدتها الدول الغربية في القرنين السابقين، كلّ واحدة تأسست داخل المجتمع الذي تنتمي إليه، كأن نتحدث عن حركة نسائية "فرنسية" أو "أمريكية". مرّت هذه الحركات بموجات وعرفت تيارات فكرية متعددة ومختلفة، لكنّ خصوصيتها هي أنها تتوجه إلى كل النساء بدون تمييز بسبب الدين أو العرق...، كما نجد لها امتدادات في المجتمعات التي تتواجد فيها ساهمت بشكل مباشر في تغيير العديد من القوانين المتعلقة بالعلاقات بين الرجل والمرأة، كما كانت وراء حصول النساء على العديد من الحقوق المدنية والاجتماعية والفردية.

أمّا النسائية الإسلامية فقد ظهرت في أواسط الثمانينات من القرن الماضي كخطاب نسائي ذي مرجعية دينية برؤية مختلفة فكرياً وعملياً عن الحركات النسائية الغربية. فهي لا تتمركز في مجتمع دون آخر، تعبر كلّ القارات وتتواجد في العديد من الدول في الشرق كما في الغرب، تعتمد على الأنشطة الفكرية بالأساس كالقيام بأبحاث ودراسات حول وضعية المرأة في الإسلام وفي النص القرآني، وتعقد مؤتمرات دولية وتنظم لقاءات فكرية تطرح فيها أفكارها للنقاش والتداول. فالنساء المنتميات إلى هذا التيار النسائي يعملن من داخل سياق ديني إسلامي، لكن من مواقع مختلفة ومن مجتمعات متفرقة، العنصر الموحد لهنّ هو الانتماء إلى الدين الإسلامي والدعوة إلى الاجتهاد من داخل نصوصه لإبراز مفهوم المساواة، بينما هناك اختلافات كبيرة على مستوى الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحقوقي للمجتمعات التي تنتمي إليها نساء النسائية الإسلامية. إذ كيف يمكن أن نقارن واقع المرأة المسلمة في الباكستان أو المغرب مثلاً مع واقع المرأة المسلمة التي تعيش في بريطانيا أو بلجيكا؟

إذن فالنسائية الإسلامية لم تتحول بعدُ إلى حركة اجتماعية سياسية.

عيسى الجابلي: في السياق نفسه يمكن أن نطرح نضال بعض الحركات النسوية عربياً من أجل قبول اتفاقية "سيداو"، هل تعتقدون أنّ الواقع العربي الإسلامي بأبعاده المختلفة قادر على قبولها تنظيراً وممارسة في ظلّ تحفظ دول عربية كثيرة على بنود عديدة من موادها الثلاثين؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: تعتبر اتفاقية "سيداو" وثيقة حقوق دولية للنساء، تقرّ بأنّ التنمية الشاملة لأيّ بلد ورفاهيته يتطلبان إشراك النساء في جميع الميادين والقضاء على التمييز والإقصاء الممارسين ضدهنّ. ولتحقيق ذلك على الدول المصادقة وضع مبدأ المساواةِ بين الجنسين في دساتيرها وتشريعاتها واتخاذ التدابير وفرض الجزاءات لحظر التمييز ضدّ المرأة. هل الدول العربية مؤهلة إلى العمل بهذه المعاهدة وتطبيق بنودها على أرض الواقع؟ الجواب هو أنّ هذه الاتفاقية جاءت أساساً لأنّ مظاهر التمييز والإقصاء ضدّ النساء ما تزال سائدة ومتفشية في جلّ المجتمعات.

جلّ الدول العربية والإسلامية وقّعت على هذه الوثيقة، لكنّها تكثر من التحفظات وخاصة على المادتين التاسعة والسادسة عشرة؛ الأولى تتعلق بحق المرأة في نقل جنسية بلدها في حالة زواجها من أجنبي إلى أبنائها. والثانية متعلقة بالأحوال الشخصية، أي قضايا الزواج والطلاق والحضانة والقوامة ...، وذريعة التحفظات على هذه المادة هي القول بتعارضها مع الشريعة الإسلامية، والحقيقة أنّ هذا التعارض ظاهري وينبني على أساس جمود القواعد الفقهية وعدم تفعيلها مع التطورات التي عرفتها هذه المجتمعات.

على المستوى الواقعي ما زال أمام النساء عمل طويل وشاق من أجل إزالة أشكال التمييز المتفشية في جلّ المجتمعات العربية الإسلامية التي تصل حدود الجريمة، كجرائم الشرف وظاهرة ختان الفتيات...، فالمصادقة على المعاهدة، بل حتى رفع التحفظات هي خطوة مهمة من الناحية القانونية، لكنّ الأهم هو ملاءمة القوانين المحلية مع مقتضيات الاتفاقية وإيجاد آليات من أجل تطبيقها وتفعيلها على أرض الواقع، وهذا الهدف يحتاج إلى عمل متواصل من طرف الحركات النسائية لهذه المجتمعات.

عيسى الجابلي: ما تقييمكم لأبرز النتائج التي تراها الدكتورة المرابط من تحصيل النسوية الإسلامية؟ وما أبرز القضايا العالقة في نظركم؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: أعتبر الباحثة أسماء المرابط الوجه البارز للنسائية الإسلامية في المغرب، إذ نشرت العديد من الكتب حول علاقة ومكانة المرأة في الإسلام، هي رئيسة مركز الدراسات والأبحاث حول المرأة التابع لمؤسسة دينية رسمية هي "الرابطة المحمّدية للعلماء"، وتشارك في العديد من الملتقيات النسائية داخل المغرب وخارجه.

ترى أسماء المرابط أنّ النسائية الإسلامية يمكنها أن تجمع العديد من المثقفات والجامعيات والمناضلات النسائيات المنتميات إلى منظمات تدافع عن حقوق النساء والقيام باجتهاد جديد للنصوص الدينية. كما تؤكد على ضرورة إعطاء النساء مكانة جديدة ومهمة داخل المجتمعات الإسلامية، أو في المجتمعات التي تشكل فيها المسلمات أقليّة.

وإن كان الأمر المستعجل في الدول العربية والإسلامية هو الظروف المعيشية لعدد كبير من النساء، لهذا فهي لا تعارض الرجوع إلى منظومة حقوق الإنسان، وترى أنّها ضرورية في مثل هذه المعارك، لكنّ الرجوع إلى النصوص الدينية يبقى هو المنطلق الأساسي. إذن يجب القيام بقراءة جديدة لهذه النصوص من أجل إبراز الأدوار الإيجابية التي يمكن أن تقوم بها النساء باسم الدين، وكذلك إعادة النظر في بعض الأحاديث النبوية التي يتعارض مضمونها مع مضامين القرآن.

فاحتكار الرجال للاجتهاد الفقهي هو واحد من الأسباب الحقيقية لقمع النساء المسلمات، لهذا يجب التصدي لهذا الاحتكار وقيام النساء بعملية التفسير والتأويل والاجتهاد للنصوص الدينية.

أمّا عن أهم القضايا العالقة برأيي فهو أنّ النسائيات المنتميات إلى هذا التيار أو المتعاطفات معه تجمعهن بعض القناعات كالقول بضرورة الرجوع إلى النص الديني من أجل الدفاع عن حقوق النساء وإثبات مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، لكنّ درجة الاختلاف بينهن حول قضايا أخرى كوضع الحجاب، والحريات الفردية ومؤسسة الأسرة ما زالت قائمة وواضحة.

عيسى الجابلي: ما المعيقات الرئيسة التي تواجه النسوية الإسلامية من منظوركم؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: المعيقات التي تقف في وجه النسائية الإسلامية هي:

أنّها متفرّقة جغرافيّاً، فأغلب الفاعلات هنّ باحثات ومفكّرات يقمن باجتهادات، لكنّ عملهن يبقى منحصراً في المجال الأكاديمي وفي الملتقيات والمؤتمرات الدولية، ليس لهنّ امتداد مجتمعي. لا يتطرقن إلى بعض القضايا السياسية والاجتماعية التي تفرض نفسها في المرحلة الراهنة كالتمثيلية السياسية للنساء في مراكز القرار، الاغتصاب، التحرش الجنسي ...، هنّ منكبّات على العمل الفكري بالأساس، هذا له أهميته لكنّه عمل محدود لا يمكن أن يحوّلهن إلى حركة اجتماعية سياسية وقوة اقتراحية، كما هو حال الحركة النسائية الحقوقية المتواجدة في العديد من البلدان الإسلامية كالمغرب.

تدافع النسائية الإسلامية عن مبدأ المساواة، لكنّ القرآن يتضمن العديد من الآيات التي تنصّ على التمايز بين الجنسين، وهذا "المأزق" يعرّضها إلى انتقادات كثيرة من طرف الحركات النسائية الحقوقية.

عيسى الجابلي: يرى بعضهم أنّ "النسوية الإسلامية هي محاولة للتوفيق بين مبادئ الشريعة الإسلامية والقيم الحديثة مثل حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين"، ألا ترون أنّ هذا المنهج قد يؤدي إلى التلفيق بعيداً عن المعالجة الجذريّة للقضايا المتعلقة بالمرأة؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: أغلب النسائيات الإسلاميات لا يدافعن عن هذا الرأي، ويعتبرن أنهنّ غير مطالبات بالتوفيق بين الشريعة الإسلامية وقيم الحداثة.

هناك تيار لا يرفض كليّة قيم الحداثة وحقوق الإنسان ولا يعارض مثلاً الأخذ "بالميثاق العالمي لحقوق اللإنسان". لا ينفي تأثره بالنسائية الغربية وبمبادئها وأفكارها، ولو بكيفية غير مباشرة، مثل المغربية أسماء المرابط، والإيرانية ماركوت بدران وأخريات.

لكن هناك تيار أخر يعتبر أنّ الحركة النسائية الغربية لها طابع استعماري، وتعمل على طمس هويّة المسلمات المتواجدات في بلدانها، لهذا فالمسلمات خاصة في المهجر في حاجة إلى قراءة جديدة للدين تجيب عن حاجياتهن وتعزز مكانتهن في مجتمعات تعمل على إقصائهن. يمكن ذكر الباحثات: زهرة علي، مليكة حميدي، وحنان كريمي.

النسائية الإسلامية تريد إثبات هويّة جديدة للنساء المسلمات لا تكون نسخة طبق الأصل من النسائية الغربية. تعتبر أنّ مبدأ المساواة وارد في القرآن والسنّة، وأنّ القراءات الفقهية المحافظة هي التي لم تعمل على استخراجها وإظهارها، بل وطمسها لمدة أربعة عشر قرناً، ممّا حرم النساء المسلمات من العديد من الحقوق، وأصبح من المسلّم به أنّ تلك الحقوق غير موجودة في القرآن والشريعة. وهذا هو الدور الذي ينبغي أن تقوم به النساء المسلمات حالياً، اقتحام مجال التفسير والاجتهاد والتأويل الذي كان عبر التاريخ عملاً رجولياً، والقيام بقراءات من منظور نسائي للقرآن، أي إظهار "نسائية القرآن".

عيسى الجابلي: كانت أمينة ودود أوّل امرأة تؤمّ الصلاة سنة 2005، كيف قرأت الأستاذة أسماء بنعدادة هذه "الحركة"؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: فعلاً، في مسجد بمدينة نيويورك استطاعت الباحثة والأستاذة في الدراسات الإسلامية أمينة ودود أن تؤم صلاة الجمعة أمام مصلين من الجنسين، هي سابقة لم نعهدها في تاريخ ممارسة الشعائر الدينية، أمينة ودود التي قامت بهذا الفعل ترفض مصطلح "النسائية الإسلامية"، وتعتبر نفسها بالأساس امرأة مسلمة مؤمنة وممارسة لطقوس الدين الإسلامي، من هذا المنطلق اعتبرت أنّه لا فرق بين المرأة المسلمة والرجل المسلم في كلّ الحقوق والواجبات، وبالتالي يمكنها القيام بكلّ ما يقوم به الرجل المسلم، فقررت القيام بإمامة الصلاة. هذا الفعل الذي كسرت به أمينة ودود الذكورية الدينية ليس على المستوى الفكري وحسب، بل على مستوى الممارسة كذلك. لكنّ هذا الفعل لم يلقَ استحساناً من طرف العديد من المنتميات إلى النسائية الإسلامية، وقسم عضوات هذا التيار إلى مؤيدات ورافضات. ودود اهتمّت كثيراً بمسألة العلاقة بين الجنسين من داخل الإسلام والدراسات القرآنية، استعملت أدوات التأويل الحديثة للبرهنة على أنّ القرآن لا يحمل بداخله نظرة تمييزية ضدّ النساء، بل يدعو إلى المساواة بينهما، وهذا نوع من التحدي للمتشددين الذين يحتكرون عملية الاجتهاد. تصرّ على العدالة الاجتماعية تجاه النساء. "لا نريد أن نكون غربيات حداثيات، بل نريد أن نكون مسلمات حداثيات".

عيسى الجابلي: أي آفاق ترونها ممكنة استشرافاً لما يمكن أن تحققه النسوية الإسلامية؟

الدكتورة أسماء بنعدادة: النسائية الإسلامية تيار نسائي جديد، تختلف التسميات التي تمنح له، هناك من يسميه "النسائية المسلمة" أو "النسوية الإسلامية"، لكنّ المقصود هو أنّه تيار فكري جديد ظهر وسط مجموعة من الباحثات المسلمات من تخصصات علمية متعددة، علم الاجتماع، علم السياسة، الدراسات الإسلامية والفقهية، الطب...، هدفهن الرئيس دحض الفكرة التي هيمنت طويلاً، والتي مفادها أنّ قراءة القرآن وتفسيره مسألة سيظل يقوم بها الرجال والفقهاء وعلماء الدين وحدهم. وإثبات أنّه آن الأوان وحان الوقت لتقوم النساء المسلمات المثقفات والعالمات بهذا الدور، حتى يتمكن من استرجاع حقوقهن التي "سرقها" الرجال خلال أربعة عشر قرناً. إنّها لأول مرّة في تاريخ الإسلام يتمّ توجيه النقد للممارسة الفقهية والعمل على إزالة طابع القدسية عنها، واعتبارها اجتهاداً بشرياً يمكن للنساء القيام به مثل الرجال.

ترفض النسائية الإسلامية بعض الأحاديث النبوية التي ترى أنّها تمييزية، وتحمل مضموناً تبخيسياً للنساء ولأدوارهن داخل المجتمع. يمكن ذكر العمل الذي قامت به فاطمة المرنيسي في كتابها "الحريم السياسي، النبي والنساء". العمل نفسه قامت به الباحثة التركية "هدايات طوكسال" التي اشتغلت مع وزارة الشؤون الدينية التركية حول مشروع حذف كلّ الأحاديث التمييزية ضدّ النساء. كما تعتبر هؤلاء الباحثات أنّ عدداً كبيراً من الأحاديث النبوية إمّا خاطئة أو مفتعلة، والغاية منها تكريس دونية النساء وزرع الكراهية ضدهنّ.

يعمل هذا التيار على هدم بعض الثوابت في الفقه الإسلامي كمفهوم "القوامة" التي حصرتها التفسيرات الفقهية في سيطرة الرجال على النساء وطرح مسألة الإرث للنقاش.

لا يريد هذا التيار أن يترك باب التأويل والاجتهاد مفتوحاً في وجه التيارات السلفية والمتشددة. ويرى أنّه من الضروري ممارسة الاجتهاد المتنور. لهذا يمكن القول إنّه تيار إصلاحي جذري متنور، الأمر الذي يزعج الرجال والفقهاء. لكن لكل قاعدة استثناء، هناك عدد من الرجال والفقهاء المتنورين الذين يشجعون هؤلاء النساء ويتناقشون معهن بالحجة والدليل.

من هذا المنطلق أرى أنّ نقطة قوة هذا التيار هي الدعوة إلى تأنيث فعل تفسير وتأويل القرآن والسُنّة، والاجتهاد في استخراج مبدأ المساواة بين الجنسين.


[1] نشر في ملف "النسوية الاسلامية"، بتاريخ 13 يونيو 2016، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، إشراف بسّام الجمل، تقديم أنس الطريقي.